أهم الاخباردولي

خبراء قانونيون: ترامب يهدد العدالة بعقوباته على “الجنائية الدولية”

** تريستينو مارينييلو أستاذ القانون بجامعة ليفربول جون مورس:
– قرار العقوبات لا يشمل فقط موظفي المحكمة بل أي شخص يقدم لها دعما وهذا يعيق تحقيقاتها
– إذا خضعت المحكمة لهذه الضغوط فستفقد مشروعيتها ومصداقيتها وتتحول إلى كيان غير قادر على تحقيق العدالة
** هايدي ماثيوز أستاذة القانون في كلية أوسغود هول بجامعة يورك:
– يمكن للمدعي العام للمحكمة أن يتهم ترامب بارتكاب جريمة ضد العدالة
– حال إصدار مذكرة اعتقال بحقه فإن سفر ترامب إلى أي دولة عضو في المحكمة قد يؤدي إلى توقيفه وتسليمه

المسار : يرى خبراء في القانون الدولي، أن القرار التنفيذي الذي وقّعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، يشكل تهديدًا خطيرًا للنظام القضائي العالمي ولمستقبل المحكمة نفسها.

وأكد خبراء  أن تطبيق نموذج العقوبات المخصص للتنظيمات الإرهابية على آلية عدالة دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، يتناقض مع المبادئ القانونية، ما لا يهدد فقط التحقيق في الجرائم المرتكبة في فلسطين، بل جميع التحقيقات التي تجريها المحكمة، من أوكرانيا إلى السودان.

وفي 7 فبراير/ شباط الجاري، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا يقضي بمعاقبة “الجنائية الدولية” لإصدارها مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.

وادعى ترامب في بيان وقتها، أن المحكمة “تستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها المقربين مثل إسرائيل بشكل لا أساس له وغير مشروع”.

وفي تطور جديد الخميس، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان.

** نطاق واسع

البروفيسور تريستينو مارينييلو، أستاذ القانون في جامعة ليفربول جون مورس والمحامي المدافع عن الضحايا الفلسطينيين أمام “الجنائية الدولية”، أشار إلى أن القرارات التنفيذية الأمريكية عادةً تُستخدم ضد الأفراد المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو تجار المخدرات الدوليين.

وقال في حديثه إن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يمثل “تناقضًا واضحًا”.

وأضاف: “المحكمة الجنائية الدولية تُعنى بمكافحة الجرائم الأكثر فظاعة وتوفير العدالة للضحايا، وليس لديها أي بديل آخر، ورغم ذلك، فإنها تتعرض لعقوبات”.

وحذر مارينييلو من أن القرار الأمريكي يشمل نطاقًا واسعًا، حيث لا يقتصر على موظفي المحكمة فقط، بل يستهدف أيضًا أي شخص يقدم دعمًا للمحكمة.

وتابع: “العقوبات قد تشمل أي دعم مالي، مادي، أو تقني للمحكمة. هذا يعني أن أي شركة تقدم برمجيات أو أنظمة تقنية للمحكمة يمكن أن تكون عرضة للعقوبات، وهو ما قد يؤثر بشدة على سير عمل المحكمة، ويجعل التحقيقات أكثر صعوبة بالنظر إلى أهمية الدعم التكنولوجي”.

** استجابة ضعيفة

وانتقد مارينييلو ضعف رد الفعل الدولي من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ موقف أقوى من جمعية الدول الأطراف التي تضم 125 بلدا صادقت على نظام روما الأساسي.

وقال: “ينبغي على الجمعية إصدار إدانة قوية لهذا القرار، ولكن يجب أن تُترجم هذه الإدانة إلى إجراءات ملموسة على الأرض”.

وعن البيان المشترك الذي وقعته 79 دولة لدعم المحكمة الجنائية الدولية، علّق مارينييلو: “إنها بداية جيدة، لكنها ليست كافية”.

وأردف:”من المستغرب أن 79 دولة فقط من أصل 125 قد وقّعت على البيان، فحتى مع كون البيان دبلوماسيًا جدًا، لم توقع عليه بعض الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي، وهذا أمر مقلق”.

وأشار مارينييلو إلى أن الاتحاد الأوروبي لديه أدوات قانونية يمكن أن تساعد في تقليل تأثير العقوبات.

وقال: “يمتلك الاتحاد الأوروبي آلية للحماية من العقوبات، والتي يمكن أن تحد من تأثير أي عقوبات تُفرض على الأفراد أو المؤسسات داخل نطاق اختصاص الاتحاد”.

وشدد على أن “الجنائية الدولية” يجب ألا تستسلم للضغوط، قائلًا: “إذا خضعت المحكمة لهذه الضغوط، فستفقد مشروعيتها ومصداقيتها، وستتحول إلى كيان غير قادر على تحقيق العدالة”.

** نتنياهو وغالانت

وأكد مارينييلو أن على مكتب الادعاء في “الجنائية الدولية” توسيع نطاق تحقيقاته، مشيرًا إلى وجود جرائم دولية موثقة على نطاق واسع لم يتم تضمينها في أوامر الاعتقال الصادرة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.

وأوضح مارينييلو: “هناك العديد من الجرائم التي لم يشملها التحقيق، وعلى رأسها الإبادة الجماعية، التهجير القسري في غزة، أوضاع المعتقلين الفلسطينيين، والجرائم المرتكبة في الضفة الغربية قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول. من الضروري وضع حد للرواية الخاطئة التي تزعم أن كل شيء بدأ في 7 أكتوبر”.

وشدد في الوقت ذاته على ضرورة ألا تظل المحكمة في موقف دفاعي، وقال: “يجب على المحكمة أن تبدأ فورًا تحقيقًا استنادًا إلى المادة 70 من نظام روما الأساسي، إذ أن ما يحدث هو محاولة واضحة لردع موظفي المحكمة عن أداء واجبهم القانوني”.

وزاد: “من المتوقع أن يعلن مكتب الادعاء عن فتح تحقيق بحق المسؤولين الأمريكيين الذين وقعوا على قرار العقوبات، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب”.

كما لفت مارينييلو إلى أن الإجراءات التي ينبغي على المحكمة اتخاذها يمكن تلخيصها في 3 نقاط، وهي دعوة الدول الأعضاء إلى التدخل، ومواصلة التحقيقات في فلسطين وأفغانستان بشكل مستقل ودون خضوع للضغوط، وفتح تحقيق فوري ضد المسؤولين الذين هددوا المحكمة، وفي مقدمتهم الرئيس ترامب.

** ترامب والعدالة

من جهتها، أشارت الدكتورة هايدي ماثيوز، أستاذة القانون في كلية أوسغود هول بجامعة يورك، إلى أن “الجنائية الدولية” لديها خيارات قانونية لمحاسبة ترامب.

وقالت: “يمكن للمدعي العام أن يتهم ترامب بارتكاب جريمة ضد العدالة استنادًا إلى المادة 70 من نظام روما الأساسي، والتي تنص على إمكانية معاقبة أي شخص يتدخل بشكل غير قانوني في عمل المحكمة”.

وأوضحت ماثيوز أن ترامب قد يصبح متهمًا رسميًا في المحكمة إذا تبنى المدعي العام كريم خان هذا النهج، وتابعت: “في حال إصدار مذكرة اعتقال بحقه، فإن سفر ترامب إلى أي دولة عضو في المحكمة قد يؤدي إلى توقيفه وتسليمه. ويمكن أن تتراوح العقوبات بين الغرامات المالية، والسجن، أو كلاهما”.

كما لفتت إلى أن الدول الأعضاء في “الجنائية الدولية” لديها التزامات قانونية تجاه المحكمة، وقالت: “يجب على الدول الأعضاء إدراج الجرائم المنصوص عليها في المادة 70 ضمن قوانينها الجنائية الوطنية”.

وأردفت: “وعقوبات ترامب قد تُعتبر انتهاكًا للقانون الدولي، ما يتيح للدول الأعضاء اتخاذ إجراءات فردية أو جماعية لإجبار الولايات المتحدة على الامتثال لقوانين المحكمة، قد يشمل ذلك فرض عقوبات مضادة أو تعليق التزامات معينة ضمن الاتفاقيات المبرمة مع واشنطن”.

** تهديد خطير

إضافة إلى ما سبق، حذرت ماثيوز من أن العقوبات الحالية تعتبر أكثر شمولًا من تلك التي فرضت خلال ولاية ترامب الأولى، مشيرةً إلى أن هذه التدابير تهدد عمل المحكمة بشكل خطير.

وقالت: “العقوبات الجديدة تشمل كل من يتعاون مع المحكمة، وليس فقط التحقيقات الدائرة حول فلسطين. كما قد تؤدي إلى إغلاق مكاتب المحكمة، وتعريض سرية المعلومات الحساسة للخطر، مما قد يشكل تهديدًا خطيرًا للأشخاص الذين يعملون مع المحكمة”.

وأكدت ماثيوز أيضًا أن هذه العقوبات تقوض قدرة المحكمة على إجراء مختلف التحقيقات التي تطلع بها، وليس فقط التحقيقات المتعلقة بفلسطين.

ودعت الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات قوية لحماية استقلال المحكمة وضمان استمراريتها في تحقيق العدالة الدولية.

وقبل أيام، أدان مقررو الأمم المتحدة، قرار ترامب فرض عقوبات على مسؤولي “الجنائية الدولية” واعتبروه بمثابة “اعتداء على سيادة القانون الدولي يعزز قوة مرتكبي جرائم الحرب”.

وأفادت الخزانة الأمريكية في بيان على موقعها الإلكتروني الخميس، بإدراج كريم أحمد خان على قائمة العقوبات الخاصة بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية “OFAC” التابع للوزارة.

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

المصدر : وكالة الأناضول