
بقلم: ميخائيل ميلشتاين
مسألة اجتياح رفح تلوح بالتدريج كموضوع آخر في الحرب الحالية التي تعكس فجوة عميقة بين عالم الشعارات والواقع الفعلي. بعض من أصحاب القرار، وعلى رأسهم نتنياهو، يصورون الحملة كخطوة وجودية تقرب نهاية الحرب وتتيح خلق واقع جديد في قطاع غزة. وهكذا، ينضم النقاش حول رفح إلى الإعلانات بشكل “النصر المطلق”، و”تفكيك كتائب حماس” ووعود بمحو أو هزيمة أو إسقاط المنظمة. أمور تطرح منذ نصف سنة، وهي فترة وإن كانت حماس ضُربت بشدة فيها، ولكن معظم قياداتها نجوا، بل وتدير الآن قتالاً في معظم القطاع وتشكل عنواناً للمفاوضات في مسألة المخطوفين.
إن إصرار أصحاب القرار في إسرائيل على عملية رفح يترافق وعلامات استفهام مقلقة أخرى. يُشرح في هذا الإطار بأن تفكيك أربع كتائب حماس العاملة في المدينة ضروري لإسقاطها، وأن الحملة المستقبلية ستتيح الحسم في الصراع ضد المنظمة. وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي شارك في مداولات الكابينت قبل نحو أسبوع، شعر بالحاجة لإبداء رأي ثاقب حين قال إن تحدي حماس سيبقى حتى بعد رفح، وإنه بدون نظام بديل، ستنشأ فوضى وستعلق إسرائيل في عزلة دولية حادة. مستشفى الشفاء يجسد في هذا السياق حقيقة أن لا “واقع جديد” ينشأ في المناطق التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي ثم أخلاها، بل تتحقق عودة زاحفة لحماس أو الفوضى.
إن الشعارات حول العملية في رفح مطلوب استبدالها بشرح واع يعرض للجمهور في إسرائيل وللأسرة الدولية. العملية في رفح مع وجود 1.5 مليون فلسطيني يكتظون في المنطقة أمر حيوي، لكن الأهم منها هو السيطرة على منطقة الحدود التي بين سيناء والقطاع (“محور فيلادلفيا”)، بوابة غزة على العالم، التي أتاح تهريب السلاح لحماس عبرها تحولاً من منظمة إرهاب وحرب عصابات إلى جيش يهدد إسرائيل. سيطرة كهذه ضرورية لتغيير الواقع في القطاع، لكن لا يحتمل أن تشبه أنماط العمل في المرحلة الثالثة من الحرب، أي الدخول والخروج دون بقاء دائم في المنطقة.
لأي عملية في منطقة الحدود شرطان واجبان: الأول، نقل السكان الموجودين في المنطقة، بما في ذلك السماح بعودة جزء منهم إلى الشمال (الأمر الذي يرتبط بالمفاوضات في موضوع المخطوفين)؛ والثاني تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة ومصر. أي خطوة غير منسقة، إن لم نقل استفزازية، قد تسيء للعلاقات المتوترة على أي حال مع الإدارة الأمريكية، بل وقد تترجم إلى وهن في الإسناد العسكري والسياسي. وكل هذا وعلى جدول الأعمال إمكانية نشوب حرب في الشمال. خطوة كهذه ربما تضعضع استقرار العلاقات الاستراتيجية مع القاهرة، بخاصة إذا ما تحقق اجتياح جماهير غزة إلى سيناء.
الخطاب في موضوع رفح يشبه ثلاثة مداولات أخرى تجري بشكل شبه منفصل منذ بداية الحرب: مسألة المخطوفين، والوضع الإنساني في القطاع، واليوم التالي في المنطقة. القاسم المشترك شبه الوحيد في المواضيع هو غياب عمق استراتيجي. طاولة المداولات مفعمة بالخيالات (إقناع قيادة حماس بإخلاء غزة أو إقامة نظام عشائر)، فلماذا لا يتم حوار ما مع السلطة بدلاً من تحليل ثاقب للسيناريوهات، الذي قد يكون ممكناً العمل عليها في المدى البعيد، بما في ذلك تلك المشحونة سياسياً؟
لن تبقى مسألة رفح كبحث يجري بين سياسيين وجنرالات، بل على الجمهور أن يكون مشاركاً فيها ويعرب عن رأيه. في هذا الإطار، من الضروري التساؤل: هل حقاً ستكون خطوة تغير الواقع وتقرب هزيمة حماس، وما هي تلك الهزيمة، وكم يمكن تحقيقها دون السيطرة على كل قطاع غزة والبقاء هناك لزمن طويل؟ إضافة إلى ذلك، من الحيوي أن يطرح الجمهور أسئلة حول تداعيات خطوة عسكرية بدون تنسيق مع الولايات المتحدة ومصر. الحملة العسكرية المركزة قد تكون ناجحة، لكن نتائجها الاستراتيجية وبخاصة في المستوى السياسي – محملة بالكارثة.