أثارت الكلمات التي ختم بها ممثل الجزائر في الأمم المتحدة السفير عمار بن جامع بعد إسقاط مشروع القرار الجزائري بشأن غزة، الإشادة والإعجاب، من حيث أنها لامست الوجدان الجزائري والعربي الشعبي في ظل العجز الرسمي عن إيقاف شلال الدم في فلسطين.
وقال بن جامع في كلمات مؤثرة عقب الفيتو الأمريكي الذي عرقل قرار وقف إطلاق النار: “قبل أن أختم أقول إننا سندفن شهداءنا هذا المساء بفلسطين، وإن الجزائر ستعود غدا باسم الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم ومعنا أرواح الآلاف من الأبرياء التي أزهقها المحتل الإسرائيلي من دون حساب ولا عقاب، ستعود الجزائر لتدقّ أبواب المجلس وتطالب بوقف حمام الدم في فلسطين ولن نتوقف حتى يتحمل هذا المجلس كامل مسؤولياته ويدعو لوقف إطلاق النار فإن لنا نفوسا لا تمل وعزيمة لا تكل”.
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، في تعليقها على تصريحات بن جامع، أنه تأكد للعالم والفلسطينيين بالخصوص، على أن الاعتراض على مشروع قرار الجزائر وخذلان مجلس الأمن لشعوب العالم في توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني وفي وضع حد للظلم المسلط عليه، لن يعفي مجلس الأمن من القيام بمسؤولياته ولن يعفي المجموعة الدولية من واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، ولا يعفي سلطات الاحتلال من واجب تنفيذ التدابير التحفظية لمحكمة العدل الدولية.
وأوضحت الوكالة، التي تعبّر عادة عن الموقف الرسمي، أن مجلس الأمن بعد فشله أمس وتفويته فرصة ثمينة لوقف سفك دماء الفلسطينيين، يكون قد حكم عليهم بالموت وأعطى الضوء الأخضر للاحتلال لمواصلة جرائمه وإبادته الجماعية بحقهم.
وتساءلت: “فكيف يعقل أن يعيش العالم، رغم وجود منظمات دولية وإقليمية تدافع عن حق الشعوب في الحرية وفي تقرير المصير والعيش بكرامة، مثل هذه المأساة التي ستظل فضاعتها نقطة سوداء في ذاكرة شعوب المعمورة لوقت طويل؟”.
من جانبه، ذكر النائب الجزائري عبد السلام بشاغا في تعليق له على تصريحات بن جامع قائلا: “لا أحد يمكنه أن يزايد على الجزائر ورجالها ومواقفها، تحية كبيرة لدبلوماسيتنا الشامخة في وسط الهزال والخذلان الذي نعيشه من القريب قبل البعيد”.
وأضاف: “الإجماع الذي حصل عليه مشروع القرار الجزائري اليوم والذي أجبر أمريكا وحيدة أن تفعل الفيتو ضده، كفيل بفضح كل ادعاءاتها وإسقاط كل أوراق الوهم الذي تبيعه للفلسطينيين ولكل الشعوب العربية والإسلامية، لهذا وجب محاسبتها جماعيا وليس التودد والانبطاح لها فرادى”.
وأردف قائلا: “تحية عالية لهذا الرجل مندوبنا في مجلس الأمن الدولي السفير عمار بن جامع ابن مدينة المجاهدين والشهداء سكيكدة (ولاية في الشرق الجزائري) والذي مثّل بحق صورة الجزائر المجاهدة الحافل تاريخها بالنضال والتضحية في سبيل الحرية فكانت مواقفنا دوما امتدادا ووفاء لتضحيات شهدائنا الأبرار”.
وتوقف الصحافي عثمان لحياني عند كلمة السفير بن جامع، معتبرا أنه تصرف بروح “مناضل يملي عليه ميراث ثوري وعدالة القضية، صياغة الموقف الصحيح، والتعبير عنه بالطريقة الملائمة التي تشرف هذا الميراث الوطني الجامع، أكثر منه كدبلوماسي”.
وقال إن “الفقرة الأخيرة من الكلمة التي ألقاها تمثل كل الجزائريين، وتشرفهم عاليا، وتعبر بعمق عن سحنة سياسية جزائرية لا تزايد في عدالة القضية الفلسطينية سطرا، وهو موقف يتشرب ويتغذى من قيم ثورية متجددة، ما زالت قابلة لأن توجه دائما إلى الموقف السليم، وتحمي من السقوط في فخاخ النظام الدولي”.
أما الكاتب في الشأن السياسي نجيب بلحيمر، فاعتبر أن تمسك بمشروع القرار علامة فارقة في مسار السياسة الخارجية في مرحلة تشهد نهاية نظام عالمي (نظام ما بعد الحرب الباردة)، دون أن تتضح معالم نظام جديد، مبرزا أن “هذه المواجهة الصامتة مع أمريكا في مجلس الأمن قد تكون إشارة إلى إدراك جديد لواقع دولي معقد لم تعد مفاهيم التحالف والصداقة التقليدية قادرة على الإحاطة به وتحديد خط السير فيه”.
وذكر بلحيمر في تحليله أن “سياسة الجزائر الخارجية تميزت خلال العقد الأخير بكثير من الجمود، وفي مناسبات عديدة بدت وكأنها مقيدة بتصورات الحرب الباردة المتجاوزة”، كما أن المبالغة، حسبه، في الحذر من استعداء القوى الكبرى “قيّد حركة الدبلوماسية الجزائرية بشكل كبير وأفقدها روح المبادرة في محيطها الإقليمي المباشر المتفجر، وعلى الصعيد العالمي الأوسع، ويمثل التذكير المتكرر على أننا أصدقاء الجميع ولا أعداء لنا أبرز المؤشرات على هذا الحذر”.
وأكد الكاتب على أن “رفض التنازل في مجلس الأمن هو علامة على الاستعداد لتحمل الكلفة المترتبة عن هذا الموقف، وهو ما يتطلب أيضا موقفا مرنا وقابلا للفصل بين القضايا الدولية وتجاوز التصنيفات الجامدة للدول، إذ يجب أن يتحول هذا إلى أساس للسياسة الخارجية للبلاد ضمن تصور واضح للمصلحة العليا للدولة ووضع الخطط الناجعة لتحقيق هذه المصلحة والدفاع عنها”.
ولفت إلى أنه “قد يكون مهما التعامل مع ما جرى في مجلس الأمن بطريقة موضوعية وعدم تحويله إلى مادة للدعاية السياسية الموجهة للاستهلاك المحلي، وأهم من ذلك أن ندرك أن السير على طريق استقلالية السياسة الخارجية يتطلب تعزيز القدرات الوطنية الاقتصادية والتحرر من التبعية، ووضع أسس دولة الحق والقانون التي تستند إلى إرادة شعبية تحرر صانع القرار من الابتزاز الخارجي”.
وفي السياق الحزبي، أعلنت حركة مجتمع السلم إدانتها للفيتو الأمريكي الذي أجهض مشروع قرار الجزائر ممثل المجموعة العربية، في مجلس الأمن، والذي يدعو إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار في غزة، من أجل تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية بالصفة الإلزامية.
وقالت الحركة في بيان إنه “في الوقت الذي تتخذ فيه بعض الدول الحرة مثل: البرازيل؛ مواقف مشرفة لصالح عدالة القضية الفلسطينية، باستدعاء سفيرها لدى الكيان الصهيوني وطرد السفير الإسرائيلي لديها؛ تواصل أمريكا إمعانها في الدعم المطلق لهذا الكيان النازي، وإجهاض مشروع القرار الجزائري باستعمال حق الفيتو للمرة الثالثة”.
وأشارت إلى أن “هذا يمثل استمرارًا صريحًا في توفير الحماية للآلة الصهيونية الهمجية في ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية، وتجويع الشعب الفلسطيني، ومحاولات تهجيره القسري”.
وأكدت أن هذا الفيتو “يؤكد للعالم أجمع أن أمريكا شريكٌ كاملّ في الحرب على الشعب الفلسطيني، وهي مشرِفةٌ بشكلٍ مباشرٍ على هذه الجرائم الصهيونية في قطاع غزة، ما يكذِّب ادعاءاتها في الحديث عن حلِّ الدولتين، والحق في إقامة الدولة الفلسطينية”.
وختمت الحركة بدعوة الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ مواقف واضحة وصارمة اتجاه المواقف الأمريكية المستهترة بالحقوق الفلسطينية المشروعة، كما تؤكد على ضرورة بحث سبل ردع الكيان الصهيوني المستهين بشرف الأمة والعابث بجزء مقدس من شعبها وأرضها.
وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت الفيتو ضد مشروع القرار الجزائري، في جلسة الثلاثاء، فيما أيّدت 13 دولة مشروع القرار، مقابل امتناع صوت واحد. واعتبرت الجزائر على لسانها مندوبها عمار بن جامع أن “التصويت ضد مشروع القرار يعني الموافقة على التجويع كأسلوب حرب”.