أسامة خليفة// إضراب من أجل غزة

أعلنت شعوب دول العالم اليوم الإثنين 11 كانون الأول/ ديسمبر اضراباً عاماً عالمياً يشمل كل أنحاء الكرة الأرضية، دعوة أطلقها نشطاء اجتماعيون وحقوقيون وإعلاميون على منصات التواصل الاجتماعي للتضامن مع غزة، وما يتعرض له أهلها من تدمير وقتل وتهجير من قبل آلة الحرب الإسرائيلية بالشراكة مع الولايات المتحدة، تفاعل عدد كبير من الناشطين والمؤثرين مع شعار إضراب من أجل غزة، الذي اجتاح مواقع التواصل.

طالبت الدعوات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بإغلاق المتاجر والجامعات والمدارس، وتوقف المشاركين في الإضراب عن استخدام مركباتهم، والتسوق، وحتى عن استخدام البطاقات المصرفية في دفع المشتريات، وبحسب النشطاء الذين دعوا للإضراب، تهدف الحملة إلى الضغط على الدول الداعمة لإسرائيل في سبيل وقف الحرب على قطاع غزة، والتي خلفت نحو 18 ألف قتيل وأكثر من 48 ألف جريح.

وقال الناشطون، والجمعيات المناهضة لإسرائيل، والداعمة لغزة، القائمين على هذه المبادرة، إن هدف الإضراب تعطيل الحياة الاقتصادية، والحركة في الدول المشاركة، مع التركيز على الدول الداعمة لتل أبيب، بهدف الضغط لوقف الحرب على قطاع غزة.

 إنها رسالة مباشرة موجهة إلى الرؤساء والحكام، وللضغط على الحكومات كي تتخذ موقفا يتجاوز حد الشجب والتنديد لاتخاذ الموقف الإنساني الصحيح بعيداً عن براغماتية السياسة لوقف مسلسل الإبادة الجماعية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والموقف المعبر عن ذلك هو السعي لوقف إطلاق نار فوري، وإدانة الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن لمنع صدور قرار لوقف إطلاق نار إنساني، يمنع استمرار الكارثة التي لم يشهد تاريخ البشرية مثيلاً لها في الوحشية، ونحن في القرن الحادي والعشرين، انجزت الشعوب بكفاحها مزيداً من الحقوق الإنسانية التي يبدو أن الكارثة في غزة ستضع كل البشرية في شك من مدى تطبيق هذه القيمة السامية، وإسرائيل والولايات المتحدة هما من أوصل المجتمع الإنساني إلى هذا المأزق الكبير.

شهدت فلسطين في عهد الانتداب البريطاني عام 1936 إضراباً عاماً، بدأ في 19 نيسان/أبريل 1936 واستمر حتى تشرين أول/ أكتوبر 1936، واعتبر أطول إضراب في تاريخ البشرية، دام ستة أشهر، وكان عاملاً من عوامل الثورة الفلسطينية الكبرى التي امتدت من 1936إلى 1939، كانت مطالب الإضراب من الحكومة البريطانية: حظر الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتحريم نقل ملكية الأراضي العربية لليهود، تشكيل حكومة قومية تكون مسؤولة أمام مجلس نيابي، وهددت اللجنة العربية العليا بتصعيد الإضراب العام، إلى عصيان مدني برفض دفع الضرائب، وقاد الإضراب بعد عدم تلبية المطالب إلى ثورة شاملة.

يوم السبت 25نيسان/ابريل العام 1939 نشرت «جريدة الدفاع»، وهي صحيفة يومية فلسطينية كانت تصدر في عهد الانتداب، نشرت في العدد 577 أبياتاً من نظم الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان للرد على شاعر عبري يتخيل بأن فلسطين أصبحت «أرض إسرائيل»، يتساءل فيها عن جدوى الإضراب ؟. ويجيب قد يكشف الإضراب البلاء فينتبه العالم إلى حجم مأساة فلسطين، لكن الغرب لا يهتم لحقوقنا المشروعة، ويتغاضى عن الاحتلال وجرائمه، واليوم يرى العالم، ويشاهد خرق حقوق الإنسان وجرائم الإبادة الجماعية يمارسها جيش الاحتلال، جرائم يندى لها جبين الإنسانية، عجزت حتى الآن المنظمات الإنسانية والأممية عن وضع حد لها، ويعتقد القائمون على حملة الإضراب أن شلّ حركة الحياة والعجلة الاقتصادية في كل الدول، قد يسهم في جعل الجميع يشعرون بأنهم متأثرون بشكل مباشر من العدوان على غزة، فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلّفت 17 ألفاً و487 شهيداً، و46 ألفاً و480 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، تتسبب بكارثة إنسانية غير مسبوقة، يقول ابراهيم طوقان:

سمعتُ بأبياتٍ لكوهينَ ملؤها أكاذيبُ، من سيف الحقيقةِ تُصرَعُ

يقول لإسرائيلَ كانت بلادكم فروحوا ارحلوا عنها ليدخلَ «يوشع»

فلسطينُ يا مهدَ الدياناتِ، ما الذي أصابكِ؟ قُولي: ما لعينكِ تدمع ؟

أجيبي لماذا أنت واجمةٌ أسىً؟ وقُولي: لِمَ الإضرابُ؟ هل هو ينفعُ ؟

بلى إنه واللهِ قد يكشف البَلا فتلتفت الدنيا إليها فتسمع

إذا كان حقّي عند «كوهينَ» ضائعاً فحقّي لدى «جُونْ بولَ» يا قومُ أضيع

وقد أشادت منظمات فلسطينية بالحراك العالمي الداعي للإضراب الشامل، الاثنين 11 كانون الأول /ديسمبر 2023، ودعت كل الأحرار في العالم إلى المشاركة الواسعة فيه، ولا سيما الجماهير العربية أن يساهموا بأوسع مشاركة في الإضراب العالمي نصرة لغزة، ورفضاً لحرب الإبادة الجماعية والمجازر الصهيونية، كما دعت إلى استمرار وتصعيد كلّ أشكال المسيرات الجماهيرية والمظاهرات الشعبية، في مدن وعواصم وساحات العالم، إدانةً للدعم الأمريكي وبعض الدول الغربية لهذه المجازر المروعة بحق المدنيين والأطفال والنساء الفلسطينيين، والضغط باتجاه وقف هذا العدوان الهمجي، ومعاقبة كل الداعمين له، وتجريمهم، وصولاً إلى محاكمتهم كمجرمي حرب.

يتطلع النشطاء إلى أن يُحقق الإضراب تأثيراً كبيراً يعكس التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، ويسهم في الدفع نحو وقف الأعمال العدائية وتحقيق السلام، وتشير التوقعات أن الإضراب سيشل الحركة في دول عربية وإسلامية، وأن دولاً عديدة ستدخل في الإضراب العالمي دعماً لأهالي القطاع المحاصر، وتنديداً بالموقف الأمريكي، الذي أعطى «الضوء الأخضر» لتل أبيب في استباحة أرواح المدنيين في القطاع، وكانت وراء إخفاق مجلس الأمن باتخاذ قرار وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، مما وضع حكومة الولايات المتحدة بموقع المعاداة للقيم الإنسانية.

عمّ الإضراب الشامل الضفة الغربية تنديداً بالعدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني بالتزامن مع الحراك العالمي، وشمل الإضراب المواصلات العامة في المحافظات الشمالية وخلت الشوارع من المركبات والمارة، كما أغلقت المصانع والمعامل أبوابها، حيث أعلنت مؤسسات وقطاعات تجارية وصناعية فلسطينية، الانضمام للإضراب العالمي، تنديداً بالفيتو الأمريكي، الذي أفشل قراراً يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، بالإضافة إلى استنكار تواصل العدوان والقصف العنيف على القطاع، منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر. كما أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» إقليم الأردن يوم غد الاثنين يوم إضراب عام وشامل، وبينت أنه سيتم إغلاق جميع منشآت الأونروا في الأردن بما فيها المدارس التابعة لها، مؤكدة على جميع الموظفين والطلبة التزام بيوتهم.

وأعلنت عدة قطاعات في الأردن مشاركتها في الإضراب العالمي التضامني، وأعلن في لبنان عن المشاركة في الإضراب، حيث يتوقع أن تغلق المحال التجارية والشركات الخاصة والمدارس والجامعات أبوابها يوم الإثنين.

لا يبدو في الساعات الأولى ليوم الاثنين أن مفعول الإضراب العام والشامل قد بدأ تأثيره المطلوب، إذ تحدث جوزيب بوريل مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن أعداد الضحايا المدنيين في القطاع بأنها تشهد تزايداً ملحوظاً، وأشار إلى أن تل أبيب تستخدم ذات الأسلوب في شمال القطاع وجنوبه، دون أن تحدد أماكن آمنة، وشدد بوريل على منع تهجير أهالي قطاع غزة من أراضيهم، لكنه لم يتحدث عن وقف لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ربما هي خطوة محدودة جداً إلى الأمام لكن ليست كافية، لا تمنع وقوع الكارثة الإنسانية.