المسار الاخباري: لو جاء كائن من الفضاء الخارجي ونظر الينا من أعلى ماذا كان سيرى. كان سيرى حرب تستمر منذ اكثر من سنة، ولا نرى نهايتها. كان سيرى بأنه لم يتحقق أي هدف من اهداف الحرب، سواء تحرير المخطوفين أو عودة المخلين من الشمال الى بيوتهم أو تدمير حماس أو حزب الله أو ابعاد ايران عن وكلائها. كان سيرى أن اقتصاد اسرائيل في حالة انهيار، والمناعة الاجتماعية في حالة تفكك، وعلى شفا الحرب الاهلية، والعالم المتنور ينفصل عن اسرائيل، والجيش البري تآكل الى اقصى درجة.
هذا الكائن كان سيرى أن الجيش لا يقول الحقيقة للمستوى السياسي عن الازمة الشديدة في صفوفه، وعن جنود الاحتياط الذين 40 في المئة منهم اصبحوا يصوتون بالارجل وهم غير مستعدين للخدمة مرة اخرى، وعن الجنود النظاميين الذين يتم تسريحهم بسبب حالتهم النفسية والجسدية وعدم قدرتهم على مواصلة القتال. كان سيرى ايضا بأن الجيش البري موجود في حالة تفكك من ناحية القوة البشرية وتنقصه الوسائل القتالية.
هذا الكائن كان سيرى بالضبط ما وصفه الصحفي ايتي انغل في برنامج “عوفدا” في الاسبوع الماضي. واليكم ملخص ما قاله (في مقاله عرض ضمن امور اخرى، توثيق لجنازة وعدد من اعضاء حزب الله الذين يطالبون بقتل شعبنا): “العدو تعزز، الثمن الذي يتمثل بحياة الانسان ارتفع، الحل السياسي بعيد اكثر من أي وقت مضى، الصورة التي يتم عرضها لنا، أن حزب الله ضعيف وأن الجيش الاسرائيلي هو المنتصر في الحرب في لبنان، هي مختلفة كليا، هم (مخربو حزب الله) لا يظهرون كمنظمة ارهابية مهزومة وتريد التوصل الى اتفاق سياسي، هم يظهرون كمتعطشين للدماء ومملوئين بالكراهية والثأر. واذا كان كل الجنود الذين فقدناهم من اجل تدمير المزيد من البيوت في جنوب لبنان والسلاح والانفاق، فان هذا فقط مسألة وقت الى أن تتم اعادة بناء كل هذه الاشياء. الصورة التي يعرضها المراسلون والمحللون العسكريون عن الواقع في لبنان لا تتفق مع الواقع الحقيقي”.
هذا الكائن من الفضاء كان سيرى ايضا كيف أن رئيس الاركان هرتسي هليفي يحاول أن يعرض على المستوى السياسي وعلى الجمهور صورة تقول بأن الجيش قوي جدا وقادر على تنفيذ أي مهمة تلقى عليه الى أن يتم تحقيق اهداف الحرب. لذلك فان وزير الدفاع الجديد، اسرائيل كاتس، المقطوع عن الواقع بشكل تام يعلن بأنه يجب مواصلة القتال ضد حزب الله حتى هزيمته بشكل كامل. وهليفي يفعل ما يؤمر به دون أن يشرح له بأن وضع الجيش الاسرائيلي متدني، ولا يمكنه سواء الدخول في عملية برية عميقة أو البقاء في المناطق التي احتلها بسبب النقص الكبير في جنود الاحتياط. الجيش لا يمكنه ايضا وقف مئات الصواريخ والقذائف والمسيرات التي يتم اطلاقها كل يوم وتشل الحياة وتدمر الشمال. رئيس الاركان يساهم في اخفاء الحقائق بشكل كبير الى جانب المستوى السياسي، وفي تفكك الجيش البري والتسبب بعدد كبير من القتلى والمصابين.
هذا الكائن كان سيرى سلوك المستوى السياسي المنحرف، الذي تتغلب لديه الاعتبارات السياسية للبقاء على اعتبارات الامن القومي. وكان سيرى ايضا كيف أن الكثير من ابناء الشعب يتصرفون مثل قطيع هائم، لا يعرف ما الذي يحدث من حوله ويدعم المستوى السياسي والامني المستخذي. كيف أن افضل ابناءنا يهاجرون من البلاد لأنهم فقدوا الامل في بناء مستقبلهم هنا. وكان سيرى كيف وصلت دولتنا، ابنة الـ 77 سنة فقط، الى انجازات بارزة في مجالات كثيرة مثل العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والطب وما شابه، والآن هي تقف على شفا الانهيار.
في نهاية المطاف هذا الكائن كان سيرى كيف فتح وزراء الحكومة عيونهم وادركوا أنه بقوة الذراع لا يمكن تدمير حزب الله وانهاء الحرب. وبناء على ذلك فان الحكومة توجهت الآن الى مسار التسوية السياسية بوساطة امريكية.
مع كل ذلك، بالتحديد رؤساء السلطات المحلية في الشمال لا يوافقون على فكرة التسوية السياسية لأنه بالنسبة لهم لا يمكن الوثوق بأي اتفاق مع حزب الله، وهم يواصلون المطالبة بهزيمته العسكرية المطلقة – وهو الطلب الذي لا يصمد في امتحان الواقع. هؤلاء هم نفس رؤساء السلطات الذين قبل الحرب وثقوا جدا بقدرات الجيش. وحتى أنا شرحت لهم بأنه لا يمكن للجيش أن يقوم بحمايتهم وأنه لا يمكنه هزيمة حزب الله، لكنهم لم يرغبوا في الاستماع، ولم يقوموا باعداد المستوطنات للحرب في أي مجال. لو أن مخربي حزب الله قاموا بمهاجمة مستوطنات الشمال في موازاة هجوم حماس في 7 اكتوبر لكان هناك آلاف القتلى والمخطوفين الآخرين، ولكان تم احتلال كل الجليل. حتى الآن يوجد لدينا 100 ألف مخلى، الذين بلداتهم مدمرة وحقولهم محروقة. في بداية الحرب اردت الالتقاء مع رؤساء السلطات في الشمال والشرح لهم كيف يجب عليهم الاستعداد امام الصواريخ والقذائف والمسيرات التي سيتم اطلاقها نحو مدنهم (قيادة الجبهة الداخلية لم تفعل أي شيء حيال ذلك). ولكنهم رفضوا الالتقاء. رغم ذلك هم لم يدركوا بعد الدرس، ويستمرون في مطالبة الجيش بهزيمة حزب الله بشكل مطلق، وإلا فانهم لن يعودوا الى بلداتهم.
كائن الفضاء الذي ينظر الينا كان سيرى بأن عدد من رؤساء المجالس والبلدات في الجليل الذين تخلوا عن البلدات وعن السكان في الاستعداد للحرب، وايضا اثناء الحرب، لا يستحقون البقاء في مناصبهم. هذا الكائن كان سيرى بأنه منذ بداية الحرب وحتى الآن يوجد لدينا 1772 قتيل و21744 جريح، و787 جندي قتيل، و101 مخطوف (احياء واموات) و143 ألف مخلى من بيوتهم، وتقريبا 300 ألف من الذين يخدمون في الاحتياط تم تجنيدهم، و26240 اطلاق للصواريخ والقذائف والمسيرات نحو اراضينا.
هذا الكائن كان سيعود الى اصدقائه في العالم الخارجي ويقول لهم: “لن تصدقوا ما رأيت، لكن يمكنكم الهدوء. يوجد في الكون اشخاص أكثر جنونا منا”.