إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

إسرائيل اليوم 15/9/2024

الأردن ومصر في سلام اللامفر.. وإسرائيل: الكلاب تنبح و”قافلة الأمن” تسير!

بقلم: أيال زيسر

منذ 7 أكتوبر لم يسمع من الأردن أي شجب للمذبحة أو للعدوان المتواصل من حماس وحزب الله ضد إسرائيل. وعلى أي حال، لم نحظ بأي مظهر من التضامن والتعاطف مع المخطوفين ومع عائلات الضحايا. وبدلاً من هذا، نتعرض يومياً لنقد خاص بل ولاذع وتشهيرات من جانب ناطقين أردنيين رسميين، بلغت الذروة في مقابلة هاذية مع الملكة الأردنية رانيا بعد وقت قصير من نشوب الحرب، ادعت فيها بأنه لا دليل على فظائع حماس.

في الأسبوع الماضي، ترجمت الأقوال إلى أفعال، عندما قتل مواطن أردني ثلاثة إسرائيليين في اللنبي. هذه المرة أيضاً لم يسمع أي شجب لعملية القتل من جانب النظام الأردني، بل إن شوارع العاصمة عمان احتفلت بقتل الإسرائيليين بتوزيع الحلويات وإطلاق الألعاب النارية.

مصر هي الأخرى لا توفر عناء الانتقادات والتنديدات، وإطلاق التهديدات عن نية إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا لمنع تهريب وسائل القتال إلى أيدي حماس في القطاع. وفيها أيضاً من يترجم الأقوال إلى أفعال. ففي 8 أكتوبر، بعد يوم من هجوم حماس الإرهابي، فتح شرطي مصري النار نحو مجموعة سياح إسرائيليين زاروا الإسكندرية وقتل اثنين منهم.

ولكن بعد كل هذا، فإن الأردن ومصر ليستا دولتين معاديتين، ورغم اللغة الخطابية الشديدة في الإعلام ولدى الناطقين الرسميين في القاهرة وعمان، تواصل هاتان الدولتان معنا شبكة علاقات وثيقة في مجالات الاقتصاد وأساساً في مجالات الأمن.

للحقيقة، ليس المفاجئ وجود شرطي مصري أو سائق أردني نفذ جرائم قتل نكراء، بل وجود الهدوء على حدودنا مع مصر ومع الأردن التي هي الأطول رغم اشتعال النار في غزة وفي حدود الشمال على مدى السنة الأخيرة.

من المهم أن نتذكر أيضاً بأنه رغم العداء الذي يبديه الرأي العام في هاتين الدولتين تجاه إسرائيل، فالحديث لا يدور عن حالة غليان، والأمر يشكل مؤشراً واضحاً على أن غزة ليست على رأس سلم أولويات الشارع، لا في مصر ولا حتى في الأردن. هذا الأمر يبعث عن إحباط شديد لدى قيادة حماس التي أملت في أن تؤدي هجمة الإرهاب من المنظمة إلى ثورة شعبية تضم هاتين الدولتين إلى دائرة العداء مع إسرائيل.

يشكل الأردن دولة فصل بيننا وبين إيران ووكلائها. ومن لا يريد وجود رجال الحرس الثوري ونشطاء حزب الله على ضفاف نهر الأردن، ينبغي له أن يحافظ ويعزز تعاوننا الأمني معه، الذي يركز على هذا التهديد. إلى جانب تنديد تلك التصريحات التي تنطلق من الأردن، علينا أن نهدئ الأردنيين بأن أحداً في إسرائيل لا يروج لتحويل الضفة إلى غزة، وفرار عرب الضفة إلى المملكة الأردنية، ما يؤدي إلى انهيارها.

في كل ما يقال عن مصر، لكنها ترى في حماس تهديداً؛ كونها حركة شقيقة للإخوان المسلمين. وفضلاً عن ذلك، فمع أن المصريين أبدوا عجزاً بل وانعدام وسيلة في ضوء تهريب وسائل القتال إلى القطاع، لكن كما قال الحاخام الحنان دنينو والد اوري دنينو الراحل، فإن إسرائيل وليس مصر، هي التي نقلت حقائب الدولارات إلى حماس من قطر، واستخدمتها المنظمة لبناء قوتها العسكرية.

يتبين من كل هذا أن إسرائيل ومصر والأردن لا طريق آخر لها غير طريق السلام، و”في الترجمة إلى العربية” – طريق استمرار التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن. يدور الحديث عن مصلحة مشتركة نخرج منها مأجورين، لكن مصر أيضاً وبخاصة الأردن، بحاجة لتوريد الماء والغاز من إسرائيل مثلما بحاجة أيضاً لإسناد أمام التهديدات التي تقف أمامها. لا بديل عن هذا الطريق لا في أنقرة ولا طهران، اللتين ينظر إليهما العالم العربي كخصمين بل وعدوين.

لأسفنا، سنواصل سماع الشتائم والتنديدات من عمان والقاهرة، لكن الكلاب ستبقى تنبح فيما تواصل عربة التعاون الأمني الحيوي جداً لإسرائيل طريقها.

——————————————–

هآرتس 15/9/2024

هذه هي اللحظة الاكثر هشاشة بالنسبة للائتلاف، نحن أقوى مما يبدو لنا

بقلم: ميكي غتسين

لقد تغير شيء في الخطاب في اسرائيل في هذا الصيف. هناك شيء مقلق ومثير للخوف. اليمين، مثل كل الدولة، تعرض للصدمة بعد 7 اكتوبر، لكن يبدو أن بنيامين نتنياهو قد نجح في ترسيخ روايته الخاصة. من وراء ما يظهر بأنه تقاعس تختفي خطة منظمة: مواصلة الحرب، الدفع قدما بالانقلاب النظامي، السيطرة على سلطات القانون، حكم اسرائيلي في غزة وضم فعلي للضفة الغربية. في معسكرنا يظهر اليأس والضياع.

لم يظهر لنا مستقبل اسرائيل في أي يوم متكدر بهذا الشكل. ايتمار بن غفير، الذي قبل فترة قصيرة كان في الهامش الذي يحلم بالسياسية، يستكمل السيطرة على الشرطة. ماكنة السم تعمل مرة اخرى، حتى التخلي عن المخطوفين ليموتوا اصبح أمر لا يؤثر في من يؤيدون الحكومة. دائما اعتقدنا أن شيء في تاريخنا أو تماسكنا الداخلي يحصننا من مصير مجتمعات انهارت ودول اصبحت دول فاشية. هذا الاعتقاد يبدو الآن اعتقاد ساذج. فلا يوجد أي يقين بأننا سننتصر في القريب. وايضا لا يوجد أي يقين بأننا سنخسر. عمليا، في أي لحظة في العقود الاخيرة لم يكن ائتلاف اليمين في وضع هش بهذا القدر. ايضا حتى قبل 7 اكتوبر نتنياهو كان زعيم غير شعبي، الذي في اربع حملات انتخابات متتالية لم ينجح في تشكيل الحكومة. ما يبقي هذا الائتلاف المسيحاني على قيد الحياة ليس دعم الجمهور، بل العكس، الخوف من الانتخابات. وزراء واعضاء كنيست في اليمين يشاهدون الاستطلاعات ويسمعون الجمهور. واضح لهم أنه في صناديق الاقتراع نافذة الفرص بالنسبة لهم ستغلق وسفينتهم ستغرق. لذلك، هم يتمسكون ببعضهم البعض.

في المقابل، المعسكر الديمقراطي الليبرالي الذي هو خائف جدا الآن، يقف في مركز القوة الاسرائيلية. فقط الحرب هي التي تصعب على هذه القوة التعبير عن نفسها. اليمين يدرك ذلك ولهذا هو يعارض الصفقة أو وقف اطلاق النار. ولكن الكارثة التي ينزلها علينا ستؤدي الى نهايته. الحياة لا تسير فقط في القناة 14. الكثير من الاسرائيليين يدركون قيود القوة. الكثير من الاسرائيليين اكتشفوا عمق الفشل في 7 اكتوبر، والاعتبارات السخيفة التي تقف وراء التخلي عن المخطوفين، ولم يعودوا مستعدين للصمت. المحادثة التي تفطر القلب لـ الحنان دنينو مع نتنياهو تظهر أن هناك جمهور كامل، ليس بالضرورة من اليسار، بدأ يشكك في الاسطورة التي بناها نتنياهو.

في اسرائيل وفي العالم يعتبرون صعود اليمين ضرورة تاريخية. ولكن الصورة معقدة اكثر. فهناك قضايا، مثل الهجرة، تجد الليبرالية صعوبة في الاجابة عليها، ولكن اليمين الشعبوي لا توجد له اجابة جيدة أو وصفة تحصل على ثقة الناخبين بشكل مستمر وثابت. في الاتحاد الاوروبي اليمين يخسر منذ عشرين سنة، لكنه آخذ في التقوي: جيل جديد في اوروبا تعود على السلام والازدهار، وهو لا يريد العودة الى عملة وطنية وحدود مغلقة. في بولندا عادت القوى الليبرالية الى الحكم، وفي بريطانيا حصل المحافظون على الهزيمة الاكبر في تاريخهم، كنتيجة مباشرة للخروج من الاتحاد الاوروبي والحقبة السياسية الضائعة التي جاءت في اعقابه. ايضا نحن مستعدون لهذا التغيير.

المشروع المسيحاني في اسرائيل لم يتم بناءه في يوم واحد. هو نتيجة التصميم والمواصلة واستغلال الفرص. النتيجة مؤثرة ومخيفة: اقلية في الجمهور الاسرائيلي تملي على الاكثرية خطوات هي غير معنية بها. بدءا بالتخلي عن المخطوفين وحتى اعادة الحكم العسكري في غزة. ولكن الاكثرية ايضا تستطيع أن تتولى مجددا السيطرة على مصيرها. قوة بن غفير هي نتيجة تجمع ظروف سياسية وليس الشعبية. في كل مرة يطرح فيها بتسلئيل سموتريتش حلمه حول دولة اسبارطا المعزولة، التي تنشغل فقط بالحرب والاستيطان، يزيد عدد المؤيدين للحلم الليبرالي. تحدي الجمهور يكمن في خلق حلم بديل وتبنيه. الليبراليون هم فرديون يعيشون في مجتمعات ضعيفة. السلطات المحلية عندنا لا تقدم لنا حافلات للمظاهرات ولا تقوم بشل جهاز التعليم. كثيرون في اوساطنا مجندون الآن أو يواجهون تأثير الحرب على مصالحهم التجارية وعملهم. يوجد لدينا، للاسف، فائض من الانتقاد الذاتي والتقدير الزائد للخصم. نحن نشاهد في التلفاز 200 أزعر ونقتنع بأنهم الاغلبية. في الوقت الذي اخرجنا فيه مئات الآلاف الى الشوارع في السابق.

نحن أقوى مما يبدو لنا. وقد حان الوقت لترجمة القوة الى ايمان، تنظيم وانتصار. حقيقة أن الحكومة لم تسقط حتى الآن لا يعني أنها لن تسقط. المظاهرات انتصرت مرة واحدة وهي ستنتصر مرة اخرى. سنستمر في الخروج الى الشوارع وسنقيم حركات وننتمي الى احزاب، وسنختار زعماء جيدين وسنساعدهم في تجنيد الدعم. سنتصالح فيما بيننا لبناء ائتلاف منتصر. وكما عمل بايدن نحن سنضع الأنا عندنا جانبا من اجل هدف اكبر. لقد حان الوقت لاظهار الشجاعة، معرفة من نحن ومن هم الشركاء، يجب عدم الخوف من الشراكة مع المواطنين الفلسطينيين أو الاستسلام لمن يريدون القضاء علينا. ليست كل تغريدة لسياسي من اليمين تلزمنا بالانتقاد الذاتي. لقد حان الوقت للتوقف عن الخجل من مواقفنا، ومعرفة كيفية الوقوف جانبا، ومن سيتم الاشارة اليه ومن ستتم مهاجمته. الانتصار ليس مؤكد، والهزيمة كذلك.

من طبيعة التغيير أنه يظهر كمستحيل الى حين تحققه. بعد ذلك عندما ننظر الى الماضي فان الجميع يشرحون لماذا هذا التغيير كان ضروري ومحتم. التغيير في اسرائيل ضروري، نحن يجب أن نثق بأنفسنا والتغيير سيأتي.

——————————————–

هآرتس 15/9/2024

دكتاتورية بشهادة “حفنة تراب”.. ومليشيا بن غفير في تهمة معدة سلفاً: “مخلون بالنظام”

بقلم: مردخاي غيلات

هذه هي أيام حكم الخوف؛ الخوف من التظاهر ضد وزراء الحكومة الذين يحبون النفوذ والقوة والأموال والسلطة، والخوف من الاحتجاج على الدكتاتورية التي تسيطر على الدولة، والخوف من التظاهر في الشوارع وإطلاق الهتافات اليائسة لإنقاذ المخطوفين في غزة، والخوف من رفع لافتات تطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، والخوف من أن تكون مراسلاً تغطي المظاهرات وتتعرض للضرب، والخوف من محاولة الدفاع عن سلطة القانون والمعسكر العقلاني في الدولة الذي تحاول الحكومة تفكيكه إلى أجزاء، والخوف من أن ترسل إلى غرفة الاعتقال بسبب مقولة، أو حتى لا سمح الله، بسبب نثر حفنة من الرمال نحو وزير؛ حفنة من الرمال هذه هي كل القصة، حسب الشرطة، حفنة من الرمال يتضرر أحد بسببها؛ الرمال لا تؤذي أحداً. الخطر تولد في عقول قادة المليشيات العنيفة، ما كان يعرف ذات يوم بالشرطة. وقفة احتجاج رمزية ضد الشخص الذي قام رجاله بضرب المتظاهرين بشكل مبرح.

إلى أين سيؤدي كل ذلك؟ إلى قاضي محكمة الصلح، المنغلق إزاء الحقوق المدنية، روعي بيري، الذي ترعرع في حركة اليمين “موليدت” التابعة للجنرال رحبعام زئيفي، وصادق على اعتقال الفتاة نوعا غولدنبرغ (27 سنة) لليلة واحدة في سجن “نفيه تريتسا”. لقد أرسلوها إلى هناك مكبلة الأيدي والأرجل كي لا تهرب، لا سمح الله. هي خطيرة جداً إلى درجة أن الشرطة سارعت لتقديم لائحة اتهام ضدها خلال 72 ساعة، هذا رقم قياسي عالمي حقاً، الذي تم فيه عرض حفنة الرمال وكأنها كتلة وحل. النيابة العامة خجلت كما يبدو من تكرار الدعوى الأصلية المضحكة بشأن الخطر الكبير الذي تعرض له بن غفير بسبب حفنة من الرمال.

ولمنع سوء الفهم، هذه ليست حالة استثنائية بل أسلوب. هذه ثقافة جديدة للحكومة التي تتصرف كمنظمة جريمة. منذ بداية الشهر وخلال أسبوع تقريباً، اعتقلت الشرطة 100 متظاهر بادعاءات تافهة. حوالي 100 متظاهر أُرسلوا إلى مراكز الشرطة، وأطلق سراح معظمهم لعدم وجود أدلة على خرق القانون. هل يوجد لديكم انتقاد للحكومة؟ لرئيس الحكومة؟ لوزير العدل ووزير التعليم؟ هل تشوشتم. نحن السلطة. سنعلمكم درساً.

شرطة بن غفير اعتقلت أشخاصاً أبرياء. وقد كذبت في المحكمة بوقاحة. واحتجزت بعض المعتقلين في مركز الشرطة لساعات. قامت بتكبيلهم. حاولت تمديد الاعتقال لبعض منهم بذريعة سخيفة، أي شرطي مبتدئ تعلم أن يكررها: الإخلال بالنظام العام، والاعتداء على شرطي، وإزعاج شرطي أثناء تأدية وظيفته، واستخدام زائد للنار (يوجد شيء مثل هذا) وأيضاً تعريض حياة إنسان للخطر. هل رأيتم، أين الأدلة، الشهادات؟ الصور؟ لا يجب المبالغة. مسموح لنا كل شيء، أيها المواطنون الأعزاء. مسموح لنا أن نحاسب آلاف المتظاهرين في الاحتجاجات بهذه الطريقة في أرجاء البلاد، بما في ذلك عائلات المخطوفين. مسموح لنا اقتلاع خيمة احتجاج لهيئة المخطوفين في القدس، في محاولة لإخراج الرياح من أشرعة أعضاء الهيئة، الذين نحاربهم الآن.

بحماسة تصفية الحسابات لشرطة بن غفير مع المتظاهرين ومؤيديهم، بما في ذلك النساء الثلاث اللواتي وزعن كراسات من أجل المخطوفين في كنيس، لم تتجاوز الشرطة أيضاً المحامي غونين بن إسحق العضو في طاقم المحامين الذين يقدمون المساعدة لمن يتم اعتقالهم بالخطأ. صباح الأحد، بعد بضع ساعات على النشر عن قتل مخطوفين الستة سافر بن إسحق مع زوجته للمشاركة في مظاهرة قانونية في هرتسليا، غير بعيد عن بيت الوزير ياريف لفين. أوقف سيارته حسب القانون، وعندما اقترب من المتظاهرين وهو يحمل مكبر صوت (لم يكن قد شغله بعد)، سمع شخصاً بملابس مدنية يأمره بالتوقف. “أنا شرطي”، قال له هذا الشخص، وعرض عليه هويته. ومنذ تلك اللحظة تصرف بشكل فظ، ضمن أمور أخرى، بدأ بإثارة غضب المحامي المخضرم. “ماذا حدث، أنت ترتعش؟”، قال له. “شفاهك من الجهة اليمنى ترتجف”.

بن إسحق الذي هو ضابط كبير سابق في “الشاباك”، لم يبق صامتاً. فبعد محادثة قصيرة بينهما، أبلغ الشرطي المتخفي المحامي بأنه معتقل بسبب إهانة شرطي، وأدخله إلى سيارة الشرطة واحتجزه ست ساعات في مركز الشرطة. الذريعة: أمرتك بالتظاهر على مسافة تبعد 300 متر عن بيت الوزير، ولم توافق. كانت رواية كاذبة، ذريعة من أجل التحقيق مع المحامي الذي لم يطلق سراحه إلا بعد موافقته على عدم التظاهر في المكان لمدة أسبوعين.

حتى الآن، لم نتحدث عن الكشف الذي ظهر في هذه الصحيفة لبار بيلغ ويهوشع براينر، أن محققي الشرطة سألوا المتظاهرين إذا كانوا قد دفعوا لهم للمشاركة في المظاهرة، هذه أسئلة لا يستطيع طرحها إلا المحققون الفاسدون في شرطة فاسدة فقط (“هآرتس”، 8/9). ولم نتحدث بعد عن زعرنة شرطة حيفا، حيث رمى رجال الشرطة المتظاهرين على الأسلاك الشائكة. ولم نتحدث عن جلسة استماع أجريت لمعلم عارض الخدمة في الضفة في فيلم نشره في الإنترنت، وتم استدعاؤه للاستيضاح (شيرا كادري – عوفاديا، “هآرتس”، 9/9). يتبين أن الدكتاتورية تضرب جذورها.

الأربعاء الماضي، زار وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، مدرسة في “كفار مناحيم”. استقبله عشرات المتظاهرين الغاضبين الذين طالبوا بإطلاق سراح المخطوفين. ماذا فعلت الشرطة التي لا تعترف الآن بحق التظاهر لمواطني الدولة؟ انقضت عليهم واعتقلت شخصين، أحدهما كان قائد سرب في الاحتياط، والآخر مراقب جوي. ماذا نسبت لهم الشرطة؟ كالعادة، الإخلال بالنظام العام. متى تم إطلاق سراحهم لتوفير الخجل على نفسها في المحكمة، حيث ستكون مطالبة بالاعتراف بأن لا أدلة ضدهم، بعد بضع ساعات. كان الشرط أن لا يشاركا في المظاهرات مدة أسبوعين. خوفوهم.

أين صوت مفوض الخدمة المدنية في مثل هذه الظروف؟ المفوض دانيال هيرشكوفيتش، الذي مدد له نتنياهو الولاية لثلاثة أشهر، لم يناضل على أي شيء. هو مفوض على صورة وهيئة رئيس الحكومة. ومن هو الذي صمت أيضاً أمام تمادي الشرطة ومليشياتها؟ مراقب الدولة، نتنياهو انغلمان، جندي آخر مخلص للحكومة. يئير لبيد كان على حق عندما شكك في مصداقيته كشخص يريد إجراء التحقيق في أحداث 7 أكتوبر.

من الذي برز اسمه بشكل خاص في هذه الأحداث الدرامية لحرب الشرطة ضد المتظاهرين الذين يطالبون بعقد الصفقة لإنقاذ المخطوفين؟ يبدو أن المفوض الجديد داني ليفي ونائبه ابشالوم بيلد، اللذين أصبحا دمى في يد الوزير، هما خارج الموضوع. كلاهما يتصرف كمن يشكر مشعل النار الوطني، الذي أعطاهما هذا المنصب والشرف. وكلاهما قرر منذ اللحظة الأولى الاستسلام له بكل بساطة.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 15/9/2024

“العدل” و”الشاباك”: شرطة إسرائيل سقطت.. “ولاء كلبي” لبن غفير

بقلم: نداف ايال

بن غفير مجرم مدان وثور مندفع. حياته المهنية –إذا كان ممكناً تسميتها هكذا– تتركز على اللعب على الخط القاتم الذي بين القانوني وغير القانوني، والتحريض والاستفزاز. تعيينه في منصب الوزير المسؤول عن الشرطة كان ينبغي أن يدفع الجمهور إلى ليلة غالنت عشرة أضعاف.

لكن بن غفير اجتاز مسيرة تطبيع وشرعية متواصلة عظمت قوته، جعلته حقيقة حياة سياسية. ارتبطت قوتان مختلفتان تماما في صالح هذه المسيرة: نتنياهو، الذي هجر ادعاءه لمقاطعة الكهانيين، ادعاء كان حازماً حتى قبل نحو ثلاث سنوات. من أجل الحكم والقوة، سحق نتنياهو مبدأ أساسياً لليمين الليكودي وإصلاحية جابوتنسكي، بأن الوطنية لا ترتبط بالعنصرية.

القوة الثانية هي الإعلام الإسرائيلي: فباسم التغطية والجبن أصبح بن غفير، الرجل الذي كان يجب وصمه بحكم الجريمة، بات هو من يلتقيه الإعلام دوماً. وهذا لم يضر حين كان يوزع القصص على المراسلين كالرمال. الأخطر تجند معظم الأصوات ذات الأهمية في خطاب اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك صحافيون وأصوات أيديولوجية، للدفاع عن بن غفير بأي ثمن وبكل ذريعة وتشبيه أشوه؛ من أجل ماذا كل هذا؟ هزيمة الخصم. معسكر عرف كيف يقاطع كهانا، ومستعد ليكون جوقة تشجيع لأكثر تلاميذه سطحية وتهكماً. وها نحن، بعد نحو سنتين: بن غفير يفعل ما هو متوقع منه. الشرطة، الجهاز الذي أضعفته حكومات نتنياهو، أصبح ملعباً لفتى التلال. لقد جسد بن غفير بالملموس كيف يتخذ أفراداً وضباطاً من الشرطة مشبوهين بجرائم لترفيعهم، وكيف يرفع عقيداً بسرعة إلى لواء. الشرطة سقطت، تقول وزارة العدل. الشرطة غير موجودة، يهمس “الشاباك”.

هكذا تسقط أنظمة ديمقراطية بشكل عام: في البداية، من خلال التعيينات. بهذا المفهوم، بدا بن غفير أذكى بكثير من يريف لفين وسمحا روتمان اللذين حاولا التوجه نحو تصفية الديمقراطية الليبرالية من خلال تغييرات دستورية سريعة، فظة. لكن الطريق الصحيح والناجع، وبخاصة في إسرائيل الصغيرة، هو جلب الأشخاص الصحيحين إلى النظام الجديد. هؤلاء الأشخاص ينبغي أن يكونوا ذوي ميزة واحدة مركزية: ولاء كلبي. فكلما كانوا أكثر مهنية وخيرة، يكونون أكثر تهديداً للنظام؛ وعليه فالمهنية تتراجع باستمرار أمام الولاء. كل قرار سياسي، وكل تعيين وظيفة. النظام كله خطة هرم واحد كبير. الخدمة في أساسه أن الأشخاص يختارون بسبب قدراتهم بعامة. هم يعرفون هذا، ويغطي أحدهم على الآخر. والنتيجة شرطة تخدم الحكم، وتدهور خدمات المواطن لدرجة انعدام أداء المهام.

إن قصة اعتقال النساء بسبب منشورات في الكنيس نموذج عمل الاعتقالات في الساحة الحمراء في موسكو. يصل بضعة متظاهرين يوزعون أوراقاً أو يهتفون شعاراً، ويعتقلون فوراً. ليس بين الاعتقال والقانون شيء. ظاهراً، الدستور الروسي يسمح بحرية التعبير. بشكل عملي، الشرطة والجهاز السري هما ميليشيات بوتينية تعمل بدون قانون. أفراد الشرطة والضباط يعملون من أجل إرضاء المسؤول عنهم، وهو يعمل من أجل المسؤول عنه، كل الطرق إلى الزعيم.

صورة المرآة هي الطريق الذي لا تنفذ فيه الشرطة الاعتقالات عندما اقتحم مسلحون من اليمين المتطرف معسكرات الجيش الإسرائيلي. في أحد الأوضاع، لا توجد جريمة إجمالاً على ما يبدو (وضع منشورات في كنيس، ليس فيها اعتداء أو تحريض). في الوضع الثاني، جرائم خطرة وجسيمة في أثناء الحرب. موضوع واحد يؤدي إلى اعتقال فظ وغير قانوني. موضوع آخر وخطير لا يؤدي إلى اعتقالات. هذا تجسيد لشرطة لا تؤدي مهامها. بن غفير يصل لالتقاط صور له في اجتياح شرطية لمنطقة الجواريش في اللد. محظور لرجل سياسي أن يشارك في أحداث كهذه، بالطبع، ومشاركته استعراض. لكن الإعلام يتعاون. في الشرطة أناس طيبون ومتفانون وبدونها، كجسم، لا توجد دولة. ينبغي أن نطلب من هؤلاء الأفراد والضباط من الشرطة ألا يتركوا الخدمة وأن يواصلوها بتفان حين تظلم الصورة حولهم. إن معارضة الخدمة العامة كلها هي البقاء، رغم كل شيء، وعند الحاجة توثيق جيد لأفعال خرق القانون والفساد. ثمة سبب للأمل: أناس كـ بن غفير يقومون بعمل سيئ جداً ويولدون سلوكاً لا يؤدي المهام، وهم بشكل عام الفيروس القومجي – الشعوبي يبيد نفسه سياسياً. بشكل عام.

——————————————–

هآرتس 15/9/2024

إسرائيلياً.. هل خرج “حزب الله” من حكمه ساحة مشروطة بغزة؟

بقلم: عاموس هرئيل

سيصل عاموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكي الخاص، إلى المنطقة لزيارة إسرائيل ولبنان. ورحلته الحالية تعكس قلقاً متزايداً لدى الإدارة الأمريكية من احتمالية تصعيد شامل بين إسرائيل وحزب الله. في الأسبوع الماضي، ظهر ارتفاع في قوة إطلاق النار من الطرفين مع المس بأهداف في عمق المنطقة. صباح أمس، أطلق حزب الله أكثر من ستين صاروخاً نحو الجليل على دفعتين، إلى جانب مسيرات انقضاضية، ولم يبلغ عن إصابات. وفي اليوم السابق، قتل ناشط في قوة الكوماندو التابعة لحزب الله، “قوة الرضوان”، في هجوم لسلاح الجو الإسرائيلي.

نجحت الولايات المتحدة في ردع إيران عن القيام بضرب مباشر لأراضي إسرائيل بعد اغتيال هنية في طهران نهاية آب. ولكن رغم اكتفاء حزب الله بهجوم المسيرات الذي تم إحباطه، كرد على تصفية رئيس الأركان فؤاد شكر في بيروت، فإنه لا دلائل على التوصل إلى ردع مشابه. بالعكس، إخلاء السكان المدنيين على جانبي الحدود يخلق ضغطاً جماهيرياً على القيادتين للتوصل إلى حل، لكن هذه القيادات غير قريبة من التوصل إلى اتفاق دبلوماسي على وقف النار. إطلاق الصواريخ والمسيرات من لبنان، حتى لمسافة بعيدة نسبياً عن الحدود، يشوش الحياة في مستوطنات الجليل التي لم يتم إخلاؤها. وفي ظل غياب اتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في القطاع، فإن حزب الله مقيد بوعده، ومواصلة إشغال الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار من لبنان.

حضر وزير الدفاع غالنت الأسبوع الماضي مناورة للواء احتياط في قيادة المنطقة الشمالية، التي تدربت على عملية برية في الأراضي اللبنانية. وقال غالنت إن “مركز الثقل ينتقل إلى الشمال. نحن قريبون من استكمال المهمة في الجنوب، لكن لنا مهمة لم تنفذ، وهي تغيير الوضع الأمني وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم”. وزير الدفاع، مثل القيادة العسكرية، عاد وذكر بالوضع الصعب في الشمال؛ بنية التركيز على نشاطات الجيش في مواجهة مع حزب الله وتقليص القوات التي تنتشر في القطاع. في السابق، كان التفكير هو دمج العملية بوقف إطلاق النار وصفقة التبادل. أما الآن فمن الواضح أن احتمالية ذلك قلت جداً؛ بسبب العقبات التي وضعها رئيس الحكومة، والآن بسبب معارضة رئيس حماس السنوار.

تعتقد هيئة الأركان وغالنت أيضاً أن لواء رفح التابع لحماس هُزم فعلياً، ولم تعد حماس تعمل كجيش إرهابي. ما بقي هو منظمة إرهابية وعصابات، تدير نشاطات دفاعية مع استخدام خلايا صغيرة نسبياً، بعد أن أصيبت سلسلة قيادتها وسيطرتها بشكل كبير. منظومة صواريخ حماس تعرضت لضربة شديدة، ولم يبق إلا قدرة صاروخية تضم عشرات صواريخ ذات المدى المتوسط التي تصل إلى مركز البلاد، التي تجد صعوبة في استخدامها. منظومة سلاحها تعطلت، وإسرائيل تهاجم جواً مواقع القيادة التي أنشئت قرب أو داخل أماكن الإيواء الإنسانية. أمس، كانت هجمات كهذه، تكبدت فيها حماس مئات القتلى عندما تلقى جهاز مخابراتها، وجهاز مخابراتها العسكرية، الجزء الأكبر من الضرر.

مع ذلك، هناك جهود تُبذل لملء صفوف حماس، خصوصاً في شمال القطاع ومخيمات اللاجئين وسط القطاع (المنطقة التي كان الضرر فيها محدوداً نسبياً). إن غياب بديل للحكم نتيجة الحظر الذي ألقاه نتنياهو على الانشغال في ذلك، يبقي حماس البديل الوحيد في نظر سكان القطاع، رغم أن كثيرين منهم سئموا من حكم السنوار بعد الكارثة التي أنزلها عليهم.

جميع هذه الادعاءات أعدت في نهاية حزيران بعد مس جزئي بكتائب حماس في رفح، عندما شخص الجيش الإسرائيلي وجود فرصة لصفقة التبادل. في الأسبوع الماضي، تم تسويق أن الجيش استدعى مراسلين لجولة في رفح عبر الأنفاق التي قتل فيها المخطوفون الستة على يد حراسهم من حماس. وقال الجيش الإسرائيلي إن الأنفاق التي اكتشفت تحت محور فيلادلفيا كانت مغلقة من الطرف المصري، لأنه كان يمكن تدميرها في فترة قصيرة، وأنه لن يجد صعوبة في العودة واحتلال المحور إذا أخلى قواته منه في إطار وقف إطلاق النار. كل هذه الادعاءات تتضمن انتقاداً غير مباشر لنتنياهو الذي يرفض الانسحاب من فيلادلفيا ويضع المزيد من العراقيل أمام تنفيذ الصفقة.

موقف الجيش استدعى التعرض لموجة هجمات شديدة ومسمومة من قبل مؤيدي نتنياهو. في البداية، تم التشهير بالمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بعد أن نشر فيلماً وثقه في النفق الذي قتل فيه المخطوفون الستة، استهدف تركيز انتباه العالم على جريمة الحرب التي ارتكبتها حماس وعلى معاناة المخطوفين الآخرين الذين ما زال حوالي نصفهم على قيد الحياة. بعد ذلك، هبت الأبواق واحتجت على ادعاء أن لواء رفح تمت هزيمته، واتهمت الجيش بنشر الأكاذيب.

الاعتبارات التي تقف من وراء ردود ماكينة السم الموجهة في معظمها على يد الزعيم وعائلته، واضحة. عندما ركز هاغاري الانتباه على ضائقة المخطوفين، فهو بذلك كشف ضعف وعدم حيلة نتنياهو في معالجة هذه القضية؛ وليس تصميمه أمام الضغط الخارجي كما حاول عبثاً إقناع عائلة أوري دنينو، واحد من المخطوفين الستة الذين قتلوا. في حين أن الإعلان عن استكمال المهمة في رفح سينزع من نتنياهو ذريعة مواصلة الحرب الخالدة في القطاع، والحفاظ على الجمود السياسي، والبقاء في الحكم لفترة أخرى ومواصلة صد الدعوات المتزايدة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية.

يشعر الجيش الإسرائيلي بقلق بسبب سيناريو آخر، وهو أن رئيس الحكومة يمكنه المطالبة بزيادة الضغط العسكري على حماس بواسطة قوات كبيرة، أيضاً في مناطق أخرى في القطاع. وقد أصبح واضحاً أن هذه العمليات لا تساعد في إنقاذ المخطوفين، بل إنها تعرض حياتهم للخطر في حالات كثيرة. حقيقة أنه حماس أعدمت ستة مخطوفين في كل من رفح الشهر الحالي وفي خان يونس في آذار، إنما تزيد الخوف على حياة الباقين. احتمالية إنقاذ المزيد من المخطوفين بشكل مفاجئ تضعف إزاء الأمر الذي أعطته حماس للحراس: قتل المخطوفين إذا اقترب الجيش الإسرائيلي من المنطقة.

عملياً، يبدو أن نتنياهو لم يقرر بعد ما إذا كان سيضغط لتوسيع القتال في القطاع، أو توجيه الانتباه إلى لبنان. كالعادة، تتعلق قراراته بدرجة كبيرة بالضغوط التي تستخدم عليه. أي قرار سيتخذ سيحتاج إلى الأخذ في الحسبان مخازن السلاح والاحتياطي الموجود لدى الجيش الإسرائيلي، والعبء الكبير على الاحتياط، وتآكل الوحدات النظامية التي تتحمل العبء الرئيسي في الحرب منذ سنة تقريباً بشكل متواصل.

رغم أن بعض الضباط الكبار يعتقدون أن العبء سيصعب شن حرب واسعة في لبنان، لكنهم لا يعبرون عن مواقفهم بوضوح. وهذا ينبع جزئياً من الدماء الخبيثة التي تسري بينهم وبين نتنياهو حول أزمة الانقلاب النظامي وهبوط جاهزية الجيش. بعد ذلك، على خلفية الفشل في 7 أكتوبر. بعد هذه الأحداث، تبدو هيئة الأركان جهازاً متعباً يصعب عليه الثبات على موقفه في وقت ينثر فيه رئيس الحكومة وعوده الفارغة حول الانتصار القريب أو بمواصلة القتال بالأظافر إذا احتاج الأمر.

الواضح جداً في هذه الأثناء أنه في ظل غياب ضغط كبير على نتنياهو (مشكوك فيه إذا كانت حتى المظاهرة الكبيرة في الفترة الأخيرة تؤثر عليه) فإنه لا ينوي المضي بصفقة التبادل قبل الانتخابات الأمريكية في بداية تشرين الثاني القادم. يتبين من تصريحاته الأخيرة أنه يرى حياة المخطوفين موضوعاً ثانوياً، الأهم عنده هو البقاء في الحكم والحفاظ على علاقة جيدة مع ترامب الذي ربما يعود إلى البيت الأبيض في كانون الثاني القادم.

——————————————–

هآرتس 15/9/2024

“سيارة وقودها الدماء”.. من يوقف دولة الإبادة الجماعية؟

بقلم: جدعون ليفي

أصبحت إسرائيل بسرعة كبيرة دولة تعيش على الدماء. أصبحت جرائم الاحتلال اليومية أقل أهمية. في السنة الماضية، ظهر واقع جديد من القتل الجماعي والجرائم بحجم مختلف كلياً. نحن في الحقيقة دولة إبادة جماعية، دماء عشرات آلاف الأشخاص تسفك، هذا هو الوقت الذي يجب على كل إسرائيلي أن يسأل نفسه: هل هو مستعد للعيش في دولة تعيش على الدماء؟ لا تقولوا لا مناص. من الواضح أن هناك دولة أخرى، لكن أولاً يجب سؤال: هل نحن مستعدون أصلاً للعيش بهذا الشكل؟

هل نحن، الإسرائيليين، مستعدون للعيش في الدولة الوحيدة في العالم التي يقوم وجودها على الدماء. الحلم الوحيد السائد الآن في إسرائيل هو أننا نعيش من حرب إلى حرب، من سفك دماء إلى آخر، من مذبحة إلى أخرى، مع أكبر عدد ممكن من الفواصل الزمنية. لا يوجد على الطاولة الوطنية أي حلم آخر. هناك من هم مفعمون بالأمل ويعدون بتوقفات طويلة. اليمين يعد بواقع ثابت من الدماء: حرب، قتل جماعي، خرق منهجي للقانون الدولي، دولة منبوذة وهكذا دواليك في دائرة مفرغة.

الفلسطينيون يُذبحون يومياً، والإسرائيليون سيواصلون إغماض عيونهم. يصعب التصديق. ستأتي مرحلة سيتم فيها فتح العيون، ويعترف الإسرائيليون أن دولتهم تعيش على الدماء. فبدون سفك الدماء، يقولون، لا وجود لنا. ونحن نوافق على هذه الأقوال الفظيعة باستسلام. لا نؤمن فقط بأن هذه الدولة ستعيش إلى الأبد، بل نحن على قناعة بأنها لا وجود لها بدون هذه الدماء. كل ثلاث سنوات هناك سفك للدماء في قطاع غزة، كل أربع سنوات في لبنان، وبين حين وآخر في الضفة الغربية، وبين حين وآخر غزو دموي لأهداف أخرى. ليس هناك دولة كهذه في العالم.

لا يمكن أن تكون الدماء وقوداً للدولة، بالضبط مثلما لم يكن أحد يخطر بباله بأن يسافر في سيارة تعمل على الدماء، مهما كان سعرها رخيصاً. هكذا يصعب أن يخطر بالبال أن عشرة ملايين مواطن مستعدون للعيش في دولة تسافر على الدماء. الحرب في غزة هي مفترق طرق الدماء، هل سنستمر هكذا؟ تحاول وسائل الإعلام بيعنا بأنه من الأمور الحيوية القيام بحملات شيطنة ضد الفلسطينيين، وثمة جوقة متوحشة وموحدة من المحللين تبيعنا فكرة أنه يمكننا العيش على الدماء إلى الأبد. “سنجز العشب في غزة كل سنتين، وسنعدم الشباب معارضي النظام جيلاً بعد جيل، وسنحبس عشرات آلاف الأشخاص في مخيمات تجميع، وسنطرد ونخفف ونهجّر وبالطبع سنقتل، هكذا سنعيش. في دولة الدماء”.

في السابق قتلنا الشعب الفلسطيني. بدأنا بالقتل الجماعي في غزة، والآن نتوجه نحو الضفة. وستسفك الدماء هناك بالغالونات إذا لم يوقف أحد هذه الجيوش. القتل جسدي وأيضاً روحي، لم يبق أي شيء من غزة. المعتقلون، الأيتام، المصدومون ومن لا مأوى لهم، لن يعودوا إلى أنفسهم يوماً ما. بالتأكيد لن يعود الموتى. ستمر أجيال إلى أن تنهض غزة، هذا إذا نهضت. هذا مثل إبادة شعب، حتى لو لم يستجب القانون للتعريف بالإبادة الجماعية.

على فرض أن العالم يسمح بذلك، فالسؤال هو: هل نحن الإسرائيليين مستعدون للسماح بذلك؟ كم من الوقت يمكننا العيش مع المعرفة بأن وجودنا يرتبط بالدماء؟ متى سنسأل: ألا يوجد خيار إلا خيار دولة الدماء؟ في نهاية المطاف، لا توجد أي دولة كهذه.

لم تحاول إسرائيل يوماً ما بجدية طريقة أخرى. فقد تم هندستها وتوجيهها للتصرف كدولة تعيش على الدماء، لا سيما بعد 7 تشرين الأول. وكأن هذا اليوم الفظيع، الذي كان بعده مسموحاً لها فعل أي شيء، حسم مصير الدولة بأن تكون دولة دماء. صحيح أن الخطاب لم يعد يطرح أي احتمالية أخرى، ولكن دولة الدماء ليست الخيار على الإطلاق، بالضبط مثل تلك السيارة. عندما ندرك ذلك سنبدأ في البحث عن خيارات أخرى حتى لو لم تكن موجودة. ولكنها موجودة وتنتظر رحلة الامتحان. هذه الخيارات قد تفاجئنا، لكن لا يمكن حتى طرحها في الوضع الحالي.

——————————————–

هآرتس 15/9/2024

مقتل 7 من الوسط العربي في أقل من 24 ساعة.. وبن غفير: لا علاقة لـ”شرطتي”

بقلم: أسرة التحرير

في الساعة الحادية عشرة ليلاً من الأربعاء قتل أحد سكان الرملة في الشارع. وفي حوالي منتصف الليل، قتلت امرأة في مركبة بحي الجواريش في المدينة. ومع بزوغ الفجر، قتل أحد سكان الجُديدة المكر وهو يستقل دراجة نارية، وفي الصباح إياه أصاب شاب ابن 19 أمه بجروح خطيرة في كفر قاسم. في 17:00 ألقيت قنبلة يدوية نحو دكان في الرملة. أم وابنتها في الثامنة من عمرها، طفل في العاشرة وشابة في الـ 24 من عمرها قتلوا. والجمعة حدث قتل إضافي في الطيرة.

سبعة أشخاص من المجتمع العربي قتلوا في إسرائيل في أقل من 24 ساعة. في ذاك الزمن إياه الذي ألقيت فيه القنبلة اليدوية في الدكان، كان الوزير المسؤول والمفتش العام يجلسان لإجمال التعيينات الجديدة في الشرطة والتي ستزيد سيطرة بن غفير على الجهاز. ومنذئذ انفجرت عبوة في مركبة في عكا وأصيب شاب وطفلة ابنة خمسة بجروح جراء إطلاق النار عليهما في جسر الزرقاء. 210 أشخاص قتلوا منذ بداية السنة، 168 منهم من المجتمع العربي، وبدلاً من التصدي للاتهامات، في جولة تستهدف العلاقات العامة في الرملة، فضل الوزير المسؤول اتهام المستشارة القانونية وإسكات الإعلام.

الشرطة هي الأخرى تفضل تركيز مقدراتها على الملاحقة السياسية للمحتجين ضد الحكومة والمؤيدين لصفقة المخطوفين. في الشهر الأخير، اعتقل متظاهرون احتجوا بهدوء في شكل نزهة بجوار منازل وزراء ونواب، ورفضت الشرطة الإفراج عن عشرات المتظاهرين من المعتقل بسبب أمر من “مستويات معينة”، أوقفت وقدمت لائحة اتهام سريعة ضد ابنة 27 اشتبه بها ترشق كرة طين نحو الوزير، وفككت خيمة احتجاج من أجل المخطوفين، ودفعت ابنة عمة كرميل جات، وظهر الجمعة أوقفت ثلاث نساء كن يوزعن منشورات في كنيس.

وينبغي أن يضاف إلى هذا ترفيع سكرتير بن غفير، الذي كان وجه ضباطاً في الشرطة ألا يستخدموا القوة في زمن أعمال الشغب في “بيت ليد”، إلى منصب قائد لواء شاي – اللواء الذي لا توجد فيه الشرطة منذ زمن بعيد. جولة التعيينات الأخيرة أثبتت نهائياً: دحر شرطة شرفاء ومجربين، وترفيع شرطة موالين للوزير. تصمم الشرطة وفقاً لإرادة الوزير.

مساء الجمعة، أشار الناطق بلسان الشرطة الجديد العميد آريه دورون، إلى المذنبين في الوضع. نسمع أن عائلات الجريمة وأناسا يخرقون النظام العام، يستمدون القوة من داخل هذه الاستوديوهات أيضاً”. مثل نتنياهو: بدلاً من معالجة المشكلة، يهاجمون الإعلام.

مع إقامة الحكومة، كان تخوف من أن يقيم بن غفير ميليشيا تأتمر بإمرته. بعد أن روكمت المصاعب على إخضاع الحرس الوطني للوزير، أخضع الشرطة إليه كلياً، وانهارت تقريبا بلا كفاح. هذه خطوة إضافية، حرجة في الطريق إلى الانهيار التام للديمقراطية.

——————————————–

معاريف 15/9/2024

متى سيؤثر تصعيد حزب الله على المستوى السياسي في اسرائيل

بقلم: افي اشكنازي

سجل الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة غير قليل من الإنجازات في القتل ضد حزب الله في لبنان وفي سوريا. ففي الليلة بين الجمعة والسبت فقط ضرب قيادة لحزب الله في النبطية. أصيب مخربون كبار، بعضهم قتل.

وحسب منشورات أجنبية، نجح الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع في أن يضرب بشكل شديد أحد المشاريع الإيرانية في سوريا وفي لبنان – مشروع دقة الصواريخ الذي اخفي جيدا وادخل في داخل صخرة الجبل في قلب سوريا بحيث يصمد امام هجمات من الجو. صحيح حتى اليوم يبدو ان هذا المصنع لن يكون قابلا للاستخدام في اعقاب عملية جريئة لوحدة كوماندو من جيش ما.

حزب الله تلقى ضربة شديدة. لكن مثل الملاكم المحترف، لا يسقط على الأرض في حلبة الملاكمة. فهو لن يسمح للحكم في الحلبة عاموس هوكشتاين بالعد التنازلي.

حزب الله ليس فقط لا يستسلم بل يتحدى الجيش الإسرائيلي. في نهاية الأسبوع نفذ عددا كبيرا من اطلاق المقذوفات. فاطلاق النار نفذه نحو صفد، حتسور الجليلية، روش بينا، عميعاد، حكوك كركوم وغيرها. هذه المرة اطلق النار على جنوب شرق الجليل، الى خط بحيرة طبريا. ادخل حزب الله الى قائمة مداه 70 – 100 الف نسمة آخرين وشطب دفعة واحدة فروع السياحة، التجارة، الحج والمطاعم التي لا تزال موجودة في الجليل.

يعرف نصرالله كيف يقرأ ما يجري في إسرائيل. فهو على وعي من أن القيادة الإسرائيلية ضعيفة. فهو يشخص الانشقاق، الصعوبة في اتخاذ القرارات. بعد الضربة للمبنى في نهاريا، أوضحت إسرائيل بانعدام الفعل بانه يوجد حكم واحد لنهاريا وحكم آخر لتل أبيب. هنا يتواصل المنزلق السلس. يوم الخميس نفذ جس نبض لنتنياهو. اطلق مسيرات طارت من فوق روش بينا الى عميعاد. هذا لم يحصل للمرة الأولى. فنصرالله يريد أن يرى كيف سيرد نتنياهو. هل حكم روش بينا كحكم ليشون لتسيون او جعفتايم.

يوم الجمعة ظهرا أجرى فحصا آخر، هذه المرة اطلق صاروخا الى الحدود الشرقية من روش بينا. رأى ان هذا مر بهدوء. والان يمكن الانتقال الى روتين الحرب. من يحتاج لان يضيع خيرة على بلدات اشباح مثل المطلة او كريات شمونا، بينما يمكن ضرب صفد، روش بينا او حتسور الجليلية – بلدات قديمة لا يوجد في معظمها غرف أمنية وتنقصها الملاجيء العامة؟

يفهم نصرالله الأثر الذي يحدثه. وليس صدفة انه اختار عند اطلاق النار المكثف لتحو 55 صاروخا نحو صفد، روش بينا وحتسور الجليلية الساعة الثامنة – التاسعة صباحا. فهذا موعد صلاة السبت. معظم السكان في المنطقة هم يهود مؤمنون. معظمهم كانوا في الطريق الى الكنيس او فيه. اثر النار كان قويا، هازا، بالضبط مثلما يفعل تقريبا في كل يوم منذ بداية الشهر في بلدات الجليل الغربي وسهل الحولة. النار تنفذ في ساعات الدراسة في المدارس. وهو يعزف على الاعصاب الضعيفة والمكشوفة للاهالي، للامهات.

المرحلة التالية من التصعيد ستكون على ما يبدو مدينة كرميئيل، مستوطنة مجدال وربما أيضا طبريا. السؤال الوحيد هو متى سيؤثر هذا الضغط على المستوى السياسي الذي في هذه الاثناء يفضل الإصرار على ان صخرة وجود امن إسرائيل هي بعامة محور فيلادلفيا.

——————————————–

إسرائيل اليوم 15/9/2024

هذه ليست حربا وجودية فما المصلحة إذن؟

بقلم: بوعز غانور

بروفيسور، مدير عام مؤسس معهد “السياسة ضد الإرهاب” جامعة رايخمان

اختطاف 251 مدنيا وجنديا في 7 أكتوبر هو حدث سابقة على مستوى عالمي، وجود المخطوفين لدى إرهابيين فلسطينيين من منظمات مختلفة، فيما هم موزعون في ارجاء قطاع غزة فوق وتحت الأرض تمنع عمليا قدرة الوصول اليهم وتخليصهم جميعا في عملية عسكرية.

رغم ذلك، منذ بداية الحرب يعرض رئيس الوزراء نتنياهو موقفا مختلفا وبموجبه وحده الضغط العسكري سيؤدي الى تحرير مخطوفين – سواء من خلال حملات عسكرية، ام عندما تكون حماس، الراغبة في تخفيف الضغط، مستعدة لتنفيذ صفقة تبادل في الشروط المريحة لإسرائيل.

لشدة الأسف، هذه النظرية عديمة الأساس. فصفقة التبادل الوحيدة حتى الان التي نفذت في الأسبوع السابع من الحرب، لم تتم بعد ضغط عسكري خاص يتجاوز اعمال القتال العادي التي نفذت منذ بداية الحرب. كما أنه رغم أن القتال الذي استؤنف بعد الصفقة امتد لعشرات الأسابيع تضمن احباطات مركزة لكبار رجالات حماس وكان اشد بكثير، لم ينتج صفقة أخرى ولم يلطف حدة مطالب حماس.

منذ بداية الحرب طرحت حماس ثلاثة مطالب مركزية مقابل “صفقة كل المخطوفين” – وقف الحرب، انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وتحرير سجناء امنيين. مقابلها، لم تكن إسرائيل مستعدة لوقف الحرب وسحب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع، وامتنعت عن البحث في المفاتيح لتحرير السجناء في نهاية الصفقة. في واقع لا يكون فيه الطرفان مستعدين للمساومة على الخلافات الأساسية، حاولت الولايات المتحدة العمل على “صفقة على مراحل” تؤجل البحث في هذه المسائل الجوهرية الى موعد لاحق، لكن يبدو ان هذه الخطوة محكومة بالفشل. فبدون موافقة الطرفين على مزايا انهاء الصفقة، وبدون الموافقة على آليات لانهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، لن يكون ممكنا الوصول الى صفقة شاملة واحدة او على مراحل.

في هذه الظروف، وبغيار خيار عسكري لتحرير كل المخطوفين، يكون مصير المخطوفين قد حسم.

ان المعارضة الإسرائيلية لانهاء الحرب تنبع من قول مغلوط وبموجبه حرب السيوف الحديدية هي حرب وجودية، بينما هذه الحرب – التي لا يوجد أيضا حرب اكثر عدالة منها – هي عمليا حرب خيار تستهدف الضرب الشديد لمنظمة حماس وردع اعدائنا.

لكن بمرور 11 شهرا يبدو أن إسرائيل تواصل انهاء قواتها في حرب استنزاف، ليس فقط لا تعزز عظمتها العسكرية او صورتها الردعية بل تعرض للخطر افضل أبنائها، تستنفد مخزونات السلاح والذخيرة لديها وتقوض مقدر الدعم الدولي وبخاصة دعم الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة، وذلك في محاولة لتحقيق “نصر مطلق” غامض. ان ملاحقة هذه الرؤيا المخادعة تنطوي أيضا على خطر التدهور الى حرب شاملة متعددة الساحات. لهذا الغرض فان انهاء الحرب في غزة هو مصلحة إسرائيلية صرفة.

حتى بدون صفقة مخطوفين على إسرائيل أن تسعى الى صفقة دولية لانهاء الحرب بشكل يسمح لها بسحب قواتها من القطاع، نقل السيطرة على الأرض الى جهة أخرى – فلسطينية، عربية او دولية، لاعادة بناء الامن، المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، والاستعداد جيدا للمعركة مع التهديد الوجودي الحقيقي الذي يقف امامها – ايران ووكيلها – حزب الله.

ان انهاء الحرب والدفع قدما بإقامة حلف عسكري إقليمي بقيادة أمريكية تجاه ايران هي بالتالي “النصر الحقيقي” الذي ينبغي لإسرائيل أن تسعى اليه. الطريق للنصر يستوجب صفقة “كل المخطوفين” سريعة وقصيرة قدر الإمكان؛ صفقة تعكس القيم الجوهرية للمجتمع والفكرة الإسرائيلية، التي تؤدي الى انهاء سريع للحرب وتسمح لإسرائيل بالصعود الى مسار بناء قدرات عسكرية رادعة، تحالفات إقليمية وترتيبات امن لازمة للتصدي للتهديدات الاستراتيجية والوجودية الحقيقية التي تقف امامها. صفقة المخطوفين هي بالتالي الحل وليست المشكلة.

——————انتهت النشرة——————