قال المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” نيكولاس كريستوف إن الأزمة في الشرق الأوسط تشكل اختبارا معقدا لإنسانيتنا، حيث يثير التساؤل عن كيفية الرد على استفزاز بشع لا يوجد علاج جيد له. و”في هذا الاختبار، نحن في الغرب لسنا في وضع جيد”.
وقال إن “قبول القصف على نطاق واسع لغزة والغزو البري الذي من المرجح أن يبدأ قريبا يشير إلى أن الأطفال الفلسطينيين هم الضحايا الأقل شأنا، حيث يقللون من قيمتهم بسبب ارتباطهم بحركة حماس وتاريخها الإرهابي (حسب وصفه). ولنأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من 1500 طفل في غزة قتلوا، وفقا لوزارة الصحة في غزة، وأن حوالي ثلث منازل غزة قد تم تدميرها أو تضررت خلال أسبوعين فقط – وهذا مجرد تمهيد لما هو متوقع أن يكون غزوا بريا أكثر دموية”.
ويقول إنه سافر إلى تل أبيب وشاهد الشعارات المكتوبة على الجدران مثل “دمروا حماس”، مشيرا إلى أن مشاعر الإسرائيليين قد تحطمت بسبب هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وعمليات الاختطاف التي تمارسها، وهو الهجوم الذي بدا تهديدا وجوديا ويفسر الإصرار الإسرائيلي على تفكيك حماس، مهما كان الثمن.
ويضيف أن القلق في تل أبيب واضح، على الرغم من أنها تبدو هادئة، في حين أن غزة هي دوامة داخلية من الجحيم وربما في الطريق إلى شيء أسوأ بكثير.
قبول القصف على نطاق واسع لغزة والغزو البري الذي من المرجح أن يبدأ قريبا يشير إلى أن الأطفال الفلسطينيين هم الضحايا الأقل شأنا
ثم يعرج للحديث عن الولايات المتحدة التي تتحدث كثيرا عن المبادئ “إلا أنني أخشى أن يكون الرئيس بايدن قد قام بتضمين تسلسل هرمي للحياة البشرية في السياسة الأمريكية الرسمية. لقد أعرب عن غضبه إزاء المذابح التي ارتكبتها حماس ضد اليهود، كما كان ينبغي له أن يفعل، ولكنه حاول بصعوبة أن يكون واضحا بنفس القدر بشأن تقدير حياة أهل غزة. وليس من الواضح دائما ما إذا كان يقف موقفا متماهيا تماما مع إسرائيل كدولة أو مع رئيس وزرائها الفاشل بنيامين نتنياهو، الذي يشكل عقبة طويلة الأمد أمام السلام”.
ثم تساءل عن معنى دعوة إدارة بايدن الحصول على 14 مليار دولار إضافية من المساعدات لإسرائيل والدعوة المتزامنة لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة؟ قد تكون الأسلحة الدفاعية لنظام القبة الحديدية الإسرائيلي منطقية، ولكن من الناحية العملية، هل الفكرة هي أننا سنساعد في دفع تكاليف العاملين في المجال الإنساني لمسح الدماء التي تسببت فيها أسلحتنا جزئيا؟
ثم تساءل عما يجب قوله للدكتور إياد أبو كرش، طبيب غزة الذي فقد زوجته وابنه في القصف واضطر بعد ذلك إلى علاج ابنته المصابة البالغة من العمر عامين؟ ولم يكن لديه حتى الوقت لرعاية اخته أو ابنتها، لأنه كان عليه أن يتعامل مع جثث أحبائه.
ونقلت الصحيفة عن أبو كرش قوله بصوت متهدج عبر الهاتف: “ليس لدي وقت للتحدث الآن. أريد أن أذهب لدفنهم”.
وفي خطابه يوم الخميس، دعا بايدن أمريكا إلى الوقوف بحزم خلف أوكرانيا وإسرائيل، الدولتان اللتان تعرضتا لهجوم من قبل قوات تهدف إلى تدميرهما. وهذا “جيد ولكن لنفترض أن أوكرانيا ردت على جرائم الحرب الروسية بفرض حصار على مدينة روسية، وقصفها وتحويلها إلى غبار وقطع المياه والكهرباء، في حين قتلت الآلاف وأجبرت الأطباء على إجراء عمليات جراحية للمرضى دون تخدير”.
وأجاب “أشك في أننا نحن الأمريكيين سنهز أكتافنا ونقول: حسنا، لقد بدأ بوتين الحرب. من المؤسف للغاية بالنسبة لهؤلاء الأطفال الروس، لكن كان عليهم اختيار مكان آخر ليولدوا فيه. وهنا في إسرائيل، ولأن هجمات حماس كانت وحشية للغاية وتتناسب مع تاريخ من المذابح والمحرقة، فقد أدت إلى تصميم على القضاء على حماس حتى لو كان ذلك يعني خسائر بشرية كبيرة”.
وقال غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “ستصبح غزة مكانا لا يمكن أن يوجد فيه أي إنسان. لا يوجد خيار آخر لضمان أمن دولة إسرائيل”.
د. إياد أبو كرش، طبيب غزة الذي فقد زوجته وابنه في القصف واضطر بعد ذلك إلى علاج ابنته المصابة البالغة من العمر عامين، ولم يكن لديه حتى الوقت لرعاية اخته أو ابنتها، لأنه كان عليه أن يتعامل مع جثث أحبائه.
ويرى كريستوف أن هذا الرأي يعكس خطأ في الحسابات العملية والأخلاقية. ورغم أنه يريد نهاية حماس، إلا أنه ليس من الممكن القضاء على التطرف في غزة، ومن المرجح أن يؤدي الغزو البري إلى تغذية التطرف بدلا من سحقه – وبتكلفة لا تطاق في أرواح المدنيين.
وهنا قال: “أريد بشكل خاص أن أتحدى الاقتراح الضمني أكثر منه الصريح بأن حياة سكان غزة أقل أهمية لأن العديد من الفلسطينيين يتعاطفون مع حماس. فالناس لا يفقدون حقهم في الحياة بسبب آرائهم البغيضة، وعلى أية حال فإن ما يقرب من نصف سكان غزة هم من الأطفال. إن هؤلاء الأطفال في غزة، بمن فيهم الرضع، هم من بين أكثر من مليوني شخص يعانون من الحصار والعقاب الجماعي”.
ويضيف أن” إسرائيل تعرضت لهجوم إرهابي مروع وتستحق تعاطف ودعم العالم، ولكن لا ينبغي لها أن تحصل على شيكات على بياض لذبح المدنيين أو حرمانهم من الغذاء والماء والدواء”. وبحسبه يحسب لبايدن محاولته التفاوض بشأن وصول بعض المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن التحدي لن يتمثل في إدخال المساعدات إلى غزة فحسب، بل في توزيعها أيضا، حيث تكون هناك حاجة إليها.
ويعتقد الكاتب أن أفضل إجابة لهذا الاختبار هي التمسك بالقيم، حتى في مواجهة الاستفزازات. وهذا يعني أنه على الرغم من تحيزاتنا، فإننا نحاول الحفاظ على قيمة جميع الأرواح باعتبارها متساوية. ويقول “إذا كانت أخلاقك ترى أن بعض الأطفال لا يقدرون بثمن والبعض الآخر يمكن التخلص منه، فهذا ليس وضوحا أخلاقيا بل قصر نظر أخلاقي. يجب ألا نقتل أطفال غزة في محاولة لحماية الأطفال الإسرائيليين”.