المسار : اتهم “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة تنفيذ سياسة ممنهجة ومؤسساتية لطمس الأدلة المادية على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في قطاع غزة على مدار عامين، عبر منع دخول الصحافيين الدوليين ولجان التحقيق المستقلة، في محاولة لإعاقة أي توثيق ميداني أو تحقيق جنائي يُثبت مسؤوليتها القانونية.
وأوضح المرصد، في بيان صحفي اليوم السبت، أن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الأخير، القاضي بمنح الحكومة تأجيلًا إضافيًا بشأن السماح بدخول الصحافيين المستقلين إلى غزة، يكشف التكامل المؤسسي داخل منظومة الدولة الإسرائيلية في التستر على الجرائم، حيث يوفّر القضاء غطاءً قانونيًا لسياسات حكومية تهدف إلى منع الشفافية وطمس الأدلة.
وأكد المرصد أن منع الصحافيين والمحققين الدوليين يشكّل جزءًا من سياسة إسرائيلية متسقة ومترابطة تشمل الأجهزة التنفيذية والأمنية والقضائية، وتستهدف إبقاء الجرائم خارج نطاق الرقابة الدولية وتعطيل المساءلة القانونية المستقلة.
وأشار إلى أن المنع الممنهج لدخول الصحافيين المستقلين هو سياسة ثابتة منذ بدء العدوان على غزة، تهدف إلى حرمان العالم من رؤية الحقيقة الميدانية لما جرى ويجري في القطاع، عبر فرض عزلة إعلامية كاملة ومنع أدوات التوثيق الدولية من الوصول إلى مواقع الجرائم.
وبيّن المرصد أن “إسرائيل” لا تزال ترفض السماح بدخول الصحافيين الدوليين رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 11 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مكتفية بجولات محدودة تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، ما يجعل كل المشاهد الميدانية خاضعة للرقابة العسكرية ومجردة من الاستقلالية الصحفية.
ولفت المرصد إلى أن مقتل 254 صحافيًا فلسطينيًا ومنع دخول المراسلين الدوليين يجسدان سياسة إسرائيلية تهدف لاحتكار السردية ومنع أي رقابة أو توثيق مستقل، معتبرًا ذلك امتدادًا لسياسة رسمية تستهدف إخفاء الحقيقة وتجريد الضحايا من روايتهم الإنسانية والتاريخية.
وأوضح المرصد أن “إسرائيل” تمنع أيضًا دخول لجان التحقيق الدولية المستقلة، وفريق المحكمة الجنائية الدولية، وخبراء الطب الشرعي والأنثروبولوجيا الجنائية، الذين يُفترض أن يتولوا جمع الأدلة البيولوجية والجنائية وتوثيق الرفات البشرية، معتبرًا أن هذا منع متعمد يقوّض التحقيقات الدولية ويهدف إلى إتلاف الأدلة قبل فحصها.
وكشف المرصد أن السلطات الإسرائيلية تواصل منع دخول المعدات والأدوات الخاصة بعمليات استخراج الجثامين والتعرف على هوية الضحايا، ما أدى إلى بقاء مئات الجثث مجهولة الهوية، بينها 195 جثمانًا سلمتها إسرائيل دون تفاصيل أو معلومات عن أصحابها، وقد بدت على بعضها آثار تعذيب وقتل ميداني، وهو ما يشير إلى جرائم إعدام خارج نطاق القانون ومعاملة لاإنسانية.
وأكد أن استمرار احتجاز الجثامين ومنع التحقيق المستقل يمثل شكلًا من أشكال العقاب الجماعي للأسر الفلسطينية وحرمان الضحايا من حقهم الإنساني في التعرّف والدفن الكريم.
وأضاف المرصد أن القوات الإسرائيلية نفذت عمليات محو كامل لمدن وبلدات ومخيمات في غزة، وأزالت الطبقات السطحية للأرض ودمرت الركام ونقلته إلى أماكن مجهولة، ما يؤدي إلى طمس الأدلة المادية وبقايا الذخائر والجثامين وملامح الدمار الأصلي.
وأشار إلى أن “إسرائيل” تفرض سيطرة عسكرية كاملة على نحو 50% من مساحة القطاع، وتعمل على إعادة تشكيل الجغرافيا الميدانية من خلال القصف والتجريف وإنشاء مواقع عسكرية جديدة، في محاولة لإخفاء آثار الجرائم وإعادة رسم المشهد بما يمنع التحقق من الوقائع مستقبلاً.
وشدد المرصد على أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ومخالفة مباشرة لقرار محكمة العدل الدولية الذي يلزم “إسرائيل” بمنع ارتكاب الإبادة الجماعية والحفاظ على الأدلة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة إلى ضمان السماح الفوري بدخول الصحافيين والمحققين الدوليين إلى غزة، وتمكينهم من العمل بحرية تامة دون إشراف عسكري، إلى جانب إدخال فرق الطب الشرعي وخبراء المتفجرات لتأمين مواقع الجرائم وجمع الأدلة قبل ضياعها.
كما طالب المرصد بـ مراعاة حفظ الأدلة أثناء عمليات إزالة الركام، محذرًا من أن أي إعمار لا يراعي التوثيق سيُسهم فعليًا في محو الحقيقة والذاكرة الجنائية للجرائم المرتكبة.
وحثّ المرصد الأمم المتحدة على إنشاء إطار متخصص لإدارة ركام غزة يربط بين عمليات الإعمار وحفظ الأدلة، إلى جانب الكشف عن قوائم المفقودين والجثامين وتسليمها لذويهم، وتمكين الآليات الأممية من إجراء تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين.
ودعا المرصد مجلس حقوق الإنسان إلى تفعيل آليات الرقابة والتحقيق وتمكينها من الوصول الكامل إلى غزة، والمحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع نطاق تحقيقها ليشمل جريمة الإبادة الجماعية وطمس الأدلة الجارية، مع إنشاء مكتب ميداني خاص بفلسطين لجمع الأدلة الجنائية ومتابعة التحقيقات.
وختم المرصد مؤكداً أن أي تأخير في التدخل الدولي سيمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لاستكمال طمس الأدلة، معتبرًا أن إنقاذ الحقيقة في غزة لم يعد خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل التزامًا قانونيًا وإنسانيًا لا يحتمل التأجيل.
وارتكبت “إسرائيل” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 -بدعم أميركي أوروبي- إبادة جماعية في قطاع غزة، شملت قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا واعتقالا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 238 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين معظمهم أطفال، فضلا عن الدمار الشامل ومحو معظم مدن القطاع ومناطقه من على الخريطة.
المصدر … وكالة قدس برس

