المسار : على مدار العقود الماضية، ظل الطفل الفلسطيني واحدا من أكثر الفئات تعرضا للانتهاكات الإسرائيلية، سواء عبر القتل والإصابة، أو الحرمان من التعليم، أو الاقتحامات الليلية، أو الاعتقال الذي طال عشرات الآلاف من القاصرين منذ بداية الاحتلال.
فمنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة استشهد طفلٌ أسير في سجون الاحتلال جوعاً واعتقل أكثر من 1630 طفلاً من الضفة وعشرات الأطفال من غزة.
ويقبع اليوم داخل سجون الاحتلال نحو 350 طفلاً معتقلاً بينهم طفلتان في ظروف تتعارض تماما مع كل المعايير الدولية الخاصة بحماية القاصرين، ويواجهون جرائم التعذيب والتجويع والجرائم الطبية، وعمليات السلب والحرمان الممنهجة، إضافة إلى العزل الجماعي، وفق معطيات مؤسسات الأسرى.
وقالت مؤسسات الأسرى في تقرير لها اليوم الخميس، بمناسبة يوم الطفل العالمي الذي يوافق 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، إن منظومة الاحتلال الإسرائيلي تمارس عمليات تدمير جسدية ونفسية بحق الأسرى الأطفال عبر جملة من السياسات الممنهجة.
وسجلت المؤسسات الحقوقية أكثر من 1,630 حالة اعتقال لأطفال في الضفة بما فيها القدس خلال فترة زمنية قصيرة، إضافة إلى العشرات من أطفال غزة الذين تم اعتقالهم أثناء الحرب.
ولفتت النظر إلى أن هؤلاء الأطفال لم يُعتقلوا في سياقات معزولة أو وفق إجراءات قانونية، بل جرى اقتيادهم بعد عمليات اقتحام، أو خلال المواجهات، أو من الحواجز والشوارع، أو حتى من المدارس ومحيطها.
وأكدت المؤسسات أن سلطات الاحتلال مارست بحق الأطفال الأسرى جرائم منظمة، وإخفاء قسري، ومنع من الزيارات التي حالت دون معرفة أعدادهم الدقيقة، وهذه المعطيات توضح حجم التصعيد، واتساع دائرة الاستهداف للأطفال.
وبحسب مؤسسات الأسرى، فقد أكدت شهادات حديثة للأطفال المحررين أن سلطات الاحتلال تعمدت منذ الساعات الأولى لعزلهم الكامل عن باقي الأقسام، وقد وثقت عشرات الشهادات تعرضهم للضرب المبرح، والإيذاء المباشر خلال فترات احتجازهم، في ظل ظروف قاسية ومهينة.
وتشير البيانات الموثقة إلى أن الغالبية الساحقة من الأطفال المعتقلين واجهوا شكلاً واحدًا على الأقل من التعذيب الجسدي أو النفسي ضمن منظومة مدروسة من الانتهاكات التي تتعارض بشكل صارخ مع القانون الدولي، والأعراف الإنسانية، وكافة الاتفاقيات الخاصة بحماية الطفل وحقوقه.
وتبدأ مراحل التعذيب من اللحظة الأولى للاعتقال الذي يتم غالباً في ساعات الفجر باقتحام المنازل وتفجير الأبواب بلا إنذار، مروراً بمرحلة التحقيق في مساحات ضيقة وانتهاكات لا تتوقف.
وتشكل الحياة اليومية للأطفال داخل سجون الاحتلال منظومة قمعية وسالبة للطفولة، وقد ازدادت حدة بعد حرب الإبادة حيث يجد الأطفال أنفسهم في بيئات مغلقة وقاسية تفتقر لأبسط مقومات العيش يعيشون في غرف مكتظة ورديئة التهوية، بملابس قليلة وأغطية مهترئة، ومع تقييد شبه كامل لحركتهم داخل الأقسام، وفقاً للتقرير الصادر.
رعاية صحية معدومة..
أما على صعيد الرعاية الصحية، فقد أكدت مؤسسات الأسرى على تصاعدت الجرائم الطبية بحق الأطفال منذ بدء حرب الإبادة، ونتيجة للإجراءات التي فرضتها منظومة السجون على الأسرى وحرمانهم من أدوات النظافة التي أدت إلى انتشار واسع للأمراض الجلدية وفي مقدمتها السكابيوس (الجرب) نتيجة الاكتظاظ وغياب النظافة.
يُضاف إلى ذلك الحرمان الكلي من العلاج، وتأخير العلاج والاكتفاء بمسكنات لا تلائم وضعهم الصحي، ورفض نقل الحالات المتدهورة للمستشفيات إلى جانب كل هذا يواجه الأطفال جريمة التجويع التي أثرت بشكل كبير على حالتهم الصحية، وتسببت لهم بأمراض.
استشهاد الطفل الأسير وليد أحمد من بلدة سلواد
واستشهد الطفل وليد خالد أحمد من بلدة سلواد رام الله، في سجن مجدو” في شهر آذار / مارس 2025، جوعاً.
وأظهرت التقارير الطبية وجود انتفاخ هوائي، وتكتلات هوائية كثيفة تمتد إلى غشاء القلب والرقبة وجدار الصدر والبطن والأمعاء، إلى جانب وجود ضمور شديد وبطن غائر، وغياب تام لكتلة العضلات والدهون تحت الجلد في الجزء العلوي من الجسم والأطراف، هذا عدا عن وجود بقع عديدة من الطفح الجلدي الناتج عن إصابته بالجرب وتحديدا على الأطراف السفلية، ومناطق أخرى من جسده.
ويؤكد تقرير التشريح مرة أخرى أن جريمة التجويع، ومنها الجفاف الناتج عن قلة تناول الماء وفقدان السوائل بسبب الإسهال الناتج عن التهاب القولون، والتهاب في الأنسجة منتصف الصدر بسبب الانتفاخ الهوائي، كلها أسباب مجتمعة أدت إلى استشهاده.
أطفال غزة الأسرى ما بين جريمة الإخفاء القسري وجرائم التعذيب في السجون والمعسكرات
أما أطفال غزة، فمع بدء حملات الاعتقال في القطاع والتي طالت العشرات من الأطفال، إلا أن جريمة الإخفاء القسري، والقيود التي فرضت على الزيارات، حالت دون معرفة العدد الدقيق لهم داخل سجون الاحتلال والمعسكرات التابعة للجيش.
وفاقت شهادات وإفادات الأطفال منهم القدرة على التصور نتيجة لجرائم التعذيب الممنهجة، واستخدامهم كدروع بشرية خلال عمليات الاعتقال، وممارسة بحقهم جرائم طبية، إلى جانب جريمة التجويع، والعزل الجماعي، والاعتداءات الممنهجة، ومنها عمليات القمع والاقتحامات.
وبحسب تقرير “لأسرى” فقد حولت سلطات الاحتلال الأطفال إلى “مقاتلين غير شرعيين”، القانون الذي استخدمه الاحتلال بحق معتقلي غزة المدنيين، والذي ساهم في ترسيخ جرائم التعذيب الممنهجة، التي أدت إلى استشهاد العشرات من معتقلي غزة.
الاعتقال الإداري بحق الأطفال
ويشكل الاعتقال الإداري التعسفي أحد أكثر الأدوات القمعية التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وتحديدًا الأطفال منهم دون توجيه تهم واضحة أو تقديمهم لمحاكمات عادلة، تحت ذريعة “الملف السري” الذي يُحرم الطفل ومحاموه من الاطلاع عليه.
وتشير المعطيات إلى تضاعف أعداد الأطفال المعتقلين إداريًا، إذ تجاوز العدد أكثر من 90 طفلاً يقبعون خلف القضبان دون لوائح اتهام، في سابقة تعد الأخطر منذ بدء العمل بهذه السياسة.
ويعيش هؤلاء الأطفال في ظروف احتجاز قاسية، يُحرمون خلالها من حق الدفاع عن أنفسهم، ويتعرضون لقرارات تمديد متكررة تُحوّل الاعتقال الإداري إلى حالة من الاحتجاز المفتوح بلا سقف زمني.
شهادات قاسية لأطفال من دخل السجون
وثقت المؤسسات العشرات من الشهادات القاسية التي تعكس مستوى الجرائم التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال في السجون، وشكلت شهادات الأطفال من معتقلي غزة الصورة الأشد قتامة ومأساوية.
وتُظهر شهادات الأطفال معاناة قاسية منذ لحظة الاعتقال الأولى، حيث أجبر جيش الاحتلال أطفال غزة المعتقلين على خلع ملابسهم والبقاء مقيدين دون لباس لساعات طويلة، بينما بقي أطفال غزة مقيدين طيلة 6 أشهر داخل معسكر “سديه تيمان”.
كما يصعد جيش الاحتلال عملية التعذيب بحقهم من خلال الاعتداء بالضرب، والتعذيب بالكلاب، المنع من الطعام واللباس والأغطية، المنع من الزيارات، واستخدامهم كدروع بشرية.

