قبل 56 عاما ، اندلعت معركة الكرامة التي مثّلت الاشتباك الأول مع الاحتلال وجيشه بعد الهزيمة التي تلقتها الجيوش العربية في العام 1967، فبعد أقل من عام من الهزيمة في الحادي والعشرين من شهر آذار في العام 1968 اندلعت المعركة مه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قرية الكرامة في الأغوار الأردنية، وتكبّدت فيها القوات الإسرائيلية الغازية خسائر فادحة نتيجة التصدي والمقاومة الباسلة من قبل قوات الثورة الفلسطينية والجيش الأردني ، والتي استمرت أكثر من 16 ساعة ، ولدرجة وبسبب من شراسة قتال الفدئيين الفلسطينيين والجنود الأردنيين لم يتمكّن جيش الإسرائيلي من سحب قتلاه من أرض المعركة.
ومثلما مثّلت معركة الكرامة نقطة تحول في التاريخ الفلسطيني المعاصر ، التي أعقبها تدفّق الجماهير الفلسطينية وبعض العرب وجتى مناضلين من جنسيات أجنبية على الانضمام لفصائل الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، وأثبتت أن بالإمكان الانتصار على جيش الاحتلال ، وأعطى الانتصار في معركة الكرامة زخما شعبيا فلسطينيا وعربيا للقضية الفلسطينية ، فإن طوفان الأقصى هو التحول الأعمق أثرا في تاريخ النضال الفلسطيني ، علما أن الشعب الفلسطيني لم يتوقف منذ معركة الكرامة عن صنع ملاحم كان أبرزها التصدي لاجتياح لبنان في العام 1982 والانتفاضة الكبرى في العام 1987 والثانية في العام 2000.
طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.. الذي اندلع في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع مع دولة الاحتلال حيث تم نقل المعركة إلى الأرض الفلسطينية التي أقام عليها الغرب الاستعماري دولة ” إسرائيل” ، وخاضت المقاومة الفلسطينية بقواها الذاتية معركة انتصرت فيها ليس فقط على جنود وآليات الاحتلال ، بل وعلى التكنولوجيا المتطورة وأنظمة التجسس التي تتباهى بها دولة الإحتلال وتصدرها للعديد من الدول ، فالطوفان أحدث ما لم يحدثه أي زلزال ، وأعاد إحياء القضية الفلسطينية على الصعيد العالمي ، وأحدث تغييرا كبيرا في اتجاهات ووعي العالم لعدالة قضيتنا وتأييد نضالنا بعدما أدخله اتفاق أوسلو في نفق مظلم وطريق مسدود ووضع أمامه عقبات جديدة.
كما أن طوفان الأقصى طاف بالقضية الفلسطينية إلى كافة دول العالم وساحاتها وجعلها الأكثر وربما أول قضية يهتم بها الرأي العالمي على مدار التاريخ بهذه الطريقة ودرجة الإنشغال بها التي باغتت دول العالم وحكوماتها بما فيها المناصرة لدولة الاحتلال ، وقال عنها محللون كبار كثر أنها ( أي معركة طوفان الأقصى) ستشكل بداية لتغيير النظام الدولي الذي انهار أمامها وتكشّف زيف ادعاء الغرب الإستعماري وعلى رأسه أمريكيا حول حقوق الانسان والقانون الدولي، والأهم من كل ذلك أنها جلبت إسرائيل إلى مجكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني ، وجعلها تدخل نادي عالم المنبوذين وأصبحت في أعين غالبية شعوب ودول العالم دولة مارقة على حد تعبير العديد من المحللين الإسرائيليين.
لقد أدى صمود الشعب الفلسطيني في المقام الأول وخاصة في غزة التي تتعرض لعدوان مستمر مع دخول الشهر السادس هو الأبشع عبر كل التاريخ الحديث استخدم فيه كل أنواع الإسلحة المحرّمة دوليا بالإضافة إلى سلاح التدمير والتجويع ومحاولة التهجير ، وبسالة مقاومته ثانيا إلى قلب ظهر المجن ، فبدلا من تحقيق أهداف العدوان أصبحت القضية الفلسطينية وتأييدها والتنديد بالعدوان الشغل الشاغل للشعوب والعديد من الدول التي أصبحت أكثر إدراكا أن جرائم الاحتلال المستمرة منذ 76 عاما يجب أن يعاقب عليها ويجب أن تتوقف ، وأن يحصل الشعب الفلسطيني على حقة في دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران. .
طوفان الأقصى أدى تعاظم المقاطعة الدولية بأشكالها المختلفة التجارية والفنية والرياضية والعلمية – الأكاديمية لإسرائيل، وقضى على كل محاولات طمس القضية الفلسطينية وتجاوزها في إطار السعي الأمريكي لتوسيع دائرة المطبعين العرب بذريعة أن التطبيع قد يكون لصالح الفلسطينيين وتخفيف من حدّة وشراسة جرائم الاحتلال بما فيها وقف زحف الاستيطان والضم ، وأثبت طوفان الأقصى أن الشعب الفلسطيني لا يمكن له أن يستكين طالما أن الاحتلال جاثم على أرضه وقدسه ، وأن لا أمن ولا استقرار ما دام الشعب الفلسطيني لا يعيش بأمان واستقرار في دولته الحرّه…. باختصار … طوفان الأقصى أعاد الكرامة.