المسار : رافق انطلاق عملية تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان أمس الخميس جدل كبير في ظلّ تضارب الروايات والمواقف، سواء الصادرة عن القوى الرسمية اللبنانية أو الفصائل الفلسطينية، وما خرج به الجيش اللبناني من كميات قليلة جداً وُضِّبت بأكياس وحُمّلت بشاحنة صغيرة في مشهد دفع إلى طرح علامات استفهام كبرى حول جدّية العملية التي سرعان ما حازت على إشادة الموفد الأميركي توماس برّاك، واصفاً إياها بـ”الخطوة الجريئة” و”الإنجاز العظيم”.
وبشكل مفاجئ، بدأت صباح أمس الخميس تخرج معلومات عن اتجاه لتسليم السلاح في المخيمات الفلسطينية ببيروت عند المساء، ما أثار بلبلة فيها، قبل أن يصدر بيان رسمي عن رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني السفير رامز دمشقية يعلن فيه أن المرحلة الأولى من مسار تسليم السلاح ستبدأ الخميس من مخيم برج البراجنة، حيث ستُسلّم دفعة أولى من السلاح وتوضع في عهدة الجيش اللبناني، وستشكّل عملية التسليم تلك الخطوة الأولى، على أن تُستكمل بتسلّم دفعات أخرى في الأسابيع المقبلة في مخيم برج البراجنة وباقي المخيمات.
وبالتزامن مع بدء العملية، وبمواكبة واسعة من وسائل الإعلام، توالت المواقف اللبنانية والفلسطينية، بدءاً بتلك المرحبة الصادرة عن رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام والناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، قبل أن تخرج رواية عن بعض مسؤولين في حركة فتح تشير إلى أن ما جرى تسليمه هو سلاح غير شرعي ومرتبط بمسؤول أقيل منها، يدعى شادي الفار، ومن ثم تطلق بعض الفصائل الفلسطينية موقفاً مفاجئاً بنفي بدء نزع السلاح، واضعة ما حصل في إطار الشأن التنظيمي الداخلي الخاص بـ”فتح”.
في الإطار، قالت مصادر رسمية لبنانية لـ”العربي الجديد” إنّ “القرار متخذ منذ أشهر، وكان يفترض بدء عملية تسليم السلاح في يونيو/حزيران الماضي، لكن ظروف المنطقة حالت دون ذلك. وبغض النظر عن المواقف والروايات التي تخرج، فإن الموقف الرسمي اللبناني متخذ ولا رجوع عنه بشأن حصرية السلاح بيد الدولة”. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن “ما قام به الجيش اللبناني أمس خطوة مهمة جداً، وحتماً ستستكمل في خطوات لاحقة ومخيمات أخرى، انطلاقاً من مقررات القمة اللبنانية الفلسطينية التي عقدت بتاريخ 21 مايو/أيار الماضي، بين الرئيسين اللبناني جوزاف عون والفلسطيني محمود عباس، وقد أكدت سيادة لبنان على كامل أراضيه وبسط سلطة الدولة وتطبيق مبدأ حصرية السلاح”.
من جانبها، قالت مصادر عسكرية لـ”العربي الجديد”، إنّ “ما جرى تسليمه أمس الخميس هو سلاح متوسط وثقيل، ومنه مرتبط بشادي الفار، الذي جرى توقيفه على يد الجيش اللبناني، وبالاتفاق مع اللجنة الأمنية الفلسطينية”، مؤكدة أن “العملية كانت سلسة وهادئة ولم يحصل أي توتر أو إشكال، وهذه الخطوة ستستكمل في خطوات لاحقة وفي مخيمات أخرى، وفق ما هو متفق عليه”.
بدوره، أوضح مدير دائرة العلاقات العامة والإعلام بقوات الأمن الفلسطيني في لبنان عبد الهادي الأسدي لـ”العربي الجديد”، أن “هناك أسلحة سلّمت أمس بناء على الاتفاق الذي حصل بين الرئيسين اللبناني والفلسطيني وتضمّن بنوداً عدة، منها تطوير العلاقة وتعزيزها ورفض التهجير والتوطين، وعيش الفلسطينيين بكرامة، وكذلك تسليم السلاح. وقد بدأت الخميس المرحلة الأولى، على أن تكون المراحل المقبلة ضمن اتفاق بين الجهات اللبنانية والفلسطينية”. وأشار الأسدي إلى أنه “أمس حصل تضارب بالمعلومات وخطأ في التعبير، هناك شاب خالف القرارات وطرد من حركة فتح، وكان يملك السلاح وجرت مصادرته وتسليمه إلى الجيش أيضاً، ولكن ما حصل أمس هو خطوة أولى وستتبعها خطوات أخرى عندما يكون الجيش اللبناني جاهزاً، وإخواننا في الأمن الوطني جاهزون”، لافتاً إلى أن “العملية تقريباً انتهت في مخيم برج البراجنة، والمراحل اللاحقة ستكون في مخيمات أخرى، على الأغلب قد تكون بمخيم البص في صور جنوبي لبنان”.
ولفت الأسدي إلى أن “لا مشكلة لدينا في تسليم السلاح، فهناك قرار من جانب الرئيس الفلسطيني بذلك، ويهمنا أن نكون تحت سقف الدولة اللبنانية وتحت اتفاق معين، خصوصاً أن هناك أيضاً وعوداً من الدولة اللبنانية بإعطاء اهتمام للوضع الفلسطيني الشعبي وحقوق سياسية وإنسانية، ووعود مقابل وعود، والأمور تسير بهذا الشكل في النهاية، فأولادنا يريدون العيش بكرامة ونيل حقوقهم تحت سقف الدولة، ونلتزم بالتالي بما اتفق عليه اللبنانيون بين بعضهم”.
مسؤول في حركة حماس: السلاح يحلّ بالحوار
في المقابل، قال المسؤول الإعلامي لحركة حماس وليد كيلاني لـ”العربي الجديد”، إن “الفصائل الفلسطينية قالت أمس إن ما جرى شأن تنظيمي داخلي يخص حركة فتح ولا علاقة له بمسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات. وبحسب كلام قائد الأمن الفلسطيني صبحي أبو عرب وما سمعناه من حركة فتح فإن ما سُلّم سلاح غير شرعي، ومرتبط بالسلاح الذي كان بحوزة شادي الفار، وهو سلاح متوسط إجمالاً”. ولفت كيلاني إلى أن “السلاح الذي سُلّم أمس موضب بأكياس وملأ نصف شاحنة، فهل هذا هو السلاح الموجود في مخيم برج البراجنة فقط؟ وماذا عن مخيم مار إلياس وغيره من المخيمات؟”، معتبراً أنّ “ما حصل بروباغندا إعلامية، لإظهار تنفيذ قرارات عباس”، مستغرباً كذلك “كيفية تسليم صواريخ وقذائف وبوجود جمع من الصحافيين، فماذا لو انفجر أي منها مثلاً؟”.
وشدد كيلاني على أن “الموضوع حسّاس ويحتاج إلى حوار ونقاش، فعمر السلاح قديم جداً، ولا يمكن حلّه بـ48 ساعة. كان هناك سلاح خارج المخيمات جرى تسليمه سابقاً، ولكن السلاح في الداخل يتم تسليمه بالحوار والتفاهم، ولا نريد أن يكون المدخل لحل قضية اللاجئين من خلال الموضوع الأمني والسلاح”. وأضاف “هناك لجنة حوار لبناني فلسطيني برئاسة السفير دمشقية وتم تشكيلها من مجلس الوزراء اللبناني، وفيها أكثر من 90% من الفصائل الفلسطينية، ويفترض أن يوضع الموضوع على طاولة الحوار للنقاش به، ونحن على ثقة بأننا سنصل إلى قواسم مشتركة وحلول ترضي الجميع”. واستدرك بالقول: “لكن أن تختصر قضية اللاجئ الفلسطيني ببندقية فهذا لا يجوز، فالقضية عمرها 77 سنة من الحرمان والمعاناة والجوع والتهميش، لذلك يجب فتح الملف على مصراعيه، ويكون النقاش عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وأمن المخيمات وموضوع الأونروا ومواضيع أخرى تهم اللاجئين الفلسطينيين”.