المسار : يترقب الاقتصاد الفلسطيني نهاية الشهر الجاري تطورات حاسمة مع اقتراب انتهاء مهلة العلاقة المصرفية بين البنوك الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، وسط تحذيرات واسعة من تداعيات قد تصل إلى شلّ الحركة التجارية وتقييد التحويلات الحيوية التي يعتمد عليها القطاعان العام والخاص في استيراد الكهرباء والمياه والوقود والسلع الأساسية.
ويرى خبراء اقتصاديون وأكاديميون أن القطيعة البنكية المحتملة تنذر بتداعيات عميقة تمسّ صلب الاستقرار المالي والخدمات اليومية للمواطنين، في ظل محدودية البدائل وقوة الارتباط القسري بين النظامين الماليين.
البروفيسور طارق الحاج أكد أن الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية “محدودة للغاية” وتعتمد على الضغط السياسي على إسرائيل، محذراً من احتمال لجوء الاحتلال إلى تفعيل شركات مراسلة مالية أو فرض رسوم واقتطاعات إضافية تزيد العبء على الفلسطينيين. وشدد على أن الخطر لا يتعلق بودائع المواطنين، بل بقدرة البنوك على تسوية مستحقات التجار والتحويلات الحيوية للخدمات الأساسية.
أما د. شادي حمد فاعتبر أن القطيعة البنكية “استهداف مباشر لجوهر الاقتصاد الفلسطيني”، عبر تحويل البنوك إلى مجرد “خزائن نقد” بلا قدرة على الحركة التجارية. وحذّر من أن الإجراءات الإسرائيلية تهدف إلى خلق اقتصاد فلسطيني تابع بالكامل عبر تجفيف القنوات المالية والتحكم المطلق بحركة الشيكل. وأشار إلى الانخفاض الحاد في الحوالات الخارجية، الذي يعكس –برأيه– سياسة ممنهجة لإضعاف النظام المالي الفلسطيني.
وفي السياق ذاته، يرى الباحث مسيف مسيف أن قطع العلاقات المصرفية يمثل “أقسى إجراء يمكن أن تلجأ إليه إسرائيل”، وقد يقود إلى انهيار اتفاقية باريس الاقتصادية. ولفت إلى أن انحسار خدمات النظام المصرفي سيدفع التجار إلى السحب النقدي والتحويل للعمليات غير الرسمية، ما يعزز السوق السوداء ويهدد بحدوث فوضى مالية واسعة، مع تعقيد شديد في دفع فواتير الكهرباء والمياه والخدمات الحيوية.
بدوره، أوضح د. رأفت الجلاد أن الودائع البنكية للمواطنين آمنة، لكن الخطر الحقيقي يكمن في تعطّل التحويلات بالشيكل وشلل المقاصة التي تمثل العمود الفقري للرواتب والخدمات الحكومية. ودعا إلى توسيع استخدام الدولار والدينار، والاستفادة من البنوك الأردنية كقنوات وسيطة لتخفيف آثار الأزمة، مع تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني.
وفي قراءة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن غياب آليات واضحة من الجهات الرسمية يزيد من خطورة المرحلة، لافتاً إلى إمكانية استخدام بنك وسيط خارج فلسطين للتعامل بالشيكل كبديل مؤقت، أو إنشاء شركة مالية تؤدي دور الوساطة. واعتبر أن التبادل التجاري الكبير بين الجانبين يجعل توقف التحويلات غير مرجّح، لكنه أكد أن بدائل المحروقات محدودة للغاية، وأن الخطر الأكبر يتركز في نقص السيولة الناتج عن ضخامة الكتلة النقدية بالشيكل داخل السوق.
من جهته، أكد الصحفي الاقتصادي فراس الطويل أن انتهاء المراسلات المصرفية سيؤثر بشكل مباشر على الكهرباء والمياه والوقود التي يعتمد عليها الفلسطينيون بنسبة تصل إلى 100% في بعض القطاعات. وحذّر من أن البنوك الفلسطينية ستفقد منفذها الرئيسي للنظام المالي الدولي، ما يهدد بحدوث اختناقات سيولة واسعة، رغم استبعاد انهيار العلاقة بالكامل بسبب التبادل التجاري الشهري الذي يقترب من مليار دولار.
وبين تحذيرات الخبراء وتضارب السيناريوهات، يقف الاقتصاد الفلسطيني أمام أكثر مراحله حساسية منذ سنوات، حيث تتقاطع الأزمة المصرفية مع تعقيدات المقاصة، وضغوطات الاحتلال، وانعدام البدائل الواقعية على المدى القصير. وفي الوقت الذي تستعد فيه الجهات الرسمية لخطط طوارئ، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرة النظام المالي على الصمود، وضمان استمرار الخدمات الأساسية، ومنع انزلاق الاقتصاد نحو فوضى نقدية غير مسبوقة.

