أزمة الوقود ومنع مواد البناء.. مقومات الحياة معطلة في غزة

المسار : على الرغم من مرور أربعين يوماً على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المحاصر، إلا أنّ مظاهر الأزمة الإنسانية لا تزال تهيمن على تفاصيل الحياة اليومية لسكان القطاع، فالحصار المستمر والقيود الصارمة المفروضة على دخول المواد الأساسية جعلا من “التهدئة” حالة شكلية لا تعني الكثير للناس الذين يكافحون من أجل تأمين أبسط مقومات الحياة.

ويعد الوقود وغاز الطهي من أبرز مظاهر الأزمة المستدامة، فالكميات التي يسمح بدخولها إلى غزة ما زالت محدودة للغاية، تُدخل “بالقطارة”، ما يؤدي إلى شلل في القطاعات الحيوية مثل النقل والمستشفيات والمخابز. ومع النقص الحاد في غاز الطهي، تضطر العديد من العائلات إلى استخدام وسائل بديلة للطهي، مثل الحطب أو الفحم، ما يزيد معاناتها ويعرضها لمخاطر صحية وبيئية إضافية.

الكهرباء أيضاً ما زالت تمثل أزمة مزمنة تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث يعيش السكان في ظلام دامس كل ساعات اليوم، والأخطر من ذلك هو منع دخول أنظمة الطاقة البديلة، كالألواح الشمسية والبطاريات، التي كانت تشكل طوق نجاة للعديد من الأسر والمرافق الطبية، وهو منع يعمّق حالة العجز ويُبقي غزة في دائرة الاعتماد القسري على مصادر محدودة وخاضعة للقيود السياسية.

ويوضح الفلسطيني سامي أبو شعر (38 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة للنقل الداخلي، أنه يحصل على الوقود بطريقة شاقة جداً، حيث يعتمد على السوق السوداء بشكل رئيسي، والتي تحتكم بشكل كبير لنظرية العرض والطلب، وهو الأمر الذي يساهم في الارتفاع المتواصل للأسعار نظراً للكميات الشحيحة الموجودة مقابل الطلب الكبير. ويقول أبو شعر لـ”العربي الجديد”، إن الوقود يدخل بنسبة قليلة جداً، والنتيجة أن المواصلات في غزة أصبحت معاناة يومية للناس، اذ ارتفعت الأسعار، والمواطن يدفع الثمن مرتين، مرة عندما ينتظر، ومرة عندما يدفع أجرة مضاعفة، ويضيف: “نحن لا نريد شيئاً مستحيلاً، فقط نريد أن نعمل، لكن حتى هذا الحق البسيط أصبح مقيداً”.

ولفت إلى أن شح الوقود ليس الأزمة الوحيدة التي يعانيها يومياً، حيث يواجه تحدياً قاسياً بفعل النقص الحاد في قطع الغيار وارتفاع ثمنها بشكل غير مسبوق، ويقول “الطرق الوعرة والازدحام الشديد يساهمان بشكل كبير في زيادة الأعطال في العربات والثقوب في الإطارات، وهو ما يزيد الكلفة اليومية للعمل”.

وتواجه النساء معاناة قاسية جراء شح غاز الطهي، وعن ذلك تقول سهير خلف (39 عاماً)، وهي ربة منزل وأم لأربعة أطفال، إنّ أسرتها سجلت برابط الغاز، وما زالت تنتظر الحصول على حصتها، في الوقت الذي تتم فيه تعبئة أسطوانة الغاز ذات الكلغ الواحد بأكثر من 35 دولاراً أميركياً، موضحة في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الطهي أصبح عبئاً يومياً، وتضيف “نضطر على مدار الوقت لاستخدام الحطب بالقرب من الخيمة، وهذا يسبب دخاناً كثيفاً يؤذي الأطفال ويزيد الشعور بالاختناق”. وتابعت “كنا نحلم بأن نعيش حياة بسيطة فقط، نطبخ طعامنا دون خوف من نفاد الغاز، حتى في أبسط تفاصيل الحياة، نحن نحارب للبقاء، الطبخ، الذي كان عملاً يومياً عادياً، أصبح معركة صغيرة في حرب لا تنتهي”.

غياب مواد البناء ولوازم الإيواء في غزة

ويعتبر استمرار منع دخول مواد البناء ولوازم الإيواء، كالأخشاب والخيام والشوادر، أحد أكبر التحديات، رغم الدمار الواسع الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية جراء القصف الإسرائيلي على مدار عامين، حيث يعيش آلاف النازحين في ظروف قاسية داخل مراكز إيواء مؤقتة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، دون أفق واضح لإعادة الإعمار أو حتى الترميم الجزئي.

ويوضح الفلسطيني محمود النجار (45 عاماً)، وهو عامل متعطل في مجال المقاولات، أنه ومنذ وقف إطلاق النار، في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم يتمكن من استئناف أي عمل، إذ لا إسمنت، ولا حديد، ومعظم ورش البناء مغلقة، والعمال جالسون في خيامهم بلا عمل، “حتى أن الأزمة لم تقتصر فقط على إعادة إعمار المنازل المدمرة، بل حتى الإصلاحات البسيطة في البيوت المتضررة توقفت”، ويبيّن في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الناس يعيشون بين الركام لأن مواد البناء أصبحت حلماً، وكل تصريح لإدخالها يمر بإجراءات معقدة لا يعرف متى تنتهي، مضيفاً “المؤلم أن لدينا القدرة والخبرة، لكننا عاجزون، لأن كل شيء مرهون بالأهواء الإسرائيلية”.

من جانبه، يلفت عبد الله صقر (52 عاماً)، النازح من شمال غزة ويعيش في مركز إيواء مؤقت، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه يعيش في خيمة واحدة مع أولاده وأحفاده منذ أن فقد بيته، وهي عاجزة عن حمايتهم من البرد أو الحر، في ظل عدم توزيع أي خيام جديدة يمكنها حمايتهم وتوفير مساحة إضافية لهم، ويقول: “حاولنا أن نحسن الوضع بأنفسنا، لكننا لا نجد أخشاباً ولا شوادر جديدة، وإن وجدت فالكميات الشحيحة مرتفعة الثمن، بسبب عدم دخول مواد الإيواء إلا بكميات محدودة جداً، وغالباً توزع بطرق غامضة ووفق أولويات لا نعرف كيف يتم تحديدها”. ويتابع بألم: “أشعر بأننا عالقون بين الأرض والسماء، لا بيت يؤوينا ولا حلول تلوح في الأفق، الناس هنا فقدوا صبرهم، لكن لا خيار أمامنا سوى الانتظار”.

ورغم الحديث عن إدخال مساعدات غذائية، إلا أن الكميات التي تصل إلى غزة لا تزال محدودة ولا تفي بحاجة أكثر من مليوني نسمة، فقد أدت القيود على المعابر وصعوبة الحركة إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض المعروض، ما أبقى آلاف الأسر في حالة عوز دائم، ورفع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة.

وتبدو الأزمات في غزة مترابطة ومتعمدة في استدامتها، فكل قطاع يعتمد على الآخر، وكل تأخير في دخول مادة حيوية يخلق أزمة جديدة، ومع غياب الإرادة الدولية الجادة لفرض التزامات إنسانية حقيقية، تتحول “فترة ما بعد الحرب” إلى استمرار للحرب بأدوات مختلفة، أدوات الحصار والتجويع والتقييد.

Share This Article