افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معاريف 23/9/2024
احتمال مقتل يحيى السنوار في هجوم للجيش في قطاع غزة؟
بقلم: بن كسبيت
تحقق إسرائيل في احتمالات مقتل يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، هذه الفرضية طرحها عدد من خبراء شبكة AMN الذين يتعاملون مع الساحة الفلسطينية، لكن حتى الآن ليس لديهم أي سند أو دليل على الأرض. والتي يرفضها جهاز الأمن العام (الشاباك) معتقدا أن السنوار لازال على قيد الحياة.
وبحسب النظرية التي يتم اختبارها، فمن المحتمل أن يكون السنوار قد قُتل أثناء نشاط للجيش الإسرائيلي، دون أن يتم الإعلان عن ذلك أو الإعلان عنه للجمهور.
وأشار مصدر مطلع إلى أنه “كانت هناك حالات في الماضي اختفى فيها واعتقدنا أنه قُتل، لكنه عاد للظهور من جديد”. في الوقت الحالي، احتمال أن يكون السنوار قد قُتل بالفعل ليس مرتفعًا، لكن المعلومات لا تزال قيد التحقيق.
على خلفية الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات صفقة الرهائن، والذي نشأ بسبب الخلافات بين مواقف الطرفين التي لم يتمكن الوسطاء من تقليصها، وفي إطار الجهود الرامية إلى منع نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله، تتشكل خطة بديلة بين الطرفين.
وبحسب المصادر المطلعة، فقد نشأ تفاهم بين كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية على أن الخطوط العريضة لصفقة على مراحل «لا تنجح»، وبالتالي يجب العمل على أفكار بديلة. وتتحدث الخطة البديلة عن تعزيز مراحل الصفقة.
وقد توصلت مؤخراً سلسلة من الأطراف، في إسرائيل والولايات المتحدة، إلى نتيجة مفادها ضرورة تخطي المرحلة المتوسطة، لأن عملية التفاوض برمتها تثبت أنها تجعل من الصعب على الأطراف التوصل إلى اتفاقات.
والفكرة البديلة تعرض صفقة شاملة، في خطوة واحدة، عندما يعود جميع المختطفين، أحياء وأموات، إلى إسرائيل بضربة واحدة؛ يتم إطلاق سراح الاسرى من السجون الإسرائيلية. ويلتزم الوسطاء بنزع السلاح في قطاع غزة ونقل قادة حماس إلى دولة ثالثة.
وبحسب الخطة البديلة التي تمت مناقشتها، مقابل كافة البنود المذكورة أعلاه، تلتزم إسرائيل بالانسحاب من قطاع غزة، في حين يلتزم الوسطاء بنشر قوة متعددة الجنسيات في غزة تشرف على تنفيذ الاتفاق، مع التركيز على نزع سلاح القطاع (تفكيك مستودعات الصواريخ المتبقية لحماس، هدم الأنفاق، الخ).
وسيُسمح لزعيم حماس، يحيى السنوار، والناشطين الرئيسيين في المنظمة الإرهابية، بمغادرة القطاع إلى دولة ثالثة. كما أن جزءًا كبيرًا من قادة التنظيمات الثقيلين الذين سيتم إطلاق سراحهم كجزء من الصفقة – سيتم نقلهم إلى دول ثالثة ولن يعودوا إلى غزة أو أراضي السلطة الفلسطينية.
——————————————–
معاريف 23/9/2024
قوانين اللعب تتغير
بقلم: افي اشكنازي
نجحت إسرائيل في الأيام الأخيرة في مفاجأة نفسها، ومفاجأة ايران وحزب الله، وعلى الطريق اذهال كل العالم. ومع ذلك من المهم ان نعرف الطرف الاخر، الذي يتحدانا، ويجدر بنا أن نلعب حياله بطريقته وبلغته.
أولا، ايران معروفة بعقليتها، بصبرها وطول نفسها. كل شيء يتم في ايران من الرأس وليس من البطن. هكذا في تصدير الثورة، هكذا في المشروع النووي وغيره. وهذا ما تغرسه أيضا في وكلائها في لبنان وفي مناطق أخرى في الشرق الأوسط. على مدى نحو سنة أغلقت ايران على إسرائيل. بعد هجمة حماس في 7 أكتوبر، شغل كل جبهاتها على إسرائيل، فيما أن المركزية منها هي حزب الله في لبنان. هذه المرة كانت إسرائيل هي التي عملت في صبر، من الرأس وبقدر اقل من البطن. هذا الأسبوع رفع لإيران الحساب الأول للتسديد، ويبدو ان إسرائيل جدولت الدين لعدة دفعات. ومعقول حتى ان تجبي فائدة كما هو دارج في السوق.
بعد أن سحق الجيش الإسرائيلي لحزب الله منظومات القيادة ومراكز المعلومات في حرب الاستنزاف بين الطرفين في الـ 11 شهرا الأخيرة، جاء بشكل مفاجيء من جهة خفية هجوم البيجر، الذي فكك لإيران حزب الله من الداخل. الهجوم جعله مكشوفا امام الاستخبارات الإسرائيلية، معقدا، وفي واقع الامر اخرج المنظمة تماما عن توازنها.
يوم الجمعة جاءت الدفعة الثانية في تسديد الدين: إسرائيل صفت رئيس الأركان الجديد لحزب الله إبراهيم عقيل، الذي كان يعرف بأحد المطلوبين في العالم، ومعه صفيت كل قيادة قوة الرضوان، القوة القتالية المركزية لحزب الله. 15 من القيادات الأكثر مركزية للمنظمة في ساحة الجنوب وجدوا انفسهم بين المصفين في الضاحية.
بالتوازي، في اثناء السبت واصل سلاح الجو بشكل منهاجي قصف منظومات النار لدى حزب الله. لقد طور الجيش الإسرائيلي عمليا نموذج قصف لمنظومات اطلاق الصواريخ: في اللحظة التي تشخص فيها الاستخبارات استعدادات لاطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، ينفذ الجيش الإسرائيلي عملان بالتوازي – يعد الجبهة الداخلية للدفاع عن النفس، وبالتوازي ينفذ صيدا للمنصات بواسطة سلاح الجو الذي يهاجمها. حتى الان دمر الجيش مئات المنصات في لبنان.
نصرالله واسياده في ايران يرون الأمور ويفهمون بان إسرائيل مصممة على ضرب حزب الله وتحييده. في هذه الاثناء هي تعمل هذا بشكل جيد جدا، وتبدو ملموسة ضائقة حقيقية في بيروت وفي طهران.
القرار في هذه اللحظة هو في ايدي المستوى السياسي الإسرائيلي. ما ان يصدر الامر، سيعمل الجيش بقوة بلا قيود بهدف تفكيك قدرات حزب الله. الأهداف واضحة: تدمير الضاحية، ضرب الخنادق في البقاع اللبناني، هدم عشرات القرى في جنوب لبنان والتي تشكل قواعد انطلاق لحزب الله، ضرب مخزونات وقود المنظمة وغيرها وغيرها.
ايران تفهم جيدا بانها توجد في مشكلة. فقدان حزب الله هو كفقدان يد، ساق وعين في آن معا. وعليه ففي طهران وفي الضاحية في بيروت يعيدون الان احتساب المسار.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
جبل جليد ضخم يقترب
بقلم: اسحق بريك
في الوقت الذي يحتفل فيه العلمانيون هم لا يلاحظون جبل الجليد الضخم الذي يقترب من سفينتنا، التي تبحر في بحر عاصف، وبعد قليل ستتحطم على ضلع هذا الجبل. يصعب التصديق الى أي درجة هم ساذجون وقصيرو النظر، وكم أنه من السهل على المستوى السياسي والامني، اللذان يقودان الدولة الى الضياع، نثر الرماد في عيونهم.
لا يوجد من يمكن التحدث معه. تبلد الاحساس سيطر على كثيرين، وهم لا يرفعون رؤوسهم لرؤية ما يوجد حولهم وفهم وفحص ما الذي تغير ولماذا. على رأس الدولة تقف قيادة امنية وسياسية مهووسة، انزلت علينا كارثة 7 تشرين الاول، وهي لا تستثني أي خدعة أو حيلة كي تبقى وتتمسك بكرسي السلطة. ورغم النجاح التكتيكي امام حزب الله إلا أن الوضع الاستراتيجي لدينا يتدهور بوتيرة سريعة في كل مجالات الحياة: الامن، الاقتصاد، العلاقات الدولية، المناعة الاجتماعية، التعليم والصحة.
نحن لم نحقق أي هدف من الاهداف التي وضعناها لانفسنا في بداية الحرب: القضاء على حماس وتحرير المخطوفين. عمليا، ليس لدينا أي هدف آخر للحرب لأن بنيامين نتنياهو قرر محاربة كل العالم العربي المعادي لنا. هذه حرب بدون اتجاه أو اهداف أو جدوى، وبدون قدرة على الانتصار فيها، باستثناء التدمير الذاتي الذي نتسبب به لانفسنا ازاء عدم القدرة على الخروج من هذا المضيق. ايضا بعد النجاح التكتيكي في تفجير البيجرات لحزب الله وقتل قيادته العليا فان نيران صواريخه تستمر بلا توقف. نحن ننتشر مع جيش بري صغير بين الشمال والجنوب، ونقف بعجز حيث أمام ناظرينا يتم تدمير دولتنا. هذه هي نظرية “اموت مع الفلسطينيين”. مقاربة من هو مستعد لضرب الاعداء وقتلهم مع المعرفة بأنه بذلك هو نفسه سيُقتل. هناك شعارات يتم اطلاقها في الهواء في قنوات الاعلام، وتتم تغذيتها باكاذيب المستوى السياسي والمستوى الامني، التي تريد التغطية على الفشل امام حماس عن طريق استعراض عبثي للانتصار على حزب الله.
اذا واصلنا هذا النهج فلن نكون هنا. الطريقة الوحيدة التي بقيت لنا هي التوصل الى اتفاق واطلاق سراح والمخطوفين ووقف القتال. كل ذلك على أمل أن يوقف حزب الله ايضا اطلاق النار. هذا الوضع سيمكن من استبدال القيادة العسكرية والسياسية بالانتخابات والانطلاق الى طريق جديدة. وطالما أن نتنياهو ومقاولي التنفيذ لديه، يوآف غالنت وهرتسي هليفي، يستمران في تولي منصبيهما فلن يكون نهوض لشعب اسرائيل.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
هذا هو الوقت المناسب للانعطاف، والتوصل الى اتفاق سياسي
بقلم: رفيف دروكر
منطق متخذي القرارات في اسرائيل لسلسلة العمليات الاخيرة هو كما يلي: هي لم تهدف الى التوصل الى الحسم أو ازالة التهديد، بل فرض على حسن نصر الله فصل العلاقة التي اقامها في 8 تشرين الاول بين قطاع غزة ولبنان، التوقيع معنا على اتفاق منفصل وتجاهل حقيقة أنه لا يوجد اتفاق لوقف اطلاق النار في قطاع غزة. هذا هدف مبرر ومهم. في المفاوضات التي نحب أن نجريها مع أنفسنا فانه يبدو لي أننا توصلنا الى اتفاق. لقد استخدمنا القوة ونفذنا عملية رائعة ونحن مستعدون للنهوض عن الطاولة وتحقيق مكاسب.
ماذا لو أن حسن نصر الله لا يسير بالضبط مع هذا السيناريو الذي كتبناه له؟ وبسبب الضربات الشديدة التي تلقاها هو ايضا يريد ايلامنا والوصول الى طاولة المفاوضات من موقف اقل ضعفا؟ قدرة حسن نصر الله على الايلام اقل نسبيا من حيث التطبيق وهي غير مرهونة بآلاف المقاتلين الذين اصيبوا، وهي ايضا ليست بحاجة الى القدرة القتالية لابراهيم عقيل. اطلاق الصواريخ الثقيلة على مراكز المدن الكبيرة في اسرائيل سيغير المعادلة. هذا الاطلاق سيخلق على الفور الضغط على متخذي القرارات عندنا من اجل الدخول “للتنظيف” و”التطهير” و”الاحتلال”، الكلمات التي نحبها كثيرا.
نحن نذكر جيدا كيف انتهت العملية البرية الاخيرة في لبنان. التورط في مارون الراس، النزيف في بنت جبيل. هل الـ 18 سنة التي مرت غيرت بالكامل معادلة القوة؟ يا ليت. الجيش الاسرائيلي اثبت القدرة على المناورة البرية المدهشة في غزة، لكن يجب تذكر ايضا كيف عمل هناك. عمليات القصف الهستيرية والعمل البطيء. استغرق الامر اسابيع كثيرة الى أن قام باحتلال بيت حانون. فترة طويلة الى أن تجرأنا على الدخول سيرا على الاقدام وليس في السيارات المصفحة. لا يوجد لنا هذا الوقت الآن والجيش الاسرائيلي غير نشيط كما كان في بداية العملية البرية في قطاع غزة.
امكانية التورط هنا كبيرة. موضوعية نتنياهو لا يمكن الاعتماد عليها كما هو معروف. اعتباراته الشخصية تتغلب على أي اعتبار آخر. وزير الدفاع، يوآف غالنت، فاجأنا للافضل في الاشهر الاخيرة. مع ذلك، في الوضع الهستيري الذي حدث، حيث البديل يقوم بالتسخين على الخطوط، فانه لا يمكن الاعتماد على موضوعيته. بالنسبة له انهاء الحرب معناه أن يطير من منصبه.
في بداية حرب لبنان الثانية تم تنفيذ عملية لامعة، “الثقل النوعي”، التي تم فيها تدمير معظم قدرات حزب الله الصاروخية بعيدة المدى. كانت هناك فرصة استثنائية لانهاء قصة، لكن النجاح كما يبدو أسكر متخذي القرارات. حتى أن العملية لم يتم التحدث عنها كثيرا، وشهوة الحسم المطلق أدت الى التورط.
عملية “البيجرات” ولدت كما يبدو من حقيقة أنها على وشك الانكشاف. ولكن رافق الفائدة الكبيرة للعملية ايضا ضرر غير قليل، بالاساس لأنه جعل جهات في لبنان غير محسوبة على حزب الله، تؤيد رد شديد ضد اسرائيل. اذا كانت هناك أي قيود على يد حسن نصر الله في السنوات الاخيرة فهي قيود الرأي العام في لبنان. العملية الاخيرة هي المسؤولة عن تخفيف هذه القيود. مع ذلك، بعد أن تم تنفيذ العملية فان هذه هي الفرصة الاكثر ذكاء لاسرائيل كي تنعطف بسرعة نحو التسوية السياسية. نحن قمنا بالضرب وهم قاموا بالرد. هيا ننهي هذا الامر. هيا لا نعود الى خطأ اطالة حرب لبنان الثانية.
اذا تعلمنا أي شيء من حرب لبنان الثانية فهو أننا قمنا بجلد انفسنا اكثر من اللازم. نحن لم ندرك أنه رغم جميع الاخفاقات البرية إلا أن الضربات التي تعرض لها لبنان أبقت ندب عميقة لدى حزب الله، ندب مسؤولة بشكل كبير عن الـ 18 سنة من الهدوء المطلق تقريبا. من المرجح الافتراض بأنه حتى لو انهينا الآن بدون تلك “الهزيمة” غير المحتملة لحزب الله، فان حسن نصر الله سيرتدع لسنوات كثيرة.
هذا غير مؤكد. وهذا ممكن أنه يخيف بعض سكان الشمال من العودة الى بيوتهم. هذا يبدو سيناريو افضل بكثير من كل السيناريوهات الاخرى. وبالتأكيد هو منطقي اكثر من الدخول الى عملية برية في لبنان.
——————————————–
يديعوت احرونوت 23/9/2024
انتهى عصر الاحتواء
بقلم: رون بن يشاي
في بداية المعركة، وربما الحرب، في الشمال يجب الاعتراف بان حزب الله يهدد إسرائيل في جبهتين. الأولى هي التهديد على عموم الجبهة الداخلية والبنى التحتية العسكرية والمدنية في إسرائيل، بصواريخ بعيدة المدى ثقيلة واساسا دقيقة جمعها حزب الله. الثانية هي جبهة الحدود التي يهددها حزب الله من خلال قوة الرضوان، السلاح الصاروخي، المُسيرات ومضادات الدروع على بلدات الحدود وسكانها. وبينما في الجبهة الداخلية لم يتحقق التهديد على إسرائيل بعد، ففي جبهة الحدود نجح حزب الله عمليا في خلق قاطع أرض محروقة داخل أراضي إسرائيل اخلاها 60 الف من سكانها وهم يعيشون منذ نحو سنة خارج بيوتهم، وهي تدمر وتحترق اكثر فأكثر كل يوم.
في قرار الكابنت قبل نحو أسبوعين قضت حكومة إسرائيل بان هدف الحرب ليس إزالة التهديدين اللذين يطرحهما حزب الله على إسرائيل بل واحد منهما فقط: التهديد على سكان وبلدات الشمال، عمليا حتى خط حيفا. هذه ليست صدفة. فكي يتصدى الجيش ويصفي التهديد العام على الجبهة الإسرائيلية الداخلية يتعين على دولة إسرائيل أن تخرج الى حرب شاملة تكون طويلة وسندفع فيها ثمنا باهظا بالخسائر وبالضرر الاقتصادي في الجبهة وفي الجبهة الداخلية أيضا ومعقول جدا أن تجر أيضا ايران ووكلاءها الاخرين لمشاركة مباشرة في الحرب.
إدارة بايدن – هاريس توضح لإسرائيل في الأيام الأخيرة بضع مرات في اليوم بانها لا تريد حربا شاملة تبدأها إسرائيل لانها ستشعل حربا إقليمية ستضطر الولايات المتحدة لان تشارك فيها، سترفع أسعار النفط في السوق العالمية ومن شأنها ان تتسبب بخسارة كمالا هاريس في الانتخابات. كما أن حزب الله واسيادة الإيرانيين لا يريدون حربا شاملة. نصرالله يعرف أن لبنان وبناه التحتية ستتعرض لدمار رهيب وسكان لبنان، بمن فيهم الطائفة الشيعية، سيتهمونه بالمسؤولية عن الكارثة التي اوقعها عليهم.
إضافة الى ذلك، ترى ايران في الصواريخ الثقيلة المخصصة لان تنزل على مطارات سلاح الجو وعلى الكريا في تل ابيب ذخرا معدا لردع إسرائيل من هجوم على منشآت النووي في ايران – وعليه فان ايران معنية جدا الا تمس الحرب الحالية بسبب حماس في غزة بالمصالح الحيوية للامن القومي الفارسي.
بالمقابل، قررت إسرائيل فتح معركة عسكرية دبلوماسية متداخلة بتعاون مع الولايات المتحدة كي تحقق هدف الحرب المعلن: إعادة سكان الشمال الى بيوتهم بامان. بخطوط عامة، “الفكرة العامة” هي ممارسة ضغط عسكري متعاظم على حزب الله وبالتوازي بذل جهد وساطة دبلوماسية – مرغوب فيه سري – بهدف الوصول الى صيغة تسمح لإسرائيل بتحقيق الامن لسكان الشمال وابعاد نصرالله قواته وسلاحه الثقيل عن حدود إسرائيل دون أن يبدو كمن استسلم وفقد تماما مكانته في العالم العربي.
هذه مهمة غير بسيطة لكنها ممكنة، واساسا اذا ما واصل الجيش الإسرائيلي التمسك بثلاثة مباديء: المبادرة، التواصل والتحكم بالتصعيد. واذا ما ادار الامريكيون بالتوازي – وربما حتى من خلال وسطاء عرب مغفلين – المفاوضات الدبلوماسية للوصول الى ترتيب يكون مقبولا من الطرفين. بالنسبة للضغط العسكري، تفيد التجربة بان حزب الله مستعد لان يتحدث فقط عندما يكون خطر حقيقي على وحدة لبنان الإقليمية وأمن ورفاه أهالي الطائفة الشيعية الذين هم الأغلبية في لبنان.
المبادرة للخطوة اتخذت منذ الان وابتداء من يوم الثلاثاء الماضي نحن نرى اعمالا عنيفة آخذة في التعاظم. والان ينبغي الإصرار على المبدأين الآخرين. بداية التواصل: عدم السماح للعدو بالتنفس، مفاجأته بكل طريقة ممكنة. هذا سيسمح أيضا بتحقق المبدأ الثالث، التحكم بالتصعيد: فالتجربة العسكرية من حرب الماضي تثبت ان الطرف الذي يكون بوسعه أن يواصل التصعيد بعد أن انتقل الطرف الاخر الى القتال السلبي ينتصر بشكل عام في المعركة او في الحرب. لقد جلب الجيش الإسرائيلي الى المستوى السياسي سلسلة خطط اعدها سلاح الجو وشعبة العمليات في الجيش منذ بضع سنوات، وهي تسمح للمستوى السياسي لان يقر مرحلة أخرى في التصعيد المبادر والمتواصل. اذا استمر هذا دون ترك القتال في قطاع غزة ودون تخفيف الضغط على عناصر الإرهاب في الضفة، يكون احتمال ان في غضون بضعة أسابيع – نعم ليس اقل من بضعة أسابيع – سيكون نصرالله واسياده الإيرانيون اكثر انصاتا بكثير للاقتراحات التي تقدم لهم بها الوسطاء سرا كي يحموهم من فقدان الكرامة الذي هو هام جدا في العالم الإسلامي.
في حالة الا تكفي ضربات النار الجوية والمدفعية لاقناع نصرالله الدخول في مفاوضات جدية على الترتيب توجد لإسرائيل إمكانية للتصعيد من خلال مناورة برية. معقول الافتراض بان يناور الجيش الإسرائيلي داخل لبنان بطريقة عمل مشابهة جدا للمناورة الغزية في أكتوبر 2023. في غضون بعض من الوقت سيرابط الجيش على خط ما وعندها توضح إسرائيل والولايات المتحدة لنصرالله بان الانسحاب من هذا الخط لن يكون الا بترتيب. سيكون لنصرالله اسهل بكثير ابتلاع القرص المر لانه على أي حال سيكون الجيش الإسرائيلي في وضع يفكك فيه البنى التحتية والقدرات العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان.
اذا ما تحقق هذا السيناريو فسيكون ممكنا إعادة سكان الشمال الذين اخلوا بيوتهم والبدء بترميم الدمار. اذا لم يوافق نصرالله، فستكون لإسرائيل مفتوحة الطريق للتصعيد الى حرب شاملة. يوجد احتمال جيد ان تفعل خطة الهجوم على مراحل هذه فعلها لكن بعد أن يتحقق الترتيب بواسطة مفاوضات دبلوماسية، يأتي الاختبار الحقيقي لحكومة إسرائيل: فرض الترتيب اذا لم يحترمه حزب الله، والتصميم الذي يعالج فيه كل خرق. على الحكومة في القدس ان تفهم بان عصر الاحتواء انتهى حتى لو تحققت تسوية مرضية.
——————————————–
معاريف 23/9/2024
هل حماس هُزمت؟
بقلم: موشيه بوزيالوف
الكثير من محافل الجيش والمحللين ممن ادعوا في الماضي بان “حماس مردوعة” يقولون الان ان حماس مهزومة. على حد نهجهم، فان الويتها، قادتها وقسما من زعمائها صفوا، ومبناها “العسكري” كف عن الوجود. وفي نفس الوقت لا ينفون الواقع الذي تصطدم به قواتنا كل يوم بمخربين مسلحين، والصواريخ لا تزال تطلق بين الحين والآخر، بما في ذلك الى عسقلان، لكنهم يقولون بالقطع اننا فقط اذا ما عقلنا فخلقنا بديلا سلطويا لحماس، فعندها ستستكمل المهمة.
هذا الأسبوع نشر الجيش الإسرائيلي وثيقة بعث بها قائد لواء خانيونس الى يحيى السنوار وأخيه محمد في شهر أيار من هذه السنة، رسالة تدل على انه وان كانت حماس في ضائقة شديدة الا انها لا تزال تؤدي مهامها.
تصف الرسالة الوضع الصعب للمنظمة: “فقدنا 90 – 95 في المئة من قدراتنا الصاروخية؛ فقدنا 60 في المئة من سلاحنا الشخصي؛ فقدنا ما لا يقل عن 65 – 70 في المئة من مضادات الدروع؛ والاهم، فقدنا على الأقل 50 في المئة من مقاتلينا”.
وان كانت الوثيقة تشهد سطحيا على ان قوات المنظمة توجد في ازمة وربما على شفا الانكسار، ففي اختبار النتيجة في الواقع الصورة مركبة:
حماس تواصل قتال حرب العصابات وتعمل من داخل نطاقات القيادة والتحكم – تحت غطاء مؤسسات مدنية مثل المآوي الإنسانية، المدارس والمستشفيات – التي اقامتها في قلب السكان المدنيين.
المنظمة تعمل بلا كلل على انعاش صفوفها وتجنيد نشطاء جدد – واساسا شباب.
حماس تترمم أساسا في مناطق لا يعمل فيها الجيش الإسرائيلي الان، بما فيها شمال القطاع، خانيونس والمواصي.
حماس تواصل الاستغلال التهكمي لسكان غزة وتجبي منهم نحو 20 في المئة على المساعدات الإنسانية التي تدخل الى القطاع. حسب التقديرات، جمعت حماس حتى اليوم نحو نصف مليار دولار بهذا الشكل.
وبالطبع، حماس تستخدم قوة وحشية على السكان كي تفرض الخوف، بما في ذلك الاعدامات العلنية للسارقين او من يشتبه به كعميل مع إسرائيل، والغزيين الذين يتجرأون على الاحتجاج ضد حكم حماس.
في أيار 2005 كتب العميد في حينه غادي آيزنكوت، في اطار تقرير نهاية منصبه كقائد فرقة الضفة انه “يجدر التخلص من مفهوم الحسم الاستراتيجي والشامل من قاموس المواجهة”. الامر لم يمنع بيني غانتس من الإعلان عن أن “حماس هُزمت” قبل لحظة من انسحابه هو وغانتس من الكابنت، وقبل أن يدخل الجيش الإسرائيلي الى رفح والى محور فيلادلفيا.
بالمقابل، يوجد لكابنت الحرب نهج آخر – نهج بروح الفكر البروفيسور يهوشفاط هركابي الراحل، رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق، الذي وصف الحسم كـ “وضع تقضى فيه على قدرة الخصم وحمله الى وضع من انعدام الوسيلة، وهو يستسلم”.
يهوشفاط هركابي محق: رغم إنجازات الجيش الإسرائيلي المبهرة، فانه طالما بقيت لحماس قدرة على المس بإسرائيل واحتجاز أبنائنا وبناتنا كرهائن – حماس غير مهزومة. في نقطة الزمن الحالية لا يمكن القول من سيكون بديل سلطوي لحماس.
ما ينبغي أن يكون واضحا في أوساط من سيأتي بعدها – وفي أوساط كل جهاز سلطوي مستقبلي مهما كان وما ينبغي أن يحرق لاجيال الى الامام هو وعي الصدمة وذكرى الدمار لمن تحدى مجرد وجودنا وذبح مواطنينا هم وكل مساعديهم.
اختبار الواقع يثبت بانه لن يكون أي بديل محلي لحماس – او في المساعدة الإقليمية و/ او الدولية – قبل أن تهزم بداية.
بعد هزيمة حماس يمكن أن يتبلور بديل مناسب. هزيمة حماس (والجهاد الإسلامي)، الفرع الوحيد للاخوان المسلمين الذي يستولي على حكم في العالم العربي – ستعزز اتفاقات إبراهيم التي تجتاز بنجاح اختبار الحرب في غزة. هزيمة حماس ستكون أساس هام لتوسيعها.
ينبغي التشديد على ان الهزيمة العسكرية وحدها لا تكفي. يجب ان يضاف اليها عنصر وعي تفقد فيه حماس القدرة والرغبة في مواصلة الصراع. ان تغيير الحكم يحتاج الى مسيرة مركبة وواسعة تشارك فيها عناصر أمن، مجتمع واقتصاد. فقط بعد ان يتحقق هذان الهدفان، سيكون ممكنا ضمان نتيجة مستقرة وذات مغزى تؤثر أيضا على المحيط الإقليمي لسنوات طويلة.
ان استمرار القتال حتى تصفية السنوار، تحرير المخطوفين وهزيمة حماس – سيكون نصر مطلق، وهذا في متناول اليد.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
المعركة في لبنان تطرح على ايران معضلة استراتيجية
بقلم: تسفي برئيل
اثنان من الاسماء الجديدة – القديمة اضيفا في هذا الاسبوع الى بنك الاهداف المعدة للتصفية، طلال حمية وعلي كركي، الذي عينه حسن نصر الله لادارة المعركة بعد أن اغتالت اسرائيل فؤاد شكر وابراهيم عقيل. القادة الكبار الذين قتلوا والذين يوجدون على مرمى الهدف هم مجموعة القيادة المخضرمة في حزب الله، في جيل حسن نصر الله (باستثناء حمية الذي هو اكبر منه بعشر سنوات) الذين رافقوه منذ تأسيس الحزب.
من السابق لأوانه تأبين قدرات المنظمة القيادية وقيادتها. حسب حسن نصر الله فانه في 2021 كان عدد اعضاء الحزب 100 ألف مقاتل. وحسب تقديرات اكثر دقة فان العدد هو 40 – 50 ألف، يضاف اليهم عشرات آلاف الاطفال في اعمار 8 – 16 في الاطر شبه العسكرية مثل كشافة الامام المهدي، الذي تخرج من صفوفه قادة واشخاص رفيعين في الحزب. الحزب مبني بصورة هرمية والقرار النهائي هو في يد حسن نصر الله، لكن الحزب يستند الى مجلس شورى ونقل افقي للمعلومات.
مجلس الجهاد، الجسم المسؤول عن الاستراتيجية العسكرية وترجمتها الى عمليات، لا يعتبر غواصة محكمة الاغلاق. في تقديرات الوضع ووضع سياسة الحزب يشارك رؤساء المجالس التي تشكله، التي من بينها المجلس التنفيذي، نوع من “حكومة التنظيم” الذي يترأسه هاشم صفي الدين، وهو يتحكم باقسام مركزية مثل الدعاية والاعلام، الوحدة المالية، القسم الطبي وقسم خدمات الرفاه. اضافة اليها يعمل المجلس السياسي – السياساتي المسؤول عن ادارة منظومة العلاقات السياسية والدولية، والمجلس القانوني ومجلس النشاطات البرلمانية.
رؤساء المجالس والاقسام لا يشاركون بشكل عام في القرارات العسكرية التي يتم اتخاذها بسرية كبيرة. مع ذلك، هم يشاركون في النقاشات حول سياسة الحزب والميزانية والقرارات السياسية التي تتعلق بالحفاظ على مكانة الحزب في النسيج السياسي – الاقتصادي في لبنان. البنية المدنية – السياسية – الاقتصادية لحزب الله لا تقل اهمية عن البنية العسكرية، وقد منحت الحزب قوته في وضع سياسة حكومة لبنان وصد قوانين أو دفعها قدما، وفي منع أو المصادقة على تعيين رئيس الدولة، وحتى التدخل في مواضيع استراتيجية من بينها ترسيم الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان، واستضافة اللاجئين السوريين أو طردهم، وتقسيم السيطرة على الشركات الحكومية.
الاضرار الكبير بسلسلة القيادة العليا تلزم حسن نصر الله بأن يكون اكثر مشاركة في التخطيط على المستوى الميداني وتوسيع صلاحيات السيطرة والقيادة للقادة الجدد. مستويات القيادة في الحزب الذي راكم تجربة قتالية في سوريا – هناك قتل اكثر من ألف مقاتل، تقريبا ضعف عدد القتلى في المواجهات مع اسرائيل في السنة الماضية – تسمح لحسن نصر الله بأن يعين في وقت قصير قادة جدد. في الحقيقة هم اقل تجربة من اسلافهم، لكنهم عملوا بشكل ملاصق لكبار القادة الذين اداروا المنظومة لعشرات السنين وتعلموا اساليب العمل، بالاساس “روح القائد”.
ربما أن ضخ “دماء جديدة” في القيادة العليا يمكن أن يزيد نجاعة حزب الله، حتى لو كانت المعرفة الشخصية والحميمية التي اعطاها القادة الكبار لحسن نصر الله والتي كانت مثابة ذخر كبير، لا سيما فيما يتعلق بالقرارات الاستراتيجية، إلا أنه لم تغب عن الحزب الخلافات الشخصية والفكرية. على سبيل المثال، تعيين شكر وعقيل لترأس هيئة الاركان لم يتم استيعابه بسهولة من شخصيات رفيعة اعتبرت نفسها ليست أقل جدارة منهم. ايضا بين اثنين منتخبين لم يكن دائما توافق على خطط العمل ضد اسرائيل وفي جبهات اخرى.
مسألة اخرى تتعلق بمكانة حزب الله في لبنان بعد الهجمات الكبيرة على قواعده، لا سيما الضربة المدوية التي تكبدها الحزب في الهجوم على منظومات اتصاله اللاسلكية. هنا يجب التمييز بين مكانتين لحزب الله. من جهة، مكانته مقابل القوى السياسية الاخرى في لبنان، والعلاقة بينه وبين الشيعة وقوته في عمليات داخلية، سياساتية. من جهة اخرى، مكانته امام ايران ووكلائها في المنطقة. من ناحية سياسية حزب الله لا يمثل كل الشيعة في لبنان. ولكونه حزب فانه يتقاسم القوة مع حزب أمل، برئاسة رئيس البرلمان المخضرم نبيه بري. حسب استطلاعات اجرتها معاهد ابحاث في لبنان وفي الخارج فان حزب الله يحصل على دعم 70 في المئة في الطائفة الشيعية، ونسبة دعم قليلة في الطوائف الاخرى، حتى لو أنه في السنتين الاخيرتين حدث تآكل ضئيل وثابت في نسبة تأييده.
العلاقة والاعتماد بين حزب الله والشيعة في لبنان يقوم على منظومة متشعبة وممولة بشكل جيد من المؤسسات المدنية، العيادات والمدارس ومنظمات الرفاه والمنظمات النسوية ومؤسسات تمويل تمنح قروض سهلة لسكان القرى الشيعية في جنوب لبنان، اضافة الى صناديق خاصة لترميم اضرار الحرب التي حجم مساعدتها اعلى من حجم مساعدة حكومة لبنان، هذا بفضل مصادر التمويل الكبيرة التي بناها التنظيم اضافة الى المساعدة السخية من ايران ونصيبه في ميزانية الدولة.
التقدير هو أنه في المنظومة المدنية للحزب يتم تشغيل حوالي 70 ألف مواطن، الذين يعتاشون بشكل مباشر من التنظيم، ايضا آلاف المدنيين الذين يستفيدون بشكل غير مباشر من خدماته، مثل ارشاد المزارعين ودورات اسعاف أولي. منظومة الاتصال هذه لا يتوقع أن تتضرر بسبب الحرب، حتى لو اضطر عشرات آلاف السكان في قرى جنوب لبنان الى أن النزوح من هناك. النازحون قالوا لوسائل الاعلام بأنهم “على ثقة بأن حزب الله سيساعدهم على اعادة التأهيل بعد الحرب”، وأنه لا توجد لديهم توقعات كبيرة من حكومة لبنان.
سيطرة حزب الله على الخطوات السياسية امام الاحزاب والزعماء الخصوم لا يتوقع أن تتضعضع. فحزب الله وشريكته الشيعية حركة أمل لا يتمتعان باغلبية في البرلمان، لكن الشراكة مع قوى مختلفة يتوقع أن تستمر في الحفاظ على القوة التي بحسبها يتقرر هل ومتى سيتم انتخاب الرئيس الجديد في لبنان. في هذه القوى يندرج اعضاء مستقلون في البرلمان (حتى الفترة الاخيرة ايضا الحزب المسيحي)، التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي ابنه تيمور هو زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي. الى حين انتخاب الرئيس ستستمر الحكومة المؤقتة (التي هي مؤقتة منذ ثلاث سنوات) برئاسة نجيب ميقاتي في قيادة الدولة.
هذه الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية في المواضيع الداخلية والخارجية، بالاحرى ادارة الحرب أو وقفها. هذه حكومة مريحة جدا لحزب الله، بعيدة عن الحكومة القوية لفؤاد السنيورة التي في العام 2006 جندت المجتمع الدولي لانهاء الحرب في 2006. يجب عدم اطالة الحديث عن الجيش اللبناني. فهو ذراع تنفيذي ضئيل ومفلس، وهو غير قادر على مواجهة القوات العسكرية التي تتفوق عليه لحزب الله والتي تملي حتى سلوك قوة اليونفيل في جنوب لبنان. امام القوى السياسية في لبنان وامام الجيش اللبناني فان حزب الله ليس بحاجة الى الصواريخ أو المسيرات، حتى لو تم تدمير كل منظومة صواريخه وتمت تصفية كل قادته الكبار فستبقى لديه قوة عسكرية يمكنها ضمان استمرار سيطرته السياسية في لبنان وتهديد خصومه.
ضعضعة الحكم الذاتي
السؤال المهم من ناحية استراتيجية هو كيف أن الضربة الشديدة لحزب الله ستؤثر على علاقته مع ايران وعلى مكانته مع وكلائها. في نهاية الاسبوع وصل وزير الخارجية الايراني، عباس عراكتشي والرئيس الايراني مسعود بزشكيان الى نيويورك للمشاركة في لقاء الجمعية العمومية في الامم المتحدة، عراكتشي قال: “في كل ما يتعلق بلبنان فانه من الطبيعي أن يتخذ حزب الله قراراته بنفسه وأن يرد وفقا لذلك (على الهجمات ضده)”. يبدو أن عراكتشي يعبر عن سياسة ايران طوال الحرب التي بحسبها كل “فرع”، لبنان والعراق واليمن، يتصرف بشكل مستقل وفقا للظروف التي يمليها الواقع السياسي في كل دولة من هذه الدولة.
توجد لحزب الله بشكل عام، وحسن نصر الله بشكل خاص، مكانة خاصة، لأن حزب الله هو المنسق والموجه لنشاطات “الفروع” من اجل “وحدة الساحات”. وأي مس خطير بقدرته، ليس فقط هزة معنوية في صفوف الحزب الاقوى من ناحية عسكرية من بين كل الفروع، بل يمكن أن يؤثر ايضا على الفروع الاخرى. لأنه بالفعل يبدو أن “جبهة الدعم” متعددة الساحات، التي تم تصميمها لتعزيز قدرة حماس على التفاوض، اصبحت ساحة واحدة، ولبنان احتلت مكان غزة.
“معادلة الردود” التي اوجدها حزب الله امام اسرائيل خدمت حتى الآن بشكل جيد مصالح ايران، طالما أنها لم تجر طهران الى حرب شاملة، التي يمكن أن تكون مشاركة فيها بشكل مباشر. ايران “ساهمت” بدور المهديء في المعادلة عندما قررت عدم الرد حتى الآن على قتل اسماعيل هنية، رغم أنها تستمر في التهديد بأن الرد سيأتي.
مع ذلك، امام توسيع الساحة في لبنان والتقدير بأن توجه اسرائيل هو نحو الحرب الشاملة، ايران يمكن أنه يجب عليها اتخاذ قرار استراتيجي مؤلم من اجل الحفاظ على ذخرها الحيوي، لبنان بسيطرة حزب الله. ربما هي ستدخل الى هناك في دور الوسيط، أو على الاقل الوسيط تحت الظل، من اجل أن تقود الى انهاء الحرب. واذا كانت ايران تنوي تغيير الاتجاه فسيكون بالامكان سماع اشارات حول ذلك على لسان بزشكيان في الخطاب الذي سيلقيه يوم الثلاثاء في الجمعية العمومية، على فرض أن التطورات على الارض لن تقرر الواقع.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
اسرائيل تستعد لزيادة الضغط على حزب الله لابعاده الى ما وراء نهر الليطاني
بقلم: عاموس هرئيلِ
حزب الله صعد أمس اطلاق الصواريخ نحو اسرائيل وهاجم للمرة الاولى منذ 8 تشرين الاول الماضي منطقة توجد في جنوب خط حيفا – طبرية. هذه كانت رد على الهجمات الواسعة لاسرائيل في لبنان في الاسبوع الماضي. ورغم التصعيد الواضح في تبادل اللكمات إلا أنه لوحظ أمس بأن هناك جهد يبذله الطرفين للبقاء تحت مستوى الحرب الشاملة. مصادر عسكرية قالت للصحيفة بأن الحساسية في الشمال بقيت مرتفعة جدا، وحسب رأي هذه المصادر ستكون حاجة الى مواصلة الضغط الكبير على حزب الله وربما زيادته اذا كانت اسرائيل تريد أن تفرض على الحزب تنازلات تؤدي الى وقف اطلاق النار حسب الشروط التي تريدها.
اطلاق النار من قبل حزب الله بدأ بعد منتصف الليل في يوم السبت واستمر حتى الصباح. اطلاق النار وجه الى قواعد عسكرية وركز على منطقة ابعد من الحدود الشمالية، لكنه لم يتجاوز كثيرا جنوب حيفا. يبدو أن الصواريخ ثقيلة الوزن وذات المدى المتوسط وجهت الى منشأة رفائيل وقاعدة سلاح الجو في رمات دافيد، معظمها تم اعتراضها، والخطر الاساسي كان في كريات بياليك حيث هناك تضررت منازل وسيارات كثيرة بسبب الشظايا. وردا على ذلك هاجم سلاح الجو منصات اطلاق كثيرة في ارجاء لبنان بعدة موجات طوال اليوم.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالنت ورئيس الاركان هرتسي هليفي تفاخروا أمس بانجازات الهجوم حتى الآن وهددوا حزب الله بهجمات اخرى وتعهدا بالعمل على اعادة سكان الشمال الى بيوتهم. رئيس الدولة اسحق هرتسوغ قال إن هجوم يوم الجمعة في بيروت الذي قتل فيها قائد رفيع في حزب الله، ابراهيم عقيل، اضافة الى 15 من نشطاء حماس الكبار في قوة “الرضوان” افشل لقاء تم التخطيط فيه الى “مذبحة 7 اكتوبر 2” على الحدود الشمالية. ايضا رئيس الاركان كرر اقوال بهذه الروحية.
هذه التصريحات يبدو أنه مبالغ فيها. من الواضح أن اللقاء تحت الارض في حي الضاحية في ذروة تصعيد كبير استهدف مناقشة خطط عملياتية للمس باسرائيل. من المرجح أنها وجهت للمدى الزمني الفوري، لكن هناك شك اذا كان حزب الله يستطيع الآن اخراج الى حيز التنفيذ هجوم على صيغة المذبحة في غلاف غزة، في الوقت الذي فيه الجيش الاسرائيلي مستعد بقوات معززة على طول الحدود وجهاز الاستخبارات يبذل جهود كبيرة لمتابعة خطط حزب الله. من المؤكد اكثر أن كبار قادة قوة الرضوان خططوا لعملية انتقام مقلصة ومحددة قرب الحدود.
من التصريحات العلنية لقادة حزب الله الذين بقوا على قيد الحياة، وعلى رأسهم حسن نصر الله ونائبه نعيم القاسم، الذي تحدث أمس، يتبين أن الحزب ينوي الاستمرار في القتال طالما أن اسرائيل لم تتوصل الى وقف لاطلاق النار مع حماس في قطاع غزة. مع ذلك، لا يوجد أي شك في أن حسن نصر الله غير راض عن سير الامور. سلسلة الضربات التي تكبدها الحزب في الاسبوع الاخير غير مسبوقة من حيث حجمها، وهي تضع في ضوء مختلف الميزان بين الطرفين بعد سنة على القتال تقريبا.
في 8 تشرين الاول الماضي انضم حسن نصر الله الى محاربة اسرائيل بعد تردد، لكنه قرر الاكتفاء باطلاق القذائف والصواريخ المضادة للدروع والمسيرات دون ارسال خلايا الى داخل اسرائيل. هذه كانت الطريقة للتعبير عن التماهي مع نضال الفلسطينيين وجباية ثمن من اسرائيل على أمل أن لا يتورط أكثر من اللازم. سلسلة الهجمات الاخيرة التي شملت تفجير آلاف اجهزة البيجر واجهزة الاتصال والتي أدت الى عشرات القتلى وآلاف المصابين في ارجاء لبنان، تثير بالتأكيد علامات استفهام لدى حزب الله حول سياسة حسن نصر الله. حزب الله دفع ثمنا باهظا بسبب مساعدته لحماس، التي لم تكلف نفسها عناء ابلاغه مسبقا بقرارها مهاجمة اسرائيل. ولأن التصعيد لم ينته بعد فان الثمن ربما سيرتفع. من المرجح أن حسن نصر الله يأخذ الآن في الحسبان احتمالية أن تقوم اسرائيل بتصفيته كما فعلت لمعظم القادة الكبار في الحزب. في المقابل، اسرائيل ايضا يجب عليها أن تعرف بأن الحرب الشاملة ستؤدي الى خسائر شديدة في الجيش الاسرائيلي وفي الجبهة الداخلية.
في هيئة الاركان ما زالوا يتوقعون ايام قاسية من القتال، على الاقل في الفترة القريبة القادمة. مصادر عسكرية تحدثت عن محاولة لتغيير قواعد اللعب للتصادم في لبنان. هي تأمل بأن القتال سينتهي بتسوية سياسية تفرض على حزب الله اخلاء اعضائه الى شمال نهر الليطاني. يمكن الافتراض بأن اسرائيل ستفضل تحقيق ذلك بدون الانجرار الى حرب شاملة. ولكن هذه الحسابات تتعلق بشكل كبير بسؤال كم هو عدد المواطنين الذين سيتضررون بسبب هذا الهجوم على جانبي الحدود. قتل عدد كبير من المدنيين، حتى لو كان بالخطأ، يمكن أن يؤدي الى اشتعال كبير.
حتى الآن لم تضرب اسرائيل المنظومات الاستراتيجية لحزب الله ولم تحاول تدمير مخازن الصواريخ الدقيقة للمدى المتوسط والبعيد. وحسب تقارير في وسائل الاعلام العربية فقد عملت قوة كوماندو اسرائيلية في شمال سوريا في بداية الشهر الحالي، حيث قامت بتفجير هناك مصنع لانتاج الصواريخ الدقيقة لحزب الله. ورغم الضربات التي تلقاها مؤخرا فان حزب الله ما زال يشغل بشكل جزئي منظومات قيادته وسيطرته. اطلاق النار أمس يثبت أنه يمكنه ادارة منظومة نيران واسعة نسبيا بالتنسيق المبدئي للاهداف وحدود القاطع.
الولايات المتحدة قررت ارسال الى المنطقة حاملة طائرات اخرى، مع قوة مهمات لسفن اخرى. حاملة الطائرات ستتركز في شرق البحر المتوسط قرب شواطيء لبنان، اضافة الى الموجودة في بحر العرب قرب شواطيء ايران. الادارة الامريكية غير راضية عن عمليات اسرائيل الاخيرة في لبنان، وهي تقلق ايضا من عدم القدرة على الدفع قدما بصفقة التبادل مع حماس. ولكن الامريكيين يستمرون في تقديم المساعدة لجهود الدفاع الاسرائيلية.
أمس قال نتنياهو في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست بأنه ما زال يحتجز في غزة 101 مخطوب اسرائيلي (نصفهم تقريبا على قيد الحياة)، وأنه يجب بذل كل ما في استطاعتنا لاعادتهم. عمليا، كما يعترفون في الادارة الامريكية، فان المحادثات عالقة كليا في هذه المرحلة. ناشط السلام المخضرم غرشون بسكين، الذي ساعد في الوساطة في صفقة شليط في 2011، قال أمس إن حماس موافقة على صفقة من نبضة واحدة، التي فيها سيتم تحرير جميع المخطوفين مقابل عدد كبير من السجناء الفلسطينيين خلال ثلاثة اسابيع. وحسب قوله فان صيغة الاقتراح الذي قدمته حماس معروفة لمكتب رئيس الحكومة ولدول الوساطة.
——————————————–
إسرائيل اليوم 23/9/2024
حزب الله في حالة سقوط حر وإمبراطورية نصر الله تنهار
بقلم: عوديد عيلام
عرضت الباحثة رونيت مرزان عليّ صورة قديمة ذات مغزى رمزي وعميق تذكرنا بالتناقض بين شخصيتين أساسيتين في الشرق الأوسط: الاب قاسم سليماني الذي رحل بمعونة الأمريكيين، كان تجسيدا للرجولية العسكرية – يقف منتصب القامة، وقفة قوية الهيئة – يقبل بنزعة السيد جبين الابن، حسن نصرالله، السمين قصير القامة الذي يطأطيء الرأس، سعيدا ظاهرا، بابتسامة حرجة. سليماني، كما هو معروف، كان زعيما مقاتلا، حاضرا جسدا في كل ساحة معركة – العراق، سوريا، اليمن، لبنان وحتى أفغانستان وامريكا اللاتينية. اما نصرالله، بالمقابل، فلم يكن ابدا رجلا عسكريا. منذ سنين وهو لا يظهر امام جنوده. خطاباته تنقل عبر شاشات الفيديو من خندق آمن جيدا.
بينما كان سليماني “الوجه في الميدان” نصرالله يختبىء. وهو يحيط نفسه بطغمة صغيرة من المستشارين والعسكريين بعمره، رفاقه المخلصين منذ قيام المنظمة، مثابة تعويض عن دونيته كمدني. ومع ذلك رغم الدفاع المحصن الذي بناه حوله، بدأ كل شيء يتفكك. يمكن النظر الى حزب الله كشركة في حالة تفكك. المدير العام نصرالله يفهم الان بان الأقرب عليه – أولئك الشركاء الذين بدونهم لا يمكن للمعركة ان تعمل – يرحلون.
السوق الداخلية تغلي. الطائفة الشيعية التي كانت القاعدة الصلبة لديه، بدأت تبدي علائم هياج – وتخوفه الأكبر هو ان ينتشر هذا الهياج الى طوائف أخرى أيضا. والان هو يجد نفسه مقيدا بخطابية لا تتيح له ايقاف النار حتى وقف النار في غزة. فضلا عن هذا فهو متعلق تماما بزبون فرعي صغير من غزة، سلوكه محبط جدا – يحيى السنوار الذي يبدو كمن أملى التوتيرة ونصرالله ينجر وراء خطواته – نتيجة من شأنها أن تؤدي الى انهيار المنظومة كلها.
وضع حزب الله يشبه شركة كبرى كانت تعتبر حتى وقت أخير مضى لا يمكن هزيمتها. اما الان فهي توجد في أزمة خطيرة. القيادة أصيبت، قدرة الرقابة والتحكم ضعفت والرد محدود. نصرالله اصبح سخرية في العالم السُني. الكاريكاتورات تمس مباشرة برجوليته الجريحة. كما تصف هذا مرزان. هو يقف امام سند محطم: طيف الاعمال التي يمكنه أن ينفذها بات أضيق. وهو لا يعرف ما هي المفاجآت التي يمكن لإسرائيل أن تعدها له في المستقبل القريب.
ومع ذلك مثل كل مدير قديم ومجرب، اثبت نصرالله في الماضي قدرته على الانتعاش من الازمات. وعليه فان الزمن حرج. وكما يقول المثل العربي، “يُضرب الحديد وهو حامٍ”، فان هذه هي الساعة لاستغلال الضعف الحالي لحزب الله وإعادة تصميم حدود القوة في الشمال. محظور على إسرائيل أن تبث رسائل حل وسط. ففي الشرق الأوسط للاقوال توجد أهمية حرجة. هي العملة الأساس التي يتاجر بها السياسيون والزعماء. الخطابية هو السلاح الأقوى لنصرالله. محظور على إسرائيل باي حال ان تتردد او تخشى من حرب شاملة. العكس هو الصحيح. عليها أن تعرض قوة وتصميما.
وكما قيل في الماضي، “الخطر هو جزء من الامل”، واذا ما اخذت إسرائيل مخاطرة محسوبة، يحتمل أن تكون فرصة تاريخية لتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط بشكل ذي مغزى يؤثر على كل الساحات على مدى سنوات طويلة.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
الخمسة الأوائل في حزب الله تمت تصفيتهم، لكن مع لبنان مطلوب تسوية سياسية
بقلم: يوسي ميلمان
عمليات الاغتيال لابراهيم عقيل، رئيس العمليات في حزب الله، في يوم الجمعة الماضي في الضاحية في بيروت، و15 من القادة في قوة النخبة “الرضوان”، هي عملية مثيرة للانطباع وتدل على عمق اختراق الاستخبارات الاسرائيلية. يبدو أنهم في جهاز الامن والمستوى السياسي قد أدمنوا على عمليات التصفية، وهم يعتبرون أنها تقريبا تمثل كل شيء. في منظمات مثل حماس وحزب الله، التي على مدى السنين غيرت شكلها من تشكيلات ارهابية عصابة الى بنى عسكرية، لا يوجد ديناميكية لاستبدال اصحاب المناصب الرفيعة. عندما تقوم اسرائيل بتصفية أي شخص فهي نفسها تسمح بترفيع نواب من تمت تصفيتهم، الذين لديهم هم ايضا تجربة عملياتية. في اسرائيل يجدون صعوبة في الفهم بأن التصفيات عمليا تجدد شباب صفوف القيادة العليا في المنظمة.
في العام 2000 عند انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان لاحظ جهاز الاستخبارات اعضاء “الخمسة الاوائل” في حزب الله، وكان بامكان طائرة مسيرة أن تقوم بتصفيتهم، لكن رئيس الحكومة ووزير الدفاع في حينه اهود باراك الذي خشي من تجدد الحرب لم يصادق على العملية. في العام 2008 قام الموساد والـ سي.آي.ايه، حسب المنشورات، بعملية تصفية مشتركة لعماد مغنية في دمشق. ابن عمه وصهره مصطفى بدر الدين تمت تصفيته في دمشق في 2016 بأمر من قائد “قوة القدس” قاسم سليماني. قبل سبعة اسابيع تقريبا قامت اسرائيل بتصفية فؤاد شكر بقصف جوي في الضاحية، والآن عقيل. الوحيد الذي بقي من هؤلاء الخمسة هو طلال حمية، رئيس جهاز العمليات الخارجية في الحزب، ومعه شخص رفيع آخر هو علي الكركي، قائد منطقة الجنوب.
في حزب الله تم القيام بعملي جماعي منظم، اجراءات عمل ووضع خطط وتسلسل قيادي واضح. في الواقع عمليات التصفية تنزل بالحزب ضربة معنوية، احيانا صعبة. ولكن نجاعة هذه العمليات وتأثيرها محدود زمنيا. والدليل على ذلك هو أنه رغم تصفية الشخصيات الكبيرة إلا أن حزب الله يستمر في الأداء، وأمس زاد مدى اطلاقه.
يبدو أنه في الاسبوع الماضي تبنت اسرائيل نظرية “الضربات العشرة”. هذه بدأت، حسب المنشورات، بعملية تفجير اجهزة البيجر. ومن غير الواضح اذا كان قرار تفعيلها كان الخشية من أنه تم اكتشافها، كما سرب لوسائل الاعلام، أو أن رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الموساد ورئيس الاركان هو الذي أمر بذلك بدون أي صلة. ايضا على فرض أنه لم يكن لدى اسرائيل أي خيار من اجل أن لا تذهب جهود عشر سنوات والاموال الطائلة التي انفقت عبثا، أنا متشكك في ذلك، كان يجب أخذ في الحسبان القاعدة الفولاذية لعالم العمليات وهو خطر الانكشاف قبل الوقت المناسب.
لأن اسرائيل توجد في حالة حرب منذ 7 تشرين الاول الماضي فانه كان يجب عليها ان تكون مستعدة لكل لحظة معطاة كي تفعل في موازاة “عملية اجهزة البيجر” ايضا عملية عسكرية لآلاف الطلعات الجوية واعداد احتياطي بري لعملية اولى خلال ساعات، كل ذلك كي تزيد الى الحد الاقصى المفاجأة وتخلق الصدمة لدى العدو. لم يحدث أي شيء من ذلك.
بعد عملية اجهزة البيجر جاءت تصفية عقيل ومرؤوسيه وهجمات شديدة لسلاح الجو. المنطق الذي يوجه نظرية “الضربات العشرة” لاسرائيل يفترض أنه، مثلما في ضربات مصر التي في نهايتها سمح فرعون لابناء اسرائيل بالتحرر من العبودية، هكذا ايضا حسن نصر الله سيستسلم. ولكن حسب ردود حزب الله، الذي يزيد من وتيرة الاطلاق ويوسعها كي تصل الى مناطق ابعد، فانه يبدو أن حزب الله لا ينوي الاستسلام. حتى يحيى السنوار، رغم أن حماس تمت هزيمتها كمنظمة شبه عسكرية، يواصل محاربة اسرائيل ويدير ضدها حرب استنزاف.
في هذه الاثناء حزب الله يحاول الحفاظ على مبدأ معادلة اللكمات. فالحزب امتنع عن اطلاق الصواريخ بعيدة المدى، القادرة على الوصول الى تل ابيب وتل ابيب الكبرى ومطار بن غوريون، وحتى أنه لم يطلق على حيفا المليئة بالمصانع وعلى الميناء فيها.
اذا استمر منطق التصعيد فانه في القريب سيحدث ذلك، وفي اعقابه سيتم رفع كل القيود والمعيقات من قبل الطرفين. الجيش سيغزو بريا للمرة الثالثة خلال الـ 42 سنة الاخيرة، ومع هجمات شديدة لسلاح الجو، سيحول اجزاء كبيرة في لبنان، بما في ذلك بيروت والميناء والمطار ومحطات الطاقة والبنى الاستراتيجية الاخرى، الى انقاض.
لكن مصيبة الكثير من اللبنانيين لا تعتبر عزاء لمواطني اسرائيل. فالثمن الذي ستدفعه اسرائيل بحياة الجنود والمواطنين والممتلكات سيكون باهظ جدا. وحتى اكبر من الثمن الذي جبته الحرب في غزة. وكل ذلك دون الاشارة الى الخوف من أن تسمح ايران لحليفها وموقع قيادتها المتقدم في البحر المتوسط بأن يتم تدميره وهزيمته. منطق “الضربات العشرة” يمكن أن يعمل فقط اذا كانت ترافقه رؤية استراتيجية، العمل على انهاء الحرب بتسوية سياسية. هذه التسوية محتملة في الوضع الحالي فقط من خلال تطبيق خطة الرئيس الامريكي، جو بايدن، التي هي عمليا خطة بنيامين نتنياهو: وقف اطلاق النار في قطاع غزة، اطلاق سراح المخطوفين وسجناء فلسطينيين، استبدال حكم حماس بسلطة فلسطينية اخرى ووقف اطلاق النار في لبنان، الذي سيؤدي الى ابعاد حزب الله عن الحدود واعادة المخلين في منطقة الشمال الى بيوتهم.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
يهودي يطلب “المواطنة”:
صورت 7 جنود يطاردون طفلاً فلسطينياً فاعتقلوني ورفضوا أوراقي
بقلم: أسرة التحرير
مع اقتراب إسرائيل من حافة حرب في الشمال، تواصل أذرع الدولة تنفيذ سياسة حكومية هدامة في جبهات أخرى، لقد تبين مؤخراً بأن سلطة السكان قررت بأن على قانون العودة أيضاً أن يجتاز مراجعة قومية تتناسب وروح العصر.
ليو فرانكس، يهودي ترعرع في القدس، انتقل مع والديه إلى لندن وهو ابن 11. في نيسان عاد إلى إسرائيل، وتوجه إلى الوكالة اليهودية بهدف البدء بعملية الهجرة الوافدة، وتقدم بالوثائق وتقرر له دور في سلطة السكان. غير أنه لم يأخذ بالحسبان أنه محظور عليه اليوم انتقاد الدولة أو كشف مظالمها.
الظلم المركزي الذي انكشف كان في منطقة جنوب جبل الخليل، حيث حاول توثيق اعتقال طفل فلسطيني. وروى يقول: “رأيت سبعة جنود يتوجهون إلى الطفل، أخرجت كاميرا واعتقلوني على الفور”. صادروا جواز سفره، بحيث لن يتمكن من مواصلة إجراءات الهجرة الوافدة التي أراد استكمالها.
لم تكن المرة الوحيدة التي يتعرف فيها فرانكس على العبث الإسرائيلي؛ فقد اعتقلته شرطة إسرائيل حين عاد من مظاهرة في القدس تنادي بتحرر المخطوفين. وتبين أن هذا أيضاً يعتبر عملاً غير شرعي، ومرة أخرى بعد أن زار الضفة.
عندما رفع فرانكس التماساً إلى المحكمة المركزية في القدس لاستعادة جواز سفره، شرح مندوب الشرطة شموئيل أشكنازي بأن الحديث يدور عن شخص “يحدث جريمة” وأن “الشرطة تحقق معه للمرة الثالثة” وأن “الهدف أن يغادر البلاد”. كان يمكن اعتبار الموضوع تافهاً، ففي الواقع الطبيعي غير مشوه، تحقيقاته الثلاثة هي “محدثة الجريمة” إذ إن الشرطة تتعاون مع المستوطنين في الضفة وفي جبل الخليل ممن يعملون بعنف تجاه الفلسطينيين، ومع الحكومة أيضاً التي حددت المحتجين لإعادة المخطوفين كأعداء.
وقررت سلطة السكان أيضاً التأكد بأن الحديث لا يدور عن مواطن مستقبلي ينتقد الحكومة. سألوا فرانكس: لماذا زرت منطقة جنوب جبل الخليل؟ وحين لم تعجبهم إجاباته – فقد كانت “عامة وعمومية” – رفضوا تمديد تأشيرة السائح له وأوقفوا إجراءات الهجرة الوافدة. بعد ذلك، وكأنه بتأكيد المنزلق السلس الذي تنزلق فيه إسرائيل، ردت المحكمة أيضاً التماسه ضد سلطة السكان، بحجة إجرائية.
قصة فرانكس ليست قصة عن يهودي أراد الهجرة إلى دولة إسرائيل، هي قصة عن دولة تتفكك من عموم ذخائرها الديمقراطية وسلطاتها – الشرطة، سلطة السكان، المحكمة – وتجبن وفقاً لروح القائد. هذا خطر لا يقل عن حرب ضد أعداء خارجيين.
——————————————–
هآرتس 23/9/2024
الخوف من حرب إقليمية شاملة
بقلم: أسرة التحرير
في اليوم الـ 352 لحرب أكتوبر، تشدد إسرائيل هجماتها في لبنان – ومعها يزداد أيضا الخوف من حرب إقليمية شاملة. كل هذا في غياب اتفاق بادٍ للعيان لتحرير المخطوفات والمخطوفين ووقف النار في قطاع غزة.
إن إعادة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم بسرعة هي هدف مهم وضروري. ومع ذلك محظور أن ينسينا التركيز على التكتيك الأمر الأساس: الهدف الاستراتيجي هو حماية الحياة وإعادة الهدوء إلى كل الحدود، وليس الأعمال العسكرية بحد ذاتها.
محظور حتى ولا للحظة واحدة أن ننسى أن الحكومة التي تدير المعركة الآخذة في التعاظم في الشمال هي الحكومة الآخذة في التورط منذ نحو سنة كاملة في حرب دامية في قطاع غزة. فلا يزال يدور الحديث عن حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، ولا يزال يدور الحديث عن نتنياهو قصير النظر الذي يجد صعوبة في أن يخرج إلى حيز التنفيذ خطوات بعيدة المدى وبدلا من ذلك يترك المؤقت ليصبح دائما.
مثلما في القطاع، في الشمال أيضا الخطر هو أن تصبح عملية مبررة هي أيضا سكرة قوة وتكون لهذا آثار في العالم. فمنذ الآن تسمع أصوات في المحافل الدولية تشجب الإصابة الواسعة لمدنيين لبنانيين أبرياء، وكلما غرقت إسرائيل في الوحل اللبناني، إلى جانب غرقها في الوحل الغزي، هكذا ستفقد الشرعية أيضا في المعركة الشمالية.
الحل بعيد المدى للساحتين لم يتغير: اتفاق لوقف نار في قطاع غزة، إلى جانب اتفاق لانسحاب “حزب الله” وقدراته إلى ما وراء حدود نهر الليطاني في لبنان. محظور أن تترك إعادة الحياة إلى شمال الدولة لمصيرهم من لا يزالون على قيد الحياة ومحتجزين في إنفاق غزة.
كما محظور أيضا الاستسلام للأصوات في إسرائيل التي تطالب باستمرار السيطرة العسكرية البرية في قطاع غزة. الآن، تروج هذه الأصوات أيضا لإعادة مثل هذه السيطرة في جنوب لبنان. يبدو أنه نسي بسرعة اكثر مما ينبغي الثمن الباهظ بحياة الإنسان الذي تجبيه “أشرطة أمنية” كهذه. وينبغي الحذر على نحو خاص من أصوات مقلقة تدعو حتى إلى إقامة مستوطنات هناك.
من الأفضل، ولا يزال ليس متأخرا، الاستماع إلى البيت الأبيض. صحيح انه يبدي تفهما كبيرا حتى لأعمال إسرائيل الأخيرة ضد “حزب الله” لكنه يحذر أيضا من استمرار التصعيد ويشدد على أنه لا تزال ممكنة التهدئة بتفاهمات دبلوماسية. كما أنه محظور المراهنة على نتائج الانتخابات لرئاسة الولايات المتحدة، التي ليس فيها على أي حال ما يضمن سياسة أخرى. إذ انه لا توجد حلول سحرية للوضع المعقد الذي توجد فيه إسرائيل. وقف النار، في لبنان وفي قطاع غزة على حد سواء هو فقط مسألة وقت في نهاية الأمر.
السؤال هو كم من الدم سيسفك وكم مخطوفا سيبقى على قيد الحياة حتى ذلك الحين؟ من الأفضل عمل هذا في اقرب وقت ممكن.
——————————————–
هآرتس 23/9/2025
زعيم محاصر في حصن: نتنياهو لا يثق باحد .. ولا احد يثق به
بقلم: روبيك روزنطال
المسلّمة التي ترسخت في انتقاد نتنياهو يمكن تلخيصها تقريبا كما يلي: هو يرفض التوصل الى وقف لإطلاق النار الذي يعني إطلاق سراح المحتجزين، لأنه يخشى من أن يقوم ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بإسقاط الحكومة. كلما أنظر إلى خطوات هذا الشخص تظهر أمامي نتيجة مختلفة. ليس بسبب هذين الشخصين هو يرفض إنهاء الحرب. لو أنه كان يريد حقا الصفقة، لكان عرف كيف يديرهما جيدا. هو يعرف أنه لا يوجد لهما ما يبحثان عنه خارج الحكومة. لكنه هو الذي لا يريد نتنياهو لا يريد التوصل الى الصفقة وانهاء الحرب في كل الجبهات من خلال دافع أساسي أهم: هو يريد أن يمحي عار أكتوبر الذي التصق به. هو يعرف أن هذا التصق به ليس فقط لأن مذبحة 7 أكتوبر حدثت فى فترة حكمه، بل بسبب الأسرار المكشوفة جدا، تعزيز حماس على حساب السلطة الفلسطينية. الثقة بتصور “هم مردوعون” ، الذي كرره مرة تلو الأخرى. تجاهل الأزمة الوطنية في اعقاب الانقلاب النظامي. هو يؤمن بأنه كلما طالت الحرب فسيبتعد عنه عار تشرين الأول الذي يضاف إليه عار عدم إعادة المحتجزين وإخلاء الشمال من السكان. وستنسى حتى الانتخابات القادمة التي سيواصل فيها ألاعيبه الساحرة.
هذا الدافع العميق يفسر كل شيء. هو يفسر لماذا خرب كل عملية كان يمكن أن تقرب اعادة المحتجزين ووقف اطلاق النار، مهما كان مؤقتا تهدئة في الجنوب، تهدئة في الشمال في اعقاب ذلك وعاره سيعود الى مركز الخطاب العام ولن يكون له أي مكان يرميه فيه.
الخوف من أن ينكشف عاره هو اساس جريمته السياسية رقم 1 تحويل الجيش من شريك حيوي وموثوق الى عدو. هكذا هو يعزز صورة “بيبي النصر المطلق” عن طريق ازاحة العار الى الجيش “الذي لا يسمح له بالانتصار”. حسب رأيه العار التصق أصلا بقادته ولا يمكن إزالته. بفضل ماكنة السم التي كانت تحت قيادته فان الجيش لم يعد قوة الدفاع العبرية. الجيش هو فريسة سياسية سهلة له ولأبواقه.
على الطريق هو يدفع ثمنا باهظا كل شيء يحاصره، لكن ذعر العار يساوي كل ذلك. الجملة الأخيرة التي قالها وبصدق كانت في الحديث مع الحنان دنينو، “أنا وحيد أمام الجميع” نتنياهو موجود فى مزاج الزعيم المحاصر في الحصن، الذي لا يثق بأحد ولا أحد يثق به.
جدعون ساعر الذي يقوم بالإغراء نسي كيف قام نتنياهو بإبعاد من حاشيته كل من حاول العمل معه ومساعدته في الحكم. الآن يفعل ذلك بقوة أكبر. الجيش أصبح هو العدو، حول الولايات المتحدة الى عدو، الآن هو ينتظر شبيهه دونالد ترامب، الذي سيقوم بخيانته في أول فرصة اذا تم ، لا سمح الله، انتخابه كل العالم اصبح عدوا تحت قيادة الدبلوماسي رقم 1 إسرائيل كاتس.
يبدو أنه كان يمكنه الخروج من الحصن بعملية منطقية وحيدة توجد على الطاولة، وهي وقف اطلاق النار في غزة واعادة المحتجزين واعادة سكان الشمال وترميم الاقتصاد والدفع قدما باتفاقات ابراهيم والعودة الى أسرة الشعوب. كان يمكنه التقاط صورة وهو يبتسم مع المحتجزين العائدين، ويحصل على حب الشعب وربما ايضا الارتفاع المؤقت في الاستطلاعات. هذه ستكون تسوية غير مرضية ولن تضمن “الخلود” الذي ذكره بجملة ضبابية، لكنه خلود يأخذ في الحسبان حدود القوة في هذا الحي، التي ترتكز الى منظومات دفاع موثوقة الى جانب التوازن السياسي والتسويات الجزئية. ربما هو في أعماقه يعرف أن هذه الحرب يجب أن تنتهي وأن نخرج منها وأن نفكر بمسار جديد. ولكنه لن يفعل كل ذلك لأنه يعرف بأنه في اليوم التالي للحرب ينتظره العار على الباب مع لجنة تحقيق أو بدونها.
——————انتهت النشرة——————