وتشنّ إسرائيل حربًا مفتوحة على الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، وما يجري في قرية الشباب بكفر نعمة لا يمكن فصله عن مشروع استيطاني أوسع يهدف إلى تفكيك الحضور الفلسطيني وإعادة رسم الجغرافيا بالقوة. فالاعتداءات المتواصلة التي ينفذها المستوطنون، والمقترنة بتدخل مباشر من جيش الاحتلال، والذي تمثّل مؤخرًا بتركيب بوابة عسكرية حديدية لعزل القرية ومنع الوصول إليها، على غرار ما جرى في عشرات المناطق، تكشف عن تقاسم أدوار واضح وعمل مشترك بين عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال، ضمن سياسة فرض سيادة الأمر الواقع، وتجريم الوجود الفلسطيني، وخنق أي مساحة شبابية مستقلة تشكّل رافعة اجتماعية ووطنية في المنطقة.
وفي مواجهة سياسات الإغلاق والمنع، تمكّن الشباب الفلسطيني ومنتدى شارك الشبابي من فتح وتعبيد ما بات يُعرف بـ “طريق الأمل” كمسار بديل للوصول إلى قرية الشباب، في خطوة تحمل دلالات سياسية ورمزية عميقة. فالطريق الذي شُقّ بإمكانات ذاتية وبجهود تطوعية لم يكن مجرد ممر جغرافي، بل شكّل فعل مقاومة مدنية ورسالة واضحة بأن محاولات خنق القرية لن تنجح في كسر إرادة الشباب أو قطع صلتهم بمساحتهم المدنية.
.jpg)
وخلال الأيام والأسابيع الماضية، نفذت مجموعات من المستوطنين اعتداءات متكررة استهدفت مرافق ومحتويات قرية الشباب، شملت التدمير والتخريب والسرقة، في محاولة واضحة لتقويض هذه المساحة المدنية والشبابية، التي تُعد فضاءً آمنًا للتعلّم والتنظيم والمشاركة المجتمعية للشباب الفلسطيني.
.jpg)
.jpg)
وتشير الوقائع إلى أن هذه الاعتداءات لم تكن عشوائية، بل جاءت في إطار نهج منظم يهدف إلى التضييق على القرية وإفراغها من دورها المجتمعي، وفرض واقع جديد بالقوة، وكان آخرها قيام قوات الاحتلال بنصب بوابة حديدية على مدخل قرية الشباب، ما أدى فعليًا إلى منع الوصول إليها، سواء من قبل العاملين فيها أو المزارعين والسكان المدنيين الذين يستخدمون الطريق المؤدي إليها.
.jpg)
ولا يقتصر أثر هذه الإجراءات على قرية الشباب وحدها، بل يمتد ليشمل مزارعي بلدة كفر نعمة، الذين حُرموا من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، في مساس مباشر بسبل عيشهم وحقوقهم الأساسية.
تقع غالبية المنطقة التي توجد فيها قرية الشباب ضمن أراضٍ مصنّفة “ب”، والتي يُفترض أن تكون خاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية، ما يجعل إجراءات تركيب البوابة ومنع التنقّل انتهاكًا مضاعفًا للوضع القائم وللاتفاقيات الناظمة.
كما يشكّل منع الوصول وفرض القيود على الحركة انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، ولا سيما القواعد التي تحظر القيود التعسفية على حركة المدنيين، وتجرّم الاعتداء على الممتلكات والمساحات المدنية المحمية، فضلًا عن كونه إخلالًا بالتزامات قوة الاحتلال بحماية السكان المدنيين.

وأكد منتدى شارك الشبابي في بيان له أن استهداف قرية الشباب لا ينفصل عن سياسة أوسع تهدف إلى تجفيف المساحات المدنية الفلسطينية، وضرب أي نموذج شبابي مستقل يسعى إلى تعزيز المشاركة المجتمعية وبناء الوعي والتنظيم. واعتبر المنتدى أن ما يجري في قرية الشباب يمثّل سابقة خطيرة في استهداف الفضاءات الشبابية، وتحويلها إلى أهداف مباشرة ضمن سياق التوسع الاستيطاني وفرض الوقائع على الأرض.
ودعا المنتدى إلى إزالة البوابة الحديدية فورًا وفتح الطريق المؤدي إلى القرية، ووقف اعتداءات المستوطنين، وتوفير الحماية للمساحات المدنية، وضمان وصول المزارعين الآمن إلى أراضيهم دون قيود.
وتعد قرية الشباب (Youth Village) نموذجاً ريادياً فريداً في فلسطين، وهي مبادرة أطلقها منتدى شارك الشبابي بهدف خلق مساحة تفاعلية وبيئية تخدم الشباب الفلسطيني، وقد تأسست بجهود متطوعة من منتدى شارك الشبابي، وتقع في منطقة كفر نعمة بمحافظة رام الله ، في منطقة جبلية تطل على الساحل الفلسطيني، مما يمنحها بعداً وطنياً وجغرافياً مميزاً.

