تجّليات العنصرية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين … نظرة على التقرير الصادر عن مؤسسة “بتسيلم” بعنوان: “أهلا بك في جهنم”

شادي زهد دائرة مناهضة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في منظمة التحرير الفلسطينية

شكل السابع من أكتوبر 2023، نقطة تحول مهمة في قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، لكنه بقي جزءا من تاريخ طويل، عانى خلاله آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين صنوفا متنوعة من العذاب الجسدي والنفسي لسنوات ممتدة على طول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما يشكل انتهاكا لكافة المواثيق الدولية والحقوقية والإنسانية، واتفاقيات جنيف، وحتى بعض القوانين الإسرائيلية نفسها، لكن يبقى السابع من أكتوبر المحطة الأكثر وحشية لآلة القمع الاستعمارية الفاشية الإسرائيلية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل مقابر جماعية صامتة، فاقت المعسكرات النازية خلال “الهلوكوست” في وحشيتها من حيث التعذيب الجسدي والنفسي، والذي وثقته عدد من المؤسسات المحلية والدولية، من خلال شهادات حية لأسرى فلسطينيين تم الإفراج عنهم مؤخرا بعد أشهر من اعتقالهم منذ بدء حرب الإبادة الهمجية التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي تقرير نشرته مؤسسة “بتسيلم” مؤخرا، سلط فيه الضوء على تجّليات العنصرية الإسرائيلية ضد الأسرى والمعتقلين، وتضمن شهادات حية استطاعت المؤسسة توثيقها من خلال أسرى تم الإفراج عنهم مؤخرا، ومن خلال زيارات محدودة للمعتقلات الإسرائيلية، فقد نشرت المؤسسة تقريرا بعنوان: “أهلا بكم في جهنم”، وهو عنوان يفسّر العنصرية الفاشية الإسرائيلية وممارساتها ضد الأسرى الفلسطينيين.

ومنذ أن أعلن وزير الأمن الداخلي العنصري “بن غفير” حالة الطوارئ في السجون الإسرائيلية في الثامن عشر من أكتوبر الماضي، وتعيينه “كوبي يعقوب” مفوضا لسلطة السجون، بصفته كأحد المقربين له في خضم الحرب، حيث أعلن الأخير ما أسماها ثورة المؤسسة ضد الأسرى وفقا لسياسة وزيره “بن غفير”، إضافة إلى زيادة سوء ظروف سجن الأسرى والمعتقلين كأولوية على سلم أولوياته، حيث الممارسات العنصرية في منعهم من كافة مستلزمات الحد الأدنى من الحياة، كمنع زيارات ذوي الأسرى والمحامين، ولجان الصليب الأحمر الدولي، وتقليص وجبات الطعام للحد الأقل من الأدنى، والحرمان من المياه والعلاج وأداء الطقوس الدينية، وتجميع الأسرى في زنازين مساحتها أقل بكثير من قدرتها الاستيعابية، والحرمان من المقتنيات الشخصية، والاعتداءات الجسدية والجنسية المستمرة، والحرمان من ضوء الشمس بشكل مستمر، وغيرها من صنوف العذاب الجسدي والنفسي التي وثقتها “بيتسيلم” في تقريرها الصادر في آب 2024.

هذا التحول من أعمال انتقام عفوية كانت تمارس بحق الأسرى الفلسطينيين على طول فترة اعتقالهم منذ تأسيس سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ تحولت إلى نظام ثابت وممنهج يتزامن مع تواطؤ وعنصرية كاملة من قبل محكمة العدل العليا ونيابة الدولة أمام سياسة “بن غفير” العنصرية، ويقوّض تماما جميع الضوابط التي وضعت لتحفظ وتكفل للأسرى الفلسطينيين الحد الأدنى من الحقوق الأساسية ضمن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الحرب، وبحسب شهادات الأسرى فان السياسة الجديدة يجري تطبيقها في جميع سجون ومعتقلات الاحتلال، وتسري على جميع الأسرى الفلسطينيين، والتي ترتكز أساسا على التعنيف الجسدي والنفسي الشديد والمتواصل، والتي تصّنف ضمن الأوامر والسياسات المعدة مسبقا، حيث أن أكثر من (60) أسيرا استشهدوا أثناء احتجازهم لدى دولة الاحتلال منذ اندلاع حرب الإبادة الهمجية، وفي ظروف متشابهة من الضرب المبرح والحرمان من العلاج، مما يشير لسبق الإصرار في هذا السياق.

ويشكل نظام السجون الإسرائيلية إحدى آليات التحكم والقمع التي يستخدمها نظام الأبارتهايد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، في مسعى لتنفيذ المشروع الصهيوني الاستعماري، لحفظ التفوق اليهودي في المنطقة الممتدة بين النهر والبحر، حيث زجّت دولة الاحتلال مئات آلاف الفلسطينيين في سجونها منذ الاحتلال عام 1948، لكي تضعف وتمزّق النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني، بمعنى أن حجم مشروع السجن الإسرائيلي يتضح من خلال عدم وجود أي عائلة فلسطينية لم يمر أحد أبنائها بتجربة الأسر.

مع ذلك، فشلت دولة الاحتلال في إخماد جذوة المقاومة والمواجهة ضدها، وبرغم ظروف الأسر والتعذيب، كانت إرادة الأسرى الفلسطينيين أقوى، وتحولت معها المعتقلات إلى مدارس لتأهيل وإعداد كوادر وقيادات وطليعة كفاحية للحركة الوطنية، للانعتاق من الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال والسيادة على الأراضي الفلسطينية.

وبالنظر إلى خطورة الممارسات وحجم الانتهاكات لأحكام القانون الدولي، استمرت الانتهاكات ضد مجمل الأسرى الفلسطينيين وبوتيرة يومية ومتصاعدة، وإن الاستنتاج الذي خرجت به مؤسسة “بيتسيلم” هو أن دولة الاحتلال بأفعالها؛ تمارس التعذيب على نحو يرقى إلى ليس إلى ارتكاب جرائم حرب فحسب، بل جرائم ضد الإنسانية.

ووجهت مؤسسة “بيتسيلم” في تقريرها دعوة لجميع الدول والهيئات والمؤسسات الدولية، ومن ضمنها محكمة الجنايات الدولية، إلى التحرك وبذل كل ما في وسعها من أجل الوقف الفوري للأعمال الوحشية التي ترتكبها سلطات السجون الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وان تعّرف النظام الإسرائيلي الذي يديرها كنظام أبارتهايد يجب إنهائه.