على خلفية التوتر المتصاعد في شمال البلاد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن إغلاقه الطرق للجليل الأعلى، ترقّباً وتحسّباً لعملية ثأرية هدّدَ بها “حزب الله” عقب استهداف مدنيين في جنوب لبنان، بعد عملية صفد، ضمن مسلسل صدّ وردّ من قبل الطرفين.
ورغم تهديدات قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي الجديدة، ورغم ارتفاع المواجهة الساخنة بدرجة جديدة، يحرص الجانبان، كلّ لحساباته، على عدم تجاوز الخط الأحمر والانزلاق لحرب شاملة.
ومع ذلك، تخشى أوساطٌ في إسرائيل التورّط بحرب في الشمال مع “حزب الله” نتيجة ما يعرف بـ”سوء تقدير نوايا” الطرف الآخر ورهانه على ضربة أشدّ ثأراً لضربة يتلقّاها في إطار تبادل اللكمات الدامية.
كذلك تزداد الأوضاع توتراً في الشمال في ظلّ الحرج اللاحق بحكومة نتنياهو اليمينية إزاء ضغوط الإسرائيليين النازحين من كل الشريط الحدودي، من صفد إلى رأس الناقورة، الذين باتوا أمام مصير مجهول، علاوةً على الشعور بالإهانة بعد استهداف مقرات إستراتيجية حساسة، مثل مقر قيادة الجيش في لواء الشمال، وفي ظل تشكّل “حزام أمني” في الجليل الأعلى الذي فقدت فيه إسرائيل السيادة أو السيطرة عليه من هذه الناحية، ما يدخل ائتلاف نتنياهو بحالة إرباك أشدّ.
وهكذا في الجانب اللبناني، حيث تتحدّث تقاريرُ مختلفة عن نزوح عددٍ مماثل من اللبنانيين في أرياف الجنوب، ينتجون ضغطاً على “حزب الله”، إضافة إلى قتل وإصابة مدنيين فيها وفي مناطق أكثر شمالاً ما يضطره للرد ضمن معادلة “الردع المتبادل” وهذا يجعل الطرفين قريبين جداً من الخط الأحمر، ومن اندلاع حرب تحاول إسرائيل تحاشيها حتى الآن، لأنها غير قادرة على إدارة جبهتي حرب في ذات الآن.
وعلى خلفية ذلك، يؤكد مستشار مجلس الأمن الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، أن إسرائيل غير قادرة على الانتصار على “حزب الله”.
وفي حديث للقناة 12 العبرية، يقول آيلاند إن الجانب الأمريكي لا يفهم الصورة، مرجّحا أنهم سيطالبونها بالقتال بحذر، وعندها “سنكون في كارثة”. ويعلل تحذيره من مشكلة محتملة نتيجة “فهم أمريكي خاطئ” بالقول إن إسرائيل تتحدث دوماً عن حرب ممكنة مع “حزب الله” لا مع لبنان.
ويضيف: “بحال دخلنا حرباً مع “حزب الله”، ويفهمها الأمريكيون كما يريدون، فهم سيقولون لنا: تفضلّوا قاتلوا ودمّروا المخربين دون المساس بالدولة اللبنانية. في حال حدث هذا فإننا نقدر على دخول الحرب خلال أيام، لكننا سنخسرها قبل أن تبدأ. إسرائيل لا تستطيع التغلّب على “حزب الله”، لكنها تستطيع الانتصار على لبنان. السبب بسيط، الأمر الوحيد الذي يقلق نصر الله كوطني لبناني هو هدم الدولة اللبنانية وتحويل بيروت مشابهة لغزة. هذا هو الأمر الوحيد القادر على إنهاء الحرب في وقت قصير نسبياً على نحو يمنح إسرائيل الخروج ويدها عليا”.
سنكون في كارثة
ويحذر آيلاند من أن الولايات المتحدة لا تفهم واقع ما هو موجود، وأنها ستطالب إسرائيل بالقتال بحذر، وعندها سنكون في كارثة.
ويتساءل: “هل يجري الآن حوار حول كيف ستبدو الحرب بشكل عيني وحاد؟”.
ويبدي آيلاند تشكّكه بأن ذلك لا يحدث خاصة في ظل توترات بين حكومة نتنياهو وبين إدارة بايدن. ويشير لوجود ثلاثة عوامل خلف قرار إسرائيل بعدم الشروع في الحرب على لبنان: “نحتاج لوقت إضافي، ولا أستطيع التفصيل لماذا، بعضه مرتبط بحالة الطقس، وبعضه مرتبط بأسباب أخرى. السبب الثاني هو الرغبة في البحث عن فرصة لتحاشي الحرب، ولو ظاهرياً، والسبب الثالث هو الحرب على غزة.. وإذا طالت هذه الحرب في غزة، كما يقولون لنا، فمن المؤكد تقريباً أن تنشب حرب في لبنان، وحتى لو لم يرغب بها “حزب الله” فنحن نريدها”.
ويعلّل آيلاند ترجيحه لهذا الاتجاه نحو حرب مع “حزب الله” بالقول إننا نسمع أصواتاً من الشمال كرؤساء الحكم المحلي والسكان وجهات أخرى تقول: “نحن أسرى بيد حزب الله، ولا يمكن أن نبقى في مثل هذه الحالة، ولذا لا خيار لنا إلا بالخروج إلى حرب في الشمال. بيد أنه في حال توقفت الحرب في غزة بعد شهر أو أسبوعين من “خلال عجيبة”، فهناك احتمال أكبر بأن نتفادى الحرب في لبنان أيضاً لأنه بحال انتهت الحرب في القطاع يبدو أن حزب الله سينهي أيضاً”
خلاصة
ويرى آيلاند أن هناك احتمالاً بنسبة 30% بتسوية المشكلة مع “حزب الله” دون حرب هذا العام، شريطة أن تتوقف الحرب في غزة.
ويتابع: “في حال استمرت الحرب في غزة ثلاثة- أربعة شهور أخرى، ويبدو أن هذه مصلحة إسرائيلية من أجل استكمال تدمير كتائب “حماس” الأخيرة، فإننا نكون قد قررّنا أن هناك حرباً في لبنان أيضاً.
ويخلص غيورا آيلاند للاستنتاج بأنه ليس واثقاً بأننا لسنا بحاجة للبحث عن طريق لإنهاء الحرب في غزة مبكّراً أكثر: “أعتقد أنه من المفضّل أن نستغل الورقة المكسب التي بأيدينا، وهي قرار وقف الحرب على غزة، شريطة نزع أسلحتها الثقيلة، خاصة أننا دمّرنا بنى “حماس” التحتية، كي نساوم عليه من أجل منع حرب في لبنان، وعدم تفويت فرصة لتسوية سياسية تخدم مصالحنا”.