ليس هناك دول كثيرة تتوق إلى الكرامة والفخر الوطني مثل دولة إسرائيل. بدءاً بالألعاب الأولمبية ومروراً باليوروفيجن وانتهاء ببطولة العالم في لعبة النرد. أي فوز لإسرائيل في دور الثمانية في بطولة كرة الريشة يثير الفخر الوطني هنا، وأي ميدالية في بطولة التايكوندو في ألبانيا تجلب الكرامة، والميدالية الذهبية في مسابقة الطوق الجماعي وضعتها على خارطة العالم، وبطولة أوروبا في التزلج على الماء غيرت مكانتها. مغنية إسرائيلية سابقة تمثل لوكسمبورغ في مسابقة اليوروفيجن في هذه السنة؟ “هذا يعتبر فخر أزرق – أبيض”.
مشكوك فيه أن تكون هناك دولة أخرى تعتبر هذه الإنجازات الصغيرة مهمة لها بهذه الدرجة. كأن أي أحد في العالم يغير نظرته من كازاخستان بسبب أن أحد الرياضيين فيها فاز ذات مرة في مسابقة التزلج على الجليد. أما إسرائيل فتعتبر هذا حدثاً قومياً مرفقاً بمكالمة هاتفية من الرئيس مع الفريق. هذا التوق الصبياني للاعتراف كان يمكن أن يكون مؤثراً وحتى مثيراً للانفعال بدولة فتية تشق طريقها، لو أن إسرائيل لم تمس بكرامتها في المواضيع المهمة. لولا الإنجازات الرياضية والإنجازات في اليوروفيجن، تبدو إسرائيل دولة بدون كرامة. ربما تتخيل هي أن عيدن غولان ستغطي في مالمو على ما يحدث في خان يونس، لكن هذا بالطبع مجرد أمنية عبثية. لا يمكن التصديق كيف أن دولة تخشى كثيراً على كرامتها تتصرف وكأن مكانتها الدولية لا تهمها. الحرب في غزة أوصلت مكانتها إلى حضيض غير مسبوق، لكن إسرائيل أغمضت عينيها وفكرت بشكل صبياني بأنها إذا ما فعلت ذلك فلن يشاهدونها في عارها. هي لا تفعل أي شيء من أجل تحسين مكانتها وكرامتها، وتعيد لنفسها القليل من الفخر.
يصعب وجود دول أخرى أوصلها سلوكها مرتين متتاليتين في غضون بضعة أسابيع إلى لاهاي. الاتهام بالإبادة الجماعية ومناقشة الاحتلال مع تهمة لا يمكن تحملها، وهي أنه احتلال غير قانوني بشكل واضح.
ماذا بشأن إسرائيل؟ ترى البصق في وجهها مطراً، فتتهم القاضي بابن الزانية، والدول باللاسامية، العالم منافق وفظ، أما هي فلا ذنب لها في الاتهامات الموجهة إليها. حتى إن هذه الاتهامات لا تهمها. جميع القنوات المهمة بثت هذا الأسبوع جلسات المحكمة في لاهاي، ووحدها إسرائيل التي تجاهلتها. هذا أمر غير مهم. إذا أغمضنا العيون فلن يرونا! وإذا تجاهلنا لاهاي فهي إذن غير موجودة.
لكن لاهاي موجودة، وكان يجب أن تثير فينا الإحراج والخجل الكبيرين، بعد أن شاهد العالم غزة، وشاهد وأصيب بالغثيان، لا إنسان إلا وسيتصرف بهذا الشكل، جاءت النقاشات القانونية في لاهاي حازمة وراسخة وجدية فيما يتعلق بالإبادة الجماعية، بل وأكثر من ذلك فيما يتعلق بالاحتلال، لكن إسرائيل تتجاهل.
إسرائيل تنازلت عن بقايا شرفها، ولا يهمها إذا كانت دولة معزولة ومنبوذة، في الأصل العالم كله ضدنا.
ستحتل رفح، حتى لو أدى ذلك إلى دهورة مكانتها أكثر، وهي لن تشارك في نقاشات “لاهاي” حول احتلالها هي نفسها، حتى لو أثبت ذلك بشكل واضح بأن ليس لها خط دفاع. إسرائيل تنازلت عن بقايا شرفها، ولا يهمها إذا كانت دولة معزولة ومنبوذة، في الأصل العالم كله ضدنا، لذا من غير المهم كيف تتصرف، ما دام الأمر لا يؤدي إلى اتخاذ خطوات فعلية ضدها.
إضافة إلى التزويد بالسلاح والفيتو في مجلس الأمن وعدم فرض عقوبات حتى الآن، فإن للدولة، كما للشخص، ذخراً مهماً، وهو السمعة؛ لكن إسرائيل تنازلت عنها. ربما يئست من العالم، أو اكتشفت بأنه يمكن العيش بدونها. هذه سمعة ليست في اعتباراتها، قبل وبعد أي حرب.
كانت هناك سنوات كان هذا العالم نفسه يحب إسرائيل عندما كانت تتصرف كعضو في أسرة الشعوب. ربما العالم يكون ساخراً ويحب القوة فقط، كما تقول إسرائيل لنفسها، ولكن في العالم عدالة وقانون دولي واعتبارات أخلاقية ومجتمع مدني ورأي عام، وهذه أمور مهمة، على الأقل مثل المرتبة الثالثة، “المحترمة” في اليوروفيجن 2023.
هآرتس