مقالات

بين التهدئة والخديعة : خطة ترامب ونتنياهو لإسقاط غزة وتصفية القضية الفلسطينية

المسار …

كتب اسماعيل جمعه الريماوي: في وقتٍ يعاني فيه قطاع غزة من أبشع حرب إبادة تشهدها الأرض في العصر الحديث، تأتي التسريبات الأخيرة حول الخطة الأميركية–الإسرائيلية الجديدة لتكشف أن ما يُطبخ في الغرف المغلقة أخطر بكثير مما يُرتكب من مجازر في العلن ، فبحجة السعي نحو وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجددًا في مشهد المنطقة، مدفوعًا بحلف المصالح مع نتنياهو، ليفرض خطة تتجاوز أهدافها حدود غزة، وتصل إلى صلب القضية الفلسطينية، ومصير شعب بأكمله.

 

الخطة، كما كشفتها مصادر دبلوماسية وإعلامية أميركية وإسرائيلية، ليست مبادرة سلام، بل مشروع تصفية متنكر بثوب “الإنقاذ” ، تبدأ بإعلان نية إنهاء الحرب خلال أسبوعين، تحت ضغط أميركي مباشر على نتنياهو، لكنها لا تنتهي إلا بإقصاء حركة حماس بالكامل عن المشهد، ونفي قادتها إلى الخارج، وتسليم غزة لإدارة عربية تشرف عليها واشنطن وتباركها تل أبيب.

هذا ليس وقفًا للحرب، بل انقلاب سياسي على المقاومة وعلى إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، الذي قدّم آلاف الشهداء في سبيل الكرامة والحرية، ويُراد له الآن أن يُحكم من قبل أطراف لم تطلق يومًا رصاصة في وجه الاحتلال، بل كانت وما زالت شريكًا في حصاره.

الخطير في الخطة أنها لا تكتفي بإقصاء المقاومة ، بل تتجاوزها إلى إعادة هندسة غزة ديمغرافيًا وسياسيًا، حيث تتحدث الخطة عن ترحيل “أعداد كبيرة من سكان القطاع” إلى دول متعددة، في أكبر محاولة علنية لشرعنة مشروع التهجير الجماعي، تمهيدًا لفراغ سكاني يُسهِّل السيطرة على الجغرافيا بلا مقاومة ولا ثقل شعبي، هذه ليست خطة سلام، بل إعادة إنتاج للنكبة بأسلوب أكثر “دبلوماسية” وأقل ضجيجًا إعلاميًا.

أما في الضفة الغربية، فالأمر لا يقل خطرًا ، تعترف الخطة بضم إسرائيل لأجزاء من الضفة، وترضى بمنح الفلسطينيين فتات “دولة” مستقبلية مشروطة بإصلاحات في السلطة الفلسطينية ، أي تفريغ المشروع الوطني من محتواه المقاوم، وتحويله إلى كيان إداري خاضع للتنسيق الأمني مع الاحتلال ، وفي المقابل، يُعاد تسويق “اتفاقيات أبراهام” وتوسيعها لتشمل السعودية وربما سوريا، في مقابل تطبيع شامل يضع الفلسطينيين خارج المعادلة تمامًا.

إن كل بند في هذه الخطة يؤكد أن الهدف الحقيقي ليس التهدئة، ولا الأسرى، ولا إنهاء الحرب، بل تصفية القضية الفلسطينية بطريقة ناعمة وبمسارات موازية، فبدلًا من اجتياح شامل يثير غضب العالم، تُطرح خطة “إعادة إعمار” و”إدارة عربية”، وبدلًا من تهجير قسري مباشر يُطرح “توزيع سكاني إنساني”، وبدلًا من حلّ سياسي شامل، يُعرض اتفاق هش يعترف بالوقائع التي فرضها الاحتلال على الأرض بالقوة.

هذه ليست مؤامرة نظرية، بل خطة مدروسة ومدعومة بديناميكيات إقليمية متواطئة، وغطاء دولي صامت، وخطاب إعلامي يُشيطن المقاومة ويمهّد لقبول البديل، الخطة هي الوجه السياسي للحرب، والضلع الثالث في مثلث التصفية بعد المجازر والتجويع.

إن ما يُراد لغزة اليوم هو أن تُهزم لا بالسلاح فقط، بل بالإرادة ، أن تُنتزع منها رمزية المقاومة، ويتم إفراغها من مضمونها الثوري، لتحل مكانها سلطة وظيفية ، تُدير الناس وتُنسّق مع الاحتلال وتُطبّع مع العالم ، وما يُراد للشعب الفلسطيني هو أن يتحول من شعب مقاوم إلى لاجئين دائمين، موزعين بين عواصم العالم، في مشهد يتكرر لأول مرة منذ النكبة الأولى.

لكن السؤال الأهم: هل تُهزم غزة حقًا بعد كل هذا الصمود وكل هذا الدمار والضحايا ؟ فهل يسكت الشعب الفلسطيني على ذلك ويقبل بتصفية قضيته ونفي قياداته وقصف مدنه وتهجيره باسم “إعادة الإعمار”؟ أم أننا سنشهد ولادة ثوره جديدة، لا تكتفي بإفشال الخطة، بل تُعيد الاعتبار لكل ما حاولوا طمسه من ذاكرة وكرامة وهوية؟

إنها لحظة الحقيقة : إما أن تنتصر غزة بوحدتها وصمودها، أو يُفرض عليها واقع جديد يُكتب فيه تاريخ فلسطين بيد من لا ينتمون لها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الاخباري..

المصدر …وكالة وطن للأنباء