المسار ”: تحت عنوان: “خطة السلام التي طرحها دونالد ترامب.. تسوية بهيكل هش وغير مُلزم لإسرائيل”، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على النص يوم الإثنين. وإذا وافقت حركة حماس، فإن النزاع سيتوقف فوراً، وسيكون أمام الحركة مهلة حتى الثاني من أكتوبر للإفراج عن جميع الرهائن. أما الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة فليس محدداً بجدول زمني واضح.
من لا يرغب في “سلام أبدي” في الشرق الأوسط؟ بدا أن خطة الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، المؤلفة من 20 بنداً لإنهاء الحرب في غزة، تمثل فرصة لا يمكن تفويتها. فخلال استقباله نتنياهو، لم يبخل ترامب بالمديح لمستشاريه، ولضيفه، ولزعماء المنطقة، وقال: “وعد شرق أوسط جديد بات في متناول اليد”. غير أنّ هيكلية الخطة كشفت عن هشاشتها منذ البداية، خصوصاً مع غياب جدول زمني ملزم لانسحاب القوات الإسرائيلية، في انتظار الرد الرسمي من حركة حماس.
هيكلية الخطة كشفت عن هشاشتها منذ البداية، خصوصاً مع غياب جدول زمني ملزم لانسحاب القوات الإسرائيلية
وقال نتنياهو: “أدعم خطتكم لإنهاء الحرب في غزة، والتي تحقق أهدافنا الحربية”، فاتحاً لأول مرة الباب أمام هذا الاحتمال. وتنص الوثيقة على وقف كامل للقتال بمجرد موافقة الطرفين عليها. وفي مساء الاثنين، سلّم كل من قطر ومصر النص إلى حركة حماس – أو ما تبقى من جهازها السياسي – التي التزمت بدراسته.
وبحسب البند الرابع من الاتفاق، ينبغي أن يتم بحلول مساء الخميس 2 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد اثنين وسبعين ساعة من المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض، إطلاق سراح جميع الرهائن الباقين. وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد، وأكثر من 1700 أسير من غزة اعتقلوا منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
مسألة نزع السلاح
الخطة، التي أُعدّت من دون مشاركة فلسطينية، تمنح عفواً عاماً وفرصة لمغادرة غزة لعناصر حماس الذين يتخلون عن السلاح. كما يُفترض أن تتدفق المساعدات الإنسانية “من دون تدخل من الطرفين، عبر الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر”. لكن لم يُذكر ما إذا كانت وكالة الأونروا – المنبوذة من إسرائيل – ستُعاد إلى العمل. أمّا النقطة المركزية غير المحسومة فهي مسألة نزع سلاح القطاع، والتي تعني بالنسبة لحماس شكلاً من أشكال الانتحار السياسي. ومع ذلك، قال ترامب: “إنها حركة حماس مختلفة نتعامل معها”، في إشارة إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدتها.
النقطة المركزية غير المحسومة هي مسألة نزع سلاح القطاع، والتي تعني بالنسبة لحماس شكلاً من أشكال الانتحار السياسي
من المقرر أن يجري جمع الأسلحة وتدمير البنية التحتية العسكرية المتبقية، مثل الأنفاق، تحت إشراف “مراقبين مستقلين”. كما ستُنشر فوراً قوة دولية للاستقرار، مؤلفة أساساً من دول عربية، تتولى المسؤوليات الأمنية. وفي إطار خطة تدريجية لم تتحدد تفاصيلها بعد، ستنقل إسرائيل السيطرة على القطاع إلى هذه القوة.
وتحت ضغط واشنطن، قدّم نتنياهو بعض بوادر حسن النية، لكنه لم يقدّم تنازلات كبيرة، إذ يمكن أن ينهار “بيت الورق” عند أول ريح معاكسة. وقال: “إذا رفضت حماس خطتكم، سيادة الرئيس، أو قبلتها شكلياً ثم عرقلتها، فإن إسرائيل ستنجز المهمة وحدها. وقد يتم ذلك بسهولة أو بصعوبة، لكنه سيتم”.
هذا الاحتمال يرضي ترامب، الذي قال: “ستحظى إسرائيل بدعمي الكامل لإنهاء مهمة تدمير تهديد حماس” في حال عدم الالتزام بالاتفاق. باختصار، تطلب واشنطن من حماس تسليم جميع الرهائن وجميع أسلحتها، والتخلي عن أي نفوذ في الحياة العامة في غزة وحلّ نفسها بمساعدة دول مثل قطر. وإلا فإن معاناة المدنيين في القطاع ستتضاعف.
باختصار، واشنطن تطلب من حماس تسليم الرهائن والأسلحة والتخلي عن نفوذها في غزة وإلا ستتضاعف معاناة المدنيين
غياب جدول زمني ملزم
في المقابل، لا يوجد أي جدول زمني ملزم للانسحاب الإسرائيلي سوى المرحلة الأولى، إذا أُطلق سراح الرهائن. وقد أوضح نتنياهو تفسيره للخطة، مشدداً على أن التحركات الأولى للجيش ستكون “محدودة”، وحتى في حال نزع سلاح حماس بالكامل، فإن الجيش الإسرائيلي سيواصل السيطرة على “محيط أمني في المستقبل القريب”، ما يعني استمرار الحصار المفروض منذ 18 عاماً، وإن لم يعد شكلاً جديداً من الاحتلال.
أما مستقبل حكم غزة، فإن الخطة لا تحقق طموحات اليمين الإسرائيلي المتطرف بالضم أو التهجير الكامل. وجاء في الوثيقة: «لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يرغب بالمغادرة سيكون حراً بذلك، كما سيكون حراً في العودة»، من دون توضيح ما إذا كانت مصر ستقبل بفتح الحدود.
يُستبعد أي عودة للسلطة الفلسطينية إلى القطاع، بسبب غياب أي إعادة هيكلة حقيقية في ظل قيادة محمود عباس
في المقابل، يُستبعد أي عودة للسلطة الفلسطينية إلى القطاع، بسبب غياب أي إعادة هيكلة حقيقية في ظل قيادة محمود عباس. وقال نتنياهو: «ستكون في غزة إدارة مدنية سلمية، لا يديرها لا حماس ولا السلطة الفلسطينية». هؤلاء الفلسطينيون، الذين لا يُعرف بعد ملامحهم أو شرعيتهم، سيتلقون الدعم – بحسب ترامب – من “خبراء مؤهلين من جميع أنحاء العالم”. كما أعلن الرئيس الأميركي أنه سيترأس “مجلس السلام”، الذي ستخضع له هذه الإدارة لتأمين الحد الأدنى من احتياجات السكان المنكوبين. وسيكون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عضواً فيه.
تعايش سلمي ومزدهر
كرّر ترامب إطراءه على نتنياهو، الذي وصفه بـ”المحارب”، لكنه أشار أيضاً إلى “الحشود الكبيرة” في شوارع إسرائيل، المطالبة بعودة الرهائن وبإنهاء الحرب، وهي حشود قلّل نتنياهو من شأنها. وقال ترامب: “خلال لقائنا اليوم، كان رئيس الوزراء واضحاً بشأن رفضه لدولة فلسطينية”، من دون أن يوضح موقفه الشخصي من هذه القضية الجوهرية.
تشير النقطة الأخيرة من الخطة إلى “أفق سياسي من أجل تعايش سلمي ومزدهر”، وهي صياغة فضفاضة لا تحمل مضموناً عملياً، لكنها تحفظ ماء الوجه للدول العربية
وتشير النقطة الأخيرة من الخطة إلى “أفق سياسي من أجل تعايش سلمي ومزدهر”، وهي صياغة فضفاضة لا تحمل مضموناً عملياً، لكنها تحفظ ماء الوجه للدول العربية. وفي بيان مشترك، رحبت مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات وتركيا وإندونيسيا وباكستان، الإثنين، بـ”الجهود الصادقة” لترامب من أجل السلام. وأعربت الدول الأوروبية أيضاً، وفي مقدمتها فرنسا، عن دعمها، مؤكدة أن الأولوية القصوى للجميع هي إنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين.
من جانبه، قدّم نتنياهو اعتذاراً، علنياً وخاصاً، لقطر عن الضربة التي استهدفت في 9 أيلول/سبتمبر مقر حماس في الدوحة. وقال البيت الأبيض إن اتّصالاً هاتفياً جرى بين ترامب ونتنياهو ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث عبّر نتنياهو عن “ندمه العميق” لمقتل ضابط قطري في الضربة، واعترف بـ”انتهاك السيادة القطرية”، مؤكداً أن إسرائيل “لن تقوم بهجوم من هذا النوع في المستقبل”.
عودة جاريد كوشنر
تمثل هذه الخطة عودة جاريد كوشنر – صهر ترامب ومستشاره في ولايته الأولى – إلى المسرح السياسي، إذ جلس في الصف الأول يوم الاثنين إلى جانب نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو. وكان كوشنر قد انصرف إلى الأعمال عبر صندوق الاستثمار “أفينيتي بارتنرز”، الذي يعد الصندوق السيادي السعودي شريكه الرئيسي. وكما فعل مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف، لطالما خلط كوشنر بين المصالح الخاصة والدبلوماسية.
وفي شهر فبراير 2024، خلال مؤتمر في كلية كينيدي بجامعة هارفرد، دافع عن فكرة إقامة “منطقة آمنة” في صحراء النقب لإيواء سكان غزة مؤقتاً، “إلى أن يُنجز القضاء على حماس في القطاع”، كما أشاد بالقيمة العقارية المحتملة لشواطئ غزة.
وبعد عام، عاد ترامب إلى البيت الأبيض ليطرح فكرة وضع القطاع تحت سيطرة الولايات المتحدة وتحويله إلى “ريفيرا”. وبذلك، تُعد الخطة التي عُرضت يوم الإثنين عودة إلى مقاربة أمريكية أكثر واقعية، رغم ما يحيط بها من تساؤلات.