
المطلوب: نصر واضح يداوي «فقدان الخوف من إسرائيل»!
بقلم: تسفي هاوزر
معنى إخفاق 7 أكتوبر ليس فقط في فقدان حياة نحو 1200 إسرائيلي بل أولاً وقبل كل شيء في خلق إمكانية لتغيير استراتيجي إقليمي جوهره فقدان الخوف من إسرائيل في الشرق الأوسط.
في أكتوبر 1973 انتهى الخيال الشرق أوسطي في أنه “يمكن إلقاء اليهود في البحر”.
في أكتوبر 2023، أشعل مسلحو التيوتا والـ آر.بي. جي من غزة من جديد خيال الكثيرين من بين نصف مليار مسلم يحيطون بدولة اليهود.
دولة أقل من 10 ملايين نسمة. مزيد فمزيد من الناس في المنطقة يعتقدون أنه حان الوقت للتوقف عن الخوف من إسرائيل. وهذه هي البشرى الأصعب من أحداث 7 أكتوبر.
في اللغة التحليلية يسمى هذا “تخوّفاً مؤكداً من انهيار الردع الإسرائيلي في المنطقة”.
هذا التخوف يقلّص مرونة إسرائيل بالنسبة لنتائج المعركة. إسرائيل ملزمة الآن بالنصر. نصر جلي. التعادل المتملّص سيشكل هزيمة خطيرة.
ينبغي أن يترسخ في القيادة الإسرائيلية الفهم بأنه لا يمكن الاكتفاء بعد اليوم بـ “إحساس النصر” لدى الجمهور الإسرائيلي.
التركيز يجب أن يكون على إحساس الملايين الذين يحيطون بنا. هناك يجب أن يكون كي وعي نصر إسرائيلي جلي.
محظور أن نبقي لأبنائنا وضعاً يكفون فيه عن الخوف منا في الشرق الأوسط.
مثل هذا الوضع سيجر عدم استقرار عضال، في نهايته سفك دماء بحجم هائل في المنطقة. من يريد السلام والاستقرار ملزم بأن يسعى إلى نصر إسرائيلي جلي في هذا الوقت.
إن مهمة النصر على حماس في غزة تصبح مركبة مع الانتباه إلى حقيقة أن الزعامة الإسرائيلية ترفض تنسيق التوقعات مع الجمهور الإسرائيلي ومع أصدقائنا في العالم. فالقيادة لا تحدد تقويض حماس بشروط دنيا قابلة للقياس أساسها، طرد باقي رجال الذراع العسكرية المتبقين على قيد الحياة من غزة، وتجريد غزة من السلاح الثقيل والاستيلاء على مناطق فصل أمنية لزمن طويل.
“تغيير الجبهة”
غياب تنسيق التوقعات يشدد ضغط الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. وقبل كل شيء يسهم في ضغط جماهيري وإعلامي لتقليص أهداف الحرب إلى تحرير المخطوفين بكل ثمن. مشكوك أن يكون نصر في غزة كافياً لإعادة الخوف إلى معادلة العلاقات السابقة بين إسرائيل والمحيطين بها. وبالتأكيد ليس نصراً كل جوهره يكون تحرير المخطوفين وخطوات بناء ثقة لإقامة دولة فلسطينية.
حتى كل من فكره في الثلاثين سنة الأخيرة يقوم على أساس فكرة الاستقلال الفلسطيني كعنصر جوهري في أمن إسرائيل لا يمكنه أن يتجاهل تداعيات إقامة دولة كهذه كنتيجة لهزيمة عسكرية إسرائيلية في غزة. فليس هكذا يرمم الردع، ليس هكذا يكون البقاء على قيد الحياة في الشرق الأوسط.
إذا أدى وحل الأنفاق الغزي، والضغط الأميركي ومسألة المخطوفين بالقيادة إلى الاعتراف بأنه لا توجد قدرة على عرض نصر جلي لهذه الجبهة، نصر يؤدي إلى تغيير استراتيجي في المنطقة، فعليهم النظر في إمكانية الانتقال إلى جبهة أخرى وترميم الردع الإسرائيلي عبر إزالة التهديد الاستراتيجي في لبنان. فمبادرة ونصر حيال واحدة من منظمات الإرهاب الأغنى والأقوى في العالم يمكنهما أن يعيدا الردع في المنطقة بعامة، وحيال المحور الإيراني بخاصة.
فلا يمكن أن تكتفي إسرائيل بإنجازات تكتيكية في الجبهتين، بينما يتمتع محور الشر بقيادة إيران بإنجازات استراتيجية هائلة ويواصل تثبيت تهديد يبنى باستمرار حول إسرائيل.
إسرائيل ملزمة بإزالة التهديد من الشمال وتفكيك مبنى القوة الذي بناه حزب الله في لبنان، وذلك دون أي صلة بالوضع في الجنوب، لكن دون نصر في الجنوب، فإن إنجازاً جوهرياً في الشمال يصبح أكثر أهمية بأضعاف.
واضح للجميع اليوم أن إزالة التهديد في الشمال ليست مسألة “هل” بل مسألة “متى”.
نحن مطالبون بإزالة تهديد ملموس وفوري يوجد في الشمال، وحذار أن نخطئ: انسحاب قوات الرضوان إلى خلف الليطاني لا يزيله.
تشويش الخطة الإيرانية
على إسرائيل أن تشوش الخطط الإيرانية لحرب كبيرة ومتعددة الجبهات في المستقبل ضدها، في موعد مريح لطهران وفي وقت تنضج فيه قدراتها. فانتظار الموعد الذي يقرر فيه الإيرانيون شن حرب متعددة الجبهات سيكون خطأً استراتيجياً يجبي أثماناً أعلى من أثمان المواجهة الحالية.
أكثر من أي شيء آخر، نحن بحاجة إلى إعادة الردع الإسرائيلي والخوف من ردع إسرائيلي قاطع. في غزة لم نحقق هذا بعد.
حرب أكتوبر يجب أن تنتهي بتغيير استراتيجي مثلما تعهد نتنياهو وغانتس في بداية القتال. الردع الاستراتيجي مهم اليوم أكثر من إنجازات أمن جارٍ أو من ثأر.
محظور أن يتصدى تلاميذ الصف العاشر، على حد قول غانتس حين يصلون إلى سن التجنيد لأداء ناقص من القيادة والجيش في الوقت الحالي.
لا يمكن الاكتفاء اليوم بأقل من النصر، على الأقل في جبهة واحدة. وإذا لم يكن يتوفر نصر في غزة، فقد حان الوقت لأن يعد الجمهور لمعركة في الشمال.
——————————————–
هآرتس 24/1/2024
لا معارضة بلا موقف من الاحتلال
بقلم: أسرة التحرير
مفهوم آخر تبناه بنيامين نتنياهو بحرارة وتفجر في 7 أكتوبر هو الوهم بأن السياسة الإسرائيلية يمكنها أن تتجاهل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
في السنوات الأخيرة شطبت كلمة “احتلال” من القاموس السياسي، بالتأكيد من جهة اليمين، لكن أيضاً من جهة أجزاء في الوسط وفي اليسار. لم يرغب أحد في أن يتسخ بمبادرات سياسية. وحتى كلمة سلام أخرجت عن الاستخدام.
يائير لابيد ويوجد مستقبل أقاما على أساس هذه المشاعر قوة سياسية ذات مغزى، وسار بيني غانتس في المعسكر الرسمي في طريق مشابهة وإن كانت لا تتبنى الضم والأحلام المسيحانية عن بلاد إسرائيل الكاملة، لكنها أيضاً لا ترفع علم حل الدولتين والحرب ضد الاحتلال.
ولم تتخلَ الأحزاب فقط في معظمها عن الكفاح ضد الاحتلال، بل إن احتجاج بلفور ابتعد عن التماثل السياسي اليساري كابتعاده عن النار، والاحتجاج الهائل والعادل ضد الانقلاب النظامي تفادى على نحو استعراضي التماثل مع الحرب ضد الاحتلال. وذلك رغم أن الدافع المركزي “للإصلاح” هو ضم المناطق، تعميق الأبرتهايد والتنصيص على التفوق اليهودي. في 7 أكتوبر أثبت الواقع أنه لا يهم كم تنكرنا للنزاع وتخيلنا مستقبلاً بلا الفلسطينيين – فإن المشكلة الفلسطينية هي المشكلة الإسرائيلية.
نظرية إدارة النزاع التي تبناها نتنياهو انكشفت ككذبة خطيرة أدت إلى مصيبة. إذا ما ثبت شيء ما في 7 أكتوبر فهو أن النزاع هو الذي يدير إسرائيل
وفقاً لاستطلاع جديد أجري بطلب من مبادرة جنيف بدأ الجمهور يبدي مؤشرات يقظة في الموضوع.
51.3 في المئة من الجمهور يؤيدون اتفاقاً بدعم الولايات المتحدة، يتضمن إعادة المخطوفين، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية مجردة من السلاح في الضفة الغربية وفي قطاع غزة والتطبيع مع إسرائيل.
الرئيس الأميركي جو بايدن هو الآخر يحاول أن يربط إسرائيل في مسيرة سياسية نهايتها حل الدولتين.
هو ليس الوحيد. فأمس كان هذا وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي الذي قال في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل: “العالم كله يقول إن المخرج الوحيد من المعاناة الحالية هو حل الدولتين. معارضة حكومة إسرائيل ذلك هي تحدٍ للأسرة الدولية كلها.
هذه الحرب لن تجلب لإسرائيل الأمن أو السلام. طالما تمنع الحقوق عن الفلسطينيين فإن أمن إسرائيل ليس مضموناً”. يجدر بأقوال وزير الخارجية الأردني أن تتغلغل في وعي كل من يحلم بقيادة المعارضة لنتنياهو، سواء أكان هذا غانتس، لابيد، يائير غولان أم يوسي كوهن.
المعارضة لنتنياهو يجب أن تكون معارضة لطريقه وفكره اللذين جلبا مصيبة على دولة إسرائيل. وهي ملزمة بالاعتراف بالاحتلال وبسعي شجاع نحو حل الدولتين.
——————————————–
معاريف 24/1/2024
معنى “دولة فلسطينية” حروب لا تتوقف!
بقلم: زلمان شوفال
لقد تصرف رئيس الوزراء بحكمة حين أراد تأجيل البحث في اليوم التالي للحرب.
إذ إنه في التسيب التسريبي القائم كان واضحاً أن الموضوع سيثير خلافات زائدة في وسط الحرب، لكن الدوافع السياسية الداخلية والدولية فعلت فعلها وها نحن نوجد في وسط دوامة في الموضوع.
فإدارة بايدن تدفع قدماً باقتراح يربط إعمار قطاع غزة بعد الحرب بإشراك مجموعة من الدول العربية وباستئناف مسيرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
في هذه اللحظة وإن كان الحديث يدور عن خطة للمستقبل، لكن في الطريق إليها تضغط واشنطن منذ الآن على إسرائيل لزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، دون اشتراط هذا بتحرير المخطوفات والمخطوفين، ما من شأنه أن يطيل القتال ويزيد المخاطر على جنودنا.
ولئن كان ما ذكر أعلاه موسيقى خلفية، فإن زيارة وزير الخارجية بلينكن الأسبوع الماضي عدة عواصم عربية، إسرائيل والسلطة الفلسطينية تضيف إلى هذا شرعية رسمية.
وكما أفيد تلقى الوزير من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومن زعماء عرب آخرين تعهداً بالمساعدة في إعمار غزة إلى جانب الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
للسعودية بالفعل توجد مصلحة في العلاقات مع إسرائيل لأكثر من سبب، لكن هدفها الأساس هو اتفاق أمني مع أميركا وذلك رغم التحسين الظاهر للعلاقات مع إيران.
كما أن السعودية طرحت تحفظاً اشترط العلاقات مع إسرائيل بمسيرة نحو إقامة دولة فلسطينية.
ينبغي الترحيب بإشراك دول عربية في إعمار غزة وبالسعي إلى تسويات إقليمية شاملة، وبخاصة بسبب تقدم إيران نحو سلاح نووي وأعمال وكلائها الإقليميين في أرجاء الشرق الأوسط.
لكن السؤال هو أي تسوية إقليمية، ويوجد بالطبع فرق جذري بين التطبيع في الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية في المستقبل وبين دولة فلسطينية الآن كشرط للتطبيع.
مقال في عدد «فورن أفيست» الأخير، وهي المجلة التي تعطي الصدى أحياناً لميول السياسة الخارجية الأميركية، عرض موقفاً واضحاً من المصالحة تجاه إيران بما في ذلك منحها دوراً في حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
في هذا السياق فإن تصريح وزير الخارجية بلينكن في القاهرة بأن دولة فلسطينية هي الطريق الأفضل لعزل إيران يعطي الانطباع بأن الإدارة تنظر إلى الشرق الأوسط عبر الجانب الآخر من المنظار، إذ إن دولة فلسطينية ذات سيادة («من البحر إلى النهر») ودون أن يعترف الفلسطينيون بشكل كامل، رسمي وأيديولوجي ليس فقط بوجود إسرائيل بحكم الأمر الواقع بل وأيضاً بحق الشعب اليهودي بدولة خاصة به (شرط طرحه الرئيس بايدن نفسه في حينه) معناها عروض لا تتوقف وخلق كيان سياسي وإقليمي آخر يخضع للنفوذ الإيراني على مسافة مئات الأمتار عن حدود إسرائيل.
المعركة في غزة هي بالفعل ذات معانٍ عالمية وإقليمية واسعة، حين يدور الحديث عن صراع بين المعسكر الديمقراطي والليبرالي بقيادة الولايات المتحدة وبين محور الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية وإيران، ولإسرائيل بالتأكيد مصلحة من الدرجة الأولى في حفظ قوة ومكانة أميركا الدولية وباستقرار الداخلية.
في «واشنطن بوست» وإن كان كتب أن الولايات المتحدة ستنتظر «اليوم التالي لنتنياهو»، لكن ما ليس أقل صلة وربما أكثر، هو بالنسبة لليوم التالي لبايدن.
اليوم تجرى انتخابات مسبقة في ولاية نيو هامشير تقرر المكانة الرفيعة لنيكي هيلي في السباق إلى ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، مكان رفيع لكن ليس الأول، لأن دونالد ترامب يتصدر بفارق واسع وإذا لم تضع المحكمة العليا حداً لترشيحه، فهو الذي سيتنافس ضد بايدن، وحسب الاستطلاعات لديه فرصة للفوز.
في إسرائيل يوجد من يتحمس لإمكانية أن يحصل هذا – إحساس مفهوم في ضوء خطواته في صالح إسرائيل في ولايته السابقة – لكن لعله من المجدي أن نذكر أنه بالنسبة للحرب في غزة والفظائع التي سبقتها، فإن ترامب الذي هو غير متوقع دوماً وإن كان أعلن أن «لديه ما كان هذا ليحصل»، دون أن يفصل، لكنه أضاف إن من الأفضل للولايات المتحدة أن تسحب يديها من كل الموضوع. كما أنه أعلن أنه يعارض عملية عسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ينبغي أيضاً أن نذكر بأن خطوات ترامب في دعم إسرائيل كانت على خلفية واقع سياسي معين في إسرائيل لا يوجد يقين أنه سيوجد في السنوات القادمة أيضاً.
يمكن الاختلاف مع بعض من الخطوات السياسية التي يخطط لها بايدن ويجب الصراع ضدها مثلما صارعنا بنجاح ضد خطوات لإدارات سابقة، لكن يجب عدم تجاهل وقفته الفورية والعملية إلى جانب إسرائيل بعد 7 أكتوبر، رغم الاعتراض في حزبه وفي أقسام واسعة من الجمهور.
حتى لو كانت وستكون لنا جدالات حول بعض من خطواته، فهذا لا يقلل من أخلاقية أفعاله.
من سيقررون في تشرين الثاني التالي ليس نحن بل الأميركيون ومهما كانت النتيجة فإن إسرائيل ستبقى تسعى قدر الإمكان لتنسيق المواقف مع حليفتها الاستراتيجية الأولى في العالم والذي يصبح أكثر خطراً.
——————————————–
هآرتس 24/1/2024
مقاومة الإغراء ستُمكن من تحقيق الإنجاز العسكري
بقلم: دانی اورباخ
في وسائل الاعلام تسمع مؤخرا اصوات كثيرة، بما في ذلك اصوات لمحللين )سابقين) وخبراء أمنيين تشكك في قدرة اسرائيل على استئصال حماس في القطاع. أحد الادعاءات يقول بأنه يوجد لحماس عدد اكبر من المقاتلين الذين قتلهم الجيش الاسرائيلي، وكيلومترات من الانفاق اكثر من التي دمرها الجيش. هنا يستل المنتقدون الحواسيب ويحاولون الاثبات بأنه من اجل تحقيق اهداف الحرب فان اسرائيل ستضطر الى القتال في القطاع لسنوات كثيرة، وبالتأكيد لفترة اطول مما سيسمح به الامريكيون والعالم. ويضيفون بأن الاقتصاد في اسرائيل ومنظومة الاحتياط لا يمكنهما الصمود امام حرب طويلة جدا. ولكن حتى لو وضعنا جانبا للحظة الثمن البديل، بالدم وبالأرواح، للخضوع لطلبات حماس فان الادعاءات المذكورة اعلاه تعاني من مشكلات حاسمة.
المشكلة الاولى، كما قلنا تكمن فى ارتباك في المفاهيم لدى الذين ينتقدون مفهوم “استئصال حماس”. هؤلاء يربطون معا على الاغلب ثلاثة ابعاد مختلفة وهي اجتثاث حماس كحكومة علنية واجتثاث حماس كمنظمة حرب عصابات واجتثاث حماس كفكرة ايديولوجية. صحيح أنه من الصعب تدمير فكرة منغرسة في مجتمع معين (حتى لو كان يمكن تحويلها الى هامشية مثل النازية في المانيا مثلا). ومن الصعب اجتثاث منظمة عصابات )حتى لو كان نمور التاميل فى سيريلانكا وبادر ما ينهوف في المانيا وايلول الاسود في الشرق الاوسط قد تم تدميرهم، في حين أن الجبهة الشعبية تحولت من منظمة مخيفة الى ازعاج هامشي).
لكن هدف حرب “السيوف “الحديدية” كما حددته الحكومة اكثر تواضعا وهو تدمير قدرة حماس العسكرية والحكومية ، أي اجتثاثها كحكومة علنية. هذه المهمة هي في الحقيقة معقدة أقل لاجتثاثها كفكرة أو كحركة عصابات، حتى لو كانت غير بسيطة على الاطلاق.
يوجد لذلك أهمية كبيرة. فالضرر الذي يمكن أن يتسبب به لنا تنظيم سري لا يشبه الضرر الذي يمكن أن يتسبب به لنا نظام معادي علني، الذي يدرب قوات نظامية بحجم اكبر؛ ليس حكم عمليات بين حين وآخر مهما كانت مؤلمة، مثل حكم هجوم حاسم بحجم على مستوى ألوية، مثل هجوم 7 اکتوبر. هجمات من هذا النوع التي تحتاج الى اعداد كبيرة يمكن أن يخططها فقط كيان عدو علني. لا يوجد لتنظيم ارهابي سري وينشغل طوال الوقت ببقائه القدرة والموارد من اجل تعريض للخطر أمن اسرائيل بهذه الدرجة من يشكك في ذلك يجب عليه فحص الى أي درجة تقلص خطر داعش في اللحظة التي تحول فيها من دولة ارهابية علنية الى تنظيم ارهابي سري.
المشكلة الثانية تكمن في فشل في التفكير الذي اسميه أنا “الفشل الخطي”. من يتوصل الى الاستنتاج بأن اسرائيل ستضطر الى أن تحارب لفترة غير معقولة من اجل تحييد جميع اعضاء حماس، استنادا الى احصاء عدد النشطاء الذين تقتلهم كل يوم من بين العدد الاجمالي لاعضاء حماس، ليس فقط يتجاهل عدد جرحى العدو الذين لن يعودوا مرة اخرى للقتال، بل هو ايضا يفترض بأن القضاء على جيش العدو هو عملية خطية من تقليل قدراته بوتيرة ثابتة.
عمليا، جيش العدو والمنظمات المسلحة غير مبنية بصورة خطية، بل كشبكة. وفي كل شبكة يوجد “مسؤولون” ونشطاء (ليس دائما كبار بل احيانا بمستوى متوسط( يربطون بين الاجزاء المختلفة ويجعلون جيش العدو يعمل كتنظيم في اللحظة التي يتم فيها تحييد عدد كاف من مقاتلي العدو، لا سيما اذا ازلنا من الطريق المسؤولين، فان التنظيم يبدأ في الانهيار كجيش منظم ويصبح مجرد ازعاج مسلح.
التجربة التاريخية تظهر أنه في حالات كثيرة يجب تصفية نحو 30 في المئة من القوة المقاتلة في وحدة معادية كي تتوقف عن العمل، وكي تبدأ في الانحدار نحو الانهيار. مع جيوش متعصبة مثل حماس أو الجيش الياباني في حينه، كانت حاجة الى تحييد نسبة اكبر ، لكن في كل الحالات لا يوجد أي تنظيم يواصل العمل حتى تصفية 90 – 100 في المئة من اعضائه في الحقيقة حماس استبدلت في السابق قادة كبار تمت تصفيتهم، لكن تحييد اشخاص معينين معا ومع ورثتهم (انظروا الى احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي( ردع في السابق حماس وجعلها تتوقف عن تنفيذ العمليات المسلحة. الحكومة في سيريلانكا هزمت نمور التاميل بواسطة استراتيجية تشبه المس المركز للمسؤولين الهامين في الشبكة.
نفس التحليل يسري ايضا على الانفاق. فبسبب أنها هي ايضا مبنية كشبكة فانه من الخطأ الافتراض أن كل متر هو مهم مثل أي متر آخر بالضبط. هناك انفاق اكثر استراتيجية، بالاساس الانفاق الرئيسية “المسؤولة” التي تحتفظ بالمنظومة التحت ارضية كشبكة عاملة وليس كمجموعة جنود مفرقين ايضا هناك نقاط يمكن للمس بها أن يحول اجزاء واسعة الى اجزاء غير قابلة للاستخدام، أي أنه لا حاجة الى الانتظار الى أن يتم تدمير كل الشبكة، بل يجب المس بالنقاط الاستراتيجية فيها من اجل تحييدها كشبكة.
هذا لا يعني بالطبع أنه يمكن ادارة الحرب في غزة “بالضربة القاضية” وانتهى الامر من اجل تحقيق الاهداف على رأسها اجتثاث نظام حماس، بل هناك حاجة الى الصبر، القدرة على الصمود وطول النفس. اذا صمدنا امام اغراء التنازل فى كل مرة تظهر فيها صعوبات، واذا استخدمنا ابداعنا من اجل حل المشكلات بدلا من استخدامها كذرائع للتنازل عن العمل، فانه يمكننا التوصل الى انجاز عسكري مهم، الذي سيغير الواقع الاستراتيجي في الجنوب بالطبع هناك حاجة ايضا الى العمل السياسي والتفكير باليوم التالي، لكن الحسم العسكري هو شرط ضروري لذلك. الصبر المطلوب من اجل تحقيق ذلك هو، فقط هو، سيكون المفاجأة الاستراتيجية لنا امام حماس.
———————————————
يديعوت أحرونوت 24/1/2024
اليوم التالي للضربة
بقلم: ناحوم برنياع
غادي آيزنكوت الذي كان السكرتير العسكري لارئيل شارون في بداية الانتفاضة الثانية، ذكّر زملاءه بما حصل في حملة السور الواقي، الحملة العسكرية التي اعادت للجيش الإسرائيلي السيطرة في معاقل المنظمات وأنهت الانتحاريين. وانا اقتبس أقواله من مصدر ثالث. فقد قال انه “كان للحملة مهمتان. تصفية العمليات وتقويض السلطة الفلسطينية. اليوم، بعد 22 سنة من الحملة، يوجد عمليات في يهودا والسامرة والسلطة الفلسطينية موجودة أيضا”.
ذكرى حملة السور الواقي تثور أحيانا في المداولات على الحرب في استديوهات التلفزيون. الحملة كانت بطولية. النجاح مبهر. خسارة أن المحللين يربطون بالحملة إنجازات لم تكن لها. حسب النشر الرسمي فان الحملة استمرت لشهر ونصف، في ربيع 2002. ثمة من يدعي ان الحملة استمرت سنتين؛ ثمة من يدعي بانها مستمرة حتى اليوم.
الاستنتاج واضح: في جولات الحروب في الساحة الفلسطينية لا توجد انتصارات مطلقة. خسارة انها لا توجد: إسرائيل والمنطقة كانتا ستخرجان كاسبتين لو كانت منظمة حماس تباد حتى الحماس الأخير. لكن احد الأمور التي تعلمناها في حروبنا هو أن من يدعي بانه سيحقق في ميدان المعركة اكثر مما هو قادر على أن يبتلعه ينتهي بمصيبة. لقد انتصرت إسرائيل على اعدائها بطريقة أخرى – بما فعلته بين الجولات. مثلما يذكرنا بين الحين والآخر توماس فريدمان، رجل الـ”نيويورك تايمز”، فانه عندما ضيعت المنظمات الفلسطينية الهدن بين الجولات على المقاتلين، الفساد، تنمية الكراهية وحفر الانفاق، بنت إسرائيل اقتصادا قويا، جيشا حديثا، ديمقراطية هائجة وحياة نزيهة. حماس انتصرت في 7 أكتوبر. ليس في هذا النصر ما تحسد عليه.
يوم الاثنين بعد الظهر تلقينا ضربة قاسية. الحدث الذي سقط فيه 21 مقاتلا وقع قرب الحدود، قبالة كيبوتس كيسوفيم. كانت هذه حادثة على هوامش الحرب: لم تكن لها صلة بالجهد العسكري الأساس، في غرب خانيونس. مثل كثيرين آخرين وجدت صعوبة في أن احتوى الاسى والغيظ حيال سقوط الجنود، وهو أساسا سقوط كان يمكن ظاهرا منعه. ومع ذلك اعرف ان هذه هي طبيعة الحرب. فالحروب لا تأتي مع بوليصة تأمين.
في الحروب التي تديرها دول ديمقراطية، فان ما يقرر هو ليس عدد القتلى في أوساط العدو بل عدد القتلى في أوساط قواتنا. هذا صحيح أيضا بالنسبة للحرب الحالية، التي عدالتها ليست موضع جدال. من زاوية معينة يبدأ الجمهور بإجراء حساب الثمن حيال الإنجازات، الكلفة حيال المنفعة. لا اعتقد ان عدد الشهداء في يوم الاثنين غير في شيء تأييد الشارع الإسرائيلي للحرب. لكن في نظرة للمستقبل فان للثمن أيضا يوجد معنى.
هكذا كان في لبنان: طالما لم يرتفع عدد الشهداء عن بضع عشرات في السنة كان بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان يحظى بتأييد جماهيري واسع. مصيبة المروحيتين في شباط 1997، قلب الجرة على فمها. الاحتجاج تصاعد، واهود باراك وبنيامين نتنياهو المرشحان لرئاسة الوزراء، اضطرا للتعهد بالانسحاب الى خطوط الهدنة (باراك انتصر في الانتخابات واوفى بوعده).
ما ينبغي ان يقلقنا في هذه المرحلة من المناوشات، في غزة وفي الحدود اللبنانية أيضا، هو الفجوة المتسعة بين فهم المستوى السياسي، فهم المستوى العسكري، توقعات الجمهور، الفهم الأميركي والواقع على الأرض. آمل أن اتناول بتفصيل أوسع هذه المسألة بعد يومين في ملحق السبت، لكني في هذه الاثناء سأطرح بضع نقاط باختصار.
نتنياهو يعد كل يوم بان تتواصل الحرب حتى النصر التام على حماس. هو لا يوضح ما هي طبيعة هذا النصر، واي واقع سيولده. دور المستوى السياسي هو تحويل الإنجاز العسكري الى اتفاق، الى مستقبل يمكن التعايش معه. اما نتنياهو فقد اعفى نفسه من المسؤولية عن المستقبل.
يشدد الجيش الإسرائيلي إنجازاته على الأرض: فككنا 17 كيبة لحماس. كل كتيبة لحماس تصل الى حجم لواء – ناقص في الجيش الإسرائيلي. الكتية الـ18 تقصف الآن في خانيونس. 24 كتيبة توجد لحماس بالإجمال. قتل حتى الآن 10 آلاف من مقاتليها (ثمة من يذكر عددا ادنى من ذلك بكثير ويدعي بأن ليس كل من ينتمي لحماس يعتبر مقاتلا). لكن قيادة حماس، أولئك الثلاثة أو الخمسة الذين يوجدون على رأس قائمة المطلوبين، ينجون وكذا المقاتلون ينجون ويعملون: الحرب حولت المنظمة من جيش منظم الى منظمة عصابات. لم تشلها ولم تهزمها، او لطفت حدة شروطها لتحرير المخطوفين. التوقعات في الجيش في هذا الموضوع لم تتحقق.
وبالأساس: بغياب قرارات في المستوى السياسي فإن الإنجازات العسكرية تتآكل. رفض نتنياهو اتخاذ قرارات بالنسبة لليوم التالي يعيد حماس الى الصورة ويودي بإسرائيل الى مواجهة قاسية مع الإدارة الاميركية ومع الدول العربية المعتدلة.
بغياب قرارات يفعل الجيش الإسرائيلي ما يمكنه حسب ما يراه. تقليص القوات في القطاع، ما يسمى المرحلة الثالثة، تمت دون تعليمات من الكابينت. لأحد ما في مكتب رئيس الوزراء قد يكون ما يزال أمل في ان يوفر القتال في غرب خان يونس صورة نصر سيكون ممكن التباهي بها. آيزنكوت، في المقابلة المشوقة التي منحها لايلانا دايان، أوضح بان بتقديره لن تكون صورة كهذه. كما أنه لن تكون هنا عنتيبة. اقدر بان هذا هو المزاج في قيادة الجيش الإسرائيلي أيضا.
مثلما ان عشية وقف النار الذي أعاد الى الديار بعض من المخطوفين، تحتاج إسرائيل لصفقة مثلما تحتاجها حماس تقريبا. لا توجد في هذه اللحظة صفقة: توجد فقط أفكار إسرائيلية غير ملزمة تهمس في آذان القطريين والاميركيين. ليتها تكون: فهي لن تعيد فقط المزيد من المخطوفين بل وستوفر أيضا للمستوى السياسي سلما ينزل عنه الى ارض الواقع.
———————————————
إسرائيل هيوم 24/1/2024
واجب أخلاقي لمواصلة الحرب
بقلم: غيرشون هكوهن
زار رئيس الأركان هرتسي هليفي الحدود قبالة كيسوفيم، في مكان سقوط المقاتلين الرائعين الـ21، واجمل باقوال حق جديرة بان تخط في ذاكرة الحرب. فقد شدد قائلا “خرجنا الى حرب بدأت بمحاولة وحشية بوقف الحياة ونحن مصممون اكثر من أي وقت مضى على أن نعيد الحياة الى هنا، وبقوة اكبر”.
الثمن باهظ اكثر مما يحتمل. لكن كل جنود الجيش الإسرائيلي في النظامي وفي الاحتياط، مستعدون لان يحملوا كل عبء واجب مواصلة الحرب. وهم يفعلون هذا بتصميم وبطولة لم أرَ لها مثيل منذ حرب يوم الغفران. في كل المعارك الضارية في جبهة قطاع غزة وفي الشمال يد جنود الجيش هي العليا. ومع ذلك، زعماء العدو من ايران، لبنان، قطاع غزة وحتى البحر الأحمر متمسكون بجهودهم لمواصلة الحرب. خيارهم المشترك في ذلك يدل التنسيق بينهم على عمق التهديد الوجودي الذي القيت فيه دولة إسرائيل.
يوم الجمعة الماضي قال نعيم القاسم، نائب امين عام حزب الله: “نستعد لهجوم قد يقع مع بداية وبلا نهاية”. على حد فهمي، قصد تهديد الهجوم الإسرائيلي ووعد رجاله محذرا إسرائيل بانهم مستعدون وجاهزون للتصدي في حرب بلا نهاية. الأعداء يوحدهم وعي الايمان الإسلامي وبقوته يقسمون على مواصلة الحرب بلا نهاية.
هذا جوهر التهديد الذي بتوجيه إيراني يقف امام دولة إسرائيل. هم يعرفون ان جنود الجيش الإسرائيلي يمكنهم ان ينتصروا في المعارك لكنهم ملتزمون وواثقون بقدرتهم على ان يمنعوا عن إسرائيل القدرة على جلب الحرب الى النهاية المرغوب فيها لها، بوضوح النصر والشرف.
بالذات لهذا السبب فان المجتمع الإسرائيلي مطالب هذه الأيام بعظمة أخلاقية، إضافة الى العظمة العسكرية. بعدان يختبران في الحرب الوجودية التي تواجهها إسرائيل الان: بعد عسكري تتواصل فيه كل نقطة لقاء بين الجيوش، وبعد روحاني – يجد تعبيره في الحصانة الشخصية لكل واحد، وفي الحصانة القومية لنا جميعنا معا.
اختبار المجتمع الإسرائيلي
في حرب الاستقلال، في اليوم الذي وصلت فيه النذر الشؤم من غوش عصيون وقبل لحظة من اعلان الدولة، شرح بن غوريون حجم الاختبار (“في قتال إسرائيل”، صفحة 107): “اذا كنا سنتلقى ضربات ولا أتصور اننا لن نتلقاها، فستكون قوتنا الأخلاقية قيد الاختبار. افترض ان الشعب سينجح فيه، لكن هذا سيكون اختبارا صعبا. واذا كنا نرى الأمور كما هي، فبرأيي نحن نقف امام معركة قاسية وعلينا أن نكون مستعدين لخسائر فادحة. بما في ذلك خسارة نقاط استيطانية، خسارة اشخاص وصدمات قاسية في الجمهور. لا أزال أتذكر الخمسة والثلاثين (سقوط حظيرة هلا). في حاظرتنا توجد قوات غنية، لكن هذا ليس محصنا، هذا أحد مواضع ضعفنا”.
هكذا كانت الأمور في العام 1948. وضعنا اليوم، والحمدلله أفضل في الابعاد – العسكرية، الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، وفي الأشهر الثلاثة من القتال أبدا الجمهور الإسرائيلي بالفعل قوة صمود.
ليس سهلا مواساة العائلات الثكلى واليتامى. في هذا سيختبر لاحقا المجتمع الإسرائيلي: في القدرة على أن يحتمل معا لسنوات طويلة أخرى واجب الدعم المتبادل، خلق المسؤولية الاهلية المشتركة.
حذار علينا أن ننسى ونعود الى أجواء الانقسام، التصدي الشخصي لكل واحد مع روحه. في هذا ستختبر في الأيام القادمة قدرة دولة إسرائيل على مواصلة الوجود كبشرى للشعب اليهودي في البلاد وفي الشتات. وفي هذه الاثناء الحرب يجب ان تستمر – بحكمة، بمثابرة وبايمان بالنصر الحتمي.
———————————————
معاريف 24/1/2024
الحكمة قبل الثأر
بقلم: أفرايم غانور
لا يوجد اليوم إسرائيلي – يهودي على وجه الأرض لا تشتعل فيه نار الثأر ضد حماس. الذين فاجأونا، أهانونا وآذونا بهذا القدر القاسي في 7 أكتوبر. هذا تاريخ سيرافقنا لاجيال كأحد الأيام الظلامية، السفلى والاليمة الأكبر في تاريخ إسرائيل.
وفي محيط الألم ومشاعر الثأر الذي يغرق في هذه الساعات شعب إسرائيل محظور علينا أن نفقد سواء العقل والعقل السليم. توجد لحظات في حياة الشعب مطالب فيها أن يكون حكيما وليس محقا فقط. وفوق كل شيء محظور علينا أن نقع في الفخ الذي يعده لنا اعداؤنا. فهدف اعدائنا في هذه الحرب هو استنزافنا. وذلك بعلم واضح بان هذا الاستنزاف يفككنا أيضا، حين يكون واضحا ومعروفا بان قوتنا في وحدتنا وضعفنا في تفككنا.
غير قليل من الخبراء، العباقرة، المحللين والمحذرين على الأبواب لا يكفون عن تحذيرنا هذه الأيام من أن وقف الحرب في قطاع غزة سيمس بانجازات الجيش الإسرائيلي، سيمنع إسرائيل من انهاء مهمة القضاء على حماس وسيمس بقوة ردع الدولة. ولاستكمال الصورة يدعون بانه محظور تعريض امن شعب إسرائيل للخطر بسبب المخطوفين.
ترهات. اكثر من 100 سنة ونحن نكافح هذا الهجمات، مع توقفات ومع ارتفاعات وهبوطات في هذا الكفاح. غير مرة كانت لنا إنجازات تركت إحساسا بالنصر الذي سيجلب الهدوء والامن. فهل هذا أوقف القتل؟ هل اختفى اعداؤنا في اعقاب هذه الانتصارات في ميدان المعركة؟ هل منعت تصفية كبار المقاتلين الجدد من أن يقفوا في وجهنا؟ ينبغي لنا أن نسلم بالواقع. طالما كنا نعيش هنا فاننا سنضطر ان نعيش على حرابنا.
في هذا الكفاح الخالد ينبغي لنا أن نكون حكماء، مصممين واقوياء اكثر من اعدائنا. الا نغرق في الغرور وفي التعالي، وبالاساس – الا نقع في الإخفاق الافظع كذاك الذي جلب علينا المصيبة في 7 أكتوبر.
ان إعادة المخطوفين هي جزء مهم لا يتجزأ من كفاحنا. مثلما يعرف كل جندي في الجيش الإسرائيلي بانه لن يترك جريحا في ميدان المعركة، هكذا ينبغي لكل مواطن إسرائيلي أن يعرف بان الدولة لن تتركه لمصيره في ايدي مقاتلين اعداء. وعليه فواضح ان انهاء هذه الحرب دون أعادة مخطوفينا سيكون فشل، اخفاقا يسجل علينا الى الابد.
بتسلئيل سموتريتش، ايتمار بن غفير وآخرون مثلهما، ممن لم يشموا ابدا رائحة رماد الحريق، جفاف الفم والعرق خوفا حين تكون تحت نار الرشاشات او الـ آر.بي.جي، يطالبان بحزم في جلسات الكابينت الأمني مواصلة الحرب بلا شروط – حتى النصر المنشود.
إذن لعناية كل المتحمسين والمسارعين الى المعركة: الجيش الإسرائيلي العظيم والقوي أيضا يحتاج الى مهلة زمنية، الى استراحة من هذه الحرب، بعد اكثر من ثلاثة اشهر. الجيش الإسرائيلي بحاجة الى الوقت كي يعيد احتساب المسار لمواصلة الكفاح ضد الهجوم الغزي، الذي لن نودعه بالسرعة التي ظنها غير قليل من الناس.
ان الدليل الأفضل على ذلك هو المصيبة في القطاع اول من أمس. هذا حدث يستوجب إعادة التفكير في مواصلة سلوك قواتنا في هذه الحرب الإشكالية. إحساس الثأر لدينا ضد حماس لن نتمكن من تلبيته من خلال القضاء التام عليها. فالعدد الهائل من الشهداء والجرحى، الى جانب صرخات النجدة لعائلات المخطوفين تجعل الثأر هامشيا، اقل أهمية في هذه الساعات.
اذا نجحنا في أن نعيد معظم مخطوفينا على اقدامهم واذا نجحنا – بمعونة الولايات المتحدة، مصر، قطر والسعودية، في أن نطرح في قطاع غزة حكما جديدا بدلا من حماس، فكفانا.
ان الثأر من يحيى السنوار، محمد ضيف وشركائهما في حماس يمكن تأجيله الى أيام أخرى. محظور ان ننسى بان قبل هذا الثأر ينتظرنا عشرات الاف النازحين في الجنوب وفي الشمال ممن يتطلعون للعودة الى بيوتهم وحقولهم وإعادة الحياة لهاتين المنطقتين من اجل المناطق التي لدينا.
———————————————
هآرتس 24/1/2024
فلندفع الثمن ونعيدهم
بقلم: أسرة التحرير
قبل بضعة أيام علم بموت ثلاثة مخطوفين آخرين في أسر حماس وعن تخوف متزايد على حياة مخطوف رابع. قريب عائلة المخطوف يوسي شرعابي من بيري الذي قتل في الأسر، قال معقبا على البيان عن موته: “صرخنا وصرخنا على مدى فترة طويلة جدا، وفي النهاية حصل بالضبط ما كنا نخافه أكثر من أي شيء”. الخوف الرهيب لعائلات المخطوفين على حياة أعزائهم محق بشكل لا مثيل له. كلما تلبثت إسرائيل في تحقيق صفقة سيرتفع عدد الموتى في قائمة الـ 136 مخطوفا محتجزين لدى حماس.
اضافة اعلان
رغم أنه في كل يوم يمر يثبت الواقع خلاف ما تقوله الحكومة فانها متمسكة بالخط الذي تبنته مسبقا في أن الضغط العسكري سيساعد في تحقيق صفقة مخطوفين. في حديث مع عائلات مخطوفين في بداية الأسبوع قال لهم وزير الدفاع يوآف غالنت انه “توجد مؤشرات أولى على أن الوصول إلى الأماكن الأكثر حساسية لحماس يقدمنا في تحقيق الهدفين الأعلى للحرب”.
غير أن الأحداث المأساوية هذا الأسبوع أثبتت بأن حماس بعيدة عن الشعور بالهزيمة. دليل على ذلك قدم أمس حين قال مصدر مصري لوكالة الأنباء “أ.ب” إن المنظمة رفضت اقتراحا إسرائيليا لوقف نار من شهرين ونفي كبار مسؤولي حماس من غزة إلى دول أخرى، مقابل تحرير المخطوفين.
في مقابلة مع برنامج “عوفدا” حطم الوزير غادي آيزنكوت هو الاخر الوهم الذي يحاولون تسويقه للجمهور في أن الجيش الإسرائيلي سيحرر المخطوفين من خلال حملة. “المخطوفون موزعون – في البعد التحت أرضي أيضا – بشكل يجعل الاحتمالية لذلك متدنية للغاية”، قال وأضاف: “اعتقد أن هنا يجب أن نقول بشجاعة إنه لا يمكن إعادة المخطوفين على قيد الحياة في الفترة القريبة القادمة بغير طريق الصفقة. وكل من يبيع آلاعيب للجمهور، فإنه يبيعهم آلاعيب”.
وبالفعل، يجب التوقف عن بيع الآلاعيب للجمهور وأساسا لعائلات المخطوفين. الآخرون يفهمون هذا وعليه فقد شددوا في الأيام الأخيرة خطوات الاحتجاج، سواء بالمظاهرات أمام منزل بنيامين نتنياهو أم في لجنة المالية للكنيست، حيث هتفوا نحو المشاركين في الجلسة “أنتم لن تجلسوا هنا بينما هم يموتون هناك”، “نحن لن نسمح لكم بالتنفس إلى أن يعود أبناؤنا”، و “أنتم اسمعوا لنا – لا توجد لجنة، لا توجد كنيست، يوجد موضوع واحد عليكم أن تعالجوه”.
في تلك المقابلة اعترف آيزنكوت بشجاعة بأن “كانت مرحلة في إحدى المداولات التي قلت فيها إذا لم يتحقق موضوع المخطوفين فإني أكون أخون منصبي وليس لدي ما أفعله هنا”. هكذا ينبغي ان يشعر كل الأعضاء في الحكومة. لا يكفي “جهود الوساطة للصفقة” او الاقتراحات المعروف مسبقا أنها لن تقبل. دولة إسرائيل تركت المخطوفين لمصيرهم، وعليها الآن إن توافق على أن تدفع ثمنا باهظا كي تعيدهم.
———————————————
معاريف 24/1/2024
لكمة في البطن
بقلم: ران أدليست
يفترض بالجيش والشعب ويجب عليهما أن يحتملا ضربة الشهداء ويواصلا أداءهما كما كان سابقا. المشكلة الرهيبة التي ترافق هذه الفرضية هي أن “الأداء كما كان سابقا” يستوجب قرار حكومة وكابينت كي يفهم الجيش إلى أين تسير وجهته؟ وهذا يمنعه رئيس الوزراء المدعوم أو المهدد من بن غفير أو سموتريتش. ليس صدفة أنه قبل نحو شهرين، قبل وقت طويل من موسم الأمطار الذي هو إشكالي في حرب العصابات حين يختبىء العدو بينما نكون نحن ظاهرين، طلب الجيش الإسرائيلي ويكرر الطلب اليوم أيضا من رئيس الوزراء أن يقرر سياسة اليوم التالي. ليس صدفة أن الجيش الإسرائيلي يدير الحرب بشكل مستقل من يوم إلى يوم دون أفق سياسية، لأن رئيس الوزراء يهتم بالبقاء والحكومة بالسياسة الصغيرة في أفضل الأحوال والتافهة في أسوأ الأحوال.
أمثلة الأيام الأخيرة مقرفة لدرجة أن استخدامها فقط كحاجة لشرح ما حصل هنا يدنس قدسية شهادة الجنود. وهكذا نكون وصلنا إلى وضع تكون فيه كل خطوة تفترض تفكيرا تتخذ بعد مصيبة الـ 21 صورة خطوة استسلام. هذه ضربة معنوية، ولإجل أن نواصل العض على الأسنان في الدولة والشعب بحاجة إلى زعامة ليست موجودة. وما نزال نحن ملزمون بأن نشير إلى مصدر المرض العملي الذي يسبب النزيف وأن نعيد تنظيم أنفسنا بما يتناسب مع ذلك. هذا ليس نزفا لا علاج له بالطبع لكن هذا نوع من اللكمة في البطن الذي يفترض دمج الجهد القتالي بالسياسي. وإذا كان رئيس الوزراء يمنع التسويات كي لا يبدو ضعيفا في نظر ائتلافه ويكون موضع ابتزاز من شركائه فإن الجمهور ملزم بأن يشخص مصدر المرض ويكافح ضده. الموضوعان الإشكاليان في هذه المؤامرة النازفة في غزة هما وضع القتال ووضع المخطوفين.
لقد قال رئيس الأركان هذا الأسبوع إن الضغط العسكري وحجه سيؤدي إلى تحرير المخطوفين. يحتمل أن يكون هو يعرف شيئا ما لا نعرفه نحن؟ في أنه يوجد احتمال للوصول الى السنوار شخصيا وإجراء المفاوضات معه من موقف جندي يقف على فوهة خندقه مع قنبلة يدوية معدة للانفجار؟
فهل يحتمل أني أكون أتخيل فقط بالنسبة لمراسلين ومحللين عسكريين أصواتا وآهات مخنوقة في هذا الاتجاه. وإلا فإن هذا سيكون مخادعة للجمهور في محاولة لتجنيده في صالح مطالب المستوى السياسي وكذا العسكري لمواصلة القتال. حتى متى؟ حتى يجلب لنا فتى وفتاة رأس السنوار على طبقة الفضة أو حتى يغلق بايدن الصنبور أو حتى يستسلم نتنياهو لمخطط بايدن ويتوقف عن الإعلان عن الحرب حتى النهاية ودولة فلسطينية ليست في ورديته، إعلانان ليس لهما أي صلة بالواقع ويستهدفان بقاء حكومته وبقاءه الشخصي.
لاحظنا يدير الجيش الإسرائيلي بشكل مستقل الحرب والسياسة اتجاه حماس ويعمل حسب توصيات بايدن واحتياجات القتال. فقد جاء إخراج القوات بتخفيف اكتظاظ الأهداف والسماح للمستوى السياسي لتحريك السياقات بتسوية اليوم التالي.
إذا لم يتحرك أي شيء ستبدأ عندها اللعبة الحقيقية التي تلامس التهديد الوجودي. الشمال، الجنوب والضفة بدفع إيراني. الطريق إلى إزالة الجمود هي من خلال بضع نواب من الائتلاف، أسوياء العقل ظاهرا ممن يفهمون بأن مصير إسرائيل منوط بعدد أيام القتال وبالمخزونات التي توجد لنا فيقومون بفعل ما أي أن يزيلوا لعنة الـ 64 ويفككون الحكومة.
———————————————
هآرتس 24/1/2024
الجيش يبحث عن “نقطة انكسار” وحماس تقضم “ذيله”: هل تتدحرج إسرائيل إلى “الصيغة اللبنانية”؟
بقلم: عاموس هرئيل
أمس كان اليوم الأقسى على الجيش الإسرائيلي منذ بداية العملية البرية في قطاع غزة. قتل في حادثة خان يونس ثلاثة ضباط من لواء المظليين النظامي نتيجة إطلاق “آر.بي.جي”، وقتل في حادثة أخرى 21 من جنود الاحتياط الآخرين قرب الجدار الأمني أمام مخيمات اللاجئين في الوسط. أصيب الجنود بانهيار مبنيين، بعد أن أصابت قذائف “آر.بي.جي” مواد متفجرة إسرائيلية في أحد المباني وإحدى الدبابات. وأصيب خمسة جنود أيضاً في الحادثة.
الأحداث كثيرة الإصابات وقعت في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يزيد الضغط على حماس في خان يونس ويوسع حجم العملية هناك لتصل إلى غرب المدينة أيضاً، وهي المنطقة التي لم تسجل فيها أي نشاطات برية إسرائيلية منذ بداية الهجوم على خان يونس قبل حوالي شهر ونصف. صباح أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استكمال محاصرة المدينة. ولكن الخسائر الكثيرة إلى جانب بطء صفقة أخرى لتبادل الأسرى بصورة قد تكلف حياة مخطوفين آخرين، يتوقع أن تزيد الخلافات في أوساط الجمهور بخصوص استمرار الحرب ضد حماس.
شاهدت إسرائيل في السابق هذا الفيلم في حرب لبنان الأولى وفي فترة المنطقة الأمنية في جنوب لبنان. والولايات المتحدة شاهدته، بحجم أكبر، في حرب فيتنام في نهاية الستينيات. النقاشات تنقسم بدرجة كبيرة حول خط الانكسار السياسي القديم بين اليمين واليسار. ادعاء اليمين الذي يردده رئيس الحكومة أيضاً هو أنه لا طريقة للتقدم إلا بضرب العدو. وبحسب هذه المقارنة، تتكبد حماس خسائر باهظة. وأمس، قتل عشرات من رجالها في المعارك، وإذا استمر الجيش الإسرائيلي في ضربها بشدة فستصل إلى نقطة الانكسار التي قد تؤدي إلى عقد صفقة أسرى معها بشروط أسهل.
في المقابل، يزداد لدى اليسار قلق على حياة المخطوفين مع شعور بإلحاحية، فبدون إطلاق سراحهم بسرعة، سيموتون في الأسر أو سيختفون. حتى الآن بُلغنا بموت بعض المخطوفين في كل أسبوع. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن 30 جندياً ومواطناً مخطوفاً من بين الـ 136 في عداد الأموات. العدد الحقيقي للقتلى ربما يكون أعلى. أمس في نقاش الكنيست، كشفت مخطوفات تم تحريرهن عن تحرش جنسي بالنساء اللواتي بقين في الأسر. نتنياهو ووزير الدفاع غالنت (اللذان لا يوافقان على أي شيء آخر)، يواصلان إعطاء وعود بانتصار مطلق على حماس. ولكن هذا الانتصار، كما كان معروفاً من البداية عندما نثرت الحكومة وعوداً عديمة المسؤولية في منتصف تشرين الأول، يتباطأ. في ظل غياب انتصار واضح، وبدون مشاهد استسلام قيادة حماس، فإن إسرائيل تجر مرة أخرى إلى بديل معروف للجيوش المتفوقة في مواجهات من هذا النوع – إحصاء جثث العدو.
هذا مخرج إشكالي لعدة أسباب: أولاً، تنتقل حماس بسهولة كبيرة من نمط العمل العسكري المنظم نسبياً إلى نموذج حرب العصابات لخلايا صغيرة. ثانياً، عدد الخسائر الذي ينشره الجيش غير موثوق، كما يعترف بذلك الضباط الكبار. ثالثاً، إذا كان هناك مورد في القطاع فهم الشباب الصغار اليائسون الذين يكرهون إسرائيل، والذين سيفرحون بملء الصفوف. فترة الأعداد المطلوبة في الأصل غير طويلة، جزء كبير من المصابين في المعارك مؤخراً كان بسبب صواريخ الـ “آر.بي.جي”. هذا سلاح غير دقيق، والفلسطينيون استخدموه بشكل كبير ضد إسرائيل في حرب لبنان الأولى في 1982، حينها جزء كبير ممن يطلقون هذه الصواريخ كان يطلق عليهم “فتيان الـ آر.بي.جي”، أبناء 14 – 15 فما دون.
مع ذلك، من يدعو لعقد صفقة لتحرير “الجميع مقابل الجميع” يدرك بأنها صفقة تنبع من واجب أخلاقي سام يعزز مكانة حماس في أوساط الجمهور الفلسطيني، وستصعب إبعاده عن مراكز القوة إذا كنا نأمل في الوصول إلى “اليوم التالي” في القطاع. خلافاً لفيتنام، فإن الحرب التي تديرها إسرائيل هنا لا تتعلق بدولة تبعد آلاف الكيلومترات، بل بجيران وراء الجدار، حيث يتحصن حكم متوحش سبق وأعلن قادته بأن لديهم نية كامنة لتكرار أعمال القتل على صيغة 7 أكتوبر.
وقود للاحتجاج
الجهود العسكرية في خانيونس التي تتركز في مخيم اللاجئين غربي المدينة، ربما تزيد الضغط على قيادة حماس من أجل العودة ومناقشة صفقة جديدة للتبادل، بعد انهيار الصفقة الأولى ووقف إطلاق النار المرتبط بها في 1 كانون الأول. الخسارة الكبيرة لعدد كبير من الجنود في يوم واحد، معظمهم من جنود الاحتياط وكثير منهم آباء لأطفال، ستؤثر بشكل سيئ على المعنويات القومية. على المدى البعيد، يجب رؤية إذا لم يكن لما حدث تأثير على روحية ما حدث أثناء القتال في لبنان – ترجيح الرأي العام لصالح حلول بديلة بدل استمرار القتال تحت كل الظروف. الخسائر الاستثنائية قد توفر الوقود لشعلة الاحتجاج – عائلات المخطوفين – التي تطالب بصفقة على الفور؛ وشعلة من يعارضون نتنياهو، الذين يطالبون بالإعلان عن إجراء الانتخابات الآن. يتولد الانطباع بأن الغضب العام لم يضعف بسبب إخفاقات حول شن الحرب، لكن في المقابل لم يشتعل إلى درجة موجة شعبية تعرض استقرار حكم نتنياهو للخطر. هكذا حدث في السابق، بالتدريج وببطء، في حرب يوم الغفران وحرب لبنان الأولى والثانية.
الادعاءات والاحتجاج بسبب مراوحة الحرب مكانها تزيد الانشغال باقتراحات موجودة على الأجندة حول صفقة تبادل ثانية. تسربت التفاصيل في البداية لوسائل الإعلام الأمريكية في بداية الأسبوع. منذ أمس، بعد أن زادت العائلات الاحتجاج، تم نشر تفاصيل أكثر في وسائل الإعلام الإسرائيلية. من المرجح أن الأمر يتعلق بمحاولة من نتنياهو كي يظهر للعائلات بأن هناك نقاشات جدية حول صفقة.
حسب التفاصيل، تتم مناقشة مبادئ صفقة على ثلاث مراحل، سيتم في إطارها إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين مقابل دفعة أولى تشمل “حالات إنسانية”، مرضى وشيوخاً ونساء؛ ثم دفعة ثانية تشمل مدنيين، ودفعة ثالثة تشمل جنوداً وأعضاء فرق طوارئ في المستوطنات (تسريبات من الوسطاء القطريين والمصريين تحدثت عن تقسيم مختلف قليلاً). إضافة إلى ذلك، يجري نقاش حول هدنة لشهرين أو ثلاثة أشهر، حيث تأمل حماس تحويلها إلى وقف كامل لإطلاق النار، ولكن إسرائيل ترفض التطرق إلى ذلك. وتم طرح موضوع تقليص قوات الجيش في مراكز السكان في القطاع أثناء تطبيق الاتفاق، ومسألة السماح لسكان شمال القطاع أو قسم منهم بالعودة إلى بيوتهم.
أسامة حمدان، أحد كبار قادة حماس الموجود في بيروت، نفى أمس تقارير تفيد بأن حماس تفحص خروج قادة حماس من القطاع إلى المنفى بعد وقف إطلاق النار. تم طرح الفكرة حقاً كما يبدو بين إسرائيل والوسطاء، لكن تصعب رؤية السنوار وجماعته وهم يقبلون مثل هذا الاقتراح، خصوصاً في وقت يعتقدون فيه أنهم ينتصرون في الحرب رغم الأضرار الفادحة التي تكبدها سكان القطاع. يبدو أن الفجوة بين الطرفين ما زالت كبيرة، لكن على الأقل يظهر أن الاتصالات قد تم استئنافها بصورة أكثر كثافة.
اقتصاد تسليح
في الساعات التي سبقت نشر بيان المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي عن القتلى صباح أمس، فقد نشرت وسائل الإعلام عن قتال شديد في القطاع. هذه صيغة شيفرة معروفة لكل مستهلك إسرائيلي للأخبار، وترمز إلى أن هناك أنباء سيئة في الطريق، ولكنها لم تصل بعد إلى عائلات القتلى. ولذلك، لم يتم السماح بنشرها. مع ذلك، هناك شيء ما مضلل في هذا وصف القتال الآن. عملياً، كما ذكر في السابق، حماس لا تواجه الجيش الإسرائيلي من خلال استخدام تشكيلات عسكرية كبيرة، بل تحاول قضم ذيل الجيش بخلايا عصابات صغيرة. يكفي حماس نجاح أو اثنان يومياً لخلق انطباع بوجود مقاومة شديدة. أمس، كانت محظوظة وتسببت بخسائر كبيرة.
نفس الحادثة يجب على الجيش الإسرائيلي التحقيق فيها بشكل جذري رغم استمرار القتال. الجنود الذين أصيبوا ينتمون لفرقة غزة، وقد انشغلوا في الأسابيع الأخيرة بمهمة إقامة منطقة أمنية، وتدمير منهجي للمنازل والحقول بمسافة كيلومتر عن الحدود داخل الأراضي الفلسطينية. وهذا ما كان يفترض أن تستخدم من أجله مواد متفجرة عسكرية، لكنها تفجرت وقتلت الجنود.
عندما نشرت أبعاد الكارثة، طرح الجمهور أسئلة، مثل: لماذا لم يتم تفجير البيوت من الجو؟ وهذا له أسباب أساسية: الأول أن الجيش وسلاح الجو يديران “اقتصاد تسليح” ويحاولان الرقابة على استخدام الذخيرة الجوية للحفاظ على احتياطي لمواصلة الحرب، لا سيما إذا اندلعت حرب شاملة في الشمال. الثاني أن القصف من الجو يؤدي على الأغلب إلى أضرار أقل من تفجير كميات كبيرة من الألغام على الأرض، وبعد ذلك تقوم الجرافات بإخلاء الأنقاض. لذا، هذه هي طريقة العمل المفضلة وإن كانت هناك حاجة إلى فحص هل تم اتباع وسائل الحذر المطلوبة لتخزين الألغام إلى حين استخدامها المخطط له.
———————————————
هآرتس 24/1/2024
الإطاحة بـ “الأحقر” وإطلاق سراح البرغوثي: هكذا نصيب حماس في مقتل
بقلم: ديمتري شومسكي
منذ شهرين ونصف تقريباً ونحاميا شترسلر يختم مقالاته في “هآرتس” بجملة صحيحة تصف شخصية وطبيعة بنيامين نتنياهو، “الشخص الأحقر في تاريخ الشعب اليهودي”. ولكن يتبين أن شترسلر يتفق مع هذا الشخص الحقير في نقطة واحدة. فشترسلر مثل نتنياهو، يعارض إعادة جميع المخطوفين بأي ثمن، بما في ذلك وقف الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة، بذريعة أن هذا يعني “تقديم انتصار ليحيى السنوار” (“هآرتس”، 16/1). صحيح أنه ليس فقط عبدة شخصية بيبي، بل أيضاً الكثير من المواطنين الإسرائيليين العقلانيين الذين يأملون في التخلص من الشخص الأكثر حقارة، يعتقدون أن إلقاء السلاح الآن يعني الهزيمة المهينة والتسليم باستمرار وجود المنظمة الوطنية الإسلامية القاتلة.
لكنهم مخطئون، العكس هو الصحيح. فاستمرار القتال وقصف غزة هو ما يوفر للسنوار صورة انتصار كاملة، فكلما زاد واتسع القتل والدمار في غزة، فإن العالم ينسى فظائع 7 أكتوبر، وتزداد باستمرار شيطنة إسرائيل في الرأي العام الدولي. إضافة إلى ذلك كل يوم آخر، الذي يموت ا فيه لمخطوفون الذين تم تركهم لمصيرهم في أسر حماس، يحطم الروح الوطنية اليهودية حول ضمانات متبادلة لشعب إسرائيل، الأمر الذي يزيد هزيمة المعنويات التي تسبب بها السنوار لإسرائيل في السبت اللعين. وبعد، لم نقل شيئاً عما بدأ يلوح في الأفق كبداية لـ “فتنمة” [من فيتنام] قطاع غزة – بدون شك هذا أحد الأهداف بعيدة المدى التي وضعها السنوار أمامه عندما خطط ليوم الإبادة الجماعية القاتل للإسرائيليين.
في المقابل، الامتناع عن القتال “كان يمكن أن يقرب الاجتثاث المأمول لحماس، أكثر من استمرار بقائها. تخيلوا أن بعد 7 أكتوبر على الفور، بدلاً من شن الحرب العادلة، لكن غير الحكيمة ضد الوحش الحمساوي، التي تحولت بسرعة إلى قتل جماعي للمدنيين الذين يتم استخدامهم كدروع بشرية ، أطلقت إسرائيل سراح مروان البرغوثي وعقدت سلاماً دولياً بمشاركة السلطة الفلسطينية الجديدة المعززة والسعودية ومصر وقطر ومعظم الدول الغربية، من خلال السعي لتبني مبادرة السلام السعودية بالصيغة المعدلة بدرجة معينة. كل ذلك مع وضع شرط لا يمكن تجاوزه، وهو إبعاد المنظمة القومية الإسلامية من غزة ومن قيادة فلسطين بشكل عام – إضافة إلى إطلاق سراح جميع المخطوفين على الفور.
المنطق يقول إن خطوة دبلوماسية قاطعة كهذه كانت ستشكل ضربة قوية تصيب قيادة حماس بصدمة قوية، وبعد ذلك، لأن عملاء الفوضى، روسيا والصين، كانوا سيضطرون إلى الانضمام لهذه الخطوة التي تعني تعزيز حل الدولتين، كان يمكن تشديد القبضة الدولية حول هذه المنظمة، الأمر الذي سيكون ناجعاً أكثر بكثير من أي ضغط عسكري.
رغم قتل أكثر من 25 ألف غزي، ما زالت هذه الخطة واقعية. أدرك بأن معظم الجمهور الإسرائيلي ستعتبرونها “خطة يسارية خيالية”، ولا توجد أدنى احتمالية بأن تتبناها القيادة الإسرائيلية في المستقبل المنظور. حتى الآن ما دام الأمر يتعلق بفكرة وقف القتال والانسحاب من قطاع الموت والدفع قدماً بصفقة تبادل للمخطوفين، بدون الإضافة “الخيالية” وهي السعي إلى عقد اتفاق سياسي، فإن أعضاء اليمين غير البيبي على استعداد، كما نقدر، للاقتناع بأفضليتها على استمرار التمرغ في وحل غزة، وكذلك الاعتراف بالإمكانية الكامنة فيها كي تجلب لإسرائيل الانتصار الحاسم على حماس على المدى البعيد.
إطلاق سلاح معظم السجناء الفلسطينيين أو جميعهم مقابل إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين سيسبب في الحقيقة للسنوار وعصابته الشعور بإخضاع “العدو الصهيوني”، وإن سحب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع ووقف النار سيعطي حماس فرصة لترميم قدرتها العسكرية. ولكن عقب مشهد الانتصار المزيف هذا، ستدخل حماس إلى حالة نشوة أكبر من التي أصابت إسرائيل بعد حرب الأيام الستة، نشوة تنطوي على الغطرسة والعمى. إسرائيل لن تجلس مكتوفة الأيدي، بل ستستخلص الدروس من فشل السبت اللعين ومن الإخفاقات الاستراتيجية التي سمحت به. وستقوم بعملية فحص داخلية شاملة على مستوى التخطيط والتنفيذ على حد سواء، وستعد ضربة عسكرية مفاجئة وقاتلة توجهها لغزة الحمساوية في الوقت المناسب.
الطريق إلى الانتصار من هزيمة مثل هزيمة 7 أكتوبر تمر بالضرورة من خلال الاعتراف بالهزيمة، وبالطبع تصحيح مسبباتها. الحديث يدور عن تقوية النظم الأساسية، الأمر غير الممكن بدون التوقف لفترة عن المعركة العسكرية. من هنا فإن وقف القتال ليس هو ما سيعيد المخطوفين، بل قد يوفر الظروف الضرورية لتحقيق الانتصار العسكري في المستقبل. التصحيح الأول الذي سيتم بعد توقف الحرب على الفور من أجل السماح بخلق هذه الظروف سيكون بالطبع إقصاء الشخص الأكثر حقارة في تاريخ الشعب اليهودي عن قيادة الدولة. وبالتالي، هذا الشخص يسوق دائماً كذبة مفادها أن وقف إطلاق النار يعني الاستسلام لحماس. من المؤسف أن هناك من هم مستعدون لتصديق هذه الكذبة حتى في أوساط الذين يدركون حقارته.
———————————————
ألان غريش ينتقد تواطؤ الإعلام الفرنسي والغربي مع الإبادة الجماعية في غزة
“القدس العربي”: تحت عنوان: غزة.. مرافقة إعلامية غربية للإبادة الجماعية؛ كتب الصحافي الفرنسي المخضرم والمعروف ألان غريش، في افتتاحيته الأخيرة بموقع “أوريان21 ” الذي يديره، أنه منذ فترة وجيزة، لم يكن الإعلام الغربي حذراً إلى هذه الدرجة. ولم يكن أحد يتردد في إدانة الغزو الروسي، أو يخطر على بال أحد أن يتحدّث عن “العملية الروسية الخاصة”، إلا من باب السخرية. أما اليوم، فقد ترسّخت العبارة الإسرائيلية التي تتحدّث عن “الحرب بين إسرائيل وحماس” لدى جميع وسائل الإعلام، وكأنها حرب بين طرفين متساويين يواجهان بعضهما البعض، أو كأن معظم الضحايا ليسوا من المدنيّين، بل يتبعون كتائب القسام.
وأضاف الكاتب أن المصطلحات المستخدمة في الصحف قد تختلف ولكن يتم في أغلب الأحيان وصف حركة حماس بأنها “منظمة إرهابية” – للتذكير، فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما الوحيدان اللذان يعتبرانها كذلك – هذا التوصيف يبرّئ إسرائيل مقدماً من كافة جرائمها: أليس كل شيء مسموحا به في مواجهة الشر المطلق؟.
حتى بعد أن رُفع الستار عن الأكاذيب، لم يعتقد أي فريق تحريري أنه من الضروري الاعتذار على المساهمة في الترويج للدعاية الإسرائيلية
وتابع غريش أن الغربيين يعلمون التوجّس الذي رافق أرقام الوفيات التي أعلنت عنها وزارة الصحة في غزة، والتي تُقدّم إلى اليوم في الإعلام الغربي مصحوبة بعبارة “بحسب حماس”، والحال أن الأرقام الحقيقية هي بلا شك أكثر من ذلك بكثير، نظراً لعدد الأشخاص الذين لا يزالون تحت الأنقاض. وقد تم تنسيب طريقة تعامل إسرائيل مع الرهائن الفلسطينيين، حيث يتم تجريدهم من ملابسهم وإهانتهم وتعذيبهم، وكأن مجرّد ورود إمكانية انتمائهم إلى حماس يبرّر هذه المعاملة. من ناحية أخرى، انتشرت الأخبار الكاذبة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول حول بتر أحشاء النساء، أو قطع رؤوس الرضع أو حرقهم في الأفران، لأنها حظيت بتأييد – أو نُشرت من قبل – المسؤولين الإسرائيليين. وحتى بعد أن رُفع الستار عن هذه الأكاذيب، لم يعتقد أي فريق تحريري أنه من الضروري الاعتذار على المساهمة في الترويج للدعاية الإسرائيلية.
في فرنسا، يحظى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بمنبر في القنوات الإخبارية، وعندما يقرّر صحافي القيام بعمله على أكمل وجه واستجوابه دون أن يتماهى مع خطابه، يتم استدعاؤه وتوبيخه من قبل إدارته. في الأثناء، بالكاد يتم الإشارة إلى التصريحات العنصرية الصارخة التي تصل إلى حد التحريض على الكراهية أو العنف ضد منتقدي الجيش الإسرائيلي، ناهيك عن كون الصحافيين من أصول عربية محلّ شبهة واتهام بـ“الطائفية” إذا تجرّأوا وقدّموا قراءة أخرى للأحداث، يشير الكاتب.
وفي حين ترفض إسرائيل دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة – باستثناء أولئك الذين يقبلون بـ“اصطحاب” الجيش في “جولة”، الأمر الذي فعله العديد من المراسلين دون أدنى انتقاد لما يفرضه عليهم الجيش الإسرائيلي من شروط – قليلة هي الأصوات التي احتجّت على هذا الحظر. فعلاً، بالكاد تحرّك أصحاب المهنة ضد اغتيال 110 صحافيين فلسطينيين، وهو رقم استثنائي لم نشهده في أي حرب حديثة. ماذا لو كان هؤلاء المراسلون أوروبيين؟ الأدهى من ذلك هو أن منظمة “مراسلون بلا حدود” تحدثت في تقريرها السنوي الصادر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن مقتل “17 صحافيًا [فلسطينيًا] أثناء ممارسة عملهم”، وهو تصريح تم تداوله في عديد وسائل الإعلام الفرنسية. علاوة على الرقم، كيف لهذه المنظمة أن تتفوّه بهكذا تصريحات، ونحن نعلم أن إسرائيل تستهدف الصحافيين عمداً، في غزة والضفة الغربية، كما جرى مع اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة؟. ولا ننسى الزميل وائل دحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، الذي فُجع مرّة أخرى باغتيال نجله في 7 يناير /كانون الثاني، بعد أن استهدف صاروخ إسرائيلي السيارة التي كانت تنقله مع زميله مصطفى ثريا في رفح، جنوب القطاع.
بالكاد تحرّك أصحاب المهنة ضد اغتيال 110 صحافيين فلسطينيين، وهو رقم استثنائي لم نشهده في أي حرب حديثة
في الحقيقة، ندين بمعظم الصور التي تصلنا لهؤلاء الصحافيين الفلسطينيين، يقول ألان غريش. وعلى الرغم من أن بعضهم عمل بالفعل في الماضي كـ“منسق” لصحافيين فرنسيين، إلا أن الإعلام الفرنسي ينظر إليهم كمشتبه بهم لا لشيء إلا لأنهم فلسطينيون. في الأثناء، يتم الاستماع إلى الصحافيين الإسرائيليين، الذين يتبنّون في معظمهم سردية الجيش الإسرائيلي، باستثناء موقع “972+” أو بعض صحافيي “هآرتس”.
وتابع الكاتب القول “شهدنا في الأيام الأخيرة نقاشات سريالية في محطات الإذاعة والتلفزيون، حول مقترحات تهجير الفلسطينيين إلى الكونغو أو رواندا أو أوروبا، دون التذكير والإصرار على أننا نتحدّث عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن من يقترح هذه الأفكار يجب أن يُحاكم على هذا الأساس”.
على الرغم من أن بعض الصحافيين الفلسطينيين عمل بالفعل في الماضي كـ“منسق” لصحافيين فرنسيين، إلا أن الإعلام الفرنسي ينظر إليهم كمشتبه بهم لا لشيء إلا لأنهم فلسطينيون
وفق الأمم المتحدة، أصبح قطاع غزة “مكانا للموت وغير قابل للسكن”. في كل يوم تأتينا الأخبار حول تفاقم عدد القتلى (أكثر من 24 ألفا)، والجرحى (أكثر من 61 ألفا)، وقصف الهياكل الطبية، والإعدامات بإجراءات موجزة، والتعذيب على نطاق واسع، وتدمير المدارس، والجامعات، والمنازل. حتى إنشاء مصطلح جديد “قتل المنازل” للإشارة إلى هذا التدمير المنهجي للبيوت. لكن نادراً ما تكون هذه الجرائم موضوع تحقيقات صحافية في فرنسا. من شأن المذكرة التي قدمتها جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي أن تمنح وسائل الإعلام مادة كافية لنشر أكثر من سبق صحافي، وأن تمنح الضحايا (وليس فقط ضحايا 7 أكتوبر/تشرين الأول) وجهًا واسمًا وهوية ـ وأن تُجبر إسرائيل والولايات المتحدة – التي تسلح تل أبيب دون أن تنبس ببنت شفة – وكذلك الدول الغربية الأخرى – خاصة فرنسا – على مواجهة مسؤولياتها. إذ لا يكفي إنزال بعض الإمدادات بالمظلات على السكان المحتضرين، أو التعبير عن “القلق” من خلال بيان رسمي.
واعتبر ألان غريش أننا نشهد للمرة الأولى إبادة جماعية على الهواء مباشرة – حرفيًّا – عبر قنوات إخبارية عربية أو شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما لم يحدث لا في رواندا ولا في سريبرينيتشا. وأمام هذه الإبادة، فإن تناسي ما يجري في غزة وإبعاده من العناوين الأولى للصحف ليصبح خبراً ثانويًّا أمر مثير للقلق. والحال أن الصحافيين، بقدر الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يتحملون مسؤولية أخلاقية للتعبئة لوقف هذه الجريمة المتواصلة.
لتجنب التواطؤ في الإبادة الجماعية، يمكن لفرنسا أن تساعد في وقفها من خلال تعليق التعاون العسكري مع إسرائيل، وفرض عقوبات ضد الفرنسيين الذين يشاركون في الجرائم في غزة
ورأى الكاتب أنه لتجنب التواطؤ في الإبادة الجماعية، يمكن لفرنسا أن تساعد في وقفها من خلال تعليق التعاون العسكري مع إسرائيل، وفرض عقوبات ضد الفرنسيين الذين يشاركون في الجرائم في غزة، وتعليق حق المستوطنين في دخول أراضيها، أو حتى تعليق استيراد البضائع الإسرائيلية، خاصة وأن بعضها يأتي من المستعمرات وبالتالي يتم تسويقه بما يخالف القرارات الأوروبية.
وذكّر ألان غريش أنه في أعقاب هجوم روسي على بلدات أوكرانية خلّف نحو ثلاثين قتيلاً، دانت الحكومة الأمريكية “هذا القصف الرهيب”، في حين أدانت الحكومة الفرنسية “استراتيجية الإرهاب الروسية”. ونشرت صحيفة “لوموند” عنواناً رئيسيًّا حول “حملة الإرهاب الروسية”. فكم يجب علينا أن ننتظر من الوقت لنرى الحرب الإسرائيلية على غزة تُصنّف كإرهاب؟، يتساءل ألان غريش.
———————————————
نتنياهو يرتكب خطأ فادحا برفضه حل الدولتين
افتتاحية – (إندبندنت عربية) 21/1/2024
إذا كان ما يزال لدينا أي شك في معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية لمبدأ حل الدولتين، فقد بدده بنفسه بشكل مفاجئ وواضح. وكان رفض نتنياهو لحل الدولتين بعد أشهر من الدبلوماسية الهادئة والدعم الذي قدمته إدارة الرئيس بايدن بمثابة إهانة.
* * *
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو واحد من قلة قليلة من القادة في العالم الذين تعود خبرة توليهم منصب رفيع المستوى إلى القرن العشرين.
كان نتنياهو قد انتخب ليشغل منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية أول مرة في العام 1996. وقد عايش عن قرب مبادرات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي ظهرت واختفت (والتي كان هو مسؤولًا بشكل شخصي عن إفشالها)، بالإضافة إلى الانتفاضات الفلسطينية، والعمليات العسكرية التي نفذت وحققت نتائج متفاوتة من النجاح، وبالإضافة إلى الأحداث القاسية، مثل تلك الهجمات التي نفذتها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) حركة “حماس”.
طوال كل تلك المدة، كان نتنياهو صريحاً في كلامه -حتى أنه تخطى الصراحة في بعض الأحيان. ولكنه قال بعض الأشياء بالغة الأهمية، أو التي كان توقيتها سيئاً للغاية، تماماً مثل رفضه الأخير فكرة إقامة دولة فلسطينية على أسس جيدة كدولة مستقلة للفلسطينيين، أو “حل الدولتين” -وهو المبدأ الذي كان قد شكل الأساس الذي استندت إليه السياسة الخارجية الأميركية لحل هذا الموضوع. ويبدو رفضه هذا، الذي يأتي بعد أشهر من الدبلوماسية الهادئة والدعم الذي قدمته إدارة الرئيس بايدن الأميركية، بمثابة إهانة، ولعله كان يقصد أن يكون كذلك أيضاً من الأساس.
ربما كان نتنياهو مستاءً من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أو حتى من الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، بسبب مواصلة مناشداتهم له بضبط النفس. ولذلك قام بإزاحة الضغوط التي تمارس عليه وصرح بما كان واضحاً ولفترة طويلة: أنه يؤمن بأن إسرائيل لا بد أن يكون لديها حق السيطرة الأمنية على كل الأراضي التي تقع غرب نهر الأردن، وهو ما يشمل أي أراض يمكن أن تشكل الكيان المستقبلي للفلسطينيين.
قال نتنياهو: “يعتبر ذلك شرطاً أساسياً، وهو يتعارض مع فكرة السيادة [الفلسطينية]. ماذا يمكن أن نفعل في هذه الحالة؟ أنا أفصح عن هذه الحقيقة لأصدقائنا الأميركيين، لقد أوقفتُ المحاولات لفرض واقع علينا من شأنه أن يضر بأمن إسرائيل”.
أدت فورته الكلامية هذه إلى صدور تأنيب أميركي مباشر من البيت الأبيض، الذي أوضح وبشكل كان لا بد منه: “ليس هناك أي طريق آخر لمواجهة تحديات إسرائيل بعيدة المدى ولضمان أمنها الدائم، كما أنها ليست هناك أي وسيلة للتعامل مع التحدي على المدى القريب لإعادة إعمار قطاع غزة، وتشكيل نوع من أنواع الحكم في غزة، وتوفير الأمن في القطاع، من دون إقامة دولة فلسطينية”.
لكن السيد نتنياهو كان قد أوضح، من خلال تصريحاته، حقيقة موقفه، وأدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالعلاقات مع واشنطن -وهو ضرر يُعتد به.
لقد تحدى السيد نتنياهو، ومن دون أي سبب وجيه، أقوى حليف لإسرائيل وبصورة علنية -وهو الحليف الوحيد الذي في حال مواجهة إسرائيل أي أزمة وجودية يمكنه وحده حماية دولة إسرائيل من أعدائها الكثيرين. وكان موقفه مسيئاً وينال من احترام أميركا وصورة صارخة للتحدي. وقد يثير هذا الموقف غضب الدول العربية التي نجحت إسرائيل في التوصل إلى سلام معها، وتلك التي كانت، حتى موعد إطلاق “حماس” الحرب الحالية، على وشك توقيع معاهدات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
قد لا يكون في مصلحة إسرائيل تنفير كل من مصر والأردن والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أو أي من جيرانها الآخرين -لكن هذا كان بالضبط ما اختار السيد نتنياهو أن يفعله، ببساطة. وقد فعله بلامبالاة مطلقة. لا شك أن أعداء إسرائيل سيصبحون أكثر تصميماً، وسينظرون إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنها دليل إضافي على عدم إمكانية إقامة دولة فلسطينية بشكل عادل ومتساوية الحقوق طالما بقيت في إسرائيل حكومة يرأسها نتنياهو.
بطبيعة الحال، ثمة حقيقة غير مريحة وراء إصرار السيد نتنياهو. ويعود السبب إلى عدد المستوطنات غير الشرعية المنتشرة على أراضي الضفة الغربية، التي تمت إقامتها على مدى عقود من الزمن، إضافة إلى الخروق الإسرائيلية الأخرى، مما يجعل من مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، أمراً غير قابل للتحقيق، مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق -فيما الأوضاع في غزة غنية عن التعريف.
كثيراً ما لجأ السياسيون الغربيون -وبكل صدق نظراً لسهولة الأمر- إلى الحديث عن مبدأ حل الدولتين كسبيل لعدم مواجهة المشكلات الآنية والمباشرة التي تقع في الإقليم، مثل المجاعة التي يمكن أن تضرب غزة حالياً. ومراراً وتكراراً، تحول مبدأ حل الدولتين أيضاً إلى شماعة يتمسك بها الأطراف بدلاً من العمل أو تقديم الأفكار الجديدة.
ومن الواضح أيضًا أن الحكومات الليكودية المتعاقبة، مثل التي ترأسها نتنياهو، هي صاحبة اليد الطولى في السماح بقيام المستوطنات غير الشرعية، التي كانت قد عملت على ضرب المحاولات السابقة لتحقيق حل الدولتين بشكل واقعي. لكننا إذا وضعنا شكوكنا جانباً، فيبقى أن الواقع والعوامل على الأرض التي من شأنها تحديد ما إذا كان سيمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يتعايشا في المستقبل كدولتين ذاتي سيادة، قد تغيرت بشكل راديكالي منذ، لنقل، زمن اتفاق أوسلو.
على الرغم من ذلك، وتماماً كما وصف رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل الديمقراطية بأنها أسوأ أنواع الحكم بصرف النظر عن الأنواع الأخرى، فإن حل الدولتين يبقى الحل الأقل سوءاً، والأكثر واقعية.
ويبقى حل الدولتين أهم مما يطرحه نتنياهو الذي يتحدث عننوع من وضع الأراضي المحتلة تحت شكل من أشكال الحماية الإسرائيلية. وحتى لو نجح الإسرائيليون في العثور على فلسطينيين يكونون مستعدين لإدارة هذا النوع من المستعمرة، إلا أن ذلك الكيان الفلسطيني سيكون فاقداً الشرعية، وسيكون غير قادر على منع (الإرهابيين) من مهاجمة الإسرائيليين من دون توقف.
يقول السيد نتنياهو أنه يريد أن تكون إسرائيل آمنة، لكن إدارته للحرب في غزة وآخر طروحاته حول شكل التسوية السلمية قد تأتي بنتائج عكسية، حتى لا نقول أكثر من ذلك. إن “خطته” تمثل ما يعتبر حرباً متواصلة تتخللها وقفات لإطلاق النار بدوافع إنسانية بشكل مرحلي. ولن تكون إسرائيل دولة آمنة لشعبها وتربطها علاقات سلمية مع الدول المحيطة بها.
قد ينتظر السيد نتنياهو ليرى ما إذا كان دونالد ترامب سيعود إلى البيت الأبيض، ولذلك يتلاعب في تعامله مع السيد بايدن. وتبقى أفكار السيد ترامب المتعلقة بمستقبل المنطقة، ومن دون مبالغة، أكثر إهانة بالنسبة للفلسطينيين من الأفكار التي يحملها السيد نتنياهو.
الأمل الوحيد المتاح على صعيد السياسة المحلية الإسرائيلية هي أن السيد نتنياهو لن يبقى طويلاً على رأس السلطة بعد انتهاء الحرب في غزة. وكما نلاحظ، فإنه لم ينجح في الإفراج عن الرهائن بعد، كما أنه لم ينجح في تحقيق النصر في الحرب، وهو بالطبع لن يكون الشخصية التي ستحتاج إليها إسرائيل لتحقيق السلام.
يمكن للسيد بايدن أن يذكر نتنياهو بهذه الحقائق في المرة المقبلة التي يتحدثان فيها، والأفضل أن يكون ذلك الحديث غير علني.
———————————————
النظام الصحي النفسي في “إسرائيل” متهالك.. فكيف سيكون بعد الحرب؟
تقرير في “هآرتس”، يتحدث عن واقع النظام الصحي في “إسرائيل” المتهالك، ومخاطر ارتفاع مخاطر هذا الأمر مع زيادة الطلب لدخول المستشفيات والمراكز النفسية بسبب الحرب.
في أواخر سنوات الأربعين من عمرها، وجدت الإسرائيلية، تالي، نفسها في تفشي حاد لمرضها اضطراب ثنائي القطب. وتتذكر قائلة: “طلب ضباط الشرطة الذين رأوني أتجول في ملابس النوم في الشارع، سيارة إسعاف، ومن هناك انتهى بي المطاف في مستشفى للأمراض النفسية – 11 يوماً في شاعر مناشيه”.
تصف تالي التجربة التي مرت بها آنذاك، قبل حوالي ست سنوات، في مستشفى الأمراض النفسية بالقرب من برديس حنا كركور، بأنّها “كابوس مستمر لا أتمناه لأي شخص”، وقالت: “كانت المشاهد والأصوات هناك فظيعة. لم تستطع النساء التوقف عن الصراخ حولي في حالة من الذعر. صرخات رعب. كنت لا أزال محظوظة – لم يكن هناك سوى فتاتين أخريين في الغرفة معي، وكانتا متوازنتين نسبياً. لكن التجربة بشكل عام كانت صعبة للغاية”.
أمضت تالي، وهي مساعدة قانونية سابقة، أيامها في مستشفى “شاعر مناشيه”، في قراءة حقوقها كمريضة. وبفضل ذلك، كما تزعم، تمكنت من إطلاق سراحها بعد 11 يوماً فقط.
قالت: “كل يوم كان هناك ترتيب للغرف، وكانت هناك أوقات للعلاج التشغيلي – لكن في معظم الأوقات لم نفعل أي شيء. تجولنا. كنا ندخن السجائر عندما يسمح لنا. لم تكن هناك علاجات فردية أو جماعية، والوحيد الذي رأيته هو الطبيب النفسي. وافقت على الحقن التي تلقيتها بدافع الخوف. رأيت كل يوم كيف تم تقييد النساء الأخريات لإعطائهن حقنة بالقوة، وكنت مهددة بذلك أيضاً. لكن صرخات الرعب هذه لا تغادر رأسي. في مرحلة ما شعرت أنه فقط من هذا قد أصاب بالجنون”.
الجهاز غير مستعد للمرض النفسي الذي ستخلفه الحرب
بين الاضطرابات داخل أسوار “شاعر مناشيه” – أكبر مستشفى للمرضى النفسيين في “إسرائيل” – والهدوء المنبعث من 740 دونما خضراء تقع فيها، هناك فجوة لا يمكن تصورها تقريباً. يتم نقل نحو 430 مريضاً إلى المستشفى هناك. ربعهم مرضى عنيفون، نُقلوا إلى المستشفى بأمر من المحكمة بعد جرائم جنائية خطيرة ارتكبوها، بما في ذلك العنف الشديد والاغتصاب والقتل.
هناك جملة تقال للمرضى في مستشفيات أخرى: ‘إذا تصرفتم بشكل سيء، فسوف نرسلك إلى شاعر منشيه”. وبعد ست سنوات، وفي الوقت الذي يسلط فيه الضوء على نظام الصحة النفسية الضوء في أعقاب الحرب، من الواضح أنّ مشاكل نظام الاستشفاء للصحة النفسية لم تنته بالتأكيد، وأنها عميقة الجذور وواسعة وعميقة.
في غضون ذلك، يتم الشعور بآثار الحرب بشكل رئيسي في زيادة المكالمات إلى غرف الطوارئ النفسية وعيادات الرعاية المجتمعية.. هناك عبء هائل، انفجار مجنون في الاتصالات.
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفقاً لمديري المستشفيات، لم يتغير كثيراً الضغط على نظام الاستشفاء النفسي – الذي استوعب نحو 24200 إسرائيلي في سنة 2022 وحدها. ويقولون إنّ آثار الحرب محسوسة بشكل رئيسي في زيادة المكالمات إلى غرف الطوارئ النفسية وعيادات الرعاية المجتمعية، التي تدير بعضها المستشفيات نفسها.
على أرض الواقع وفي وزارة الصحة، تشير التقديرات إلى أنّ الزيادة في الطلب على علاج الصحة النفسية ستبقى بشكل رئيسي في المجتمع – لكن نظراً لمحدودية قدرة الجهاز على توفير استجابة سريعة وجيدة، قد تصل نسبة كبيرة من الحالات إلى المستشفى. يقول مسؤول إسرائيلي: “عندما تكون الاستجابة الأولية غير كافية ولا يتم توفيرها في الوقت المناسب، تكون فرص تدهور الأعراض والمرض أعلى – وكذلك فرصة الوصول إلى المستشفى”.
ويضاف إلى ذلك المخاوف في وزارة الصحة بشأن تفاقم الأعراض لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية سابقة أو تفشي أمراض صامتة، في ضوء الحرب.
ووفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2023، تحتل “إسرائيل” المرتبة الرابعة في معدلات الانتحار أثناء أو بعد الاستشفاء النفسي.
نقص ما لا يقل عن 900 موظف
جهاز الاستشفاء النفسي، مثل جهاز الصحة النفسية بأكمله، كان يتضور جوعاً لسنوات. أينما نظرت، فإن الوضع صعب. البنية التحتية في معظم مستشفيات الأمراض النفسية قديمة ومتهالكة، وصيانتها منخفضة، والعنابر مكتظة، والمستشفيات تعاني من نقص حاد في القوى العاملة، كما تعاني من انخفاض جودة الرعاية للمرضى في المستشفيات وظروف الاستشفاء، إلى زيادة حالات العنف وحتى الانتحار.
ووفقاً لتقرير لجنة نظام الاستشفاء في الصحة النفسية في إسرائيل، الذي نشرته وزارة الصحة في سنة 2022، هناك نقص لا يقل عن 900 موظف في جهاز الاستشفاء النفسي.
وأشار تقرير إلى انخفاض شروط الأجور، وارتفاع أعباء العمل، وتآكل القوى العاملة، مما يجعل من الصعب ملء الوظائف في نظام الاستشفاء النفسي. وإلى جانبهم، يصف التقرير نقصاً في المعالجين، وخاصة أطباء الطب النفسي، والذي من المتوقع أن يزداد سوءاً في السنوات المقبلة مع تقاعد العديد منهم. كل هذا، يضعف قدرة مستشفيات الأمراض النفسية على توفير الرعاية المثلى للمرضى – أو توفير العلاج على الإطلاق.
وتقول إسرائيلية التي أدخلت المستشفى بعد محاولة انتحار، إنه خلال أسبوعين من العلاج في المستشفى، “كل ما فعلوه معي هو إعطاء الحبوب وتغييرها. لم تكن هناك محادثات مع علماء النفس أو الأطباء النفسيين ولا جدول أعمال. كان علي أن أبحث عن نفسي ليلاً ونهاراً، عندما كان كل ما أريده هو الموت”.
ويقول مديرو المستشفيات إنه منذ بداية الحرب، تم تجنيد أكثر من ربع موظفيها المهنيين الهزيلين بالفعل في الاحتياط، إلى جانب العديد من حراس الأمن. في بعض الأماكن، تتدخل الفرق الطبية في مكانها، بحيث بالإضافة إلى العبء المعتاد الذي تواجهه، فإنها تتطوع وتجند للخدمة في فرق مؤقتة عند الطلب.
“في جناح مغلق، الاكتظاظ يساوي العنف”
وبصرف النظر عن النقص المستمر في العمال ومقدمي الرعاية، فإن أجنحة مستشفيات الأمراض النفسية مكتظة ومثقلة بالأعباء، والاكتظاظ يفاقم العنف.
وقال البروفيسور غيل سالزمان، مدير مركز غيها للصحة النفسية في كلاليت إنّه “في الجناح المغلق، الاكتظاظ يساوي العنف – بين المرضى، أو بين المرضى والموظفين.. وقد رأينا هذا في السنوات الأخيرة مع حالات الإصابات الخطيرة، والموظفين الذين خرجوا بإعاقات، وحتى القتل”.
توصية المعيار الأوروبي هي أنّ أجنحة الطب النفسي لديها 18 سريراً كحد أقصى وتضاعف عدد الموظفين. في “إسرائيل”، يبلغ عدد الغرف العادية 34 سريراً – وعملياً هناك 45 مريضاً. هذا يعني أن الناس ينامون على الأرض وعلى أسرة قابلة للطي. فيما يتعلق بالقوى العاملة، نحن نتحدث عن اثنين أو ثلاثة من الممرضين والممرضات في جناح متوسط في نوبة ليلية. يمكن أن تكون طالبة وامرأة حامل تعتني بـ 45 مريضاً، بعضهم عنيف وخطير.
——————انتهت النشرة——————