
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
إسرائيل اليوم 31/12/2023
“اليوم التالي” ترميم الردع والتجريد الأمني والعـسكري لحماس
بقلم: مثير بن شباط
تحد عسير بانتظار كل من يسعى لرسم رؤيا واقعية لقطاع غزة، للعقد القادم بل وعلى ما يبدو للمدى الزمنى الابعد. فسيتعين عليه أن يختار بين رؤيا بلا أمل وبين أمل عديم الأساس في مواقفه بالنسبة لليوم التالي سيتعين على المستوى السياسي في إسرائيل لن يتبنى النهج الواقعي، وان يلتصق بالمعطيات والحقائق القاسية عن الكيان الذي نما في منطقتنا، وتثبت عميقا في كل منظومات الحياة والطبقات السكانية. سيتعين عليه ان يعمل انطلاقا من فرضي أنه لن يكون ممكنا احداث تغيير ثقافي عميق فيه، في هذا الجيل على الأقل، وسيكون مطالبا بان يضع التجريد الأمني كشرط لازب لكل واقع يتبلور في غزة، يعارض كل مبادرة وخطوة تعرضان هذا للخطر والا يعطي الثقة بأجهزة رقابة اجنبية.
ان وصول وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن الى إسرائيل في الأيام القادمة سيوفر فرصة لتنسيق التوقعات مع الإدارة الامريكية حول هذا الامر أيضا.
بينما يدور الحوار في مسألة “اليوم التالي” حول “من سيكون” (في اليوم التالي لاسقاط حكم حماس)، هي مسألة هامة لا تقل عن أهمية عن مسألة ماذا سيكون الجواب العلني على هذه الأسئلة من جانب المستوى السياسي في إسرائيل جاء على سبيل الرفض وشدد على ما لا يكون في القطاع حكم حماس السلطة الفلسطينية، قدرات عسكرية تهدد إسرائيل وقيود على حرية عملها الأمني. هكذا رسم المستوى السياسي الخطوط للاطار العام، لكنه لم يصب مضمونا فيه.
رغم النقد الذي وجه على ذلك، خير فعل المستوى السياسي حين قرر تأجيل البحث المعمق في التفاصيل. أولا، لاجل تركيز الاهتمام على القتال. ثانيا، كي لا يخلق انطباع قصر نفس وتنظيم لانهائه
( فيضعف بذلك قواتنا ويعزز امل العدو). ثالثا، كي لا يثير خلافات داخلية رابعا، كي يؤجل ويقلل الاحتكاك السياسي في هذا الموضوع مع الإدارة الامريكية. وخامسا، لان الحديث بالنسبة لليوم التالي” متعلق أيضا بانجازات القتال في “اليوم السابق”، ومن الصواب اجراء البحث في ذلك من موقع قوة حين نكون نحوز على دخائر وروافع وليس قبل ذلك.
ترميم الردع والتجريد الأمني هما الأساس
مع أن عملية الجيش الإسرائيلي لا تزال في ذروتها، من الصواب الخروج عن هذا الخط والتعمق الان في احدى مزايا “اليوم التالي” بالذات لان البحث فيه يمكنه أن يوفر جوابا على احدى المعاضل القاسية في هذه المرحلة من القتال: التصدي لتحدى الاتفاق.
خلاصة المعضلة من جهة، بعد الثمن الذي دفعته إسرائيل في 7 أكتوبر فانها لا يمكنها أن تسمح بوجود شبكة الانفاق بكل محتوياتها في قطاع غزة بالمقابل، منذ اليوم فان الثمن الذي تدفعه إسرائيل على كشف هذه الشبكة وتدميرها عال. استمرار الجهد للكشف المنهاجي للانفاق سيطيل القتال، ، سيجبي اثمانا أخرى من قواتنا بل وسيشدد الضغط السياسي على إسرائيل. فما العمل؟
كل منطقة توجد فيها انفاق تعلن كمنطقة قتال دون حدود زمنية. أولا، يجب الايضاح بانه طالما وجدت انفاق – ستتواصل حالة القتال من الصواب أن نحقق توافقا مع الولايات المتحدة أساسا على أن وجود الانفاق في القطاع يتعارض ومبدأ التجريد الأمني وانه لن يكون ممكنا السماح للسكان الفلسطينيين بان يعيشوا حياتهم في مناطق توجد فيها انفاق. معنى الامر هو ان هذه المناطق ستعرف كـ “مناطق قتال”، ومن يتواجد فيها سيعتبر عدوا وسيعامل على هذا النحو. كل هذا حتى تفكيك الانفاق، بدون قيد زمني.
ان المعارضين لهذه الفكرة سيطرحون ، على أي حال، مسألة الحلول للسكان الذين يوجدون اليوم خارج مناطق القتال كوضع مؤقت حتى عودتهم الى الحياة الطبيعية. في واقع آخر، في ضوء سلوك غزة كـ “دولة حماس” ونظرا لمعدلات التأييد العالية لهذه المنظمة وللهجوم ضد إسرائيل، لا مجال لهذا المسألة على الاطلاق.
لكن في ضوء المواقف السائدة اليوم، ينبغي الافتراض بان جوابا كهذا سيزيد المعارضة فقط. بدلا من هذا من الصواب ربط الولايات المتحدة بالحلول الإنسانية، التي ستعتبر متواصلة لكن غير دائمة، من خارج منطقة القتال. حجة أخرى بهذا الشأن هي الدمار القائم في معظم الاحياء في غزة. فليس لاغلبية السكان على أي حال الى ان يعودون. من يرى مشروع أنفاق حماس – الذي استند الى مواد البناء التي كانت مخصصة الأغراض مدنية – ينبغى أن يقلل أيضا توقعاته للبناء والاعمال في المستقبل المنظول للعيان في هذا الشأن أيضا لا يمكن لإسرائيل أن تخطيء مرة أخرى.
——————————————–
هآرتس 31/12/2023
فليشطب ، سابقة تاريخية
بقلم: اسرة التحرير
ان تسريب مسودة قرار المحكمة في قضية القانون الأساس: القضاء الذي يلغي علة المعقولية، هو محاولة لاجراء احباط مركز لقرار المحكمة وحرف النقاش من المضمون القضائي الى هوية القضاة لفرض الرعب عليهم قبل نشره. حذار على قضاة المحكمة العليا ان يتطرقوا إلى الأمور وردود الفعل عليها. عليهم ان يقرروا وفقا للقانون، دون روع. النتيجة المناسبة الوحيدة هي الشطب التام لتعديل القانون الأساس: القضاء. بالفعل ستكون هذه سابقة تاريخية، الأهم في المحكمة منذ يوم نشوئها، لالغاء قانون أساس بسبب مضمونه، كـ “تعديل دستوي ليس دستوريا” بالمعنى الإسرائيلي. هذه السابقة هي محتمة وواجبة: هي ضرورية لاجل الايضاح للحكومة بان قوتها ليست غير محدودة. أولا، الغاء القانون سيوضح بان قوتها محدودة في أن ليس لها القدرة على أن تتخذ قرارات غير معقولة بشكل متطرف. ثانيا، وهذا هو الأساس، لانه سيوضح بان الصلاحيات التأسيسية للكنيست ، التي تسيطر عليها عمليا الأغلبية الائتلافية التي تفعلها الحكومة، ليست غير محدودة وان عنوان “قانون أساس” لا يمنحها اعفاءا جارفا من النقد. كل قول آخر سيجعل كل اغلبية 61 نائبا والتي هي في إسرائيل الأغلبية الكافية لتعديل كل قانون أساس، طاغية كلية القدرة. ان علة المعقولية في النقد على قرارات الحكومة الوزراء حرجة لدولة إسرائيل لغرض الحفاظ على فصل السلطات وسلطة القانون – المبدأين الأساسيين في الديمقراطية بدونهما كل حماة الحمى في إسرائيل، بمن فيهم المستشارة القانونية للحكومة، سيكونون على مسافة قرار حكومي عن اقالات تعسفية.
في 2020 فشلت العليا في مهمة حماية الديمقراطية حين سوطت بالاجماع ولاية رئيس وزراء مع لائحة اتهام، وكنتيجة لذلك دخلت إسرائيل معمعان دستوري يتواصل حتى اليوم. ليس صدفة أن مصيبة اكبر في تاريخ الدولة وقعت في اثناء ولاية حكومة وضعت في راس سلم أولوياتها اضعاف جهاز القضاء وإلغاء النقد على معقولية قراراتها في قرار المحكمة في موضوع المعقولية حصلت المحكمة على فرصة للإصلاح ولاطلاق رسالة واضحة لكل من يرفعون اليد على الديمقراطية في إسرائيل: يوجد قضاة في القدس. توجد ديمقراطية في إسرائيل.
——————————————–
هآرتس31/12/2023
هل تتحول أزمة إسرائيل الأمنية إلى سياسية واقتصادية؟
بقلم: عاموس هرئيل
عرض الجيش الإسرائيلي على الجمهور في نهاية الأسبوع الماضي عدداً من الإنجازات الأخيرة في الحرب ضد حماس في قطاع غزة. تم تدمير منشآت متشعبة للأنفاق الكبيرة، التي تصفها إسرائيل بأنها أنفاق استراتيجية في شمال القطاع. في الوقت نفسه، يستمر القتال في معقل حماس الأخير في الشمال، الذي لم يتم فيه حتى الآن تحقيق أي سيطرة عملياتية- حي الدرج والتفاح في شرق مدينة غزة. الهجوم الذي تقوم به هناك الفرقة 162 يتوقع أن يستمر لبضعة أيام أخرى.
وتدور معارك في وسط القطاع أيضاً. هناك هجوم محدود على مخيمات اللاجئين (الفرقة 99)، في الجنوب (الفرقة 36 بحجم مقلص). ولكن جهد الجيش الإسرائيلي الرئيسي ما زال منصباً على خانيونس. هناك الفرقة 98 المعززة وهي تقوم بعملية واسعة للعثور على فتحات الأنفاق والسلاح. الهدف الرئيسي هناك هو المس بقيادة حماس، التي يختبئ بعض كبار قادتها كما يبدو في الأنفاق الموجودة في المنطقة، إضافة إلى محاولات العثور على المخطوفين.
كدرس من قضية قتل ثلاثة من المخطوفين نجحوا في الهرب من أسر حماس، على يد الجيش الإسرائيلي في حي الشجاعية، تم تشكيل غرف عمليات في قيادات الفرق المشاركة في الهجوم تخضع لمنسق شؤون الأسرى والمخطوفين، الجنرال احتياط نيتسان ألون. الهدف هو زيادة نجاعة نقل المعلومات إلى القوات التي تعمل في الميدان وبالعكس، إلى القيادات، في محاولة لمنع تكرار كارثة مشابهة التي جزء منها كان ينبع من حساسية هذه القضية.
إسرائيل تقريباً لا تعمل في منطقة رفح، حيث يعيش حوالي مليون فلسطيني، معظمهم هجّروا من بيوتهم ويعيشون على مساحة صغيرة جداً. هناك تغيير واضح يتم الشعور به من حيث إطلاق الصواريخ؛ فحجم الإطلاق على غلاف غزة انخفض إلى عدد قليل من الصواريخ في اليوم، فيما يتم إطلاق صلية أو اثنتين في الأسبوع على مركز البلاد.
يدير الجيش كل هذه العمليات استعداداً للانتقال للمرحلة القادمة في الخطة ضد حماس. المرحلة الثالثة للحرب قد تشمل تقليص جزء من القوات المكتظة العاملة في القطاع، وتسريح وحدات في الاحتياط، والتركيز على مناطق معينة ما زالت حماس فيها قوية نسبياً، بالأساس على صيغة الاقتحامات اللوائية.
موعد المرحلة الثالثة
لا يمكن القول إن هناك إجماعاً حول هذا الأمر. ولكن سواء في أوساط الجنرالات في هيئة الأركان أو في أوساط بعض أعضاء الكابنت السياسي، يتضح إدراك بأن صيغة العملية الحالية في القطاع تقترب من استنفاد نفسها. وهذا يتعلق بالاعتبارات السياسية (العلاقات مع الولايات المتحدة) والعبء الواقع على جنود الاحتياط. مع بدء السنة الدراسية، يخلق حساسية أخرى؛ فمن يسبق من في التسريح؟ الطلاب الشباب الذين قد يخسرون السنة الدراسية أو أرباب العائلات وأصحاب المصالح التجارية الذين شاهدوا بصعوبة بيوتهم منذ ثلاثة أشهر؟
المرحلة الثالثة لا تشير إلى نهاية الحرب في قطاع غزة. الأهداف العلنية للمعركة ضد حماس وتفكيك هذه المنظمة من قدرتها العسكرية والنظامية، إلى جانب إعادة المخطوفين، لم يتم تحقيقها بعد. مع ذلك، هناك توافق في المواقف على وجود حاجة لاستخدام القوة العسكرية لفترة طويلة إلى جانب الاحتفاظ بقوات كبيرة نسبياً للدفاع عن الحدود مع غزة ولبنان.
بعد فترة طويلة من الجمود في المفاوضات حول إطلاق سراح الـ 129 مخطوفاً الباقين، الذين أكثر من 20 منهم موتى، حسب معطيات الجيش الإسرائيلي، فقد نشرت مؤخراً عدة تقارير عن دلائل على التقدم، على خلفية مبادرات جديدة للوساطة من قبل قطر ومصر. وقد استغرق رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار، 12 يوماً من أجل الرد بالرفض على هذه الاقتراحات.
حتى الآن هناك من يلاحظون وجود شرخ ما في رفض حماس إجراء مفاوضات ما لم يتوقف إطلاق النار وتسحب إسرائيل قواتها من القطاع. الرئيس الأمريكي، جو بايدن، دفع قدماً بالمفاوضات خلال عطلة عيد الميلاد. التزام بايدن العاطفي بموضوع المخطوفين كبر. والحكومة الإسرائيلية في المقابل لم تضع على الطاولة أي اقتراح جوهري جديد منذ فترة طويلة.
أشار البنتاغون بشكل مهذب إلى اختلافات في المواقف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى في البيان الإجمالي للمحادثة الهاتفية بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره يوآف غالنت. وناقش الاثنان الإعداد لمرحلة الاستقرار في القطاع بعد انتهاء القتال الأساسي. وقد أكد أوستن أهمية حماية المدنيين في غزة والحاجة إلى تسريع إدخال المساعدات الإنسانية.
في نهاية الأسبوع، تجاوز وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الطريق المسدود لدى الكونغرس، فصادق على بيع إسرائيل قذائف مدفعية وذخيرة بمبلغ 150 مليون دولار تقريباً. يدرك بلينكن، الذي سيصل في هذا الأسبوع إلى إسرائيل، الحاجة العملياتية للجيش الإسرائيلي، ويعمل على زيادة الاحتياط لديه على خلفية النقص العالمي في القذائف الذي يتأثر أيضاً بسبب الحرب في أوكرانيا. ولكن اليد التي تحرر هذا الخنق يمكنها مستقبلاً أيضاً إبطاء التيار، وتدرك إسرائيل هذا الأمر جيداً.
يبدو أن لحظة الحقيقة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في إدارة الحرب تقترب. كلما حاول تأجيلها، يتعين عليه اتخاذ قرارات مؤلمة خلال الشهر القادم، بعضها مرتبط ببعض، حول طبيعة الحرب في القطاع فيما بعد وبخصوص صفقة المخطوفين القادمة، إذا حدثت. وهو في الحالتين يخشى من التصادم مع معارضة شديدة من قبل اليمين في الائتلاف.
في مساء الخميس، منع نتنياهو في اللحظة الأخيرة نقاشاً في مجلس الحرب حول ترتيبات اليوم التالي، إزاء ضغط الوزيرين بن غفير وسموتريتش، اللذين ليسا أعضاء في مجلس الحرب على الإطلاق. وحسب تقرير براك ربيد في “واللاه”، فإن الرئيس الأمريكي أجرى محادثة هاتفية قاسية مع نتنياهو، وطلب منه تحرير أموال الضرائب الفلسطينية التي جمدتها إسرائيل للسلطة في الضفة.
كلما مر الوقت يبرز الاستنتاج أكثر. سيكون من الصعب ترجمة الجهد الكبير والجدير بالتقدير للجيش الإسرائيلي و”الشاباك” في العملية البرية في القطاع إلى تغيير استراتيجي؛ لأن حكومة نتنياهو تضع العراقيل أمامهم. رئيس الحكومة نفسه هو العائق أمام هذا التغيير. فمصلحة الدولة لم تعد نصب عينيه، بل إنقاذ نفسه سياسياً وقانونياً. الأزمة الأمنية الشديدة قد تتحول في القريب إلى أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة. ونتنياهو الذي يظهر بأنه غير مؤهل لإدارة الأزمة المركبة ومتعددة الوجوه، يمسك بالدولة بقبضة خانقة في محاولة لإنقاذ نفسه.
——————————————–
هآرتس 31/12/2023
“ظننتهم أخذوه للعلاج فأعادوه جثة”.. السجون الإسرائيلية مراكز تعذيب للأسرى الفلسطينيين
بقلم: يهوشع برايمر
معتقلون في سجن مجدو يقدمون شهاداتهم عن سلسلة أعمال عنف وتنكيل شديدة من قبل السجانين، تشمل اللكمات والضرب في مناطق حساسة في الجسم، والإهانة. قال بعضهم إن هناك سجيناً توفي متأثراً بجروحه بسبب الضرب. وحسب الشهادات التي كان جزء منها من المصدر الأول، وجزء نقله المعتقلون والمحامون، فإن سجناء فلسطينيين يتعرون للرب منذ بداية الحرب، ومثلهم أيضاً إسرائيليون عرب في الأقسام الأمنية. والسجانون يجبرونهم على الغناء. يتبين من الشهادات أنه أمر تم على الأغلب والسجناء مكبلون.
يأخذونهم إلى نقطة عمياء لا كاميرات فيها، ويعملون حفل استقبال بضرب السجناء الجدد”، قال أحد السجناء في المحكمة مؤخراً. إضافة إلى ذلك، قال المعتقلون إنهم اضطروا إلى ارتداء نفس الملابس لأسابيع، وإنهم لا يحصلون على ملابس جديدة إلا عندما يتم إطلاق سراح أحدهم ويعطيهم ملابسه، على الأغلب الملابس الداخلية. مصدر رفيع في مصلحة السجون أكد في محادثة مع الصحيفة بأن مصلحة السجون تدرك أعمال العنف ضد السجناء في سجن مجدو، الذي يتولى قيادته العميد مؤيد سبيتي.
الخميس الماضي، قدمت للمحكمة شهادة حول أعمال التنكيل في السجن. المعتقل الذي قدم الشهادة هو أحمد خليفة، عربي إسرائيلي (41 سنة) من أم الفحم، وتحدث عما يحدث في السجن أثناء مناقشة طلب تمديد اعتقاله. وقد اعتقل في تشرين الأول الماضي بعد مشاركته في مظاهرة في أم الفحم. وبقي في سجن مجدو في الشهرين الأخيرين. حسب لائحة الاتهام التي قدمت ضده وضد محمد جبارين (31 سنة)، فإنهما أطلقا شعارات تحريض. النيابة العامة نسبت مخالفاتهما حول التماهي مع منظمة إرهابية والتحريض على الإرهاب، وتم إرسالهما إلى السجن وتصنيفهما معتقلين أمنيين. خليفة، الذي لا ماض جنائياً له، قال في الجلسة: “يعتقلون الأشخاص ويكبلونهم وينكلون بهم ويسحبونهم وكأنهم حيوانات. من يرفع رأسه يتلقى عليه الضرب. شاهدت هذا يومياً. أنا موجود في غرفة مع فتى عمره 18.5 سنة. وإذا رآه السجانون وهم يضحك يأخذونه إلى منطقة نقطة عمياء كل السجناء يعرفونها. في البداية كان الجميع يضربون، ولكن في الأسابيع الأخيرة توجد وردية واحدة للسجانين تفعل ذلك. لقد أخذوا هذا الفتى إلى تلك النقطة وداسوا على صدره. طلبوا منه فتح رجليه وضربوه بأرجلهم”.
تحدث خليفة أيضاً عن حالة تم فيها ضرب سجين، حسب قوله، وبعد ذلك توفي متأثراً بجروحه. “في الغربة التي بجانب غرفتي، لا أعرف إذا كنت سأُسمي هذا موتاً أو قتلاً، لكنه كان أمراً محرجاً. لقد أحضروه وقالوا إنه تشاجر مع أحد السجانين وضربوه. كانت غرفة للعقاب بجانب غرفتي، وضعوه فيها. في كل خميس وجمعة وسبت كان يصرخ “بطني، أمعائي”. وكانوا يسكتونه بالقول “هشششش”. ويعمل السجناء على إسكاته كي لا يحصلوا على عقاب جماعي بسبب شخص يصرخ.
“الجمعة، عاد هذا السجين إلى وعيه حتى السبت، ولم يتحمل وبدأ يصرخ “بطني، أمعائي”. وحتى الآن أسمع صوته. لقد أخذوه، اعتقدت أنهم أخذوه للعلاج”. ولكن حسب أقوال خليفة، كان السجانون “وضعوه في غرفة عزل، وفي تلك الليلة توفي هناك”. في هذه المرحلة انفجر خليفة، وهو محام في مهنته، بالبكاء في المحكمة. “لقد توفي في الغرفة التي بجانبي. عندما سكت وتوقف عن صراخ أن بطنه تؤلمه، فتح السجان النافذة في الباب وشاهده ملقى على الأرض، واستدعى سيارة الإسعاف، ولكنه كان قد توفي”.
في الأشهر الأخيرة، توفي سجينان في سجن مجدو. ولكن من غير الواضح من شهادة خليفة من كان يقصد. الأول هو عمر ضراغمة (58 سنة) الذي توفي في 23 تشرين الأول، والثاني هو عبد الرحمن مرعي (33 سنة) الذي توفي في 13 تشرين الثاني. وجدت علامات عنف شديدة على جسد مرعي. وحسب أقوال الطبيب من قبل عائلته، الذي شارك في التشريح، آثار لكمات وجدت على صدره وأضلاعه، وعظام صدره كانت مكسرة. أحد السجناء الذين أطلق سراحهم وكان حسب قوله شاهداً على الاعتداء عليه، قال إنه 15 سجاناً ضربوه بشكل شديد لخمس دقائق، وركزوا ضربهم على رأسه. بعد ذلك، أخذوه، ولم نعرف عنه شيء”. مؤخراً، أمرت محكمة الصلح في الخضيرة بفتح ملف تحقيق حول ظروف وفاته.
حسب أقوال المحامية مياسنة موراني، من مركز “عدالة”، الشهادات التي وصلت المحكمة كانت بفضل حقيقة أن الأمر يتعلق بمواطنين إسرائيليين موجودين في الأقسام الأمنية. معظم السجناء في الأقسام الأمنية هم فلسطينيون من المناطق المحتلة. وبسبب موجة الاعتقالات غير المسبوقة من حيث حجمها للفلسطينيين من مواطني إسرائيل بسبب التصريحات ضد الحرب، فقد نشأ وضع تسمع فيه شهادات نادرة مثل هذه الشهادة، لأنها وصلت إلى المحاكم غير العسكرية”، قالت.
هذه الشهادات تضاف إلى شهادات أخرى وصلت لـ “هآرتس” مؤخراً عما يحدث في سجن مجدو. ويتبين من هذه الشهادات أن السجانين تعودوا على ضرب السجناء الجدد حتى ينزفوا وهم مكبلون. قال أحد السجناء لمحام بأن السجناء تم إجبارهم عدة مرات على الاستلقاء على الأرض والقول “شعب إسرائيل حي”، وإذا لم يفعلوا ذلك يتعرضون للضرب. “عندما وصلنا إلى السجن وزعونا إلى مجموعتين في قسم الاستقبال”، قال أحد السجناء. “دخل نحو 40 سجاناً وضربونا بشكل شديد. بعد ذلك، كبلوا أيدينا في غرف لبضع ساعات، وفي المساء كانوا يدخلون ويضربون كل من في الغرفة. معظم الأشخاص لديهم كسور. لم أتمكن من النوم على ظهري خلال 35 يوماً”، قال السجين م. المعتقل من جنين.
السجين أ.ف من القدس قال: “يهينونك. هناك عد للسجناء ثلاث مرات في اليوم، يجلسونك على ركبتيك ووجهك نحو الحائط، ويضربونك بحجة التفتيش. بعد موت أحد السجناء توقف الضرب، لكن قائد السجن قال إنه سيستأنف ذلك. الغرفة مضاءة طوال الليل، ولا يطفونه إلا في الساعة السادسة عند العد الصباحي”. سجين آخر قال إنه ضرب ضرباً مبرحاً على رأسه عند دخوله إلى سجن مجدو. سجين آخر تم اعتقاله في الشهر الماضي قال إنه عند دخوله السجن وعند التصوير وإجراء الاستقبال، تعرض للضرب هو وغيره من السجناء. وحسب قول سجين آخر، فإن السجانين الذين ضربوه هددوه وقالوا له: “توفي سجين قبل أسبوع، ولم يسأل عنه أحد. لذا، عليك الحذر. لنا عيون في المحكمة”.
بعض منظمات حقوق الإنسان، منها منظمة “عدالة” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان” و”اللجنة ضد التعذيب” و”موكيد”، توجهت إلى المستشارة القانونية للحكومة وقدمت شكاوى ضد التعذيب والعنف في مصلحة السجون. وقال مصدر في إحدى المنظمات إنهم سرحوا عدة سجانين بعد وصول شهادات على الاعتداء على السجناء إلى إدارة مصلحة السجون. وأثناء زيارة المستشارة القانونية والطاقم المرافق لها لسجن جلبوع في الأسبوع الماضي، حذر الطاقم كبار الضباط في مصلحة السجون بأن عليهم الحرص والتعامل حسب القانون، وأكدوا على أهمية الحفاظ على كرامة السجناء، على خلفية سلسلة الادعاءات والشكاوى الشديدة حول عمليات الاعتداء العنيفة ضد السجناء.
“السجون الأمنية أصبحت ثقباً أسود، ويتم فيها استخدام العنف الذي يصل إلى مستوى التعذيب، وهي غير مكشوفة للتفتيش القضائي، ولا توجد زيارات للعائلات أو زيارات للصليب الأحمر. وحسب علمنا، لا يوجد أي زوار رسميين من النيابة العامة ونقابة المحامين والمحاكم”، قالت المحامية موراني من جمعية “عدالة”. “حتى إن تواصل السجناء مع المحامين أصبح مقيداً”.
وجاء من مصلحة السجون بأنه “منذ بداية الحرب، والمصلحة تتعامل مع استيعاب آلاف المخربين الذين يشكلون الخطر اليومي على طواقم السجون. أي إبلاغ أو شكوى عن استخدام غير قانوني للقوة تنقل للتحقيق في الشرطة وفق المطلوب. وكل حادثة استثنائية تتم معالجتها والتحقيق وفق المطلوب. في حالة وفاة أي سجين، يتم إجراء تحقيق، وهكذا أيضاً في الحالة المذكورة. وبخصوص الادعاءات التي طلبت المحكمة رأي مصلحة السجون حولها، سيتم فحصها وإرسالها للمحكمة حسب قرارها”.
——————————————–
إسرائيل اليوم 31/12/2023
هكذا تفاخرت إسرائيل باغتيالاتها الناجحة في سوريا ونسيت حماس و”حزب الله”
بقلم: أيال زيسر
امتنعت إسرائيل على طول العقد الأخير عن مقاتلة أعدائها، واختارت أن تخوض معهم معركة ما بين الحروب. الإنجازات والنجاحات في هذه المعركة منحتنا إحساساً تبين لاحقاً أنه مغلوط، وبأن يدنا هي العليا – عملياتياً واستخبارياً – وأن المعركة ما بين الحروب تحفظ وتعزز أمننا بل وتردع أعداءنا.
لقد كانت المعركة ما بين الحروب جملة من الأعمال أغلبها سريّ، وتضمنت أساساً إحباطات مركزة وغارات جوية موضعية على أهداف العدو، خصوصاً في الساحة السورية، وعلى أراضي إيران. وجاءت فكرة هذه المعركة في الأصل بتأخير التعاظم العسكري لـ ”حزب الله” وحماس، وعملية تحول إيران إلى قوة نووية عظمى. الحرب الأهلية في سوريا فتحت أمام إسرائيل نافذة فرص للهجوم في سوريا دون خوف من رد فعل النظام السوري. وكانت الأهداف التي تعرضت للهجوم في الغالب إرساليات سلاح نقلت من إيران إلى منظمة “حزب الله” في لبنان. ما إن رأت إسرائيل الحال جيدًا وأن أحداً لا يقف في طريقها، اتسعت الهجمات إلى أهداف إيرانية أيضاً أو إلى أهداف خدمت الميليشيات الشيعية التي أطلقتها طهران إلى سوريا. واستهدفت هذه الهجمات التخريب على محاولات إيران التشبث بالأراضي السورية.
إن المنطق الذي قبع في أساس فكرة المعركة ما بين الحروب كان واضحاً: فإسرائيل لم تكن معنية بالانجرار إلى حرب شاملة، ولهذا فضلت البقاء في الظل وامتنعت عن تحمل المسؤولية عن الهجمات التي نفذتها، على افتراض أنها بذلك تسهل على العدو الامتناع عن الرد على هذه الهجمات. والأهم هو أن الحديث يدور عن سلسلة أعمال موضعية ومحدودة على مدى أشهر بل وسنين، وليست معركة منهاجية ذات قوى عالية.
لكننا من كثرة الأشجار لم نرَ الغابة، وبدلاً من التفكير بتعابير الحرب التي يجب خوضها ضد العدو، اعتبرنا الكفاح ضد العدو سلسلة عمليات موضعية لقوات خاصة، وكأن عمليات كهذه هي كل شيء. لهذا التفكير مكان عندما يدور الحديث عن وحدة مختارة ترسل إلى عملية سرية محدودة. لكن عندما ينتقل جيش كامل والدولة بأكملها للتفكير بمثل هذه التعابير، بتعابير المعركة ما بين الحروب، يتخلق تخوف من نسيان الصورة العامة، فنسوا أن عليهم خوض حرب ضد العدو، بل وكيف تخاص مثل هذه الحرب.
لا شك أننا وقعنا في عشق المعركة ما بين الحروب، ضللتنا النجاحات المبهرة والباعثة على الفخار لتلك العمليات والتصفيات والغارات التي نسبت لإسرائيل على مدى السنين، لكننا نسينا الأمر الأساس.
المعركة ما بين الحروب لم تمنع تعاظم قوة حماس و”حزب الله”. بينما كنا نتسلى بهجمات ناجحة على الأراضي السورية حيال نظام بالكاد يقف على قدميه، تحولت هاتان المنظمتان الإرهابيتان إلى وحشين يملكان عشرات آلاف الصواريخ وقوة مقاتلة مدربة: “نخبة حماس”، وقوة الرضوان التابعة لـ“حزب الله”.
قصة المعركة ما بين الحروب هي استغلال النجاح والفرصة التي وقعت لنا في الساحة السورية مع نشوب الحرب الأهلية في هذه الدولة. يخيل أننا فضلنا البحث عن العملية النقدية تحت الفانوس السوري، واخترنا التجاهل وألا نعمل حيال ما جرى في داخل غزة ولبنان. لا غرو أن المعركة ما بين الحروب في سوريا أصبحت العرض الأفضل في المدينة. أعمالنا لم تعد سرية، إذ إن زعماء وقادة في إسرائيل أعلنوا عنها وتباهوا بها في كل فرصة، بل وبدا أن تحقيق نجاحات في سوريا على الأقل؛ بكبح المحاولة الإيرانية للتموضع في سوريا، وإن كانت لم تمنع تعاظم قوة “حزب الله”.
وهكذا، مع الوهم بأن المعركة ما بين الحروب على الأراضي السورية هي الحل الأمثل لمشاكل إسرائيل، تعاظمت التهديدات التي وقفنا أمامها. حماس و”حزب الله”، اللذان يزعم أنهما مردوعان، عظما قوتهما.
المعركة ما بين الحروب تبدو مثالاً على المبادرة والتفكير الإبداعي، والقدرة على استغلال الفرص وإبداء القدرات العملياتية والاستخبارية. لكن عندما تصبح المعركة ما بين الحروب هي الأساس، والمنطق الذي في أساسها يصبح هو موجه سلوكنا الاستراتيجي تجاه العدو، فالنتيجة صدمة ومفاجأة ألمتا بنا في 7 أكتوبر.
———————————————
معاريف 31/12/2023
لقادة إسرائيل: نحن في حرب “اللا مفر”.. إما النصر أو تصفية الدولة على مراحل
بقلم: دافيد بن بست
الإعلانان اللذان يصدران يومياً عن الجيش والسياسيين والعائلات التي تتمزق قلوبها قلقاً – إعادة الأسرى بكل ثمن وإسقاط حماس – هما إعلانان لازمان ويجب أن يقالا. لكن إذا ما فحصناهما بشكل منطقي، سنتبين أن هناك تناقضاً بنيوياً بينهما.
قلب شعب إسرائيل يتفطر مع يوم من جديد في ضوء بيانات الناطق العسكري عن سقوط أبطال إسرائيل في المعركة، ومن واجب حكومة إسرائيل أن تفعل كل شيء كي تعيد المخطوفين إلى الديار.
لكن بالتوازي، علينا أن نتذكر بأن أمامنا وحوشاً خارج نطاق البشرية، والأمر الوحيد الكفيل بإنتاج معادلة قابلة للحل تتمثل بتحرير مخطوفينا هي قبول مطلب حماس غير القابل للمساومة، الذي يتماثل مع مطلب معظم دول العالم، لإنهاء الحرب وتحرير كل المخربين الذين ذبحونا طوال سنوات وفي السبت الأسود.
ليس واضحاً كيف يمكن العمل حيال عوامل متناقضة بهذا القدر. على الحكومة واجب اتخاذ أعمال إعلامية مكثفة حيال الإدارة الأمريكية والعودة للشرح بأن مصالحنا مشتركة وأن الضغط الأمريكي غير المنطقي وغير المعقول الذي يمارس على إسرائيل لإدخال الوقود والغذاء إلى القطاع، يساند قرار حماس مواصلة القتال وعدم تحرير المخطوفين.
إن قبول مطالب العدو المجنونة التي تساندها دول عديدة وعلى رأسها قطر، ومصر، وتركيا وغيرها، هي مطالب غير مقبولة على نحو ظاهر، ومعناها تصفية دولة إسرائيل على مراحل.
لا يتم النصر في الحروب إلا بحسم العدو في ميدان المعركة. ولا يمكن إيجاد صورة نصر بدون قتل قادة حماس – الذين خطوا على عملهم إبادة إسرائيل. هذه هي الإمكانية الوحيدة لا غير.
فليعلم أعداؤنا في إيران وفرعهم الشمالي “حزب الله” بأنه لن يكون ممكناً الانتصار على من يقاتل في سبيل حياته. وليعلم قادة حماس في قصور قطر وتركيا وكذا أولئك المختبئين في الأنفاق أنهم أبناء موت، وأن ذراع إسرائيل ستصلهم.
هذه أهداف صعبة، ويتطلب تحقيقها وقتاً طويلاً، لكن بدون تحقيقها سنجد أنفسنا بعد وقت قصير في وضع أخطر بأضعاف.
دون انتصار واضح على حماس، ستنتقل الرسالة إلى “حزب الله” وإلى أعدائنا في المنطقة، رسالة تقول إنه يمكن الدخول في هذه المرحلة أو تلك إلى معركة ضد إسرائيل، تؤدي إلى حرب إقليمية.
ما يوقفهم في هذه اللحظة ليس فقط تهديد الـ Don’t الشهير للرئيس الأمريكي بايدن من أيام بداية الحرب، وحاملات الطائرات مع قوة بحرية مبهرة على مقربة منا.
نية الجيش تغيير بتكتيك الحرب في ظل تقليص هجمات ميدانية واسعة والانتقال إلى أعمال مركزة حول الأنفاق ومجالات حماس، تستهدف تقليص الخطر على المس بمخطوفينا بنار قواتنا، وصيد فئران حماس يحيى السنوار ومحمد ضيف وآخرين، الذين لا يزالون يحظون بإسناد شبه تام من السكان.
الجيش الإسرائيلي العظيم، بجنوده وقادته، أثبت بأنه لا توجد مهمة إلا ويمكنه تنفيذها. إعادة المخطوفين هي نتيجة الأعمال المتداخلة للجيش والدبلوماسية من خلف الكواليس.
كي تتم هاتان العمليتان بنجاح، فعلى الوزراء والضباط الكبار اللقاء مع مديري شبكات الإعلام الأجنبية وإرسال الإعلانيين الأفضل إلى التلفزيونات والشبكات الاجتماعية مزودين بأفلام الفظاعة، بالصور وبالقصص عما فعلته وحوش حماس بنا، كي لا ينزل هذا الموضوع عن جدول الأعمال.
نحن نقاتل حرب اللامفر، التي لا يوجد ما هو أكثر عدلاً منها. من أجلنا ومن أجل أبنائنا في الأجيال القادمة، إذا كنا نحب الحياة، فيجب أن يكون النصر واضحاً، ويجب أن تتحقق أحداث الحرب حتى آخرها.
———————————————
يديعوت أحرونوت 31/12/2023
هكذا نحول “دولة غزة” إلى قطاع دون احتلال وخارج حكم حماس
بقلم: غيورا آيلند
تمارس إسرائيل في غزة الجهد العسكري وتفعل هذا على نحو جيد. المشكلة أنه من الصعب الانتصار في واقع غزة المعقد بمعونة الدبابات والطائرات فقط. عملياً هناك ثلاثة جهود أخرى لا يمارسها على الإطلاق.
لنفهم الصواب يجب فهم “القصة”. وبالفعل، وبخلاف الوصف السائد، نحن لا نقاتل ضد منظمة حماس بل ضد دولة غزة. الأمر الأول الذي يجب عمله هو منع إدخال الوقود إلى غزة. إسرائيل هي الدولة الوحيدة في التاريخ التي تقاتل العدو بيد وفي الأخرى توفر له الطاقة، الأمر الذي يسمح له بتمديد مدة القتال.
الأمر الثاني الذي يجب فعله هو الخطوة السياسية. وأسوأ من هذا أننا نصر على عدم إجراء أي حوار سياسي لـ “اليوم التالي”، وبدون أي منطق. يجب أن نفهم بأن “اليوم التالي” للحرب ستكون فترة انتقالية بعد الحديث عن تسوية دائمة. وبدلاً من الصدام مع الولايات المتحدة على إجراء البحث، وبدلاً من أن نظهر أمام العالم بصورة الرافض الغبي، من الصواب أن تقول إسرائيل الجمل الثلاث التالية:
في اليوم التالي، لن تحكم حماس غزة ولا نحن أيضاً. وأي إمكانية أخرى قابلة للبحث.
من ناحية إسرائيل، على المعادلة أن تكون إعمار غزة مقابل التجريد. والتجريد معناه تدمير كل السلاح الثقيل، وتدمير الأنفاق، ومنع أي تهريب للسلاح في المستقبل. كل جهة أو كل جماعة من المحافل التي تعتقد أن سيكون بوسعها عمل ذلك، فهي مدعوة للحديث معنا وإقناعنا، وستعرف كيف تفعل ذلك.
ليس لإسرائيل مصلحة في إعمار غزة. المصلحة الوطنية هي في وصف شيء ما مهم بهذا القدر: الموافقة على دفع ثمن لتحقيقه. إعمار غزة ليس مصلحة إسرائيلية، لكن يسرنا التعاون مع كل جهة عربية أو دولية ترى في إعمار غزة مصلحة لها.
موقف سياسي كهذا لن يساعدنا فقط أمام الأسرة الدولية، بل كفيل أيضاً بأن يطلق وينتج زخماً داخلياً في غزة. اليوم، بغياب استعداد إسرائيلي كهذا، يفهم سكان غزة بأنه ليس أمامهم سوى إمكانيتين: حكم حماس أو احتلال إسرائيلي. وبطبيعة الأمور، يفضلون حماس بصفتها أهون الشرين.
الأمر الثالث الذي لا نفعله هو تفعيل تقنية الحصار على مناطق معينة. فقبل ستة أسابيع، أنهينا تطويق شمال القطاع. بغياب استخدام لمثل هذه التقنية، دخلنا إلى تطهير وقتال ضار في أحياء مثل جباليا والشجاعية. الحصار وحده ليس طريقة ناجعة توفر القوة، بل هي طريقة مسموح بها وفق قواعد الحرب. وأكثر من هذا، مسموح أيضاً ممارسة الحصار من أجل تجويع العدو حتى الموت، وبشرط أن يقدم جواباً ما للسكان المدنيين. الجواب المقدم هو السماح بممرات إنسانية لإخراج السكان المدنيين من هذه المنطقة. وكبديل، يمكن الاكتفاء بجهد سابق وحقيقي للوصول إلى اتفاق مع الطرف الآخر إزاء حل ما للمدنيين. وفي كل الأحوال، يحظر السماح بإدخال المؤن إلى المنطقة الشمالية.
ينبغي لإسرائيل ويمكنها أن تخلق حصارا ًكاملاً على شمال القطاع على أساس السيطرة الإسرائيلية على وادي غزة، وهكذا تنتج سيطرة كاملة على نحو 35 في المئة من أراضي القطاع توفر مكوثاً باهظ الثمن لقوات كثيرة داخل هذه المنطقة.
إن الاستراتيجية الصحيحة هي إذن خليط من الجهود الأربعة، ومثلما هو المحرك الذي لا يعمل إلا بمفاعل واحد من أصل أربعة، هكذا محظور الاكتفاء بالذراع العسكري.
———————————————
هآرتس 31/12/2023
سكان الخليل يواجهون قيودا لم يشهدوها
بقلم: هاجر شيزاف
في يوم الاثنين الماضي جلس رجال واولاد على شارع في حي السهلة في الخليل. بالنسبة لهم هذا كان تجديد. في اعقاب الهجوم في 7 اكتوبر فقد فرض الجيش الاسرائيلي حظر التجول لمدة اسبوعين على الحي قرب مغارة الماكفيلا (الحرم الابراهيمي) مثل احياء اخرى توجد تحت السيطرة الاسرائيلية في المدينة. الآن بعد مرور شهرين على الحرب يواصل السكان الابلاغ عن ازدياد الحواجز وقيود قاسية على الحركة وحظر التجول في الليل وفي نهاية الاسبوع.
“هذا الحي ببساطة كان مغلقا. لا يوجد أي أحد. لا يمكننا فعل ما نريد. منذ بداية الحرب ربما خرجت فقط اربع مرات من الحي”، قال شادي المحتسب وهو من سكان حي السهلة. غير بعيد عن بيته يوجد حاجز يوجد فيه عدد كبير من جنود حرس الحدود. “هذا يؤثر على الاولاد نفسيا. لم تكن دراسة ولم يكن بالامكان فعل أي شيء”. توجد صعوبة اكبر على شادي وآخرين تتعلق باستمرار العيش في المدينة. لم يكن بالامكان الخروج للشراء من البقالات، قالوا. ايضا عندما سمح بذلك فيما بعد واجه السكان النقص الشديد في السلع.
الخليل تم تقسيمها الى قسمين في كانون الثاني 1997 باتفاق بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، كجزء من اتفاق اوسلو. ومنذ ذلك الحين منطقة “اتش 1” توجد تحت السيطرة الفلسطينية، ومنطقة “اتش 2” التي يوجد فيها الحرم الابراهيمي والحي اليهودي، توجد تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة. في هذا المنطقة يعيش آلاف الفلسطينيين في ما تحول الى رمز للفصل التمييز المتطرف بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية.
عند اندلاع الحرب ابلغ الجنود السكان الفلسطيين في منطقة “اتش 2” بأنه محظور عليهم الخروج من البيوت. ومن حاول الخروج، كما قالوا، كان يطلب منه العودة الى البيت. السكان، الذين حتى في الايام العادية يخضعون للقيود، منها حظر السفر في مقاطع من الشوارع وحظر السفر في شوارع اخرى والحاجة الى عبور الحواجز في الطريق الى القسم الفلسطيني في الخليل، لم يخرجوا من البيوت حوالي اسبوعين.
بعد ذلك باسبوعين، كما قال السكان، حصلوا على بلاغ من الادارة المدنية بحسبه يمكنهم الخروج ثلاثة ايام في الاسبوع من البيت، في ايام محددة. والانتقال عبر الحواجز الى منطقة “اتش 1” ساعة في الصباح وساعة بعد الظهر. ومن يتأخر يبقى عالقا في الشطر الآخر للمدينة. ورغم أنه بشكل رسمي فصل هذا البلاغ الساعات التي يمكن فيها التنقل بين الحواجز، إلا أنه فعليا في الايام الاخرى واصل الجنود فرض حظر التجول والخروج من البيوت. بعد ذلك تم تقديم للسكان تسهيلات اخرى، لكن الآن ايضا في معظم الاحياء مثل الاحياء التي يعيش فيها شادي، ما زال يفرض حظر التجول في الليل وفي نهاية الاسبوع. في احياء اخرى تم رفع حظر التجول. ايضا الحواجز التي تربط بين منطقة “اتش 1″ و”اتش 2” لم تعد مفتوحة 24 ساعة، ويتم اغلاقها في المساء باكرا.
من اجل تطبيق القيود الجديدة فقد حصل سكان حي السهلة قبل بضعة ايام على رسالة في الواتس اب وصورة خارطة من الادارة المدنية، وتم وضع ارقام معناها غير واضح، وتم مد اسهم منها تظهر للسكان في أي حاجز يمكن العبور الى منطقة “اتش 1″، ومثل بلاغات اخرى هذا القيد لم يكن موجود في السابق.
أسبوعان بدون خبز
في حي الجعبري الذي يوجد على الشارع الذي يصل بين كريات اربع والحرم الابراهيمي، القيود الجديدة يتم الشعور بها جيدا. هذا الشارع هو من الشوارع الوحيدة التي على طولها توجد محلات فلسطينية في هذا القسم في الخليل. ومحلات كثيرة اخرى تم اغلاقها بأوامر من الجيش الاسرائيلي في فترة الانتفاضة الثانية. الآن يلزم الجيش اصحاب هذه المحلات بعدم فتح محلاتهم، ويحظر على سكان الحي السفر بالسيارات في المكان، الامر الذي كان مسموح حتى اندلاع الحرب. صاحب محل في الشارع قال بأنه عندما جاء الى المكان لأخذ بعض البضائع، الجنود قالوا له بأنه اذا فتح محله فيصادرون المفتاح.
“خلال اسبوعين كنا بدون خبز ولم نستطع شراء أي شيء”، قالت اريج الجعبري وهي من سكان الحي. في مرحلة ما حاولوا جلب الخبز الى الحي من احد المخابز. ولكن عندما وصل الاشخاص الذين ذهبوا لجلب الخبز الى الحاجز قام الجنود بتصويب السلاح نحوهم وجعلوهم يهربون مع ترك البضائع التي جلبوها. في نهاية الاسبوع نذهب لاحضار اغراض لثلاثة ايام”. وأكدت على أن حظر التجول يستمر في الليل وفي نهاية الاسبوع.
حسب اقوالها هناك ثلاث عائلات تعرفها قامت بمغادرة الحي مؤخرا. “لقد غادرت بسبب الخوف والقيود”، قالت. وحسب قولها منذ اندلاع الحرب هي لا تذهب الى الكلية التي تتعلم فيها واولادها لا يذهبون الى المدرسة. آخرون تضرروا بشكل كبير اقتصاديا لأنهم لم يتمكنوا من الذهاب لاماكن عملهم في منطقة “اتش 1”. ومن يعملون في اسرائيل هم عاطلون عن العمل منذ 7 اكتوبر.
قد جاء من المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي: “لا يوجد حظر تجول في مدينة الخليل. الاغلاق يتم حسب تقدير الوضع لاعتبارات عملياتية، وهذا يتم بقرار من قائد اللواء بالتشاور مع الجهات ذات العلاقة. من الفحص تبين أنه لا يوجد سلوك عنيف على الحواجز، وأي ادعاء يرسل الينا سيتم فحصه طبقا لذلك”.
———————————————
هآرتس 31/12/2023
زيادة المساعدات الإنسانية
بقلم: أسرة التحرير
تخفي وسائل الإعلام الإسرائيلية في معظمها عن الجمهور حجم الدمار، القتل والكارثة الإنسانية في قطاع غزة نتيجة للحرب. معلومات قليلة تتمكن من التسلل عبر سور الإخفاء من وسائل الإعلام المركزية تصل من مصادر أجنبية، أو عبر الشبكات الاجتماعية من جهات مشبوهة مسبقا، منحازة إلى جانب العدو أو من منظمات دولية تعرض في إسرائيل متحيزة. وعليه، فحتى عندما يطلع الناس على معلومات عما يجري في غزة، فإنها تأتي معلومات مصداقيتها في موضع شك، أو تعرض دعاية مناهضة لإسرائيل.
حقيقة أن الإسرائيليين لا يعرفون، أو لا يريدون أن يعرفوا، عن الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة، لن تعفيهم من الذنب في المستقبل حين يتعرفون على حجمها، ولا ربما من القانون الدولي. فالتأييد للحرب لا يستوجب التسليم بالأذى للسكان المدنيين مثلما يحصل في غزة. الحرب العادلة لا تسوغ إيقاع كارثة إنسانية على المستوى الذي يجري في غزة.
حسب معطيات برنامج الغذاء العالمي، فإن نحو نصف سكان القطاع، يعيشون في حالة جوع خطير أو متطرف. 90 في المائة من بين أكثر من مليوني غزي يقضون لأحيان قريبة يوما كاملا بلا غداء. الاقتصادي الرئيس لبرنامج الغذاء العالمي، عريف حسين قال: “لم يسبق لي أن رأيت شيئا ما على مستوى مشابه لما يحصل في غزة وبمثل هذه السرعة”. وحسب منظمة “اليونيسيف” فإن أطفالا كثيرون يوجدون في خطر على الحياة بسبب سوء التغذية وتفشي الأمراض. فلا يوجد ماء، لا يوجد غذاء، لا توجد أدوية، لا توجد بنى تحتية. وشهادات المخطوفين الذين عادوا من غزة تؤكد ذلك، أن الوضع الإنساني الصعب لا يتجاوز أيضا الـ129 مخطوفا الذين يوجدون في أسر حماس في القطاع.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسمح بنقل إرساليات إنسانية الى القطاع، عبر معبر كرم سالم. غير أنه يفعل هذا فقط بضغط أميركي. لولا هذا الضغط، لكانت الحكومة، المتعلقة بالمتطرفين في صفوفها تفضل تقليص المساعدات الإنسانية للسكان، لزيادة الضغط على حماس. المساعدة التي تعطى هي الثمن الذي تضطر إسرائيل إلى أن تدفعه مقابل استمرار التأييد الأميركي لمواصلة الحرب، بما في ذلك تعطيل قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة، الذي يسعى للدعوة إلى وقف نار فوري بين إسرائيل وحماس.
المشكلة هي أن حتى ما تسمح إسرائيل بإدخاله إلى القطاع بعيد عن أن يكون كافيا. 190 شاحنة تدخل كل يوم إلى غزة بإذن إسرائيلي، لا توفر إلا نحو 10 في المائة من احتياجات الغزيين. في الأسبوع الماضي، بناء على طلب الولايات المتحدة، بدأوا في إسرائيل بالبحث في تطوير آلية لإدخال مساعدات إنسانية إسرائيلية. هذه خطوة مهمة وصحيحة. محظور السماح لوزراء الحكومة من اليمين المتطرف – الذين من ناحيتهم لا يوجد غير مشاركين في غزة، كلهم حماس، بما في ذلك الأطفال والرضع – عرقلة الخطوة.
———————————————
معاريف 31/12/2023
لم نأخذ أي عبرة من الجحيم الذي تعرّضنا له في هجوم 7 أكتوبر
مرَّ 86 يوماً منذ أن اندلعت الحرب في قطاع غزة.. وعلى الرغم من طول المدة، فلا تزال إسرائيل في حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية والنفسية، فضلاً عما يتعرّض له الإسرائيليون من اضطرابات شخصية وعائلية واقتصادية، وهذا كله من المتوقع أن يؤدي بدوره إلى اضطرابات اقتصادية أكبر، لأن الدولة مضطرة بلا شك إلى تعويض المتضررين، الذين أثقلتهم أعباء الحرب، كما تقول صحيفة Maariv الإسرائيلية، التي تقول إن إسرائيل اليوم لم تأخذ العبرة بعد من هجوم 7 أكتوبر، على الرغم من مرور 3 أشهر على الحرب.
“لم نأخذ أي عبرة من الجحيم الذي تعرّضنا له في 7 أكتوبر”
تقول “معاريف”، لقد تقوَّضت في 86 يوماً جميع معتقدات الإسرائيليين عن إحساسهم بالأمن، وصار الإسرائيلي يفتقر إلى أهون الأشياء في الحياة، مثل النوم بأمان تحت سقف بيته، وتلاشت راحة البال لدى اليهودي والإسرائيلي، لأنهما أدركا أنهما يعيشان في عالم مشحون بكراهيتهما.
لقد حمل هذا العام قدراً هائلاً من خيبة الأمل لدى الإسرائيليين. وصحيح أنهم تنبهوا للخطر المحيط بهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فحشدوا كل الوسائل المتاحة لديهم، وسارعوا إلى معاونة بعضهم بعضاً، وأعدّوا الطعام لجنودهم، وجمعوا التبرعات للعائلات النازحة، ونشروا دعاية الاجتماع والوحدة في كل مكان، وأرسلوا الطرود إلى المحتاجين، وتبادلوا رسائل الدعم عبر الواتساب.
إلا أن هذه المشاعر بين الإسرائيليين لم تلبث إلا قليلاً، ثم بدأت في الزوال. وكان الظن بعد هذه الضربة الرهيبة التي تعرّضت لها إسرائيل، أن يدرك الإسرائيليون أن عليهم “تغيير وجهتهم”، وإلا انحدروا إلى انهيار مديد يتعذر النهوض بعده. لكن ما حدث في الواقع أن الإسرائيليين لم يدركوا ذلك، بل إن الأيام تكشف أنهم ما لبثوا أن عادوا إلى المساوئ التي كانت بهم قبل الحرب، وبدأت الفرقة والتنازع.
وتضيف معاريف أنه كان من المفترض أن تؤدي “الخيبة المؤلمة والمحنة المأساوية” التي تعرض لها الإسرائيليون في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلى العدول بهم عما كانوا عليه قبل هذا التاريخ، وإلى الاجتماع على الإصلاح، والانصراف عن قيود الأيديولوجيا السياسية التي تسوقهم، والانفضاض عن هوس تأييد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليائس، ثم السعي إلى تغيير الوضع، أو حتى تأييد الساعين إلى التغيير وتشجيعهم من بعيد. لكن كل ذلك لم يحدث.
“إسرائيل تمرّ بأفظع أيامها”
على الرغم من الخلافات التي شهدتها إسرائيل بسبب “التعديلات القضائية” قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد عاد الحديث عن التعديلات المثيرة للجدل هذا الأسبوع. وكان وزير العدل ياريف ليفين -الذي فجَّر الأزمة من قبل- قد أعلن قبل شهر أنه سيعود إلى مسار العمل على إقراره التعديلات.
لقد مرت إسرائيل بأفظع أيامها، ومحنة لم تخطر لأحد فيها على بال، ومع ذلك عاد هؤلاء إلى سيرتهم الأولى كأن شيئاً لم يكن، وتجاهلوا ما تمر به إسرائيل، ورجعوا إلى تأجيج الخلافات التي انطمرت في الوحدة الناشئة عن الحرب، وهذا يدل على أن الإسرائيليين لم يأخذوا العبرة مما حدث لهم من جحيم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تقول معاريف.
وتضيف الصحيفة أن الانقسام بدأ يعود بين الإسرائيليين، وأخذت مبادرات التعاون بينهم تخفت شيئاً فشيئاً، والأحاديث الكثيرة عن الوحدة والمصير المشترك [بين الإسرائيليين بمختلف توجهاتهم] طوال المدة الماضية طفقت تُفرغ من محتواها، وتتوارى خلف العودة إلى محاولات الفرقة والانقسام. ويعني ذلك كله أن الحرب لم تكن كافية لوأد الانقسام، وأن الإسرائيليين في سبيلهم إلى خيبة أخرى، على ما يبدو.
حكومة الحرب المنقسمة على ذاتها
مساء السبت 30 ديسمبر/كانون الأول 2023، كان مشهد جديد للانقسام الذي يصيب إسرائيل من الساسة حتى المجتمع٬ حيث قالت القناة 13 الإسرائيلية إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، رفضا حضور مؤتمر صحفي كان من المقرر أن يعقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء السبت، رغم أنه قد تمت دعوتهما إليها.
وعلمت القناة من مصادرها، أن غالانت وغانتس وصلت إليهما بالفعل دعوة للحضور لكنهما رفضا، معتبرةً أن الرفض سببه “عدم وجود نقاش حول (اليوم التالي لوقف الحرب)، فضلاً عن التخوف من تصريحات نتنياهو السياسية، على غرار المؤتمرات الصحفية الأخيرة”.
وقالت إن “الوزيرين غالانت وغانتس رفضا طلب مكتب رئيس الوزراء المشاركة في المؤتمر الصحفي، دون التنسيق بينهما”. وأوضحت الصحيفة أنه “من بين أمور أخرى، هناك أزمة بخصوص النقاش حول (الغد) والغضب الكبير لغانتس وغالانت لعدم حدوث ذلك، فضلاً عن الخوف من تصريحات نتنياهو السياسية، على غرار المؤتمرات الصحفية الأخيرة”.
تأتي هذه الأنباء، بعد ساعات من تأكيد وسائل إعلام عبرية وأمريكية أنباء عن توتر داخل “مجلس الحرب” يهدد بانهياره. وقال المصدر لصحيفة “المونيتور” الأمريكية، إنّ أكثر ما يخيف نتنياهو في هذه الأيام هو استقالة بيني غانتس وزير الدفاع السابق، وغادي أيزنكوت رئيس الأركان السابق، من مجلس الحرب.
كما أفاد مصدر بالائتلاف الحاكم بأنّ عدم مناقشة نتنياهو خطوات ما بعد الحرب بمجلس الحرب كان نتيجة تهديد من بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية. وتحدثت تقارير عديدة عن خلاف متصاعد بين واشنطن وتل أبيب على خلفية رفض الأخيرة مناقشة اليوم التالي للحرب في غزة.
———————————————
“COUNTERPUNCH” 31/12/2023
طريق مسدود.. “إسرائيل” ضائعة في غزة
بقلم: دانيال بومونت
حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لم تتصدر أحداث غزة خلال السنوات الماضية عناوين الصحف في الغرب أو في “تل أبيب”، كما تفعل اليوم. كانت جولات المواجهة بين المقاومة و”جيش” الاحتلال قد أصبحت دورية ومتصاعدة على الدوام، لكن حلفاء الاحتلال الإسرائيلي، من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لم ينتبهوا كثيراً لهذه الأحداث، التي تقض أحوال الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، إلى ما لا نهاية.
لقد تحمل الفلسطينيون أكثر من نصف قرن من الاحتلال والقمع، فلماذا لا يتحملون نصف قرن آخر؟ هذا ما تفكر فيه وتفعله كل حكومات “تل أبيب” منذ معاهدة “كامب ديفيد” مع مصر عام 1978، إذ تواصل “إسرائيل” سرقتها التدريجية للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وتحويل غزة إلى سجن يضم 2.2 مليون فلسطيني، لغاية دفن هذه القضية خلف الأسوار، لكن بعد ذلك حدث شيء ما.
ففي 7تشرين الأول/ أكتوبر، انفجرت المظالم، من تلك القطعة الصغيرة من الأرض التي لم يكن يعتقد أي أحد في “تل أبيب” أو في أي مكان آخر أنها ممكنة. الصدمة في داخل كيان الاحتلال كانت كبيرة وبحجم الاستخفاف الإسرائيلي بالفلسطينيين بشكل عام. لاحظ صحافي إسرائيلي مؤخراً أن الإسرائيليين بمعظمهم ينظرون إلى الفلسطينيين مثل الأثاث الذي يمكن نقله في غرف معيشتهم.
حطمت “طوفان الأقصى” أولويات الولايات المتحدة وأوروبا في المنطقة. أحداث كثيرة خلال السنوات الست أو السبع الماضية طغت على القضية الفلسطينية. من الواضح أن الحرب في أوكرانيا كانت الحدث الأبرز. ولكن، حتى عندما تم إيلاء الشرق الأوسط الاهتمام، فإن التركيز كان على أمور أخرى: مثل إيران وتأثيرها في العراق، والتوترات في الخليج. كانت ثمة محاولات في السنوات الأخيرة للالتفاف على مسألة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وحصاره قطاع غزة. وتم تتويج ذلك بتباهٍ بـ”اتفاقيات أبراهام”. هذه الاتفاقيات – وهي من أعمال جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب – كانت بين ضحايا الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر.
أصابت عملية “طوفان الأقصى” بنية المنظومة العسكرية والأمنية للاحتلال الإسرائيلي، وضربت سمعة مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية التي لم تدرك ما كانت تحضره المقاومة الفلسطينية على قدم وساق. ولم يأخذ رئيس حكومة “تل أبيب”، بنيامين نتنياهو، بالتحذيرات من أن الانقسامات في الكيان الإسرائيلي الناجمة عن “الإصلاحات القضائية”، يمكن أن تشجع على هجوم من جانب حركة حماس أو حزب الله. لكن، يبدو أن الجنرالات الإسرائيليين ضيّقو الأفق، مثل نتنياهو الذي تتمثّل أولويته الأولى، كنظيره الأميركي، في البقاء خارج السجن.
ويفسر هذا الفشل وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة. لقد حاول نتنياهو و”الجيش” الإسرائيلي إخفاء فشلهم الهائل من خلال عرض هائل للقوة النارية التي لم تلحق ضرراً كبيراً بحماس بعد كل شيء. لو كانت لديهم معلومات استخبارية جيدة قبل “طوفان الأقصى”، على الأرجح مع تفوقهم الهائل في قوة النيران لكانوا قد منعوا ذلك.
كذلك، تضررت أجهزة المخابرات الإسرائيلية المتبجحة، “الشين بيت” و “الموساد” وغيرها، بشكل فادح. في “إسرائيل”، حاولت “تل أبيب” مقارنة عملية “طوفان الأقصى” بهجوم 11/9 على الولايات المتحدة، مع الفرق الصارخ بين الحدثين. وعلى الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة وتخبطها في الشرق الأوسط أسس تنظيم “القاعدة”، بيد أن أحداً لم يظن أبداً أن جورج دبليو بوش هو من صنع تنظيم القاعدة بشكل مباشر، لكن الأمر ليس كذلك مع نتنياهو، الذي راهن بحماقة على تقسيم الفلسطينيين في تمرير أموال الدعم لغزة، من أجل تعميق الفُرقة مع الضفة الغربية، وهذا يمكّن الليكود والأحزاب الإسرائيلية اليمينية الأخرى المعارضة لأي دولة فلسطينية من الادعاء بأنه ليس لديهم جهة للتفاوض معها، بينما تتوسع المستوطنات الإسرائيلية وتنتشر في جميع أنحاء الضفة الغربية.
الرئيس الأميركي، جو بايدن، يستمر بدعمه الأعمى لنتنياهو، بينما تتّهم الصحافة الإسرائيلية الأخير باستخدام الحرب كصورة فوتوغرافية لحملته الانتخابية المقبلة. ولا يزال العديد من عائلات الأسرى يعبّرون عن غضبهم منه، واستغرق الأمر منه 3 أسابيع من التحضيرات لمقابلتهم. ومن الواضح أنه أعطى الأولوية للهجوم الشامل على التفاوض على إطلاق سراح الأسرى مع حركة حماس، لأن الهدفين غير متوافقين. تحويل غزة إلى أنقاض لن يحررهم.
وكما لو أن سمعة “الجيش” الإسرائيلي لم تتعرض لأضرار كافية، قتل جنود إسرائيليون 3 أسرى فروا بطريقة ما بينما كانوا يلوّحون بعلم أبيض، حيث قُتل 2 بالرصاص على الفور، وفر الثالث إلى مبنى قريب حيث طارده وقتله الجنود فيما توسّل إليهم من أجل حياته باللغة العبرية. من الصعب التفكير في مثال أكثر وضوحاً على الغباء وعدم الكفاءة التي يتمتع بها هؤلاء.
أصبحت الولايات المتحدة “قلقة” بشأن عدد الشهداء المدنيين في غزة والذي تجاوز 20,000 فلسطيني معظمهم من الأطفال. لكن وزارة الخارجية الأميركية لم تحدد بعد “العدد المقبول” للضحايا المدنيين، بعد أن ظهر أن أكثر من 40٪ من القنابل التي أسقطتها “إسرائيل” على الأبرياء هي مما يسمى بـ”القنابل الغبية”.
يبدو أن حركة حماس مدركة، ولديها فكرة أفضل عما تفعله من “إسرائيل” أو الولايات المتحدة، وتتقن استراتيجية حرب العصابات المتمثلة في تجنّب المعارك الضارية، ووضع كمائن صغيرة ومتحركة ضمن شبكة نظام أنفاق مرن، يمكّن رجال المقاومة في النهار والليل من استغلال الأنقاض كتحصينات للتسلل والحماية مع معرفتهم بالمكان، على عكس “جيش” الاحتلال الذي يتخبط بالتكاليف العالية في أزقة غزة.
يجب ذكر اثنين من الآثار الجانبية الأخرى لعملية “طوفان الأقصى”. الأول هو حملة نتنياهو على المعارضة الإسرائيلية، إذ أقر الكنيست مؤخراً تعديلاً لقانون مكافحة الإرهاب يجرّم “الاستهلاك المنهجي والمستمر لمنشورات منظمة إرهابية”، مع عقوبة قصوى بالسجن لمدة سنة واحدة. وبعبارة أخرى، فإن الصحافي الذي يقرأ ببساطة البيانات العلنية لحركة حماس أو حزب الله، يمكن أن يلقى به في السجن لمدة عام، ويفترض تطبيق القانون استخدام برنامج التجسس الشهير “بيغاسوس” للشركة الإسرائيلية، الذي باعته للحكومات المستبدة في جميع أنحاء العالم لاعتقال المعارضين بحجة “مكافحة الإرهاب”.
بالفعل، بدأ تنفيذ القانون المذكور، وتم اعتقال مئير باروخين، وهو مدرس و”ناشط” إسرائيلي “يعارض الحرب على غزة”، وتم التحقيق معه بتهمة” الفتنة ونية ارتكاب الخيانة “، وأمضى أربعة أيام في الحبس الانفرادي قبل إطلاق سراحه. بالنسبة إلى الصحافيين، وخاصة الصحافيين الفلسطينيين، سيكون الوضع أسوأ بالتأكيد، في ظل حكومة توصف من قبل المنظومة الغربية بـ”الديمقراطية الوحيدة في المنطقة”.
حتى الآن، قتل الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة نحو 53 صحفياً بينهم 46 فلسطينياً، و 3 لبنانيين، و 4 إسرائيليين. فالهجوم على الأبرياء في غزة هو أيضاً اعتداء على المراسلين لأنهم يوثقون الهجوم على المدنيين. إن مقتل الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة على يد “الجيش” الإسرائيلي في العام الماضي يظهر أن “إسرائيل” لا تتردد في قتل الصحفيين لقتل القصص. وكانت الشهيدة أبو عاقلة قد قتلت برصاصة في رأسها من قبل قناص إسرائيلي بشكل متعمد، بحسب ما أكدته التحقيقات التي أجرتها جماعات غير إسرائيلية، بما في ذلك وزارة الخارجية الأميركية، إلا أنها استهدفت عمداً. وقاتلها لم يعاقب أبداً بالطبع.
أما الأثر الثاني للحرب على غزة، فيتمثل في تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. لقد انتهز المستوطنون الفرصة، بينما يركز العالم الخارجي على غزة، لزيادة هجماتهم على المدن الفلسطينية، ودخول المنازل، والاعتداء على الفلسطينيين، وحرق السيارات، وتدمير البساتين ويرهبون القرى الصغيرة وينجحون في كثير من الحالات في طرد جميع السكان من أجل محو القرى بالكامل. إذا كانت هذه الإجراءات تبدو مثل تلك التي قام بها النازيون في ثلاثينيات القرن العشرين، فذلك لأن المستوطنين يتمتعون بالتركيبة النفسية المجرمة ذاتها، التي “تبرر” أعمالهم الإرهابية وطرد الناس من مكان عاشوا فيه منذ دهور.
وزير المالية الإسرائيلي الحالي بتسلئيل سموتريتش، يدعو منذ سنوات إلى طرد الفلسطينيين من كل أنحاء فلسطين بما يسميه ب “الخطة الحاسمة”، دعا من خلالها إلى ضم الضفة الغربية بأكملها، وفي حال قاوم الفلسطينيون ف “يجب معاملتهم كإرهابيين وقتلهم”. وعندما قدم سموتريتش عرضاً علنياً لخطته سئل بعد ذلك عما إذا كان ذلك يعني النساء والأطفال أيضاً، أجاب “في الحرب لا شيء اسمه أمور إنسانية”، كما كان بالنسبة إلى الفاشيين لا حقوق لغيرهم.
في 6 الشهر الجاري طلب “الجيش” الإسرائيلي إجلاء أكثر من مليون فلسطيني إلى جزء صغير من جنوب قطاع غزة، وهي منطقة بحجم مطار هيثرو الإنكليزي. قد يعتقد البعض أن هذا الطلب لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، لكن يجب أن يؤخذ كذلك لأن الغاية الحقيقية لـ”تل أبيب” تقول للفلسطينيين لا مكان لكم في أي مكان في غزة، وإذا بقيتم فسوف تموتون.
وعادة ما ينظر في الغرب إلى عدد القتلى المدنيين من الفلسطينيين، على أنه نتيجة ثانوية لتجاهل “الجيش” الإسرائيلي القاسي للمدنيين في تصميمه على تدمير المقاومة كقوة عسكرية. لكن، هذا ليس هو الحال، ففي الواقع أن المدنيين هم أيضاً من أهداف الاحتلال.
في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، نشر موقع “972 بلس” مقالاً للصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام، تحت عنوان “مصنع للاغتيالات الجماعية”، عن القصف الهمجي على غزة. واعتمد أبراهام على مصادر مجهولة، أبلغوه عن مخالفات “الجيش” الإسرائيلي بناء على معلومات المخابرات الإسرائيلية، التي تقدم المباني السكنية والمدارس والجامعات والأسواق والبنوك كلها كأهداف عسكرية. فالفكرة هي أن قتل المدنيين والتدمير الشامل سيقود، كما يقول أحد المصادر، إلى الضغط على حركة “حماس”. هذه الفكرة المشكوك فيها تظهر فقط غباء نتنياهو وحلفائه من المستوطنين، كما يقول مصدر آخر مجهول في مقال أبراهام: “عندما تقتل فتاة تبلغ من العمر ثلاث سنوات في منزل في غزة، فذلك لأنه لم يكن من المهم أن تقتل، بل لأن ثمة ثمناً يستحق دفعه لضرب هدف آخر.
سبب آخر للأعداد المروعة من الضحايا هو استخدام “الجيش” الإسرائيلي لأنظمة” الذكاء الاصطناعي “لتحديد” الأهداف “وتجاهل عدد المدنيين المحيطين به فيما يسميه ضابط مخابرات متقاعد مصنع الاغتيالات الجماعية.
وهذه هي النقطة المركزية في مقال يوفال أبراهام: المدنيون الفلسطينيون هم هدف في الهجوم الحالي في غزة مثل حركة” حماس “، ما يجعل أي دعوة لـ”الجيش” الإسرائيلي ليكون أكثر دقة في استهدافه معدومة الجدوى. إنهم دقيقون في استهدافهم. لديهم مدنيون في مرماهم. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة إصدار بيانات سخيفة.
في منتصف الشهر الجاري قال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، عن الخرائط التي نشرها “الجيش” الإسرائيلي والتي تظهر الأحياء التي سيقصفونها:” هذا ما تقررونه أنتم وحدكم، ولو كنا مكانكم لفعلنا ذلك “. بطبيعة الحال، هذه إشادة كبيرة تأتي من قوة عسكرية إرثها الأخير هو الفلوجة والرمادي وبعقوبة في العراق.
في الماضي، كانت أي عملية للمقاومة الفلسطينية تسمح بقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين. لقد أصبح هذا 10 أضعاف أو 20 اليوم.
وفي 10 الشهر الجاري، قال متحدث باسم “الجيش” الإسرائيلي، “التركيز على الضرر في القصف وليس على الدقة”. وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت: “لقد خفضت كل القيود، سنقتل كل من نقاتل ضده. سنستخدم كل الوسائل، لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق. نحن نحارب الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقاً لذلك”. لا ينبغي أن تؤخذ الإشارة إلى “الحيوانات البشرية” على أنها تشير فقط إلى المقاومين. فكل من يعرف القادة الإسرائيليين يدرك أن هذا ليس بالأمر الجديد. مناحيم بيغن، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام لخداعه السادات في اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، أشار إلى الفلسطينيين على أنهم “على قدمين لكنهم ليسوا بشراً”. كذلك وصفت غولدا مائير الشهيرة التي تنتمي إلى حزب العمل، الشعب الفلسطيني بأنهم “صراصير”.”
الآن، تملأ الأمطار الغزيرة شوارع غزة، وتشعر منظمة الصحة العالمية والأونروا والعديد من الوكالات الأخرى التي تكافح لمساعدة الفلسطينيين في غزة بالقلق إزاء تفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض. ولكن من وجهة نظر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا آيلاند، الذي ترأس سابقاً مجلس الأمن القومي، أن هذا سيساعد إسرائيل على تحقيق النصر. وفي مقال له بعنوان “دعونا لا نخف من العالم” كتب، “يحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية خطيرة وأوبئة شديدة. يجب ألا نخجل من هذا. بعد كل شيء، الأوبئة الشديدة في جنوب غزة ستجعل النصر أقرب”.
في ظل كل ذلك الجنون والضياع، تبرز خلافات بين واشنطن و”تل أبيب” بشكل متزايد، مع استمرار الحرب بقرار حكومة نتنياهو التي ليس لديها خطة لما بعد انتهاء الحرب، وهذا خطأ فادح بنظر إدارة بايدن، إضافة إلى وضع نتنياهو وتحالفه الحكومي خطة حربية في غزة مشكلتها الوحيدة أنها غير معقولة التحقق.
مع ذلك، توصي وزارة الاستخبارات الإسرائيلية بالترحيل القسري والدائم لسكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وفقاً لوثيقة رسمية تم الكشف عنها بالكامل لأول مرة من قبل موقع “لوكال كول”.”
وأوصت الوزارة في تقريرها “بالحصول على مساعدة دولية” لتنفيذ عملية النقل هذه. تم ذكر مصر نحو 6 مرات في الوثيقة أهمها: يجب إنشاء منطقة بعدة كيلومترات في مصر، مصر ملزمة بموجب القانون الدولي بالسماح بمرور السكان. ”
هكذا يتبرع الإسرائيليون بهذه الوثيقة بسخاء بالأراضي المصرية لمخططهم المنافي للعقل، يمضون قدماً في النفاق المذهل للحديث عن التزام مصر بموجب القانون الدولي، الذي انتهكته “إسرائيل” كل يوم منذ إنشائها في عام 1948.
والخطة بسيطة، وفقاً لغيورا إيلاند، وهي تتلخص في “تهيئة الظروف التي تصبح فيها الحياة في غزة غير مستدامة. ستصبح غزة مكاناً لا يمكن أن يوجد فيه أي إنسان”
كذلك، إن مخططاً مماثلاً طرحه “معهد مسغاف” اليميني الذي يرأسه أحد المقربين من نتنياهو من حزب الليكود الذي قال: “الحل الذي نقترحه، لنقل الفلسطينيين إلى مصر، هو حل منطقي وضروري.
وبما أن هذه الخطط لغزة تتوافق بشكل جيد مع خطة سموتريتش لإخلاء الضفة الغربية من الفلسطينيين، يمكن الافتراض أنه وأولئك وبصرف النظر عن الإجرام المتغطرس لهذه الخطط، يظهر مدى انفصالهم جميعاً عن الواقع.
إن احتمال أن توقع الولايات المتحدة على مثل هذه المقترحات، وبالأحرى أي بلد آخر في العالم، يظهر مدى جنون وخبل اليمين الإسرائيلي. يقول نتنياهو، الهجوم” سيتعمق ويتكثف على غزة “. وفي الوقت نفسه، يتعرض بايدن لضغوط من موظفي وزارة الخارجية وكذلك الديمقراطيين في لجان الاستخبارات أو القوات المسلحة أو الشؤون الخارجية في مجلس النواب للحد من الهجوم الإسرائيلي، ما يوجب على بايدن أن يزن ما إذا كان دعمه الطويل غير المشروط لـ”إسرائيل” سيكلفه إعادة انتخابه. ويجب أن يعرف أيضاً أن هدفي نتنياهو، سحق المقاومة الفلسطينية واستعادة الرهائن، لا يمكن تحقيقهما، إلا من خلال وقف إطلاق النار والتفاوض.
ومن المرجح أن يؤدي الهجوم والقصف المكثفان إلى قتل الأسرى الإسرائيليين. وما مقترحات إغراق شبكة الأنفاق الضخمة التابعة للمقاومة بمياه البحر، إلا دليل آخر على غرق كيان الاحتلال وتخبطه في الأوهام.
لطالما كان بايدن خلال حياته المهنية يميل إلى التنازل عن” مبادئه “، لكن الوقت قد يأتي قريباً كي يفعل ذلك، خاصة عندما تتباعد السياسة الواقعية لمصالح الولايات المتحدة مع غوغائية الأهداف الإسرائيلية البعيدة جداً عن منطق التسويات الأميركي المعروف. ربما يأمل نتنياهو في فوز ترامب في عام 2024 ، على الرغم من أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية أيضاً، فترامب ليس لديه ولاء لأي شخص سوى نفسه.
بعد تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما عارضته الولايات المتحدة و”إسرائيل”، قال بايدن بوقاحة،” إن إسرائيل تدعمها معظم دول العالم “، مع أن التصويت ضد الولايات المتحدة و”إسرائيل” كان بأغلبية 153 صوتاً مقابل 10 فقط. فالعالم وفقاً لبايدن يتألف من النمسا والتشيك وغواتيمالا وليبيريا وميكرونيزيا وناورو وبابوا غينيا الجديدة وباراغواي. امتنع الحلفاء الأوروبيون الرئيسيون للولايات المتحدة عن التصويت بسبب الإحراج لا أكثر. الآن، يظهر يأس نظام نتنياهو في ادعاء وزير الدفاع يوافي غالانت الذي قال في اجتماع للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست إن “إسرائيل” تواجه” حرباً متعددة الساحات “من 7 جبهات مختلفة بما في ذلك غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران. وأضاف أن “إسرائيل ردت وتصرفت بالفعل على 6 من هذه الجبهات “. وفي الواقع، يريد نظام نتنياهو وغالانت مثل هذه الحرب التي من شأنها في حساباتهما أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.
أكاذيب نتنياهو و”الجيش” الإسرائيلي تصدح ب، “اليأس”. في 12 الشهر الجاري، أعلن “جيش” الاحتلال الإسرائيلي عن تأمينه الجزء الشمالي من قطاع غزة، إلى أن فضحته المقاومة الفلسطينية التي نصبت كميناً لوحدة عسكرية ما أسفر عن مقتل 10جنود إسرائيليين. والأهم من ذلك، كانت هناك كذبة مفادها أن حركة “حماس” لديها مقر تحت مستشفى الشفاء في مدينة غزة. لم يتم تقديم أي دليل على ذلك، ولم يجد مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” في 21 كانون الأول/ديسمبر أي دليل مادي يدعم حجج “إسرائيل” ومزاعمها، وما عرضه المتحدث العسكري الإسرائيلي يشبه عملاً لطفل في الثامنة من عمره.
ويبدو الآن أن عملية “طوفان الأقصى”، لم تغير “إسرائيل” فحسب، بل غيرت حسابات أقاليم المنطقة برمتها. و”إسرائيل” اليوم أكثر عزلة من أي وقت مضى. وردها الوحشي على “طوفان الأقصى” يزيد من عزلتها، بل يجعل المزيد من الناس في بلد يعدّ أقوى حليف لها، الولايات المتحدة يشككون في علاقة بلادهم معها.
لقد أوضحت عملية “طوفان الأقصى” شيئاً واحداً، هو أن الفلسطينيين لن يرحلوا. وقادة الاحتلال الإسرائيلي يخدعون أنفسهم في الاعتقاد بأن بإمكانهم حل الأمور بالتوحش العسكري.
إن الفكرة القائلة بأن الدول العربية المحيطة ستستقبل ملايين الفلسطينيين بعيدة كل البعد عن الواقع، بحيث يتعين على المرء أن يتساءل عن العالم الافتراضي الذي يعيش فيه وزراء نتنياهو وسكان المستوطنات بشكل عام. فمن المغرب إلى العراق، عاش المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب في سلام لعدة قرون. ولكن من المغرب إلى العراق أيضاً، تعدّ “دولة إسرائيل” كياناً صهيونياً للفصل العنصري زرعته قوة استعمارية في العالم العربي. ولقد كشف صعود اليمين المتطرف إلى السلطة في “إسرائيل” ما كان دائماً جوهر المشروع الصهيوني. يقول الناس من بروكلين في مدينة نيويورك، للفلسطينيين إنه ليس لهم الحق في الأرض التي عاش فيها أجدادهم منذ آلاف السنين. وقال عاما أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، “إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ستكون إسرائيل مختلفة يجب أن تختفي القيادة الحالية من حياتنا، لقد قادتنا بعيون مفتوحة إلى أفظع أزمة”.
هذه حقيقة بسيطة وصعبة حاول السياسيون الأميركيون والإسرائيليون تجاهلها لعقود. لا يوجد باب خلفي أو باب جانبي يؤدي إلى سلام بين العالم العربي و”إسرائيل” إلا وبوابته فلسطين. لقد كان حل الدولتين لفترة طويلة حلماً بعيد المنال. الضفة الغربية الآن مقطعة بالمستوطنات والجدران الإسرائيلية لدرجة أن الدولة الفلسطينية هناك ستبدو وكأنها أحجية. والمخطط الإسرائيلي لغزة في جعلها غير صالحة للسكن سيزيد من عنفوان الفلسطينيين وصمودهم في أرضهم، بينما الحل الأكثر واقعية والممكن الآن هو أن يعيش “الشعبان” معاً، في دولة واحدة حرة من النهر إلى البحر.
——————انتهت النشرة——————