الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

القناة 12 العبرية 13/10/2025

بعد الحرب وبدء إعادة الإعمار: هذا ما يُتوقع حدوثه في الاقتصاد

بقلم: ليئور باكالو

إن توقيع المرحلة الأولى من صفقة الرهائن واتفاق إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس يُنعش الآمال في انتعاش اقتصادي، لكن الخبراء يُحذرون من أن الطريق لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات. ووفقاً لأفيشاي بن حاييم، الرئيس التنفيذي لشركة روثستاين للإنشاءات، فإن توقيع الاتفاقية يُمثل “نقطة تحول ويُعيد الشعور بالثقة الذي كانت السوق تنتظره منذ اندلاع الحرب”. ومع ذلك، وكما يُشير إليت بيليغ، نائب رئيس شركة كيلي بريميوم التابعة لمجموعة كيلي، فإن “الوضع متقلب للغاية، ولن نتمكن من الاحتفال بإنجاز المشروع حتى نرى جميع الرهائن هنا”. لن يختفي الضرر الذي لحق بالعلامة التجارية الإسرائيلية بين عشية وضحاها، وكما يُشير الرئيس التنفيذي لمنظمة الائتمان الاجتماعي أوجين ساغي بيلشا: “يجب التقدير بأن محاولات مقاطعة إسرائيل اقتصادياً حول العالم لن تختفي بين عشية وضحاها”.

مع توقيع اتفاقية وقف الأعمال العدائية وإمكانية توسيع دائرة اتفاقيات السلام، تُتاح لنا فرصة حقيقية لإحداث تحول إيجابي، كما يُقيّم رئيس هيئة قطاع الأعمال، دوفي أميتاي. ويضيف: “مع ذلك، لا ينبغي أن يُغني التفاؤل الحذر عن المسؤولية: فالمشاكل البنيوية للاقتصاد لم تختفِ، ولن تختفي التحديات الخارجية والا سامية وتداعيات السياسة التجارية بين عشية وضحاها. ولن نتمكن من استغلال إمكانات التغيير بالكامل إلا إذا تصرفت الحكومة بحذر ومسؤولية واحترافية”.

بين الفرص والمخاطر، يقف الاقتصاد الإسرائيلي عند مفترق طرق هام. وقد رسمت N12 الاتجاهات والتحديات بمساعدة الخبراء.

 الشيكل المتعزز: تخفيضات الأسعار في الطريق

لقد أدت التوقعات باتفاق لإنهاء الحرب والتفاؤل السائد في الأسواق منذ أن طرح الرئيس الأمريكي ترامب خطته الاقتصادية إلى ارتفاع ملحوظ في سوق الأسهم المحلية وسعر صرف الشيكل. يشير أليكس زويتشينسكي، كبير الاقتصاديين في بيت ميتاف للاستثمار، إلى أن تعزيز العملة المحلية يؤثر بشكل مباشر على أسعار الوقود والرحلات الجوية إلى الخارج.

مع ذلك، يُشير زويتشينسكي إلى أن التأثير على المنتجات المستوردة الأخرى لن يظهر إلا بعد بضعة أشهر، ويعتمد على تنافسية السوق. ويضيف مودي شافرير، كبير استراتيجيي الأسواق المالية في بنك هبوعليم، أن تعزيز العملة المحلية سيساعد أيضًا على كبح جماح التضخم.

 التصنيف الائتماني: إمكانية تحقيق توفير في تمويل العجز.

قد يُحسّن انتهاء القتال التصنيف الائتماني لإسرائيل – الذي خُفّض بشكل حاد منذ اندلاع الحرب – ويُخفّض تكاليف الاقتراض في الأسواق الدولية. يُوضّح بيليغ أنه من المتوقع أن تنخفض علاوة المخاطر، وبالتالي “ستنخفض أيضًا تكاليف جمع الأموال للخزانة لتمويل العجز في الخارج”.

يتوقع إيلاد ميري، الشريك الإداري في ليون أورليتزكي وشركاه مور إسرائيل، أن يؤدي انخفاض علاوة المخاطر أيضًا إلى موجة من الاستثمار الأجنبي، مع أنه يُحذّر: “من المهم توخي الحذر، فنحن لا نزال في الساعات الأولى بعد التوقيع، وكما نعلم حماس، نحتاج إلى أن نرى بوادر الاتفاق تتبلور”.

 قطاع الأعمال: انتعاش حذر

قد تُحفّز نهاية الحرب موجةً من افتتاح مشاريع تجارية جديدة: في مراجعةٍ كتبها لمنتدى العاملين لحسابهم الخاص التابع للهستدروت، قدّر الدكتور روبي ناثانسون أن التحسن في المعنويات الناتج عن نهاية الحرب سيؤدي إلى إضافة حوالي 1775 مشروعًا تجاريًا جديدًا شهريًا، مما سيعكس الاتجاه السائد الذي كان يُغلق فيه عددٌ أكبر من الشركات مقارنةً بافتتاحها، وهو الاتجاه الذي ميّز الاقتصاد خلال سنوات الحرب.

لكن التحديات لا تزال جلية. ففي استطلاع للرأي أجرته شركة معلومات الأعمال CofaceBDi قبل أسبوعين تقريبًا، أفاد 40% من الشركات بتضرر أنشطتها التجارية خلال العام الماضي. ووفقًا لروي مينكوف، الرئيس التنفيذي لشركة CofaceBDi، سيتعين على الاقتصاد التعامل مع استعادة السمعة، والتعافي البطيء في القطاعات التي تأثرت بشكل كبير – وفي مقدمتها قطاع التصنيع – وإدارة المخاطر بعناية.

وفقًا لناتانسون، قد يتعافى قطاع السياحة، الذي تضرر بشدة مع انخفاض عدد السياح الوافدين بنسبة 70% في عام 2024، تدريجيًا. ويضيف أن تحسن الوضع الأمني ​​والمشاعر العالمية قد يؤديان إلى عودة الرحلات الجوية الخارجية، مما سيسهل بشكل خاص على الشركات الصغيرة مثل المطاعم والفنادق. ومع ذلك، يحذّر منتدى المستقلين من أن الحكومة قد تُضيّع الفرصة، ويطالب بمنح الشركات ائتمانًا ووضع خطة نمو فورية.

الصادرات الإسرائيلية: السؤال الرئيسي – تهديدات المقاطعة

تواجه شركات التصدير الآن واقعًا معقدًا يتمثل في ارتفاع قيمة الشيكل، والمقاطعات، وعدم رغبة العملاء الأجانب في العمل مع إسرائيل. ويقدّر الرئيس التنفيذي لجمعية المديرين، هدار تسوفيوف هكوهين، أنه في ضوء توقيع الاتفاقية، ستتمكن العديد من الشركات التي أوقفت أو أبطأت أنشطتها خلال الحرب – مثل التوسع والسفر إلى الخارج – من إكمال عملياتها في بيئة أعمال أكثر استقرارًا. ومع ذلك، يشير زبرزينسكي إلى أن الشركات الإسرائيلية لا تزال تواجه المقاطعة والتردد في ممارسة الأعمال التجارية – وهو التحدي الذي من غير المرجح أن يختفي بسرعة حتى بعد انتهاء القتال.

وأشار الاستطلاع التنفيذي الذي أجرته شركة CofaceBDi إلى التفاؤل بين الشركات الإسرائيلية: حيث قدر 38% أن العلاقات الاقتصادية لإسرائيل مع العالم ستعود إلى طبيعتها بسرعة، وقال 44% من الشركات إنها تعمل بالفعل على تحديد أسواق جديدة.

يعتقد يوفال بير إيفن، من شركة مجدال للتأمين والتمويل، أن تعاون الدول العربية في القمة المصرية، حيث وُقّعت الاتفاقية، هو ما يفتح الباب أمام توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم: “قد يكون لهذا آثار إيجابية هائلة على الاقتصاد إذا تحقق”. ويتفق ميري على أن انضمام المملكة العربية السعودية سيفتح أسواقًا جديدة تُفضي إلى نمو كبير.

ووفقًا لتقرير نشره بنك ديسكاونت اليوم، من المتوقع أن يظل تصدير خدمات التكنولوجيا المتقدمة محركًا رئيسيًا للنمو، وأن يتوسع بوتيرة سريعة مدعومًا بزيادة في جمع التمويل من الشركات الناشئة.

 التضخم: بين الاعتدال والضغوط

من المتوقع أن يستمر التضخم في الاعتدال بعد ارتفاع قيمة الشيكل وتوقعات تحسن شروط التبادل التجاري. ويوضح زبرزيزنسكي أن انخفاض تكاليف المستوردين لا يُترجم دائمًا إلى انخفاض فوري في الأسعار، ولكنه يمنع زيادتها. ويقدر رئيس مجلس إدارة ومالك شركة العقارات، يوسي أفراهامي، أن تجديد العلاقات التجارية مع تركيا قد يجعل مواد البناء أرخص بشكل خاص. يُقدّر إيليت بيليغ ماكلي أن عودة حركة الطيران والسفن إلى طبيعتها، وانتهاء الاضطرابات في استيراد المواد الخام، من المتوقع أن يُسهما في خفض التضخم.

مع ذلك، يُحذّر زبرزينسكي من أن انتهاء الحرب قد يُحرّر أيضًا الطلب المُكبوت: فقد يدفع تحسّن المعنويات المستهلكين إلى القيام بعمليات شراء كبيرة كانت مُؤجّلة، مما قد يُولّد ضغوطًا تضخمية على المدى القصير.

يعتقد يوفال بير إيفن، من شركة مجدال للتأمين والتمويل، أن تعاون الدول العربية في القمة المصرية، حيث وُقّعت الاتفاقية، هو ما يفتح الباب أمام توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم: “قد يكون لهذا آثار إيجابية هائلة على الاقتصاد إذا تحقق”. ويتفق ميري على أن انضمام المملكة العربية السعودية سيفتح أسواقًا جديدة تُفضي إلى نمو كبير.

ووفقًا لتقرير نشره بنك ديسكاونت اليوم، من المتوقع أن يظل تصدير خدمات التكنولوجيا المتقدمة محركًا رئيسيًا للنمو، وأن يتوسع بوتيرة سريعة مدعومًا بزيادة في جمع التمويل من الشركات الناشئة.

 الاستثمارات في إسرائيل: توقعات بعودة الأموال

قد تُعيد نهاية الحرب المستثمرين الأجانب والمحليين إلى استثماراتهم. ويقدّر بئير إيبان أن المستثمرين المحليين الذين أنفقوا أموالاً طائلة في الخارج خلال السنوات الثلاث الماضية سيعودون للاستثمار في إسرائيل. ويضيف: “من المتوقع أن تُنعش عودة رغبة المستثمرين المحليين في الاستثمار في إسرائيل الأسواق، إلى جانب عودة المستثمرين الأجانب”.

تتوقع بلشا موغان تدفق الأموال من الجالية اليهودية حول العالم “التي حشدت جهوداً استثنائية خلال العامين الماضيين لدعم الشعب الإسرائيلي، وترغب الآن في المشاركة في إعادة بناء الدولة”.

 الإنفاق الحكومي: تقليص الاحتياجات الأمنية

من المتوقع أن يسمح انتهاء الحرب بتغيير كبير في تركيبة ميزانية الحكومة. ومن المتوقع أن ينخفض ​​الإنفاق الأمني ​​تدريجيًا، بعد أن ارتفع بشكل حاد خلال الحرب، وشمل أيضًا زيادة في مدفوعات الاحتياطي وتعويضات السكان المتضررين. وتقدر ميري أن ميزانية الدولة ستتمكن من تحويل الموارد نحو النمو على حساب الإنفاق الأمني، مما سيسمح بالاستثمار في البنية التحتية والتعليم والرعاية الاجتماعية.

مع ذلك، ينبغي التعامل مع تحويل الميزانيات عن الإنفاق الأمني ​​بحذر: فبينما قد تنتهي الحرب قريبًا، من المتوقع أن يظل الإنفاق الأمني ​​الدائم مرتفعًا جدًا مقارنةً بما كان معتادًا في إسرائيل في العقود الأخيرة، وهو ما يُتوقع أن يُثقل كاهل ميزانية الدولة لسنوات عديدة قادمة.

مع ذلك، يُتوقع أن يُمكّن انتهاء الحرب من كبح العجز والبدء في خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما يُشير روي روزنبرغ، كبير الاقتصاديين في ديلويت. ويُتوقع أن يُسهم هذا الإجراء تدريجيًا في زيادة الدخل المتاح للأسر وتحسين توقعات الشركات بشأن العبء الضريبي المُستقبلي.

سوق العقارات: نقص العمالة لم يُحَل

في قطاع العقارات، يأمل المستثمرون في انتعاش بعد فترة من الانتظار. ويقدر المحاسب القانوني أميت يوهاي، نائب الرئيس التنفيذي لسلسلة الفنادق الأنجلوساكسونية، أن انخفاض أسعار الفائدة سيعيد المشترين المترددين، وسيُحرك سوق الشقق الجديدة، وكذلك سوق العقارات المستعملة.

ومع ذلك، ظلّ نقص العمالة، ولا يزال، أحد التحديات الرئيسية التي واجهت سوق العقارات منذ اندلاع الحرب، بعد أن حظرت الحكومة دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. ولم تُفلح محاولات الحكومة لاستبدال العمال الفلسطينيين بعمال أجانب حتى الآن. ويتوقع بن حاييم تدفق العمال الأجانب للمساعدة في خفض تكاليف البناء، على الرغم من أن هذه العودة غير مؤكدة.

صرح رئيس جمعية مقاولي الترميم، عيران سيب، بأنه منذ حظر دخول الفلسطينيين، لم تتمكن الحكومة من جلب سوى 750 عاملاً أجنبياً ليحلوا محل 15 ألف فلسطيني كانوا يعملون سابقاً في أعمال الترميم: “هذا عدد زهيد لا يلبي الحاجة الحقيقية”. ودعا سيب إلى تنظيم دخول العمال الفلسطينيين بشكل مُحكم بعد التدقيق الأمني، مع دمجهم مع العمال الأجانب والإسرائيليين. وقد صدرت رسائل مماثلة العام الماضي بشأن عودة العمال إلى قطاع البناء ككل.

 إعادة تأهيل المناطق المتضررة: فرصة واعدة

يفتح انتهاء الحرب فصلاً جديداً في عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة. تُقدّر بيلشا موغن إمكانية تخصيص موارد مالية كبيرة لإعادة إعمار الشمال والجنوب، إلى جانب تقديم المساعدة لجنود الاحتياط والسكان الذين تكبدوا ثمناً باهظاً. يرى كوبي بن موشيه، الرئيس التنفيذي لشركة “أفيف” للاستشارات والإدارة، إمكانات أوسع: قد تُتيح إعادة إعمار قطاع غزة فرصاً لقطاعي البناء والبنية التحتية، إلى جانب قطاعات الزراعة والطاقة المتجددة والمياه. كما قد تُشجع الاتفاقيات الإقليمية جهات عربية على الاستثمار في المنطقة.

مع ذلك، فإن التحديات كبيرة. تُحذّر بن موشيه من أن المخاطر تنبع من انعدام الاستقرار في المنطقة، ويطالب منتدى المستقلين الحكومة بحزمة من الحوافز للشركات في الشمال والجنوب. وتُؤكد بيلشاه أن إعادة الإعمار تتطلب تعاوناً بين الحكومة وقطاع الأعمال لإيجاد حلول تمويلية مبتكرة.

 الآثار على العمال: الإغاثة والتعافي

من المتوقع أن يُخفف انتهاء الحرب العبء عن العمال الإسرائيليين العائدين من خدمة الاحتياط الممتدة. ووفقًا لمسح أجراه بنك ديسكاونت، سيستمر الاستهلاك الخاص في التوسع، مستفيدًا من زيادات الأجور في قطاع الأعمال وتحسن الروح المعنوية. على المدى القصير، قد تحدث زيادة مؤقتة في البطالة نتيجة عودة مئات الآلاف من جنود الاحتياط إلى سوق العمل في الوقت نفسه، وذلك ببساطة لأن الكثير من الناس سيبحثون عن عمل في الوقت نفسه. ومع ذلك، يُقدر الدكتور روبي ناثانسون أن البطالة ستظل منخفضة بفضل الطلب القوي على العمال في الاقتصاد.

——————————————-

هآرتس 13/10/2025 

لم يتحقق نصر مطلق على حماس، لكن نهاية الحرب حيوية لإسرائيل أيضا

بقلم: عاموس هرئيلِ 

على عتبة التحرير المتأخر للعشرين مخطوف الاحياء، اليمين يصمم على تكرار أخطاء الماضي فيما يتعلق بقطاع غزة. في نهاية كل جولة قتال مع حماس، في الأعوام 2014 – 2021، من ابرزها عملية الجرف الصامد وحارس الاسوار، ادعت حكومات الليكود والجيش الإسرائيلي ان إسرائيل كانت هي المنتصرة وان حماس قد خرجت من المواجهة مردوعة ومتعبة وضعيفة. الحقيقة كانت بعيدة عن ذلك، وقد تم كشف ذلك في عيد نزول التوراة قبل سنتين في الهجوم الإرهابي في 7 أكتوبر.

لقد تبين ان حماس لم تتفاجأ من نتائج الجولات السابقة – لقد كانت قريبة اكثر من التعادل السلبي، لكنها استنتجت من ذلك بأنه يمكنها تحقيق المزيد. بعد عملية حارس الاسوار، حيث تفاخر الجيش الإسرائيلي بالقصف العبثي للميترو – شبكة انفاق قيادة المنظمة الفلسطينية، توصلوا في غزة الى استنتاج انه يمكن رفع الاستعداد الى درجة هجوم شامل، يؤدي الى هزيمة فرقة غزة واحتلال الغلاف. الرهان نجح وبعد ذلك فشل. حماس اقتحمت الغلاف باعداد كبيرة وهزمت القوة المدافعة، في الطريق لارتكاب مذبحة فظيعة في البلدات. ولكن الثمن الذي دفعته غزة بعد ذلك كان باهظا – تدمير ممنهج لمعظم المناطق الماهولة في القطاع على يد الجيش الإسرائيلي، قتل معظم قادة حماس الكبار وقتل غير مسبوق – حوالي 67 الف شخص، حسب تقدير إسرائيل 20 ألف شخص من أعضاء حماس. في الأيام القادمة يتوقع الكشف عن جثث كثيرة تحت الأنقاض.

الان يكرر من يؤيدون رئيس بنيامين نتنياهو نفس الخطأ. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض على الطرفين وقف اطلاق النار وصفقة التبادل، عندما يئس من مناورات التاخير لنتنياهو وشعر أن مواصلة القتال لفترة زمنية طويلة ستعرض للخطر المصالح الامريكية في المنطقة. الحرب كما يبدو انتهت، لكن من هنا لا يجب الاستنتاج بان إسرائيل حققت النصر المطلق على حماس. فحماس، مثل إسرائيل، وصلت الى نقطة لم يكن بالإمكان فيها الاستمرار في اغضاب الأمريكيين، كما ان كل دول الحماية له في المنطقة (قطر، مصر ومؤخرا تركيا) ضغطت عليه من اجل انهاء الحرب.

حماس ربطت استعدادها لاطلاق سراح جميع المخطوفين وجثامين الإسرائيليين، حتى لو لم يكن مقابل الانسحاب الفوري والكامل لقوات الجيش من القطاع، باعطاء ضمانات أمريكية. هذا ما حصلت عليه في الأسبوع الماضي بتعهد شخصي من الرئيس ترامب. من يعتقد ان هذه مجرد وعود فارغة سيخيب امله. اذا صممت حماس على استئناف الاحتكاك العنيف مع الجيش الإسرائيلي والعودة بسرعة الى بناء قوتها العسكرية وافشال نشر القوة متعددة الجنسيات في غزة، فسوف يعطى كما يبدو ضوء اخضر من واشنطن لإسرائيل لاستئناف الحرب. ولكن على اقل من ذلك من المرجح ان يضغط الامريكيون على نتنياهو بان يضبط نفسه، لا سيما اذا نجحوا في اقناع الدول العربية والإسلامية بارسال رجالها الى المنطقة.

اتباع نتنياهو يبذلون جهود يائسة لتجاهل جزء كبير مما يحدث في الفترة الأخيرة. يجدر الانتباه الى ما يوجد وما لا يوجد في الاتفاق الحالي. اليمين المسيحاني ونصف أعضاء الكنيست من الليكود رددوا في السنة الأخيرة بحماسة الحلم الذي لا أساس له (غير الأخلاقي)، طرد جماعي من غزة وإعادة استيطان إسرائيلي. هذا لا يحدث. وزراء ومراسلون تحدثوا عن حكم عسكري في القطاع – أيضا هذا لا يحدث. تدمير حماس؟ القوة العسكرية لهذه المنظمة تضررت بشدة، والتهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية انخفض، لكن رجال حماس يستعرضون في الأيام الأخيرة حضور مسلح في ارجاء القطاع. من المرجح انه في القريب ستبدأ جهود منهجية للمس بعائلات محلية تعاونت مع إسرائيل. في نهاية الأسبوع الماضي قامت حماس بإعدام 15 شخص من أبناء عائلة دغمش. ومشكوك فيه ان تستطيع حماس أو انها تريد في هذه الاثناء استعادة السيطرة على القطاع، لكنها يمكن ان تكون الجهة التي ستزعج البديل في التطور. ما زلنا نذكر كيف يتم فرض الرعب هناك.

الامر لا ينتهي هنا. فعلى الطاولة توجد أموال كثيرة وطموحات كثيرة. يبدو ان ترامب الذي سيواصل طريقه اليوم الى مؤتمر إقليمي في شرم الشيخ يسعى الى ان يطرح من جديد اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، إضافة الى اطلاق مشاريع ضخمة لانشاء بنى تحتية وتكنولوجية وسلاح، التي ستفيد الولايات المتحدة وعائلة ترامب. ولكن من اجل ان تتجنب السعودية ذلك فانه مطلوب كما يبدو رسم خريطة طريق مبدئية في الساحة الفلسطينية تشمل إعطاء دور للسلطة الفلسطينية. الان السلطة مشاركة من وراء الكواليس في المصادقة على هوية الأعضاء في مجلس التكنوقراط الذي سيدير القطاع. في الخلفية يظهر تدخل متزايد لمصر وتركيا وقطر فيما يحدث. في حين ان مبادرة السعودية – فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرت الدعم لخطوات ترامب.

نتنياهو يؤكد، الى جانب تحرير كل المخطوفين الاحياء، على بقاء الجيش الإسرائيلي على طول الخط الأصفر في الخرائط، والسيطرة على 53 في المئة من أراضي القطاع. الوزير بتسلئيل سموتريتش الذي يبحث عن ذرائع لمواصلة البقاء في الحكومة، صوت ضد الاتفاق، وقال امس بانه سيبقى من اجل الرقابة على نزع سلاح حماس. هذه رواية يتم بيعها للقاعدة. فعليا، الامريكيون من شانهم ان يضغطوا على إسرائيل لتواصل الانسحاب حتى قبل إعادة كل الجثث. مكان وجود عدد من الجثث غير معروف، ويبدو ان هناك اغراء لحماس لاخفاء حقائق ومواصلة استخدام الجثث كورقة مساومة في وقت تطبيق الاتفاق. احتمالية نزع سلاح حماس مشكوك فيها – في المقابل، بقيت في الاتفاق عناصر لتحويل النزاع الى نزاع دولي، التي لم تتم مناقشتها عندما وضعت على الاجندة خطط مصالحة سابقة منذ انهيار صفقة المخطوفين الأولى في كانون الأول 2023. بكلمات أخرى، ليس فقط انه ضاعت فرصة استكمال الصفقة في الماضي، بل ربما حينئذ الشروط كانت افضل لإسرائيل. في هذه الفترة قتل عشرات المخطوفين المحتجزين لدى حماس، وقتل في المعارك مئات جنود الجيش الإسرائيلي وأصيب الالاف. حقيقة ان حماس واصلت احتجاز المخطوفين في الانفاق في هذه الفترة، مكنتها من الحفاظ على جزء كبير من نقاطها الاستراتيجية في مدينة غزة وفي مخيمت الوسط، لان إسرائيل قللت نسبيا القصف هناك.

ان مشاهد مئات الاف الغزيين الذين يعودون الآن الى مدينتهم المدمرة، في اعقاب وقف اطلاق النار، يتم عرضها كانتصار للصمود، التمسك الفلسطيني الشعبي بالأرض. هذه اصبع في عين طموحات سموتريتش وامثاله للتطهير العرقي في القطاع. لكن مع هذا الإنجاز المعنوي لا يمكن الذهاب الى البقالة. السؤال الحاسم هو هل ستتدفق الى القطاع مليارات الدولارات الموعودة لمشاريع إعادة الاعمار – الامر يتعلق بتشكيل سريع للقوة متعددة الجنسيات.

الخطوة الحاسمة التي أدت الى انهاء الحرب، التي كتب عنها في السابق، هي قرار ترامب فرض الاتفاق على الطرفين في اعقاب الهجوم الإسرائيلي الفاشل في قطر. وقد ساهم في ذلك أيضا الضغط العسكري الإسرائيلي. يبدو ان قيادة حماس في غزة ارادت انهاء الحرب وهي على قيد الحياة، ولم تتمكن من تجاهل الى الابد معاناة الغزيين الموجودين خارج الانفاق.

في بداية الحرب نشرت مقابلة سئل فيها موسى أبو مرزوق، من كبار قادة حماس الخارج، لماذا لا تفتح حماس الانفاق في غزة امام الجمهور من اجل حمايتهم. أبو مرزوق راوغ وتملص، لكنه لم يتعلم الدرس. في نهاية الأسبوع الماضي اجرى مقابلة مع قناة مصرية، وسئل فيها هل المذبحة أدت الى تحرير الشعب الفلسطيني. وقد غادر الاستوديو بغضب احتجاجا على هذا السؤال. حماس أيضا لا يمكنها الاحتفال هنا بالانتصار. الفلسطينيون في غزة كانت هذه بالنسبة لهم بالتأكيد كارثة كبيرة ونكبة ثانية.

اظهار الضعف

مع ذلك، الاتفاق لم يكن فقط امر واجب بسبب الأمريكيين، بل ضرورة من ناحية إسرائيل. الحرب كان يجب أن تنتهي. المجتمع الإسرائيلي متعب ومنقسم. هذه ليست أمور كان يمكن التغلب عليها خلال سنة صاخبة التي في نهايتها يتوقع اجراء انتخابات. ولكن على الأقل سيلتئم الجرح عند إعادة الـ 48 مخطوف من القطاع.

مثير للاهتمام أي انطباع تركته حقا الزيارة هنا لليهود الأمريكيين الثلاثة مبعوثي ترامب، ستيف ويتكوف وجارد كوشنر وزوجته المتهودة ايفنكا ترامب. معظم الانتباه كرس لخطاباتهم في منتهى السبت في ميدان المخطوفين، وهتافات الاحتقار العالية للجمهور عندما تجرأ ويتكوف على شكر نتنياهو. ولكن الرجلين تمكنا من المشاركة في جلسة الحكومة التي تمت مناقشة الصفقة فيها. بالتحديد بالنسبة للوطني الفخور نتنياهو فان إسرائيل تتصرف كدولة رعاية للولايات المتحدة: في زيارة بايدن في بداية الحرب، ودعوة مبعوثيه للمصادقة على خطة الجيش الإسرائيلي عشية العملية البرية في القطاع – والآن التصويت على الصفقة بحضور مبعوثي ترامب.

أجزاء من الزيارة الحالية ظهرت وكانها قصة خيالية عن رحلة قام بها مسؤولون في الحكومة الروسية لبلدة يهودية في مقاطعة نائية وفقيرة في عهد القيصر. وقد ورد بالفعل من الجلسة ان ايتمار بن غفير، الذي صوت ضد الصفقة (مع ذلك مثل سموتريتش لا ينوي الاستقالة)، سأل الاثنان اذا كانا سيعقدان مصالحة مع هتلر. لغة وزير الامن القومي الإنجليزية كانت ركيكة جدا، الى درجة انه تم تجنيد الوزير رون ديرمر من اجل الترجمة. ووزير الاقتصاد نير بركات قال في الجلسة ان الصفقة ستتيح فرصة لاعادة بناء الاقتصاد، واعرب عن امل ساذج بدرجة معينة، وقال ان هناك إمكانية لتقليل الكراهية وإعادة بعض الأشخاص الذين كانوا غاضبين منا اثناء الحرب.

مشكوك فيه ان يكون نتنياهو قد استمع. عندما تحدث رئيس الوزراء ذكر ليس اقل من سبع جبهات ما زالت إسرائيل تخوض الصراع معها، والثامنة هي الجبهة الداخلية. وكان لنائب الوزير الموغ كوهين أيضا اسهام في النقاش، وقد اعرب عن اسفه لغياب رئيس الشباك الجديد دافيد زيني عن الجلسة وقال ان مهمته الأساسية الان ستكون مكافحة الاحتجاجات. كوهين يعتقد ان الشباك والشرطة بحاجة الى حزم اكبر في الشوارع، حسب تعبيره. واشتكى قائلا “زملائي من ضباط الشرطة يتم تكبيلهم”.

تفسير التصفيق للخطباء الأمريكيين في ميدان المخطوفين مقابل احتقار نتنياهو عندما ذكر اسمه، هو امر مبرر. الحديث هنا لا يدور فقط عن كراهية سياسية عمياء. غضب عائلات المخطوفين والكثير من النشطاء يرتبط بسلوك نتنياهو، عائلته ومحيطه، طوال الوقت. نتنياهو في الواقع حرص على وضع شارة المخطوفين الصفراء على بدلته، لكنه بالفعل اظهر عدم الاهتمام والشفقة تجاه العائلات التي لم تكن متماهية معه سياسيا. ويتكوف والزوجين كوشنر عرفوا كيفية التعبير عن التماهي والشفقة. لا يوجد أي سبب لتوقع من العائلات تغيير نظرتها من نتنياهو، في الوقت الذي فيه يفرض عليه ترامب في النهاية الاتفاق. ومن يرفض تحمل اقل قدر من المسؤولية عن الكارثة الضخمة التي حدثت في عهده، لا يمكنه المطالبة الآن بالهتافات على إنجازه.

ما يجب ان يقلق قليلا نتنياهو هو الطريقة التي سيتم استقبال فيها هذا الحدث في واشنطن. في وسائل الاعلام الامريكية يكررون الادعاء الذي بحسبه الإسرائيليون ليسوا هم حكومتهم، نصفهم على الأقل يتحفظون منها. السؤال هو هل ترامب الذي يصف نفسه بانه يكره الخاسرين، سيعتبر هذا الحدث مظهر لضعف نتنياهو أو انه سيعانقه في الكنيست في الغد. في كل الحالات، قبل لحظة من عودة المخطوفين، الاحتقار في الميدان ظهر في هذه الاثناء كنقطة تأسيس قبل سنة الانتخابات.

——————————————

هآرتس 13/10/2025 

المنطقة العازلة في محيط قطاع غزة لم تكن لتمنع كارثة 7 اكتوبر

بقلم: عومر بارليف

اثناء وجودي كعضو في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست كانت لي في حالات كثيرة خلافات مع وزير الدفاع بشأن هل “الشعور بالأمان والامن” هما نفس الامر أم أنهما امران منفصلان. هل الأول “الشعور بالأمان” لا يؤثر على الثاني “الامن”. هذه الخلافات تركزت على قرار الوزير في حينه، عشية عملية “الجرف الصامد”، ابعاد الجنديان اللذان وضعا حتى ذلك الحين على بوابات المستوطنات في الغلاف، إزاء الادعاء بأنه في وقت اقتحام مخربين فان قدرتهما العملية هي محدودة ولذلك فهي ليس لها أهمية تقريبا. قلت في حينه بانه من ناحية سكان الغلاف فان الشعور بالأمان والامن هو نفس الشيء، لذلك فانه مهم بالنسبة لهم ان يبقى الجنود على بوابة المستوطنة.

في سياق مشابه، لا شك ان المنطقة العازلة في المحيط، بعرض كيلومتر – كيلومتر ونصف، على طول القطاع، ستساهم في توفير الشعور بالأمان في أوساط سكان الغلاف. ولكن السؤال الذي يطرح مرة أخرى هو: هل لا يوجد شعور بالأمان بدونه؟ هل هذه المنطقة العازلة ستمنع كارثة مثل كارثة 7 أكتوبر. الكارثة في حينه لم تكن لتمنع لو كان هناك منطقة عازلة فعالة بعرض كبير نسبيا، كيلومتر ونصف، على طول القطاع. ان اجتياز مسافة كهذه على سيارة في منطقة مفتوحة يتوقع ان يستغرق 2 – 3 دقائق، واجتيازها مشيرا على الاقدام يستغرق تقريبا 15 دقيقة. ان فترات زمنية كهذه لم تكن لتحسن الإنذار قبل هجوم مشابه للهجوم في 7 أكتوبر، في الوقت الذي كان فيه جهاز الاستخبارات والجيش والشباك نائمون، وعلى طول خط التماس توجد قوات قليلة للجيش.

من هنا، من اجل منع كارثة في المستقبل، لا يوجد بديل لليقظة الاستخبارية وتعزيز قوات الامن الجاري على طول الحدود. ولن تجلب المنطقة العازلة الخلاص. بالإضافة الى تمديد الخدمة النظامية في الجيش الإسرائيلي وتمديد فترة خدمة الاحتياط – التي القيت على من يحملون العبء أصلا – وبالإضافة الى أهمية ميزانية دفاع تبلغ اكثر من 70 مليار شيكل في السنة العادية، فان هناك حاجة أيضا الى لجنة تحقيق رسمية تظهر عبر الفشل وتمنع فشل مشابه في المستقبل.

كل ذلك لن يزيد حتى بمحارب واحد حجم القوات المطلوب للجيش الإسرائيلي من اجل تعزيز الدفاع المادي عن كل حدود الدولة، وما هو مطلوب في الضفة الغربية، لان المفاجأة التالية يمكن أن تكون في أي مكان وبأي شكل.

لذلك فان المفتاح الحقيقي، سواء الامن أو الشعور بالأمان، لكل سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة وكل سكان المنطقة الشمالية، هضبة الجولان والحدود مع الأردن ومصر (منع تهريب السلاح والمخدرات)، وفي حدود يهودا والسامرة، ليس عرض المنطقة العازلة على طول الحدود مع القطاع، بل زيادة حجم قوات الجيش الإسرائيلي، الذي يمكن أن يتحقق فقط عن طريق تجنيد الحريديم.

 ——————————————

هآرتس 13/10/2025

معركة الروايات تبدأ: هل نتنياهو عرقل تحرير المخطوفين من غزة أم قاده

بقلم: يونتان ليس

حتى بوتيرة الاحداث المدهشة والدارجة في الشرق الأوسط فان عملية انهاء الحرب وإعادة المخطوفين هي عملية استثنائية بكل المقاييس: بعد أسبوعين بالضبط على كشف الرئيس دونالد ترامب عن خطته الى جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، فان كل المخطوفين ومعظم الجثامين يتوقع ان تعود الى إسرائيل. الجيش الإسرائيلي سحب الان قواته الموجودة في غزة، ونهاية الحرب، كما يبدو، وصلت الى نقطة اللاعودة.

عندما سافر نتنياهو الى نيويورك وواشنطن قبل ثلاثة أسابيع تقريبا لم يكن بالإمكان التقدير بانه يدرك الدراما السياسية الموجودة وراء الكواليس. هل عرف في حينه ان ترامب سيجبره على الاعتذار من قطر؟ هل تخيل ان الرئيس سيأمر إسرائيل بان توقف على الفور عمليات القصف في القطاع؟ هل قدر بانه عندما سيعود الى إسرائيل ستنتهي الحرب بالفعل؟.

في خطابه الناري في الأمم المتحدة لم يكن هناك أي ذكر لكل ذلك. نتنياهو أوضح بان “إسرائيل يجب عليها اكمال المهمة”. والمح الى تصميمه على تنفيذ عملية السيطرة على مدينة غزة التي انطلقت قبل بضعة أيام من ذلك. ذهابة الى البيت الأبيض بعد ذلك قرره بمحاولة بلورة رد مناسب على اقتراح عدة دول للاعتراف بالدولة الفلسطينية: “الرد على المحاولة الأخيرة ليفرضوا علينا دولة إرهاب في قلب بلادنا سيتم اعطاءه بعد عودتي من الولايات المتحدة، انتظروا”، وعد في حينه ولم ينفذ حتى الآن.

من السهل فهم هتافات الاحتقار لنتنياهو في ميدان المخطوفين أول امس: عدد من التحقيقات، من بينها في “هآرتس”، وصفت محاولات رئيس الحكومة تعويق صفقات في السابق. نتنياهو وأعضاء الحكومة لم يخفوا معارضة الصفقات طوال الوقت: وزير الامن الوطني ايتمار بن غفير تبجح في كانون الثاني الماضي بانه أوقف بنفسه مرة تلو الأخرى الدفع قدما بعقد صفقات بسبب معارضته لها. ونتنياهو أوضح عشية الصفقة السابقة بأنه غير معني بالتوصل الى تحرير كل المخطوفين مقبل وقف القتال.

“أنا مستعد لعقد صفقة جزئية تعيد جزء من الأشخاص. نحن ملزمون باستئناف القتال بعد الهدنة. أنا لن اتنازل عن ذلك”، قال في حزيران 2024 في القناة 14. في نيسان الماضي المتحدث بلسان نتنياهو في حينه عومر دوستري رفض إمكانية الدفع قدما بصفقة شاملة، وهي العملية التي خرج الى حيز التنفيذ في نهاية المطاف. “لا يمكن اعادتهم جميعا. هذه مناورة. يجب ادراك ذلك، لا يمكن اعادتهم”، قال لـ “اخيار 12”. “لا يمكن في هذه الاثناء عقد صفقة واحدة تشمل الجميع مقابل الجميع. حماس تطلب انهاء الحرب. هي تطلب بان نخرج من غزة. ومن قال انها ستطلق سراحهم”.

نتنياهو شدد مرة تلو الأخرى على الصلاحيات المعطاة لطاقم المفاوضات الإسرائيلي من وراء كابنت الحرب، ووضع خطوط حمراء لم تسمح في التقدم في المحادثات. “نتنياهو لم يرغب في الاتفاق”، قال للصحيفة مصدر مطلع على الاتصالات قبل عهد ترامب. “هو أراد مواصلة القتال وقد فعل كل ما في استطاعته كي لا يكون أي تقدم في المفاوضات مع حماس”. في مقابلة مع برنامج “عوفداه” في نيسان 2024 قال مصدر رفيع في طاقم المفاوضات الإسرائيلي: “انا لا اعرف انه بدون نتنياهو كانت ستكون صفقة. ولكني ادرك ان احتمالية الصفقة كانت عالية جدا”.

لم يكن امام حماس مكان لتهرب اليه

غال هيرش، منسق الاسرى المفقودين وعضو طاقم المفاوضات الإسرائيلي، قال في المقابل بان نتنياهو والوزير رون ديرمر قد عملا على الخطة السياسية التي كانت في أساس الصفقة الحالية طوال اكثر من سنة. “الحديث يدور عن خطة سياسية كان لها الكثير من المعارضين ولكنها نجحت”، قال للصحيفة. “ان دمج الخطة السياسية وضغط ترامب وشبكة العلاقات الفريدة التي بنيت بينه وبين رئيس الحكومة ونشاطات الجيش الإسرائيلي والشباك – كل ذلك شكل العامل الذي غير قواعد اللعب. ترامب جلب الزخم للخطة، والعلاقات والقدرات. هذه العمليات بالاجمال منحتنا كمفاوضين الاطار المثالي من اجل التوصل الى الاتفاق”.

في تصريح له في وسائل الاعلام في هذا الأسبوع أوضح نتنياهو بان العملية هي بمبادرته. “انا اعتقدت أننا اذا اضفنا الى الضغط العسكري الكثيف الضغط السياسي الكثيف من صديقنا الكبير دونالد ترامب فان هذا الدمج سيجعل حماس تعيد كل المخطوفين، في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي سيبقى في عمق القطاع ويسيطر على كل النقاط التي تسيطر عليه، وهذا ما حدث”.

هيرش يعتقد ان الاتفاق لم يتم فرضه على إسرائيل، بل على حماس، وان حماس هي التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن فشل المحادثات قبل ذلك. “انا كنت مع الطاقم الإسرائيلي في الدوحة”، وصف هيرش جولة المفاوضات التي انهارت قبل شهرين. “حماس قامت بالتسويق في المحادثات”. وحسب قوله فانه “في شرم حماس وجدت نفسها بين فكي الكماشة. كان يجب عليها هجوم مطلق، عسكري وسياسي، هذه تحولت الى الخطوة التي أدت الى استسلامها. نحن ننهي المرحلة الأولى ونحن في داخل غزة، محور فيلادلفيا في أيدينا، والمحيط بمساحة كبيرة في أيدينا”.

أساس تراجع حماس، حسب قوله، هو الدمج بين العملية الإسرائيلية في مدينة غزة الى جانب المصادقة في نفس الوقت في الكابنت على خطة النقاط الخمسة لانهاء الحرب التي طرحها نتنياهو (إعادة المخطوفين، نزع سلاح حماس، نزع السلاح من غزة، سيطرة امنية إسرائيلية في القطاع وإقامة نظام فلسطيني لا يرتكز على حماس أو السلطة الفلسطينية). هيرش أضاف بأن “الضغط السياسي والعسكري، مع التأكيد على ما حدث منذ تولي ترامب لمنصبه، هو الذي أدى الى هذا الاتفاق الذي يتضمن التحقيق الكامل للاهداف التي وضعتها إسرائيل. هذا الحاق هزيمة، هذا انتصار”.

مصادر إسرائيلية واجنبة ادعت طوال اشهر بان نتنياهو يفضل القتال على بلورة اتفاق؛ وان رئيس الحكومة خرب بشكل متعمد المفاوضات من اجل التوصل الى صفقة خوفا من انهيار حكومته؛ ولولا مطالبة ترامب بانهاء الحرب على الفور، فان الصفقة الحالية ايضا لم تكن ستخرج الى حيز التنفيذ.

لكن هيرش يثني على سلوك نتنياهو في اشهر المفاوضات الطويلة. “الاتفاق وقع في اعقاب سياسة رئيس الحكومة بان يدمج هذه الضغوط (العسكرية والسياسية) بالكامل معا”، قال. وحسب قوله فان الفرق بين جولة المفاوضات السابقة التي فشلت وبين الجولة الحالية نبع أيضا من الدعم الذي وفره الرئيس الأمريكي: “ترامب نجح في تجنيد الدول الإسلامية وتركيا ولم يعد هناك أي مناص امام حماس”. هو يعتقد ان حقيقة ان المفاوضات لانهاء الحرب استمرت سنتين تقريبا، كانت متوقعة. المجتمع الإسرائيلي تعود على ان الأمور تحدث بسرعة، وتصعب عليه رؤية عملية تستمر لسنتين”، قال. وحسب قوله “انا رايت رئيس الحكومة في 8 أكتوبر، وعندما خرجت من غرفته دخل عليه شخص آخر تم ارساله من اجل معالجة موضوع “اليوم التالي”. رئيس الحكومة ارسله الى مهمة في هذا الشأن في 8 أكتوبر في المساء”.

نتنياهو ربما عمل من وراء الكواليس لبلورة خطة لليوم التالي في غزة. ولكن النقاش الحاسم الذي سيتم عقده اليوم في شرم الشيخ، بمشاركة ترامب وزعماء أوروبيين وعرب، لم تتم دعوة رئيس حكومة إسرائيل. مصدر إسرائيلي رفيع قال للصحيفة بان رئيس الحكومة لم تتم دعوته الى هذا الحدث خوفا من ان يجد زعماء الدول العربية صعوبة في قبول حضوره.

 ——————————————

معاريف 13/10/2025 

إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرة امنية لتحقيق الحد الأقصى في المفاوضات

بقلم: آنا برسكي

من سيحكم في القطاع في اليوم التالي؟ من سيشرف على الامن؟ كيف ستبدو خريطة التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط؟ بينما يبقى وقف النار في قطاع غزة ساري المفعول تجري اتصالات مكثفة من خلف الكواليس تمهيدا للمرحلة التالية من خطة ترامب – إقامة قوة أمن إقليمية تدخل الى غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي وتشكل جهة الاشراف المركزية في الفترة الانتقالية ما بعد الحرب.

يدور الحديث عن أحد العناصر الأكثر حساسية وتعقيدا في الخطة العامة لاعمار القطاع، وهو سيكون في مركز المباحثات في مؤتمر السلام الذي يفتتح في شرم الشيخ اليوم. هدف القوة هو منع عودة حماس الى الحكم، السماح باستقرار امني على الأرض وتمهيد التربة لحكم فلسطيني جديد يقام بعد فترة انتقالية تشرف عليها هيئة دولية.

وحسب المبادرة التي وضعها البيت الأبيض، فان القوة التي ستتشكل ستكون قوة عربية متعددة الجنسيات، تعمل بتنسيق مع الولايات المتحدة لكنها لن تتضمن جنودا أمريكيين. واشنطن ستقدم الاشراف الاستراتيجي، الدعم اللوجستي والمساعدة التكنولوجية لكنها ستمتنع عن مرابطة قوات على الأرض.

في مركز الخطة توجد مصر والأردن اللتين ستتصدران الخطوة وتجندان قوة شرطية فلسطينية محلية من بين سكان القطاع، يتم تأهيلهم باشراف امني مصري – اردني. هذه عمليا تجربة غير مسبوقة – خليط من قوة عربية معتدلة مع انتداب دولي يستهدف تثبيت الاستقرار في القطاع ومنعه من أن يعود ليصبح مركزا لمواجهة مسلحة.

في المباحثات التي تجرى في الأيام الأخيرة يتبين أحد الخلافات الأهم – هوية الدول التي ستشارك في القوة. فحسب المصادر المطلعة على المباحثات أعربت إسرائيل عن الاستعداد لمشاركة دول الخليج المعتدلة، ومنها اتحاد الامارات، قطر والبحرين، رغم أن ليس لها قوة عسكرية ذات مغزى لترابط في الميدان. من ناحية إسرائيل، فان تواجد هذه الدول في غزة كفيل بان يمنح شرعية إقليمية للخطوة ويضمن استثمارا اقتصاديا مستقبليا في إعمار القطاع. ويقول مصدر إسرائيلي مطلع على الاحداث ان “مساهمتها ستكون أساسا سياسية واقتصادية. لكن هذا حضور يمكنه أن يبث الاستقرار”.

ومع ذلك أوضحت القدس بانها تعارض بشكل لا لبس فيه مشاركة تركيا في القوة. وتنبع المعارضة من مواقف أنقرة الحادة تجاه إسرائيل، من الدعم العلني الذي تمنحه لحماس ومن العلاقات الأيديولوجية الوثيقة بين حكم اردوغان وحركة الاخوان المسلمين.

“تركيا لا يمكنها أن تكون جزءاً من جسم هدفه نزع سلاح حماس”، يقول مصدر إسرائيلي. “حضور تركيا سيقوض كل الخطوة”. في مصر أيضا يتحفظون من الفكرة خشية من محاولة تركيا لاعادة تثبيت النفوذ في منطقة ترى فيها مصر جزءً من مجال مسؤوليتها الأمنية.

كما تتضمن خطة ترامب إقامة سلطة دولية مؤقتة تسمى “المرجعية الدولية المؤقتة في غزة”. وهي ستتشكل من تكنوقراطيين فلسطينيين يديرون الشؤون اليومية، لكنها تكون خاضعة لرقابة هيئة دولية مدنية تنسق سياقات الاعمار، المساعدة والتنسيق السياسي. على رأس هذا الجسم سيكون مندوب غربي كبير، اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير ذكر كأحد المرشحين للمنصب. وستعمل القوة الدولية على استقرار الحكم المؤقت وتشرف على ترتيبات الامن.

وحسب الخطة، ستنسحب إسرائيل تدريجيا من معظم أراضي القطاع، لكنها ستحافظ على سيطرة ضيقة على طول الحدود وعلى منطقة الفصل في محور فيلادلفيا – طالما لم ينزع سلاح حماس تماما. حماس تطالب بوعد صريح لخروج كل القوات الإسرائيلية من القطاع قبل ذلك.

وحسب مصادر غربية مطلعة على المباحثات، تفحص تسوية في إطارها تسلم حماس سلاحها الثقيل للجنة فلسطينية – مصرية، تشرف على عملية نزع السلاح بشكل تدريجي ومضبوط، لكن لم يتحقق بعد اتفاق نهائي في ذلك. في إسرائيل يتابعون التطورات عن كثب. ويقول مصدر امني ان “فكرة قوة دولية عربية هي إيجابية، لكنها لا يمكنها أن تعمل اذا واصلت حماس حيازة السلاح او ان تكون في أي مكانة سياسية. التفكيك المطلق وحده يمكنه أن يسمح بالاستقرار.

كل المسائل التي تتعلق بمستقبل غزة ستوضع اليوم على طاولة المباحثات في مؤتمر شرم الشيخ والذي سيشارك فيه اكثر من 20 زعيم من العالم العربي ومن الغرب، بقيادة الرئيس ترامب والرئيس المصري السيسي. سينشغل المؤتمر باستكمال تسوية وقف النار، اعمار القطاع وبلورة التفاهمات حول انتشار القوة الإقليمية. بالنسبة لترامب هذا اختبار زعامة دولية هام للغاية – محاولة لعرض انجاز دبلوماسي ملموس في الشرق الأوسط. بالنسبة لمصر هذه فرصة للعودة الى مكانة وسيط مركزي.

لكن فوق كل شيء، سيقرر المؤتمر صورة غزة في السنوات القريبة القادمة – هل ستصبح مجالا يدار ويشرف عليه دوليا ويحظى بالاستقرار، أم ربما ينزلق مرة أخرى الى وضع من الفراغ السلطوي الذي يعيد المنطقة الى نقطة البداية. ما يبدو على السطح كمخطط أمني، اداري وفني هو عمليا صراع على إعادة تعريف المنطقة كلها. إسرائيل تسعى للحفاظ على سيطرة امنية كي تحقق الحد الأقصى الممكن في المفاوضات على استمرار تنفيذ خطة ترامب. اما حماس فتسعى الى البقاء سياسيا – عسكريا وايديولوجيا. الولايات المتحدة والدول العربية تحاول بناء جسر مستقر بين مطالب الطرفين وبين الواقع.

ان نجاح المبادرة منوط ليس فقط بتشكيلة القوة وبهوية المشاركين فيها بل أيضا بقدرة كل واحد من اللاعبين وأساسا إسرائيل، على الايمان بان هذه المرة من سيدخل الى غزة – يمكنه أن يبقى هناك أيضا.

——————————————-

يديعوت 13/10/2025

يُسوّق نتنياهو الاتفاق أنه تحقيقٌ لجميع أهداف الحرب وشروط انتهائها

بقلم: عيناب شيف

 مع اتضاح تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينصّ على إنهاء الحرب وليس مجرد الاكتفاء بإعادة الرهائن، يتضح إلى أي مدى يُطلب من أشدّ الأصوات تشددًا في السلطة القيام بـ”مناورات فنية” لتبرير استمرار وجودها على طاولة الحكومة، مع تمسكها البائس بتصويتها ضدّ الاتفاق. حتى الخطوة الأولى، التي لا تطفو على السطح نظريًا، والتي تُطلق الآن، وهي إطلاق سراح 250 سجينًا مؤبدًا (من أصل 270 سجينًا) وعدد أكبر بكثير من السجناء الفلسطينيين، هي حدثٌ “لا يمر الا على جثتي” لدى وزراء الصهيونية الدينية وعظمة يهودية. إنّ مسألة النسبة المئوية للأراضي التي سيبقى فيها الجيش الإسرائيلي خلال هذه العملية، والتي تُقدّم على أنها إنجاز، لا معنى لها في السياق الأيديولوجي: ففي “النصر الكامل” لا يُطلق سراح القتلة.

حتى المبادئ التي طرحتها لجنة شمغار بشأن إعادة الأسرى والمختطفين، كما يشير سموتريتش (“كل كارثة تقريبًا بدأت بصفقة ما، ولذلك يجب اعتماد توصيات اللجنة”)، لم تُعبّر عنها.

ولكن حتى في الليكود، وبين أبرز المتحدثين المنتمين لليمين في وسائل الإعلام، شهدت الأيام القليلة الماضية مهرجانًا من الجدل اللفظي والهراء، بهدف تصوير الاتفاق على أنه عمل سياسي عبقري.

أولئك الذين شرحوا بحماسة جنسية لماذا لا يجب الاخذ بتجربة النموذج اللبناني في غزة بتاتا، يدّعون الآن أن هذا هو بالضبط ما كان ينبغي أن يُؤمل. أما أولئك الذين استشاطوا غضبًا لمجرد التفكير في التدخل الأجنبي في نزع سلاح غزة، ناهيك عن أي دور للسلطة الفلسطينية، فيعلقون آمالهم على تكهنات بأن هذا ربما لن يحدث (يبدو الأمر معقولًا) وأن إسرائيل ستتمكن من العودة إلى القتال بسهولة (بشكل أقل سهولة مع دخول دول مثل تركيا وقطر في المعادلة). فجأةً، تلاشت نوبات الغضب ضد كل من ادّعى استحالة تدمير حماس، لتحلّ محلّها اتفاقية تُبقي حماس على قيد الحياة.

وهذا قبل أن نذكر أوهام الترحيل (كيف تُواصل الوزيرة جيلا غمليئيل حياتها بعد انهيار “خطة غمليئيل-ترامب”؟)، التي أصبحت في مرحلة ما سياسةً إسرائيليةً مُعلنة: ففي مؤتمر صحفي عُقد في 21 أيار، قبل خمسة أشهر فقط، أعلن نتنياهو أنه “مستعدٌّ لإنهاء الحرب بشروطٍ واضحةٍ تضمن أمن إسرائيل”، وكان آخرها “نحن نُطبّق خطة ترامب… سكان غزة الذين يُريدون المغادرة، فليُغادروا”. وهنا، كُذّب أحد تلك “الشروط الواضحة”. فهل يعني هذا أن أمن إسرائيل في خطر؟

سيكون من الرائع لو أُقرّ بالهوة السحيقة بين التصريحات الجازمة والواقع المُعقّد: لا تستطيع إسرائيل القتال ولو لساعة واحدة والرئيس الأمريكي متحفز للوثوب. حتى الخلاف حول إمكانية حسم الأمر مبكرًا وإنقاذ الأرواح سيكون مُناسبًا، لو كان هناك على الأقل اعترافٌ حسن النية: هذا الاتفاق مُختلفٌ تمامًا عمّا قيل إنه مُمكنٌ ويجب قبوله. هذا بالطبع ليس هو الحال، لنفس السبب الذي منع تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وعدم إعادة التفويض إلى الشعب بعد فشلٍ غير مسبوق: لماذا، ماذا حدث؟ بدلًا من ذلك، يُسوّق نتنياهو وأتباعه الاتفاق على أنه تحقيقٌ لجميع أهداف الحرب وشروط انتهائها، بينما من وجهة نظر سموتريتش وبن غفير، فهو حدثٌ يُمكّنهما من البقاء في الحكومة. بمعنى آخر: صفعةٌ في وجه العقل. فهل من المُستغرب أن يُفضّلوا التذمّر من صيحات الاستهجان؟

——————————————-

هآرتس 13/10/2025 

اما ان تكون إسرائيل منبوذة أو أن تنهي الاحتلال، لا يوجد خيار آخر

بقلم: اوري بار يوسف

حتى الآن يصعب تحديد ماذا ستكون التداعيات بعيدة المدى للصفقة مع حماس، لكن الان يمكن تشخيص علامات على ان الدمار الذي سببه الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة وسكانه قد ادخل دولة إسرائيل الى عصر جديد، وفتح المرحلة الرابعة في تاريخ المشروع الصهيوني.

المرحلة الأولى بدأت في المؤتمر الصهيوني في 1897، الذي وضع نصب عينيه إقامة ملاذ آمن للشعب اليهودي. خمسون سنة من البناء والعمل الطلائعي، حولت ما اعتبر حلم الى واقع، وفي 29 تشرين الثاني 1947 حصلت على مباركة المنظومة الدولية بقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة. المرحلة الثانية بدأت مع حرب الاستقلال وإقامة دولة إسرائيل والنكبة الفلسطينية. على الأقل حتى قبل سنتين كانت النكبة هي الكارثة الأكبر للشعب الفلسطيني واللطخة المظلمة الأكبر على المشروع الصهيوني. ولكن بمفاهيم الاربعينيات هي لم تكن استثنائية. التطهير العرقي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وإقامة الهند وباكستان، أدت الى تهجير عشرات الملايين من بيوتهم. من وجهة النظر الصهيونية كانت النكبة أيضا ضرورية، حيث انه بدون خلق اغلبية يهودية ثابتة لم يكن بالإمكان الوقوف امام تحدي إقامة ملاذ آمن للشعب اليهودي، مع الحفاظ على نظام ديمقراطي. هكذا، رغم النكبة، حصلت إسرائيل حتى 1967 على تعاطف العالم الليبرالي معها كدولة اشتراكية ديمقراطية صغيرة، محاطة بالاعداء، واعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

المرحلة الثالثة بدأت عند انتهاء حرب الأيام الستة واحتلال المناطق. تغييرات ترجمت بقرار مجلس الامن 242 الصادر في تشرين الثاني 1967 الى صيغة دولية لحل النزاع، التي نصت على “الأرض مقابل السلام”. إقامة المستوطنات في الواقع شكلت تحديا لمكون الانسحاب، ولكن هذا الامر لم يغير حقائق أساسية. الأولى هي ان الصيغة الأساسية لحل النزاع بقيت بدون تغيير حتى بعد مرور ستين سنة على الاحتلال: مطالبة دولية بانسحاب كامل مقابل انهاء النزاع. الثانية: في ظل غياب اغلبية يهودية بين النهر والبحر فان أي حل لا يمثل تقسيم سيعرض للخطر استمرار وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

الاحتلال خلق في المناطق واقع من الابرتهايد الفعلي، لكنه لم يؤد الى رد دولي شديد. هذا الواقع تغير بشكل دراماتيكي مع قرار إسرائيل شن، ما يظهر الآن ككارثة، حرب تدمير غزة. في مركز التغيير تقف مكانتها المتدهورة في الرأي العام الدولي، رغم ان مكانتها كعزيزة العالم الليبرالي فقدتها قبل سنوات، الا أنها حتى الحرب كانت ما تزال تحظى بصورة الدولة الناشئة. السنتان اللتان فيهما شاهد كل العالم، باستثناء إسرائيل، صور الدمار من القطاع، الأطفال الجائعين والمستشفيات التي لا يمكنها تقديم المساعدة، حولت إسرائيل الى دولة منبوذة، ليس فقط في نظر الليبراليين الشباب في أمريكا، بل أيضا في نظر البالغين الذين يصوتون للحزب الجمهوري، وهذا ستكون له تداعيات عملية.

التشبيه الأكثر صلة بتاثير الحرب على إسرائيل هو تاثير اعمال الشغب التي اندلعت في حزيران 1976 في سويتو، بلدة سود على مشارف جوهانسبورغ، على مكانة جنوب افريقيا الدولية. لقد بدأت اعمال الشغب باحتجاج طلاب المدارس الثانوية ضد طلب حكومة البيض، التعليم في المدارس باللغة الافريقية، وقتل مئات السود. صور الأطفال القتلى صدمت الرأي العام العالمي. حتى ذلك الحين كان نظام الفصل العنصري مدان، ولم تطبق الدول سوى مقاطعات رمزية ضده. اما احداث سويتو فقد اشتعلت حركات احتجاج جماهيرية والمطالبة باتخاذ تدابير اكثر جوهرية: مقاطعة جنوب افريقيا وبضائعها وتحويل الاستثمارات الأجنبية من الدولة وفرض عقوبات دولية، وهذا يختصر بـ “بي.دي.اس”.

التغير في الرأي العام حول جنوب افريقيا الى دولة منبوذة. لقد تم فرض مقاطعة أدت الى عزلها عن عالم الادب ومشاريع الرياضة الكبرى وشركات اجنبية أخرجت استثماراتها، وشركات دولية توقفت عن بيع بضائعها فيها، والأمم المتحدة أعلنت عن حظر السلاح لها. المقاطعة والعزلة أثرت، لكن نظام الابرتهايد انهار نهائيا فقط في 1994 وبعد ذلك تم رفع المقاطعة بالكامل.

المقارنة التاريخية تقتضي الحذر، لكن المقارنة مبررة. في حالة جنوب افريقيا كان الطلب هو الغاء نظام الفصل العنصري، أما هنا فان الطلب سيكون انهاء الاحتلال. في حالة جنوب افريقيا الامر استغرق 28 سنة بين إقامة نظام الفصل العنصري في 1948 واعمال الشغب في سويتو من اجل البدء في المقاطعة. أما في حالة إسرائيل الامر استغرق الضعف، لكن العملية بدأت. المستقبل غامض بالطبع، لكن يمكن التقدير بان إسرائيل اكثر حساسية للمقاطعة الدولية، وان تاثير انهاء الاحتلال على حياة المواطن الإسرائيلي العادي سيكون اقل من تاثير تأسيس حكومة سود على حياة المواطن العادي في جنوب افريقيا.

هناك أيضا مكان للتفاؤل. يمكن توقع أن فترة المرحلة الرابعة في تطور المشروع الصهيوني – المرحلة التي ندخل اليها الان والتي فيها سينتهي الاحتلال – ستكون اقصر من الفترة الزمنية التي كانت مطلوبة من اجل احداث التغيير في جنوب افريقيا.

——————————————-

هآرتس 13/10/2025

لـ “المدمر” نتنياهو: لو كان الأمر بيدك لتركتهم في أنفاق غزة.. الكل يمقتك فارحل

بقلم: أسرة التحرير

لا يمكن وصف مدى فرحة عودتهم عودة المختطفين العشرين إلى إسرائيل أحياءً بعد عامين من الأسر. يصعب وصف الارتياح والحماسة اللذين تثيرهما عودتهم لدى عائلاتهم، وفي المجتمع الإسرائيلي ككل، ولدى من رافقوهم، والذين طال انتظارهم وناضلوا من أجل عودتهم منذ 7 أكتوبر.

يعود المختطفون إلى ديارهم. إنها فرحة تاريخية، لكنها ممزوجة بحقيقة مُرّة: لقد عادوا رغماً عن نتنياهو، وليس بفضله.

المسؤول عن إعادة المختطفين أحياءً هو ترامب، وليس رئيس وزراء إسرائيل.

هذه حقيقة صعبة ومؤلمة. من فرض خطة العشرين نقطة – الضرورية والحيوية لمنع التلاعب والتخريب – هي الإدارة الأمريكية، التي اعتلى ممثلوها، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، المنصة في ساحة الأخيار الثلاثاء، واستُقبلا هناك بحب وامتنان، وهو ما لم تستحقه الحكومة وزعيمها.

لماذا استُقبل أعضاء الإدارة الأمريكية بصيحات التعاطف، ولماذا استُقبل ذكر اسم رئيس الوزراء نتنياهو بازدراء؟ هذا سؤال يجب أن يطرحه نتنياهو وشركاؤه. هذا سؤال بلاغي؛ وهم يعرفون الإجابة جيدًا.

لقد حصد نتنياهو ما زرع. كان الاحتقار هو الرد الأصدق والأرقى الذي يستحقه: أنينٌ مُفجعٌ لجمهورٍ أُهمِل وخُدِعَ وهُجِر؛ احتقارٌ لعائلاتٍ أدركت أن مصير أحبائها قد قُدِّم على مذبحٍ سياسيٍّ ساخر. احتقارٌ نابعٌ من قلوبهم.

وُلِدَت صيحاتُ الاستهجان من حشود ساحة المخطوفين بعد عامين طويلين ومرهقين من النضال من أجل إعادة المخطوفين، بذل فيهما نتنياهو كل ما في وسعه لنسفها. يصعب تصديق ذلك، لكن نضالَ إعادة المخطوفين قادته العائلاتُ ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم يزر الساحةَ ولو لمرةٍ واحدة، التي أصبحت مقرًّا للنضال وموطنًا للألم والتضامن.

تُعدّ صيحاتُ الاستهجان ردًّا طبيعيًّا على من خرَّب مبادراتِ إطلاق سراح المخطوفين مرارًا، ومن صبغَ النضالَ بألوان المعارضة وحرَّضَ جمهورَه على عائلات المحتجين. وبدلاً من احتضان الأمهات والآباء الذين ناضلوا من أجل حياة أبنائهم، صوّر نتنياهو هؤلاء والمتظاهرين كمتعاونين مع العدو.

من المفترض أن يطارد صدى صيحات الاستهجان نتنياهو ليلاً ويقض مضاجعه حتى يختفي عن الأنظار ويسمح للمجتمع والبلاد بالتعافي. هذا الازدراء هو كل ما يستحقه.

وبينما نحتفل بعودة المخطوفين، كل ما تبقى الآن، إلى جانب هذا الازدراء، هو أن نقول لرئيس الوزراء صراحةً: جئتَ، يا مُدمّر، ارحل.

——————————————-

هآرتس 13/10/2025 

في تأييد دولة ثنائية القومية

بقلم: ميخائيل بن يائير

لم يكن إسهام الشعب اليهودي في الحضارة الإنسانية يوما بالسيف ولا من خلال السيطرة بالقوة. ولم تترك سيادته السياسية في هذه الأرض في الماضي أثرا إيجابيا يُذكر، لا على الشعب اليهودي نفسه ولا على الحضارة الإنسانية.

*   *   *

لن يفضي الاندفاع السياسي المتمثل في موجة الاعتراف بدولة فلسطين إلى إنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، لسببين جوهريين: أولهما أن إسرائيل، مهما كان شكل حكومتها، لن تسمح بقيام دولة فلسطينية إلا إذا كانت هذه دولة عاجزة، أقرب إلى كيان حكم ذاتي محدود، يخضع بالكامل للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.

وحتى لو أقيمت فلسطين منزوعة السلاح، سوف يظل الفارق شاسعا بين الدولتين: فالأولى قوة إقليمية، جيشها من بين الأقوى في العالم واقتصادها متين ومزدهر؛ والثانية مجرد دويلة هشة تعيش في ظل جارتها المهيمنة.

مثل هذا الواقع، سوف يكون القوميون في الدولة الأقوى بشكل حتمي أمام إغواء السعي إلى تقليص ما تبقى من سيادة الدولة الأضعف على أجزاء من أرض فلسطين التاريخية. والنتيجة الحتمية: سيكون قيام دولة فلسطينية مستقلة أمرا مشكوكا فيه؛ والأكثر استحقاقا للشك هو الاعتقاد بأن قيامها سيكون مدخلا لجلب الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى نهاية.

سيكون الحل الأمثل، في رأيي، هو اتفاق سياسي يفضي إلى كبح الطموحات القومية لدى الشعبين كليهما؛ اتفاق يفضي إلى قيام دولة ثنائية القومية يعيش فيها أبناء الشعبين معا، في مجتمع مشترك ومتساوٍ، يتعاونون في إطار مؤسسات دولة موحدة -برلمان، وحكومة، وسلطة قضائية مشتركة. اتفاق يفضي إلى تفكيك القوة العسكرية القائمة، واستبدالها بقوة شرطة موحدة تتولى حماية جميع مواطني الدولة المشتركة من دون تمييز.

يبدو هذا التصور ضربا من أحلام آخر الزمان، لكنني أرى أنه ليس هناك أي حل آخر يمكن أن يقود، في الواقع الجيوسياسي الراهن، إلى إنهاء حقيقي للصراع الناشئ من تصادم حركتين قوميتين تتنافسان على السيادة على شريط واحد ضيق من الأرض. لكي نُسوي هذا النزاع، وبافتراض أن الشعبين سيستمران في العيش على هذه الأرض، لا بد من إنهاء الطموحات إلى السيطرة الكاملة على الأرض من قلوب الطرفين. وبدلا من أن تبقى الأرض مقسمة إلى رقعة تتقاتل عليها قوميتان كل من أجل امتلاك أكبر قدر ممكن من الحيز، يجب أن نصوغ أرضا مشتركة وفضاء واحدا يضمن الوجود المتساوي لكلا الشعبين.

إذا قال أحد إن هناك خشية من بلقنة البلد، فإن الإجابة مزدوجة: إن الوضع القائم في هذه الأرض منذ ثمانية وسبعين عاما ليس أفضل حالا؛ في ظل الانتداب البريطاني، بل وحتى في العهد العثماني الذي سبقه، عاش الشعبان، في المجمل، في حالة من التعايش والهدوء النسبي. وستكون الوصفة الحقيقية لحياة مشتركة ومتساوية هي التخلص من النزعة القائمة لدى كل من الحركتين القوميتين إلى الهيمنة على الأخرى وعلى الأرض المشتركة بينهما. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في ظل دولة ثنائية القومية، مشتركة ومتساوية.

اسمحوا لي أن أقول بضع كلمات عن مسألة السيادة السياسية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل.

وربما يُنظر إلي ككافر أو مارق، لكنني سأقول رأيي بصراحة: لم يكن إسهام الشعب اليهودي في الحضارة الإنسانية يوما بالسيف ولا من خلال السيطرة بالقوة. ولم تترك سيادته السياسية في هذه الأرض في الماضي أثرا إيجابيا يذكر، لا على الشعب اليهودي نفسه ولا على الحضارة الإنسانية، ومن المشكوك فيه أن يكون الوضع مختلفا اليوم. إن القيمة الحقيقية لمساهمة الشعب اليهودي تكمن في الأخلاق، والعدالة، والسلام، والإنسانية، والرحمة. وهذه القيم لا تتحقق على طريقة إسبرطة القائمة على القوة والدمار، وإنما على نهج أثينا، طريق البناء والإبداع.

يبدو لي أنه في الجدل الذي دار بين أحد هاعام -ولاحقا أتباع حركة “بريت شالوم”- وبين أنصار الصهيونية السياسية، كان الفريق الأول هو المحق. ليس بالقوة ولا بالهيمنة على شعب آخر نضمن بقاءنا أو نُغني الحضارة الإنسانية، بل من خلال تجسيد القيم الإنسانية العالمية التي يحملها الشعب اليهودي نسهم في الحضارة الإنسانية ونصون وجودنا في هذه الأرض.

*ميخائيل بن يائير Michael Ben-Yair: قاضٍ ومحامٍ إسرائيلي بارز، شغل منصب المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية بين العامين 1993 و1996 خلال فترة حكومة إسحاق رابين، وكان من الشخصيات القانونية المؤثرة في صياغة السياسات القانونية للدولة في تلك المرحلة. بعد خدمته في وزارة العدل، عُين قاضيا في “محكمة القدس الجزئية”. عُرف لاحقا بمواقفه الناقدة للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكتب مقالات وتصريحات وصف فيها إسرائيل بأنها أصبحت دولة أبارتهايد تمارس سياسات استعمارية ضد الفلسطينيين، داعيا إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق تسوية عادلة. وهو من الأصوات النادرة داخل المؤسسة القانونية الإسرائيلية التي تبنت مواقف ضميرية وإنسانية مخالفة للتيار السائد.

——————————————-

عن “N12” 13/10/2025

ترامب ينقذ إسرائيل من نفسها

بقلم: غادي شميني

مرةً أُخرى، أثبت دونالد ترامب أنه أحد القادة القلائل في العالم القادرين على تغيير واقع جيوسياسي م عقد. 

ففي حين يواصل قادة الغرب، في معظمهم، انتهاج سياسة مترددة وحذِرة، يختار الرئيس ترامب أن يتصرف بشجاعة ووضوح، وأن يقود خطوة قد تنقذ إسرائيل والفلسطينيين من دوامة عنفٍ لا نهاية لها.

إن المبادرة الأميركية الجديدة، التي تحمل بصمته الواضحة، تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، وتحقيق الإفراج عن الأسرى، وتأسيس ائتلاف عربي يتولى إدارة القطاع خلال فترة انتقالية، إلى أن تُسلّم مقاليد الحكم لسلطة فلسطينية معززة وخاضعة لإشراف دولي. 

إنه إجراء جريء، لكنه ضروري أيضاً، هدفه ضمان الأمن لإسرائيل ومستقبل من الأمل للفلسطينيين.

منذ هجوم السابع من تشرين الأول، تواجه إسرائيل إحدى أصعب الفترات في تاريخها. لقد انهارت سياسة “إدارة الصراع” التي وجهت الحكومات على مدى عقود دفعةً واحدة. 

وأدرك ترامب، على غرار سلفه في المنصب بايدن، أن استمرار هذا النمط يهدد وجود إسرائيل نفسها، كدولة قوية وشرعية وذات مكانة دولية. 

غير أنه، بخلاف بايدن الذي يفتقر إلى نفوذ فعلي على نتنياهو، لا يكتفي بالدعوات إلى التهدئة، بل يفرض على الجانبين ما يعتقد أنه، وبحق، الحل الصحيح والعادل لكليهما.

بالنسبة إلى إسرائيل، تعرض التسوية الآخذة في التبلور ما حلمت به أعواماً: الحفاظ على أمنها وحرية عملها العسكري، إلى جانب الانفصال عن السكان الفلسطينيين بالتدريج، وإقامة جهاز فلسطيني فعّال ومسؤول.

أمّا الفلسطينيون، فسيحصلون على فرصة لإعادة بناء غزة، وتطوير اقتصاد مستقل، ونيل شرعية دولية، لكن هذه المرة، مع تحمُّل مسؤولية حقيقية عن الحكم والأمن.

إن ترامب، بخلاف أسلافه، لا يخشى اتخاذ خطوات كانت تُعد “مستحيلة” في الماضي، فهو يعيد “صفقة القرن”إلى الطاولة، لكنه يحدّثها بما يتلاءم مع الواقع الذي نشأ بعد السابع من تشرين الأول. إن الرؤية التي توجّهه واضحة: يجب أن يستند أيّ اتفاق سياسي إلى الواقع القائم على الأرض، لا إلى أوهام تسويات غير قابلة للتحقيق.

فالأساس الجديد الذي يطرحه ترامب يحافظ على مبادئ الأمن لإسرائيل، إلى جانب التقدّم لمصلحة الفلسطينيين بالتدريج، فهو لا يسعى لفرض حل غير واقعي، بل لصوغ حلّ عادل ومستدام، يضمن الهدوء والاستقرار والازدهار للطرفين. 

لكن ترامب يدرك أمراً آخر أيضاً: إذا توقّف مسار التسوية عند غزة فقط، فلن يصمد طويلاً، وسيؤدي غياب الحلّ الشامل إلى تجدّد العنف وزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية، وفي المنطقة بأسرها. ولذلك هو يعمل، انطلاقاً من فهم استراتيجي واسع، على بلورة مسار إقليمي شامل، تدعمه الدول العربية المعتدلة، وتشرف عليه المجموعة الدولية.

سيقول البعض إن ما يجري “سلام مفروض”. أمّا ترامب، فيفضل أن يسميه “سلاماً ضرورياً”، يخدم مصلحة جميع الأطراف. 

لقد أثبت الإسرائيليون والفلسطينيون، مراراً، أنهم غير قادرين على التوصل إلى اتفاق بأنفسهم، وترامب هو مَن يأتي بالحزم والسلطة والرؤية المطلوبة لكسر حالة الجمود.

إذا نجح في قيادة هذه الخطوة، فسيسجَّل في التاريخ، ليس بصفته الصديق الأكبر لإسرائيل فحسب، بل أيضاً مَن أرسى سلاماً حقيقياً في الشرق الأوسط. 

قد تكون السنوات الثلاث المتبقية له في البيت الأبيض كافية لبلورة واقع جديد من الأمن والاستقرار، وإرساء مسار يغيّر وجه المنطقة لأجيال قادمة.

بعبارة أُخرى، لا يساند الرئيس ترامب إسرائيل فحسب، بل ينقذها. إنه الرجل الوحيد المستعد لأن يقول للإسرائيليين والفلسطينيين الحقيقة: إن استمرار الحرب يعرّض الطرفين للخطر، ووحده السلام الشجاع المستند إلى الواقع هو الذي يكفل ضمان مستقبل أفضل.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article