الصين تحذر: لا نسعى لحرب تجارية مع واشنطن لكننا مستعدون لها

المسار : في أول رد رسمي على تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أصدرت وزارة التجارة الصينية، أمس الأحد، بياناً مطولاً وصفت فيه الخطوة الأميركية بأنها “مثال صارخ على ازدواجية المعايير”. وأكدت الوزارة أن بكين “لا تسعى إلى حرب تجارية، لكنها لا تخشاها”، في إشارة إلى استعدادها لاتخاذ إجراءات مقابلة لحماية مصالحها، معتبرة أن قرار واشنطن يقوّض أجواء التفاهمات التي جرى التوصل إليها مؤخراً في محادثات مدريد، ويهدد بتفجير هدنة استمرت ستة أشهر بين أكبر اقتصادين في العالم.

تأتي الأزمة الجديدة بعد ستة أشهر فقط من هدنة تجارية هشة بين القوتين الاقتصاديتين، أبرمت في أعقاب محادثات مدريد في إبريل/نيسان الماضي، والتي سمحت للطرفين بخفض الرسوم الجمركية مؤقتاً، واستئناف التبادل التجاري في قطاعات التكنولوجيا والطاقة. غير أن هذا التوازن الدقيق بدأ بالاهتزاز مجدداً، مع إعلان الصين الأسبوع الماضي قيوداً على تصدير 12 نوعاً من المعادن النادرة، بينها “الهولميوم” و”الإيتربيوم” و”الثوليوم”، وهي عناصر تستخدم في صناعات دقيقة تشمل محركات الطائرات، والرادارات، والسيارات الكهربائية، وتعتبر حيوية أيضاً لصناعة الشرائح الإلكترونية والذكاء الاصطناعي.

وبحسب وكالة رويترز، فإن الولايات المتحدة استوردت العام الماضي ما قيمته أكثر من 4.5 مليارات دولار من منتجات تعتمد على هذه المعادن، ما يجعل القرار الصيني ضربة مباشرة لسلاسل الإمداد الأميركية الحساسة. ورد ترامب سريعاً ببيان عبر منصة “تروث سوشال”، اتهم فيه بكين بـ”احتجاز العالم رهينة” عبر التحكّم في موارد استراتيجية، معلناً أنه سيوقع على قرار فرض رسوم بنسبة 100% على السلع الصينية كافة، إلى جانب ضوابط تصدير جديدة على البرمجيات الحساسة قبل الأول من نوفمبر.

نفاق تجاري

في المقابل، جاء البيان الصيني الصادر، صباح أمس الأحد، بمثابة “رد مواز في الحجم والنبرة”، كما وصفته “بلومبيرغ”. فقد اتهمت بكين وزارة التجارة الأميركية بـ”النفاق”، مشيرة إلى أن واشنطن هي من بدأت التصعيد عبر توسيع قائمة الكيانات الصينية المحظورة تجارياً، وفرض رسوم موانئ على السفن الصينية في انتهاك للاتفاقات المبرمة. وقالت الوزارة إن “الإجراءات الأميركية أضرت بشدة بمصالح الصين، وأضعفت أجواء المحادثات الاقتصادية الثنائية”، مؤكدة أن “إجراءات التصدير الصينية لا تستهدف الولايات المتحدة أو أي دولة بعينها، وإنما تهدف لحماية الاستخدامات المدنية المشروعة، ومنع استغلال هذه الموارد في تطبيقات عسكرية”. وأضاف البيان أن الولايات المتحدة تتحدث عن حرية التجارة، بينما تمارس الإكراه الاقتصادي ضد شركائها، واصفاً خطاب ترامب بأنه تعبير عن ازدواجية المعايير، وعدم احترام مبادئ السوق الدولية.

وعلى عكس ما حدث في جولات سابقة من الصراع التجاري، لم تعلن الصين أي رسوم انتقامية جديدة، في خطوة فُسرت على أنها “هدوء استراتيجي مدروس”. وقالت “رويترز” إن بكين اختارت الرد السياسي بدل الجمركي، إذ اكتفت بالتحذير من أنها “ستتخذ إجراءات حازمة إذا لم تصحح الولايات المتحدة مسارها”. ويرى محللون أن هذا الموقف يهدف إلى إبقاء الباب مفتوحاً أمام التفاوض الدبلوماسي، وربما إنقاذ القمة المزمعة بين الرئيسين شي جين بينغ وترامب نهاية الشهر الجاري، التي باتت مهددة بالتأجيل أو الإلغاء.

“الخط الأحمر” الصيني

حسب وكالة بلومبيرغ الأميركية، رسم الرئيس الصيني شي جين بينغ خطاً أحمر واضحاً أمام الإدارة الأميركية، مؤكداً أن أي توسّع جديد في قيود التصدير أو في الإجراءات التقنية التي تستهدف الشركات الصينية سيعد تجاوزاً مباشراً لهذا الخط. وقالت الوكالة إن هذا الموقف لم يأت في بيان رسمي، بل في سلسلة من التوجيهات الداخلية واللقاءات المغلقة مع كبار المسؤولين في الحزب الشيوعي، حيث شدد شي على أن السيادة الصناعية للصين ليست قابلة للتفاوض، وأن الدفاع عنها يعتبر واجباً وطنياً. ووفقاً لبلومبيرغ، فإن هذا التوجه يشكّل تحولاً استراتيجياً في خطاب بكين، إذ لم تعد ترى الحرب التجارية مع واشنطن مجرد نزاع على الرسوم الجمركية، بل معركة لتثبيت حقها في امتلاك التكنولوجيا الفائقة وسلاسل الإنتاج العالمية. وأوضحت الوكالة أن “الخط الأحمر” الذي حدده شي يعني عملياً أن أي محاولة أميركية لإعادة هندسة سوق التكنولوجيا العالمي بما يهمش الدور الصيني ستقابل بإجراءات انتقامية، قد تبدأ بتقييد المعادن النادرة، وتمتد إلى استهداف شركات أميركية داخل الصين.

وأشارت “بلومبيرغ” إلى أن القيادة الصينية أبلغت دوائرها الدبلوماسية والاقتصادية بأن هذا “الخط الأحمر” ليس شعاراً سياسياً، بل سياسة دولة رسمية ستطبق بلا تردد. فبكين تعتبر أن الدفاع عن استقلالها الصناعي والتكنولوجي بات عنصراً من عناصر أمنها القومي، وأن ما يقوم به ترامب من رفع للرسوم الجمركية إلى 100% وتوسيع لقيود التصدير على البرمجيات الحساسة يهدد هذا الاستقلال مباشرة. وأكدت الوكالة أن حديث شي جين بينغ عن “الخط الأحمر” جاء في وقت تزداد فيه الضغوط الداخلية عليه، للحفاظ على مكانة الصين الاقتصادية، بعد التباطؤ الأخير في النمو، لذلك فإن إعلانه هذا الخط لم يكن موجهاً إلى واشنطن فحسب، بل إلى الداخل الصيني أيضاً، لطمأنة النخب الاقتصادية بأن البلاد لن تتراجع تحت الضغط الأميركي.

سلاح ناعم

تُعتبر المعادن النادرة قلب الصناعات التكنولوجية الحديثة، وهي 17 معدناً، تستخدم في تصنيع الشرائح الدقيقة، والمغناطيسات، والمحركات الدقيقة، والأنظمة العسكرية. وتسيطر الصين، وفقاً لتقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، على نحو 70% من عمليات التعدين، و90% من عمليات المعالجة على مستوى العالم، ما يمنحها نفوذاً استراتيجياً هائلاً في السوق. وبحسب “بلومبيرغ”، فإن بكين صدّرت في عام 2024 أكثر من 52 ألف طن من المعادن النادرة، وحققت عائدات تتجاوز 14 مليار دولار، معظمها من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان. ومنذ صيف 2023، بدأت الصين استخدام هذه الورقة الاقتصادية أداة ضغط ناعمة، عبر فرض تصاريح مسبقة، وإلزام الشركات الأجنبية بالحصول على موافقات لاستخدام المعادن في التطبيقات الصناعية الحساسة، وهي سياسة تعتبرها واشنطن أداة ابتزاز اقتصادي، بينما تصفها بكين بأنها ممارسة سيادية مشروعة لحماية الأمن القومي.

Share This Article