المسار : استقبل الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، اليوم الثلاثاء، الفريق أول بحري تشارلز برادفورد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية، الذي يزور دولة قطر حاليًا في إطار تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الدوحة وواشنطن.
وتركزت المباحثات خلال اللقاء على العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين دولة قطر والولايات المتحدة وسبل دعمها وتعزيزها، مع التركيز بشكل خاص على مجالات التعاون العسكري والدفاعي، بالإضافة إلى عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بحسب بيان وزارة الخارجية القطرية.
وتأتي زيارة كوبر بعد فترة قصيرة من الإعلان عن افتتاح مركز قيادة مشترك للدفاع الجوي في قاعدة العديد الجوية، الذي تم تدشينه الشهر الماضي بحضور رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، الفريق جاسم المناعي، وقائد القيادة المركزية الأمريكية.
وقد أشارت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) إلى أن هذه المنشأة تعد أول مركز قيادة ثنائي مشترك للدفاع الجوي في القاعدة، مؤكدين أنها ستسهم في تعزيز التعاون الأمني الإقليمي على المدى الطويل.
وفي تصريحات موسعة له، قال كوبر إن “العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة وقطر أقوى من أي وقت مضى، وسيتيح مركز القيادة المشترك الجديد تعزيز التعاون الأمني الإقليمي اليوم وفي الأشهر والسنوات القادمة”. وأضاف أن “التعاون بين البلدين يمثل ضمانًا للأمن والاستقرار في المنطقة، ويؤكد التزام الولايات المتحدة بدعم شركائها في الخليج”.
وقد سبق هذه التطورات توقيع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً لضمان أمن قطر وسلامة أراضيها، بما في ذلك اتخاذ إجراءات عسكرية إذا تعرّضت لأي تهديد. وينص الأمر على أن أي هجوم على قطر سيعامل كتهديد مباشر لسلام وأمن الولايات المتحدة، مع إمكانية اللجوء إلى جميع الوسائل القانونية والدبلوماسية والاقتصادية، وحتى العسكرية إذا دعت الضرورة.
في السياق، يؤكد الخبراء أن زيارة كوبر وتدشين مركز القيادة المشترك يمثلان خطوة استراتيجية ضمن رؤية قطر لتعزيز دورها الأمني الإقليمي، وضمان حماية المصالح الأمريكية في المنطقة.
الدكتور خالد حماد، الأستاذ الجامعي والباحث في السياسة الدولية، أوضح في حديث لـ”القدس العربي” أن “قطر استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تبني جسوراً متينة مع واشنطن، وأن تصبح عنصراً محورياً في الأمن الإقليمي، بفضل الاستثمارات الذكية في البنية الدفاعية والتحالفات الاستراتيجية”.
وأضاف: “افتتاح مركز القيادة المشترك للدفاع الجوي في قاعدة العديد يعكس التزاماً عملياً من الطرفين بتعزيز التعاون العسكري، وليس مجرد بيان سياسي. هذا المركز سيتيح تبادل الخبرات وتطوير خطط دفاع جوي مشتركة، بما يعزز من القدرة على مواجهة أي تهديدات محتملة، سواء على مستوى الدولة القطرية أو المنطقة الخليجية عموماً”.
وأشار الباحث إلى أن “العلاقات القطرية الأمريكية تتجاوز إطار التعاون العسكري التقليدي، لتشمل جوانب التدريب المشترك، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، والتنسيق في العمليات الأمنية الإقليمية، وهو ما يعكس نظرة استراتيجية بعيدة المدى للدوحة ولواشنطن على حد سواء”.
وتعتبر قاعدة العديد الجوية، الأكبر في الشرق الأوسط، من أهم الركائز التي تعزز مكانة قطر كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، حيث تستضيف عدداً كبيراً من الطائرات والمعدات العسكرية الأمريكية، بالإضافة إلى خطط لتوسيع نطاق التدريب المشترك بين القوات القطرية والأمريكية. وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، في وقت سابق من أكتوبر، أن قطر ستتمكن من بناء منشأة لقواتها الجوية في قاعدة ماونتن هوم بولاية أيداهو، لاستضافة طائرات مقاتلة من طراز إف-15 مع طياريها، بهدف تعزيز القدرات التدريبية والتوافق التشغيلي.
وأكد حماد أن “هذه الخطوة ليست مجرد تعزيز للقدرات القطرية، بل هي أيضاً رسالة واضحة للقوى الإقليمية بأن قطر تتمتع بدعم أمريكي كامل، ما يزيد من استقرارها السياسي والأمني ويعزز من قدرتها على المساهمة في إدارة الأزمات في المنطقة”.
كما اعتبر أن “تعزيز القدرات الدفاعية القطرية يمثل عنصر ردع فعال، ليس فقط ضد أي تهديد خارجي، بل أيضاً لدعم الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل التوترات المتزايدة في بعض مناطق الخليج والشرق الأوسط”. وأوضح أن “مركز القيادة المشترك سيتيح أيضاً تطوير سيناريوهات عمليات مشتركة، وتحسين آليات التواصل والتنسيق بين الجانبين، وهو ما يعكس عمق الشراكة العسكرية بين قطر والولايات المتحدة”.
وأكد حماد أن “زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية تأتي في توقيت حساس على الصعيد الإقليمي، وتؤكد حرص واشنطن على تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع قطر، بما يضمن استمرار الاستقرار والأمن في الخليج، مع الحفاظ على مصالحها ومصالح حلفائها”.
وكانت القيادة المركزية الأمريكية، قد نفذت تمرين “الصقر الجارح 6” متعدد المجالات في المنطقة، بمشاركة أصول جوية وبرية وبحرية أمريكية مع قوات حليفة ومنها قطر، بهدف تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة وقابلية التشغيل البيني.
وقالت الرائد كاترينا ج. تشيسمان، المتحدثة باسم القيادة الجوية المركزية الأمريكية، إن “التمرين يركز على بناء العلاقات بقدر ما يتعلق بالتكتيكات، لتعزيز الثقة واستقرار الشرق الأوسط وترسيخ مبادئ التعاون الدولي”.
وشمل التمرين دمج مقاتلات إف-16 وقاذفات B-52 وطائرات KC-135 مع السفن القتالية الأمريكية والطائرات البحرية، إضافة إلى تدريبات مشتركة على القيادة والسيطرة، الدفاع الجوي، منع التسلل، والرعاية الطبية الميدانية.
وأوضح الدكتور خالد حماد، أن “التمرين يعكس التزام قطر والولايات المتحدة بتطوير استراتيجيات دفاع جماعي، ويعزز مكانة قطر كحليف استراتيجي في الخليج، ويؤسس لشراكات طويلة الأمد في مجالات التدريب وتبادل المعلومات والخبرات”.

