مدير مكتب مجلة الحرية في قطاع غزة
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين
وجوه شاحبة، وأمراض متفشية، ومياه شحيحة وملوثة، وبنى تحتية وبيوت مدمرة، ومجاعة تضرب أرجاء غزة وشمالها، ومستشفيات تحولت إلى ثكنات عسكرية أدت إلى خروجها عن الخدمة، فيما يواجه مليون طفل صدمات يومية.
وتفيد التقارير الرسمية والأهلية أن مدينة غزة وشمال قطاع غزة يواجهون مجاعة شرسة تزامناً مع شح المساعدات الإنسانية والتي أدت إلى استشهاد العشرات من الأطفال، ودخول حرب الإبادة الجماعية شهرها السادس على التوالي والتي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شهيد و7 آلاف مفقود وأكثر من 72 ألف جريح، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال.
وأفادت المتحدثة باسم منظمة أوكسفام أن قطاع غزة يعيش عملية تجويع ممنهجة، والوضع أصبح كارثياً في ظل عدم دخول مساعدات كافية لسكانها، لافتةً إلى أن ما يتوفر في أسواق غزة من مواد غذائية يفوق قدرة الناس على شرائه. ودعا المجلس النرويجي للاجئين المؤسسات الدولية لإدخال المساعدات بكل الطرق، وإسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال لتحمل مسؤولياتها تجاه المدنيين في قطاع غزة وتنفيذ الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية باتخاذ التدابير الاحترازية المؤقتة.
فيما غردت الإعلامية البريطانية الفرنسية د. مريام فرنسوا عبر منصة إكس «X» قائلة: «أتعتقدون أنَّ منع الرضع من الحصول على الحليب والحفاضات هي حرب؟ هل تجويع الأطفال هو دفاع عن النفس؟ السماح بانتشار الأمراض بشكل متعمد هو أمر مسموح به؟».
القتل في غزة متعدد إما فتكاً بالسلاح أو مرضًا أو تجويعاً، وأكثره وجعاً هو الإعدام جوعاً مع سبق الإصرار والترصد أمام عالم أصابه الخرس. حيث أفاد مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبريسوس أن «أطفال غزة الناجين من القصف الإسرائيلي قد لا ينجون من المجاعة».
الناس في غزة وشمالها يتضورون جوعاً، بينما لعبة عصابات نهب المساعدات وبيعها بأسعار خيالية، والفوضى في تزايد، حيث اتهم مدير الطوارئ الإقليمي بمنظمة الصحة العالمية إسرائيل مضيفاً: «أزمة إيصال المساعدات إلى غزة يمكن حلها، لكن إسرائيل لا ترغب في ذلك».
فيما يرى مراقبون أن أهداف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، القضاء على المقاومة وعودة الاستيطان الإسرائيلي لغزة وفرض التهجير القسري.
وأوضح المراقبون أن حرب التجويع والتعطيش على مواطني قطاع غزة والتي هي استكمالاً لحرب الإبادة الجماعية، تهدف لإجبار الفلسطينيين على النزوح سعياً نحو التهجير القسري.
ومن المؤكد أن دولة الاحتلال تستخدم حرب التجويع كأداة ضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على التهجير القسري، وهي تصريحات صادرة عن مسؤولين إسرائيليين وخاصة في مجلس الحرب الإسرائيلي، بدءاً من وزير الحرب يؤاف غالنت الذي وصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، وصولاً إلى وزير المالية يتسائيل سموتريتش الذي وظف التجويع لإجبار الفلسطينيين نحو التهجير القسري حيث قال: «لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء لقطاع غزة»، وتصريح لوزير الطاقة الذي قطع الكهرباء عن القطاع منذ ستة أشهر ودعا لقصف غزة بالقنابل النووية، انتهاءً بدعوات وزير الأمن ايتمار بن غفير لعدم إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع حتى تسليم الأسرى الإسرائيليين.
وتعد حرب التجويع جريمة حرب وفق اتفاقية جنيف لعام 1949، ووفق المراقبين، «طالما أن حرب التجويع هي جريمة حرب، فإن المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام كريم خان ولجان التحقيق الأممية مسؤولية كبيرة في فتح تحقيق في ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة».
ويقول المراقبون إن «أمر محكمة العدل الدولية إسرائيل اتخاذ التدابير الاحترازية المؤقتة لمنع الإبادة الجماعية، يجبر الأجهزة الأممية والدولية على اتخاذ إجراءات لحماية حياة الناس المهددة بالقتل والتدمير ومواجهة خطر المجاعة وسوء التغذية».
وفي ذات السياق، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش إسرائيل بتجويع 2.3 مليون غزي، فيما أوضحت منظمة العفو الدولية أن إسرائيل فشلت في ضمان وصول ما يكفي من المساعدات الإنسانية للسكان المعرضين للإبادة الجماعية، وأضاف برنامج الأغذية العالمي الذي علّق مساعداته في شمال القطاع حتى ضمان توزيع آمن ما يعني تدهور الأوضاع، أن «قطاع غزة يشهد أسوأ مستويات سوء التغذية في العالم، وخطر المجاعة يزداد بسبب عدم تمكننا من إيصال المساعدات إليه».
فيما قال مدير مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة «نستقبل أطفالاً يشكون من قلة الغذاء ويموتون، وهذا أصبح سبباً رئيسياً للموت بين الأطفال»، وأضافت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: «الناس في غزة جائعون ويائسون والمساعدات التي تصل إليهم أقل بكثير من المطلوب».
فيما كشفت تقارير وإحصائيات رسمية أن 25% من المدنيين في غزة يعانون من الموت جوعاً، و95% من أطفال غزة يواجهون خطر التجويع نتيجة سوء التغذية، وتجاوز انعدام الأمن الغذائي حاجز ال90% في القطاع، فيما يقطن نحو 700 ألف في غزة وشمالها ويواجهون خطر المجاعة وسوء التغذية، وحذرت ثلاث منظمات دولية (منظمة الصحة العالمية، منظمة اليونيسيف، برنامج الأغذية العالمي) من أن 75% من سكان غزة يواجهون خطر المجاعة.
واتهم الهلال الاحمر الفلسطيني الاحتلال الإسرائيلي، بالتسبب في حالة الفوضى نتيجة منع إدخال المساعدات الإنسانية أو انخفاضها.
وتعمد إسرائيل إلى نشر الفوضى في قطاع غزة واستهداف العناصر الشرطية ولا توافق على أية أدوات حماية للمساعدات الانسانية، ما ساعد على تنامي ظاهرة العصابات والمافيات بأشكال متعددة، بعضاً منها تقوم بنهب المساعدات وبيعها بأسعار خيالية وفي السوق السوداء دون اكتراث بالجوعى وألامهم وموتهم البطيء، وكل همهم تسمين أرباحهم.
وختاماً، إن إسرائيل تتعمد نشر الفوضى في قطاع غزة، والتهرب من سؤال «اليوم التالي للحرب وتولي الحكم في غزة»، والتعاطي مع بعض العائلات والعشائر في الإدارة المحلية للمناطق على شاكلة «روابط القرى»، لإزاحة المسؤولية المباشرة والاحتكاك مع الناس في غزة، سعياً منها لاحتلال عسكري لقطاع غزة.