المسار : عادت جامعات قطاع غزة إلى العمل بعد انحسار العدوان الإسرائيلي، لكن الكثير من الطلاب لا يستطيعون استكمال دراستهم، كما لا يستطيع كثير من الطلبة الجدد الالتحاق بها بسبب رسومها المرتفعة.
تقف الرسوم الجامعية حائلاً أمام الآلاف من الناجحين في الثانوية العامة في قطاع غزة، إذ تمنع أكثر من نصفهم من الالتحاق بالجامعات في ظل ظروف معيشية قاسية تعصف بغالبية الأهالي بعد عامين من الحرب التي عطّلت الوظائف، وأوقفت عجلة التعليم، وعمّقت الأزمات المعيشية.
في موازاة ذلك، يعاني آلاف الخريجين من العجز عن التقدم إلى الوظائف التي تعلنها المؤسسات الدولية والإغاثية بسبب احتجاز الجامعات شهاداتهم من جراء عدم دفع الرسوم المستحقة عليهم، والتي لا يستطيعون دفعها في الوقت الحالي. وتُدفع الرسوم الجامعية في قطاع غزة بالدينار الأردني، والدينار يعادل 1.41 دولار أميركي.
حصلت ديما عمر أبو جزر على معدل 91.6% في الفرع العلمي بالثانوية العامة لمواليد 2007، وهو معدل يمكن أن يصل إلى 97% مع احتساب مادة اللغة العربية التي تعرّض تصحيحها لخللٍ فنّي أثناء الامتحان الإلكتروني، ما حال دون اعتمادها لكثير من الطلبة، ليتراجع حلم دراسة الطب، خاصة مع الكلفة الباهظة للرسوم.
لم يكن تفوّق أبو جزر هيّناً؛ إذ فقدت خلال الحرب أمّها وشقيقاتها الأربع وشقيقها الوحيد، بينما تعرّضت لإصابات خطيرة في العمود الفقري والحوض، مكثت على أثرها شهراً كاملاً في العناية المكثّفة، عقب القصف الإسرائيلي لمنزلهم في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما زالت تعاني من آثار الإصابات، وظروف النزوح، وضعف الإنترنت، وصعوبة العيش في الخيام. تقول ديما لـ”العربي الجديد” إنّ “رسوم دراسة الطب تراوح ما بين 1500 و2000 دينار أردني للفصل الواحد، وفرعي طب الأسنان والصيدلة تراوح رسومهما بين 1000 و1500 دينار، وهذا يفوق إمكانيات والدي. هذه الرسوم مبالغ فيها، وتحرم غالبية الطلبة من تحقيق أحلامهم”.
بدورها، حصلت نور أبو ريدة على معدل 97.4% بالفرع العلمي، ولا فرصة أمامها في ارتياد الجامعة إلا عبر الحصول على منحة دراسية لدراسة طب الأسنان، بينما تراكمت الرسوم على شقيقها محمد الذي تخرج من تخصص الطب البشري بجامعة الأزهر، وتحتجز الجامعة شهادته إلى حين تسديد الرسوم البالغة 12 ألف دينار.
تفضل أبو ريدة تأجيل الالتحاق بالجامعة إلى حين تحسن ظروف عائلتها وسداد الرسوم الجامعية لشقيقها لتحرير شهادته من الاحتجاز، وتحكي لـ”العربي الجديد” عن حلمها الضائع نتيجة قسوة الظروف قائلة: “تمر علي أيام صعبة لأن أقراني التحقوا بالجامعات، وأنا ما زلت أنتظر، ومن الصعب أن نسدد الرسوم الجامعية لأخي، وباتت فرصتي الوحيدة تتمثل بالحصول على منحة”.
تضيف: “لن أتخصص في أي مجال غير طب الأسنان، حتى لو اضطررت لتأجيل الالتحاق بالجامعة. اجتهدت كثيراً، وذاكرت في ظروف صعبة، وتفوقت رغم النزوح والقصف والعيش في الخيام، والآن فرحتي تنهار أمام توقف عجلة المستقبل، وأخي لا يستطيع العمل كي يساعدني، فلا توجد جهة صحية تقبل تشغيله من دون شهادة أو إفادة تخرج”.
نصف الناجحين في الثانوية لم يلتحقوا بجامعات غزة بسبب الرسوم، وتحتجز الجامعات نحو 20 ألف شهادة جامعية نتيجة الرسوم المتراكمة
ولا يقتصر أثر ارتفاع الرسوم الجامعية على الطلبة الذين اجتاوزا التوجيهي وحدهم؛ فالكثير من خريجي الجامعات الذين أنهوا جميع مساقاتهم وتخرّجوا فعلياً لا يستطيعون الحصول على شهاداتهم بسبب الرسوم المتراكمة، ما يحرمهم من فرص العمل.
تخرجت ابتهال بسام العبادلة (24 سنة)، في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بتخصص هندسة المعدات الطبية، لكنها بدون شهادة جامعية، وتقف عاجزة عن التقدم لوظائف المؤسسات الدولية أو الهيئات والجمعيات الإغاثية التي تنشر إعلانات حول حاجتها لتخصصها.
وتحكي العبادلة لـ”العربي الجديد”: “بدأت المؤسسات الدولية تطلب خريجين للعمل، لكن يحتاج التقدم إلى الشهادة، وقد تواصلت مع الجامعة، لكنهم لم يقبلوا إعطائي حتى إفادة تخرج إلا بعد دفع كامل الرسوم المتراكمة، رغم أننا جميعاً نعيش في القطاع نفسه، والكل يعلمون طبيعة الأوضاع المادية الصعبة، والحياة فيها أولويات أكبر من دفع رسوم الجامعة، وهي تمثل مبلغاً كبيراً. وضع أهلي صعب، ورغم ذلك كانوا يحاولون دعمي بجزء كبير من الرسوم، رغم ارتفاع كلفة ساعة الدراسة”.
تضيف ابتهال: “فقدت والدي قبل الحرب نتيجة مضاعفات مرض السرطان، ما انعكس على أوضاعنا المعيشية، لكني لم أتوقف عن طموحي الدراسي، وأكملت الدراسة الجامعية، وخلال الحرب ساء الوضع كثيراً، ولم يعد ما يتوفر لدينا من دخل يكفي للاحتياجات الأساسية، لتزيد الرسوم المأساة. الحصول على وظيفة سيساعد أهلي، لكن الجامعة ترفض منحي حتى الإفادة”.
بدوره، يؤكد مسؤول الأطر الطلابية في قطاع غزة موسى أبو السعود، لـ”العربي الجديد”، أن الرسوم الجامعية تثقل كاهل الطلبة بعد إبادة جماعية تعرض لها القطاع، ولا يمكن النهوض من تداعيات الحرب بدون دعم المسيرة التعليمية للطلاب حتى يشاركوا في البناء.
ويقدر أبو السعود أن “نحو نصف الطلبة الناجحين في الثانوية لم يستطيعوا الالتحاق بالجامعات بسبب الرسوم، والجامعات تحتجز أكثر من 20 ألف شهادة جامعية نتيجة الرسوم المتراكمة، ونحو 80% من الطلبة غير قادرين على استكمال الدراسة بفعل الرسوم، لأن غالبية أهالي القطاع يعيشون تحت خطر الفقر، وبالتالي أي أب لديه طالبان بالجامعة يحتاج إلى نحو 300 دولار شهرياً لدفع الرسوم، الأمر الذي يفوق قدرات الأهالي، والمطلوب هو تحويل الجامعات القائمة إلى جامعات مجانية حتى تساهم في بناء ما دمره الاحتلال”، ويلفت إلى أن “بعض الجامعات تطالب الطلاب الجدد بدفع كلفة ساعات خدمات جامعية لها علاقة بالمباني والتشغيل، إضافة إلى وجود عائق كبير في الدراسة الإلكترونية نتيجة عدم وجود بنية تحتية لتوفير كهرباء وإنترنت، فضلاً عن الرسوم. الجامعات تطالب الطلبة بدفع نصف الرسوم، وترحل النصف الآخر إلى التخرج، وبالتالي تحجز آلاف الشهادات، وتحرم أصحابها من الالتحاق بسوق العمل بسبب حرمانهم من أي وثيقة تفيد بتخرجهم، وهذا أمر غير قانوني”.
ويؤكد العويني أن الجامعة تتفهم حاجة الناس، “وبالتالي نطالب بنصف الرسوم، أو أقل من نصفها، ويتم إعفاء أي طالب جديد من دفع رسوم الفصل الدراسي الأول، وقد ذهبنا إلى التعليم الوجاهي، وهذا كلفنا كثيراً في الترميم وإعادة الإعمار على نفقة الجامعة، وليست لدينا مصادر دخل أخرى غير تحصيل الرسوم، وبالتالي نحاول توفير الدخل اللازم لاستمرار التعليم، وقررنا تقسيط الرسوم، كما نطلب من الطلاب دفع 30 ديناراً بدل خدمات لإثبات الجدية”.



