بقلم جدعون ليفي// من الضفة حتى غزة.. هكذا يعري “الجيش الأخلاقي” نفسه أمام العالم

وكأنه لا يكفي آلاف الأطفال القتلى، بعد قليل سيكون هناك 20 ألف قتيل ومئات آلاف المهجرين وعشرات آلاف المصابين وغزة في حالة جوع وعطش، نحن بحاجة أيضاً إلى المهانين. يجب إهانتهم حتى يتعلموا، يجب أن نظهر لهم (ولنا) من هم ومن نحن، ويجب أن نظهر مدى قوتنا ومدى ضعفهم. هذا جيد للمعنويات، جيد للجنود، وللجبهة الداخلية. هاكم هدية لعيد الأنوار: فلسطينيون مهانون. هل هناك ما يفرح أكثر من ذلك؟

لا دليل على فقدان الطريق أكثر من محاولة حقيرة لإهانة الفلسطينيين أمام أنظار الجميع. لا دليل على الضعف الأخلاقي أكثر من الحاجة إلى إهانتهم أثناء سقوطهم. فإذا كانت حماس متوحشة فمسموح لنا أن نكون متوحشين بدرجة ما. بعد أن دمرنا حياة الغزيين وممتلكاتهم وبيوتهم وأولادهم، والآن سنمحو ما بقي من كرامتهم. سنركعهم.

صور وأفلام: عشرات الرجال يجلسون على ركبهم ولا يرتدون إلا الملابس الداخلية وأيديهم مكبلة إلى الخلف وعيونهم معصوبة ونظراتهم ذليلة. مجموعة على شارع مدمر ومجموعة أخرى على الرمال، يقف الجنود فوق رؤوسهم. شاهدوني. صورة للانتصار. بعض الجنود ملثمون، ربما يخجلون من أفعالهم. يا ليت. ضحاياهم شباب وكبار في السن. بينهم ذو كرش وبينهم نحيل الجسم. بينهم بشرته شاحبة وآخرون محروقة بسبب صعوبات الحرب. ربما شاهدهم أولادهم وزوجاتهم، وهذا سيزيد الإنجاز.

حسب التقارير، أُخرج هؤلاء من ملجأ لوكالة الأونروا في بيت لاهيا للتحقيق معهم. لا أحد يعرف إذا كان وبحق بينهم أحد من رجال حماس. بعد صورة الانتصار، اقتيدوا إلى مكان مجهول، ومصيرهم غامض. من الذي سيهتم بمصيرهم عدا أحبائهم.

لماذا هذا الأمر جيد؟ هذه ليست المرة الأولى التي يجبر فيها الجيش الإسرائيلي بتعرية الفلسطينيين بهذا الشكل؛ لإهانتهم. ثمة مسيرات إهانة كهذه حدثت في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان سابقاً. مطلوبون وغير مطلوبين بالملابس الداخلية حتى يشاهد الجميع. هكذا تفعل إسرائيل، ويهمها توثيق الواقعة ونشر الصور. ولكن الحقيقة هي أن الصور مهينة ومذلة للجيش الإسرائيلي أكثر من العارين.

حتى في التعرية العلنية هذه، ليس هناك ما يكفي لإهانتهم في هذه الحرب الملعونة. بعد أسبوعين على اندلاعها، سيطرت قوات الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” على بيت أحد أعضاء حماس، صالح العاروري، في قرية عارورة في الضفة الغربية، ثم غطوا واجهة البيت بلافتة ضخمة تم إعدادها في مصنع اللافتات التابع للجيش الإسرائيلي: “هنا كان بيت العاروري، الذي أصبح مقر رجل الشاباك أبو النمر”. الوكيل أبو النمر هذا مسكين؛ فقيادته تم تدميرها بعد بضعة أيام، ومعها هذه اللافتة أيضاً، لكن مذاق هذه الإهانة الصبيانية بقي على حاله.

في غزة دمرت قواتنا مبنى البرلمان والمحكمة. لماذا؟ هكذا. أما في مخيم جنين ففجروا النصب التذكارية، بما في ذلك بوابة المخيم التي تم تعليق مفتاح العودة عليها، كذا فعلوا أيضاً بالحصان المعدني الكبير الموجود على مدخل المستشفى، الذي نحته فنان ألماني من بقايا صفيح سيارات الإسعاف الفلسطينية المدمرة. بل وسرق الجيش الإسرائيلي أيضاً نصباً تذكارياً للشهداء ودمره. وفي طولكرم، دمر الجيش نصباً تذكارياً لياسر عرفات. سنحرق ذاكرتهم.

ذروة الفظاعة: قائد كتيبة 932 في لواء “الناحل” في فيلم للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، يعرض بتفاخر بطاقة اعتماد لإسماعيل هنية، انتهت صلاحيتها في 2019. كل الاحترام للجيش الإسرائيلي. “لقد هربتم مثل الجبناء ووصلنا حتى إلى بطاقة اعتمادكم”، قال قائد الكتيبة. وشرح المحللون أنها بطاقة اعتماد قد تعود لشخص بنفس الاسم. فهنية لا يعيش هنا منذ فترة. ولكن ابن هنية يعيش هنا، والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي لم ينم ولم تغمض له عين: ها هي الوصولات التي غنمناها والتي تثبت شراءه للمجوهرات. الانتصار الكبير أصبح أقرب من أي وقت مضى.