حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، من أن أوروبا قد تواجه حربا “بحجم ما عرفه أجدادنا”، متحدثا عن سيناريوهات تشمل دمارا واسعا وتعبئة جماعية وملايين النازحين وخسائر بشرية جسيمة.
ووفق دوائر عسكرية، يهدف هذا الخطاب إلى إحداث صدمة ورفع مستوى الوعي العام بخطورة المرحلة المقبلة.
ويأتي هذا التحذير بعد نحو أربع سنوات على اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ باتت العواصم الأوروبية تتعامل مع موسكو باعتبارها تهديدا مباشرا وقصير الأمد لأمن القارة.
وتتجه الجيوش الأوروبية إلى الاستعداد الفعلي لاحتمال صدام عسكري مع روسيا خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأشار الكاتب نيكولا بارو في مقال بصحيفة “لوفيغارو” إلى أن هذا التحول في الخطاب ترافق مع عودة قوية لمفهوم “الاستباق الاستراتيجي” داخل مراكز صنع القرار، من مكاتب التخطيط العسكري وأجهزة الاستخبارات إلى مراكز الأبحاث والدوائر السياسية.
وتتركز النقاشات الأوروبية حاليا حول طبيعة أي مواجهة محتملة بعد توقف القتال في أوكرانيا، والإجابة عن أسئلة أساسية تتعلق بكيفية تحرك روسيا، وأهدافها المحتملة، وردود فعل الولايات المتحدة أو الصين، إضافة إلى مدى قدرة الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، على الصمود في مواجهة طويلة الأمد.
ورغم غياب مؤشرات استخباراتية قاطعة حول نيات الكرملين، ترى القيادات العسكرية أن حالة عدم اليقين بحد ذاتها تمثل عامل خطر يستوجب الاستعداد.
وفي هذا الإطار، قام حلف الناتو بتحديث خطط الدفاع الإقليمي التي تحدد كيفية التصدي لأي هجوم محتمل في مختلف مناطق أوروبا، لتكون إطارًا عامًا تعتمد عليه الدول الأعضاء في تدريباتها وتوزيع أدوارها.
ولا تكتفي دول كبرى مثل فرنسا بهذه الخطط، بل تطور استراتيجيات وطنية متكاملة ومنسجمة مع نهج الحلف.
وأكد مسؤولون عسكريون فرنسيون أن هذا التنسيق يهدف إلى ضمان جاهزية مشتركة وسريعة، رغم محدودية الموارد وتعدد التهديدات، بما في ذلك الهجمات السيبرانية والمسيرات، إضافة إلى حماية الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار ومواجهة التهديدات الإرهابية.
وفي هذا السياق، أعد الجيش الفرنسي 14 خطة مختلفة لفرضيات صدام محتمل، مقارنة بست خطط فقط في السابق، استنادا إلى “المراجعة الوطنية الاستراتيجية” التي نشرت في تموز/يوليو الماضي.
وتهدف هذه الخطط إلى استعداد فرنسا، بحلول عام 2030، للمشاركة مع حلفائها في نزاع عالي الشدة ومستدام على حدود أوروبا، مع الأخذ في الحسبان تداعيات داخلية محتملة، مثل عمليات تخريب أو محاولات زعزعة استقرار داخل الأراضي الفرنسية.
ولا يقتصر التفكير العسكري الأوروبي على سيناريوهات تقليدية، مثل تحرك دبابات روسية نحو قلب أوروبا، والتي تعد الأقل ترجيحا، بل يمتد إلى خيارات أكثر تعقيدا، تشمل استفزازات محدودة في دول البلطيق، أو محاولة السيطرة على ممر سوالكي الاستراتيجي، أو الضغط في منطقة القطب الشمالي، أو زعزعة استقرار دول خارج حلف الناتو مثل مولدوفا.
كما يأخذ الأوروبيون على محمل الجد التهديدات البحرية والفضائية، والهجمات الهجينة التي قد تختبر تماسك الحلف دون الوصول إلى غزو مباشر.
ولتعميق هذا التفكير، أنشأت فرنسا “فرقا حمراء” داخل مؤسساتها العسكرية، مهمتها تقمص دور صانع القرار الروسي والبحث عن نقاط الضعف الأوروبية.

