لم يستفز الشعب الفلسطيني من خطاب مجرم الحرب نتنياهو امام الكونغرس الاميركي لأنهم اعتادوا على كذبه وخداعه السياسي، بقدر ما استفزوا من التصفيق الحار لأعضاء الكونغرس الاميركي المنحازين لاسرائيل بشكل غير عقلاني او منطقي، حيث ظهر نتنياهو في خطابه أمام الكونجرس الاميركي وهو يتحدث عن الانجازات والانتصارات الموهومة ليقنع الرأي العام الاميركي الذي بدأ يتملل من سياسته، وكأن الحرب قد إنتهت، وإنتصرت اسرائيل على المقاومة الفلسطينية وحقق كامل أهدافه، إنه فعلا يجب ان يكون ممثلا دراميا أكثر من زعيم سياسي، وفي ظل التصفيق الحار لأعضاء الكونجرس الاميركي، لم يعد مقبولا بعد الان ان تكون الادارة الاميركية وسيطا نزيها في المفاوضات التي تدور بشقيها الاولى مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لوقف العدوان، والثانية مع السلطة الفلسطينية للبحث عن اليوم التالي لقطاع غزة.
لقد إبتدأ نتنياهو خطابه من خلال التعريف بمجرمي الحرب من ضباط جيش العدو الاسرائيلي، الذين قتلوا عشرات الالاف من المدنيين الفلسطينيين، والذين بالنسبة الى نتنياهو ليسوا مدنيين، وهنا أستشهد بقوله عندما قال أنه أثناء دخول جيش الاحتلال الى رفح قتل ألف فلسطيني كلهم من العسكريين، وليس فيهم مدنيا واحدا، ليعاود الكونغرس الاميركي بالتصفيق مجددا، وامام هذا التصفيق الحار نزداد يقينا ان الادارة الاميركية ليست شريكة لإسرائيل او من تدير عملية الحرب والابادة الجماعية، بل ان الحرب هي مع الادارة الاميركية، وتستخدم اسرائيل للدفاع عنها وحرف الانظار عنها، وحماية نفسها ومصالحها من أي هجوم يستهدف قواعدها ومشاريعها الاستعمارية في هذه المنطقة، وهذا ما قد عبر عنه نتنياهو في خطابه، عندما قال ان اسرائيل تقوم بالحرب نيابة عن اميركا ويحملهم المسؤولية الكاملة لزيادة دعمه ماليا وعسكريا.
يعتبر هجوم نتنياهو على المحكمة الجنائية الدولية مجددا امام الكونجرس الاميركي الذي فرض عقوبات على كل من يحقق ضد قيادات اسرائيلية ارتكبت جرائم ابادة جماعية في قطاع غزة، واعطاء الغطاء الكامل لارتكاب اسرائيل المزيد من الجرائم، وتصفيقه مجددا امام هذه النقطة، وكذلك فيما يتعلق بطلاب الجامعات الاميركية المنتفضين ضد سياسة اسرائيل التي تزال ترتكب عددا كبيرا من المجازر في قطاع غزة، هو دليل على اهمية التحركات ومدى كسر الجمود والعادات السياسية الاميركية الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل.
وبينما تنحاز الولايات المتحدة الاميركية بشكل مطلق لإسرائيل، ولا تريد حتى ان تسمع الفلسطينيين وماذا يريدون من هذه الحرب، وتريد تطبيق مشاريع استعمارية وتنفيذ مخطط اسرائيل في ايجاد ادارة مدنية فلسطينية في قطاع غزة تضمن امن اسرائيل، وكأن اسرائيل تقوم بحماية الفلسطينيين، إستقبلت الصين الفصائل الفلسطينية ليس لأنها تنحاز الى القضية الفلسطينية، بل لتلعب دورا سياسيا رياديا، وتقوم بحل ما عجز المجتمع الدولي عن حله، كما حصل في اتفاقية المصالحة واستعادة العلاقات بين الجمهورية الاسلامية في ايران والمملكة العربية السعودية.
حيث دعت الصين الى مؤتمر دولي ينهي الاحتلال الاسرائيلي عن الاراضي الفلسطينية المحتلة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومن هنا يتضح ان الصين لم تلعب طرفا مثل الادارة الاميركية خلال الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، ومن هنا ايضا فإن مساعي الصين لابد ان تكون لها مستقبل سياسي وازن، إضافة الى دور روسيا ومصر وقطر والجزائر، والتي استضافت الحوارات الفلسطينية لأكثر من مرة.
ان اجتماع الفصائل الفلسطينية في بكين خلق اطار مهم للقضية الفلسطينية من خلال تنسيق الجهود بين الدول الاقليمية والدول العربية اي بين ايران وروسيا والصين من جهة، وقطر ومصر والجزائر من جهة اخرى، مما يعطي القضية الفلسطينية وزنا سياسيا دوليا واقليميا، يتخطى ارادة الادارة الاميركية ومشاريعها في المنطقة.
وكل من يقرأ نتائج اجتماع الفصائل الفلسطينية في بكين، والبيان الختامي، يدرك ان هذه المرة وافقت الفصائل الفلسطينية وقبلت على كل ما كان هناك فيه نقاط خلاف في المراحل السابقة، لاسيما فيما يتعلق بالاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحكومة الوفاق الوطني الفلسطينية ومهامها المتمثلة بإعادة الاعمار واجراء الانتخابات، لتحد امام المشروع الاميركي – الاسرائيلي لادارة قطاع غزة وايجاد ادارة مدنية فلسطينية، وهذه خطوة هامة، وان لم يطبق هذا الاتفاق، الا انه اعطى الصين مكانة سياسية هامة على الصعيد الدولي، وكذلك القضية الفلسطينية.
وختاما، عندما نقارن بين الوساطتين الاميركية والصينية، لابد ان نسلم ان الادارة الاميركية لا تطلب او تفاوض او تتمنى على الطرف الاخر بل تأمر وتجبر الطرف الاخر على تنفيذ اوامرها وقراراتها دون اي نقاش، على عكس الصين التي تجعل النقاش داخليا ومن ثم تحاول معالجة القضايا الخلافية بالحوار والتوافق الداخلي بين الاطراف والشركاء، ومن هنا يتضح، ان الادارة الاميركية لا يمكن اقناعنا انها تريد السلام في الشرق الاوسط، لانها طرف اساسي في هذه المعركة، وبالتالي لن تكون في يوم من الايام وسيطا نزيها يوثق به، لا في السابق ولا في اللاحق، وكل من يراهن عليها، سيبقى يراهن على الوهم، وعلى الوعود التي ليست الا سرابا.