بعد أسابيع من استشهاد زوجها أمامها وأمام أطفالها في واحدة من جرائم الإعدام الميداني التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تفاصيل المأساة وواقع الحياة الصعب بفعل الحرب الدامية تؤرق الفلسطينية علا صالح.
كان الفلسطيني عماد أبو زيد، يحاول الاقتراب من زوجته وأطفاله لبث الطمأنينة في نفوسهم بعدما اقتحمت قوات الاحتلال المدرسة التي لجؤوا فيها في حي غزة، عندما أعدمته قوات الاحتلال الإسرائيلي أمامهم، ليسقط على الأرض، واستكملت جريمتها بتصفية اثنين من أصدقائه عندما حاولا مساعدته.
تفاصيل الجريمة
خِيام النازحين في رفح.. حياة بائسة ومعاناة تتضاعف
وقائع مروعة لجريمة بشعة وقعت في 21 نوفمبر الماضي، تكشف تفاصيلها زوجة الشهيد، متذكرة بمرارة كيف فقدت رفيق دربها، دون أي مبرر بفعل إجرام الاحتلال.
صباح ذلك اليوم، جاء بعد أسبوع عانى فيه النازحون في مدرسة بنات تل الهوى الإعدادية بغزة، معاناة شديدة من عدم توفر الماء والطعام، فقد فوجئ الجميع باقتحام دبابات الاحتلال مدرسة أم القرى، وسرعان ما اقتحمت إحدى الدبابات المدرسة الثانية بعد تدمير جدارها.
تتذكر علا صالح ما حدث: تجمعنا جميعا وبشكل سريع ككتلة واحدة ووقفنا على أحد جدران الصفوف. حضنت بناتي وأنا أرتجف، ووجوههن تحولت إلى اللون الأصفر وابنتي الصغيرة تبكي، والأخرى وضعت يديها على وجهها وجسدها يرتجف، وجنود الاحتلال ينتشرون في المدرسة.
أراد الاقتراب من أطفاله فقتلوه!
تضيف: كان زوجي بجانبي فأراد التقدم خطوات بسيطة للوقوف أمامنا كنوع من الحماية لنا، فأطلقوا النار المباشر تجاهه فأصيب بثلاثة أعيرة نارية أدت إلى استشهاده على الفور، وفق شهادتها التي نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وتابعتها وكالة سند للأنباء.
لم تحتمل علا المشهد الدامي، فانهارت وبدأت بالبكاء وحاولت أن تضع يديها على عيون بناتها وابنها حتى لا يروا هذا المشهد الرهيب.
أما ابنتها الكبرى زينة، 17 عاما فقدت الوعي، فأمسكتها إحدى النازحات خوفا من أن تسقط على الارض وبدأت بإيقاظها.
إعدام من حاول المساعدة
تتابع في سرد تفاصيل الجريمة: تقدم اثنان من أصدقاء زوجي وهما أبو أحمد الحمارنة، وعلي الودية باتجاه زوجي لإسعافه، فأطلق الجنود عليهم النار ليسقطا فوق زوجي واستشهدا على الفور.
حاول ابن الشهيد، يحيى، 19 عاما، التوجه إلى والده الملقى على الأرض، لكن الشباب أمسكوا به خوفا من إطلاق الاحتلال النار عليه هو الآخر.
تقول: في تلك الأثناء كنت أود الصراخ بصوت عالٍ والنحيب على المصاب الذي أصابني أنا وأبنائي، لكن صوتي لم يخرج وبقيت واقفة في مكاني أحتضن بناتي بقوة.
اعتقال الابن
القتلة من جنود الاحتلال لم يكترثوا لما حدث، وبدؤوا ينادون عبر مكبرات الصوت بخروج النازحين من المدرسة، وعلى مدخلها من الخارج فصلوا الرجال عن النساء وكان ابنها الوحيد الوحيد كان مع مجموعة الرجال، وطلبوا منهم التوجه إلى الشارع الفرعي، المؤدي إلى وزارة الداخلية في حي تل الهوى.
تضيف: نحن النساء طلبوا منا رفع أيدينا والسير لعدة خطوات ومن ثم المكوث على ركام بعض الأبراج التي دمرت، منها البرج الذي كانت تسكن فيه وغادرتها بفعل القصف لتشاهده الآن مدمرا بالكامل.
كانت المنطقة موحشة جدا وجثث الشهداء ملقاة بالشوارع، والدمار في كل مكان، وفق علا، التي تشير إلى أن الجنود طلبوا منهم الوقوف ورفع أيديهم والسير باتجاه حي الزيتون، ورفضوا السماح لهم بأخذ أغراضهم من المدرسة.
استمرت زوجة الشهيد وطفلاتها مع أخريات السير مدة تزيد عن 4 ساعات، وهي تبكي حرقة على زوجها الذي تركته ملقى على الأرض ومعرض لأن تنهشه الكلاب، والقلق على ابنها الذي تركته معهم لا تدري ماذا سيفعلون فيه.
تقول: بدأت الأفكار تدور في رأسي .. هل سيعدمونه ؟؟، أم يعتقلوه ويعذبوه؟؟ حتى وصلنا إلى حي الزيتون تحديدا إلى مدرسة المجدل، وبقينا داخل المدرسة مدة أربعة أيام.
معاناة النزوح
تتذكر بمرارة تلك الأيام: كنا ننام على بلاط المدرسة، وتبرعت إحدى النازحات التي كان معها القليل من النقود بإحضار صحن رز يوميا من أحد الباعة المتجولين خارج المدرسة، وكل واحدة منا تأكل ملعقة فقط.
وتشير إلى أنها في اليوم التالي تلقت اتصالا من ابنها يحيى الذي أخبرها أن الاحتلال ألقاه عاريا، إلا من ملابسه الداخلية على مفترق نتساريم، وطلب منه التوجه إلى الجنوب، وأن أحد الاشخاص أوصله إلى مقر الصناعة التابع لوكالة الغوث للاجئين ” الأونروا ” في خانيونس والذي تم تحويله إلى مركز إيواء، وكانت أختها متواجدة به.
إلى الجنوب
وذكرت أنها قررت النزوح إلى الجنوب في أول أيام التهدئة 24 نوفمبر، نظرا لانعدام الحياة بغزة ، حيث توجهت إلى مركز الإيواء ” الصناعة ” ومن هناك انتقلت مع أسرتها إلى منزل لأحد معارفهم.
مآسي العائلة لم تتوقف، فبعد أسبوع انتهت الهدنة، وعاد الاحتلال لقصف الهمجي وقصف المنطقة التي لجأت إليها بحزام ناري وتضرر المنزل الذي كانت فيه، وبدأت قوات الاحتلال تلقي منشورات بضرورة النزوح من مدينة خانيونس.
أخذت أم يحيى أبناءها وتوجهت إلى رفح، واتخذت من إحدى مداسها ملجأ وسط آلاف النازحين، وهي لا تزال تصارع مع أبنائها للصمود والبقاء على قيد الحياة وسط ظروف قاسية وصعبة.