طولكرم
مع إعلان المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن قواته اغتالت محمد جابر “أبو شجاع”، قائد كتيبة طولكرم، إلى جانب أربعة آخرين من أعضاء الكتيبة، وذلك خلال تبادل لإطلاق النار في مخيم طولكرم تكون صفحة أخرى من حياة شاب فلسطيني أصبح قائدا لمجموعة من المقاومين الشبان البسطاء الذي آمنوا بأنفسهم وبالموقف الذي حملوه، قد طويت.
ومع انتشار الخبر الصادم دخل المواطنون في حالة مضاعفة من الحزن وذلك بعد يومين من حملة عسكرية على مخيمات شمال الضفة الغربية أوقعت ما يقرب من 17 شهيدا.
ويذكر المزاج العام الذي رافق استشهاد أبو شجاع في الضفة الغربية عامة ومدينة طولكرم خاصة بالحالة العامة التي دخلتها الضفة عندما استشهد الشاب القيادي في مجموعة “عرين الأسود” الشهيد إبراهيم النابلسي، والشهيد المثقف باسل الأعرج والشهيد أحمد جرار، وغيرهم الكثير من المقاومين الذي أصبحوا قادة في نظر الشعب الفلسطيني، وعلقت عليهم آمال كبيرة.
وما كان الشارع في الضفة الغربية سيصدق خبر الاستشهاد لولا صورة سربها جيش الاحتلال الإسرائيلي يظهر فيها أبو شجاع ممددا على الأرض ويغطي وجهه الدماء.
ولا يتمتع المقاوم الفلسطيني أبو شجاع بشخصية قيادية كما يتخيل البعض، فهو شخصية بسيطة، كما أنه لا يبدو من خلال فيديوهاته المختلفة متحدثا لبقا، غير أن الراسخ في علاقته بالمواطنين الفلسطينيين الذين بكوه هو أنه بسيط جدا، ويشبههم تماما، وصادق فيما يقول.
واعتبرت إسرائيل أبو شجاع، ذا البنية الجسدية الضعيفة، أحد أبرز المطلوبين في الضفة الغربية لكونه قاد كتيبة طولكرم خلال الفترة الأخيرة من تجربة الكتائب التي نشطت خلال العامين المنصرمين في مخيمي طولكرم ونور شمس بعد أن انطلقت من مخيم جنين.
وينظر المواطنون إلى الشهيد “أبو شجاع”، على أنه قائد كتيبة طولكرم التابعة لسرايا القدس، وأحد مؤسسيها إلى جانب قائدها الأول سيف أبو لبدة. فقد تولى قيادة الكتيبة بعد استشهاد أبو لبدة في نيسان/ أبريل 2022، وساهم في توسيع صفوفها ليصل عدد عناصرها إلى حوالي 40 مقاتلًا بحلول أيلول/ سبتمبر 2022.
وتتبع الكتيبة رسميًا لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، لكنها تميزت بضم عناصر من فصائل فلسطينية متعددة، ففي شباط/ فبراير 2023، انضمت مجموعة “الرد السريع” التي أسسها المقاوم أمير أبو خديجة، إلى الكتيبة، كما عملت الكتيبة بتنسيق مع الكتائب الأخرى في نابلس وجنين وغيرها، ونفذت عمليات نوعية استهدفت جنود الاحتلال عند نقاط التماس والحواجز، وتصدت لاقتحامات الاحتلال في طولكرم ومخيم نور شمس.
إلى جانب ذلك، طورت الكتيبة من أساليبها القتالية والتدريبية، حيث عملت على تصنيع العبوات الناسفة والمتفجرات.
وينتمي أبو شجاع لعائلة مهجرة من مدينة حيفا منذ نكبة عام 1948، واستقرت في مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية.
فقد وُلد جابر ونشأ في المخيم حيث تلقى تعليمه قبل أن يتوقف عن الدراسة بسبب ظروف صعبة. ويبلغ من العمر 26 عامًا، وكان الابن الأوسط بين خمسة أشقاء.
واعتُقل “أبو شجاع” لأول مرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي عندما كان في السابعة عشرة من عمره، وقضى نحو خمس سنوات في الأسر نتيجة ثلاثة اعتقالات. كما تعرض للاعتقال مرتين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
استهدفت قوات الاحتلال عائلته بشكل متكرر، حيث اعتُقل شقيقه الأكبر عدي عدة مرات وأُفرج عنه قبل شهرين، بينما لا يزال شقيقه الأصغر أحمد أسيراً منذ عامين.
وقبل أربعة شهور فقد “أبو شجاع” شقيقه الآخر، محمود، شهيدًا خلال اقتحام قوات الاحتلال لمخيم نور شمس.
وتحت ضغط الاقتحامات المتكررة لمخيم نور شمس، رفض “أبو شجاع” تسليم نفسه وظل مطاردًا لعامين، خلالها دهمت قوات الاحتلال منزل عائلته مرات عديدة ودمرت محتوياته. وقبل خمسة أشهر، فجّر الاحتلال منزل عائلته بالكامل، مما أجبرها على النزوح بين منازل الجيران والأقارب في المخيم.
ويُصنَّف من قِبَل الاحتلال كشخص “زعزع الاستقرار في شمال الضفة الغربية”، ويعتبره الإعلام الإسرائيلي أحد أبرز المطلوبين للسلطات الإسرائيلية. هذا التصنيف جعله هدفًا للعديد من محاولات الاغتيال التي دبرها الاحتلال، حيث وصفه مراسل “يديعوت أحرونوت” بأنه “عيّاش طولكرم”.
يعتبره الإعلام الإسرائيلي أحد أبرز المطلوبين لسلطات الاحتلال.. ومراسل “يديعوت أحرونوت” وصفه بأنه “عيّاش طولكرم”
وكانت أنباء قد انتشرت في 19 نيسان/ أبريل 2024 حول تمكّن الاحتلال من اغتياله بعد اشتباكات دامت 50 ساعة، لكنه خرج بعدها في موكب لتشييع شهداء طولكرم في 21 نيسان/ أبريل متحديًا الاحتلال في مشهد بطولي.
إلى جانب ملاحقته من قِبَل الاحتلال تعرض أبو شجاع لحملة ملاحقة من أجهزة أمن التابعة للسلطة الفلسطينية، رافق ذلك حملة تشويه سمعته ونعته بالسارق وبائع الأراضي والخائن.
في 26 يوليو/ تموز 2024، تدافعت حشود من الفلسطينيين إلى مستشفى ثابت ثابت الحكومي في طولكرم، حيث تمكنوا من إخراج محمد جابر “أبو شجاع” بعد محاولة أجهزة السلطة الفلسطينية اعتقاله. وكان أبو شجاع يتلقى العلاج في المستشفى إثر إصابته في انفجار عبوة ناسفة أثناء تصنيعها.
وفي مقابل الحب الجماهيري الاحتضان الجارف وتحديدا في مدينة طولكرم تعرض لمحاولات تشويه سمعة، حيث صور من خلال حسابات مجهولة على أنه خائن وسارق سيارات وبائع أراضي.
وظهر أبو شجاع في أكثر من ملف صوتي تحدث فيها عن تعامل البعض معه ومحاولات تشويه صورته، لكنه كان يصر على الطريق التي سار فيها، وعلى أن سيستمر في الطريق الذي اختاره.
وجاء في آخر التصريحات الصحافية قوله: “لا أملك منزلاً ولا سيارة بعد تدمير الاحتلال لهما، ولكنني أملك موقفاً وعليه سأموت”.
وقال: “رسالتنا للاحتلال أننا نتحداه، ونحن على درب الشهداء، والحالة الوطنية لن تنتهي حتى النصر”.
ونعت سرايا القدس “أبو شجاع” ورفاقه، وقالت إنه “لا وقت للرثاء والبكاء” ووعدت بالثأر لهم.
المصدر: القدس العربي