التهجير القسري في المعرجات…صورة مصغرة عن المشروع الاقتلاعي الأكبر في الأغوار

حمزة زبيدات

تعاني منطقة الأغوار الفلسطينية، كما سائر مناطق الضفة الغربية، من عمليات التوسع الاستيطاني الواسعة التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية بقيادة عتاة المتطرفين الإسرائيليين وأصحاب المشاريع العلنية لقتل وتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وبناء المزيد من المستوطنات.

الا أن لمنطقة الأغوار خصوصية جعلتها أكثر عرضة لهذه المشاريع التي بدأت فعلياً منذ بداية سبعينيات القرن الماضي واستمرت في ظل كافة الحكومات الإسرائيلية، سواء اليمينية أو الأكثر يمينية أو ما يسمى اليسار. كما تفاوتت موجات التوسع الاستيطاني والاعتداءات على السكان والأراضي في الأغوار بحسب الأوضاع السياسية. إذ يستغل المستوطنون الأحداث السياسية الكبيرة التي تمر بها فلسطين أو المنطقة أو حتى العالم لتمرير سياسات وحقائق جديدة على الأرض.
لهذا فإن الحرب الدموية البشعة التي تنفذها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر وفرت أفضل الظروف لمجموعات المستوطنين المتطرفين، الذين تدعمهم رسمياً الحكومة الإسرائيلية من خلال توفير الحماية والمعدات اللازمة وعدم التعرض لهم.

إن خصوصية الأغوار التي تتمثل في مساحاتها الواسعة وشبه الفارغة، بالإضافة الى تربتها الخصبة وتوفر المياه في كافة مناطقها، وكذلك المسافات البعيدة بين القرى والتجمعات الفلسطينية فيها، جعلها أرضاً خصبة لبناء عشرات البؤر الاستيطانية الجديدة التي تكثّفت وتزايدت بعد أحداث السابع من أكتوبر. كما فرضت الحكومة الإسرائيلية إغلاقا شبه كامل على الأغوار من خلال اغلاق حاجزي (الحمرا وتياسير) اللذين يعزلا الأغوار عن بقية مناطق الضفة الغربية من الشمال والوسط.

“آفاق” تسلط الضوء على عملية التهجير التي يمارسها المستوطنون في منطقة المعرجات جنوباً، وهي المنطقة الوحيدة الباقية كمتنفس وطريق يصل مدينة أريحا وبقية مناطق الأغوار مع مدن الضفة الغربية الأخرى، من خلال الشارع المعروف تاريخياً باسم المعرجات.
يصل شارع المعرجات بشكل رئيسي بين مدينتي رام الله وأريحا والأغوار على طول امتداد الجبال والأودية التابعة لقرى الطيبة  ودير دبوان. بقيت المنطقة كمراعي مفتوحة لسكان قرى شرق رام الله. كما بدأت بعض العشائر البدوية بالانتقال اليها بعد النكبة عام 1948 حتى عام 1967 حينما استقرت هناك عائلة الكعابنة والتي تتفرع الى العمريين، الخلايفة، الظويعين، العراعرة، دار أبو غورية ، دار أبو فزاع، بالإضافة الى عائلة المليحات.

التقى مراسل “آفاق” مختار العشيرة السيد سليمان مليحات الذي أفاد بتزايد الاعتداءات على سكان المنطقة وعلى المدرسة الابتدائية الموجودة في التجمع المعروف بتجمع عرب المليحات، يقول مليحات: “هدف المستوطنين من هذه الهجمات هو تدمير قطاع الثروة الحيوانية في المنطقة، من خلال الاقتحامات الليلية بمساندة من قبل الجيش والشرطة الإسرائيلية كغطاء للمستوطنين. كما يسرق المستوطنون الأغنام ويمنعون السكان من الرعي في المناطق المحيطة، والتي يعتمد عليها سكان عرب المليحات كمصدر رعي رئيسي. كما يتعمد المستوطنون دهس الأغنام كشكل من أشكال الضغط وترهيب الرعاة ومنعهم من الوصول الى منطقة الشارع والخروج باتجاه المراعي.”

ويضيف السيد سليمان: “نحن نرى أن مدرسة بدو الكعابنة الأساسية هي رمز للصمود في المنطقة، لذلك هنالك تحالف بين عدد من المستوطنين والمعروف باسم (زوهر الصباح)، يهدف الى اغلاق المدرسة من خلال عمليات اعتداء مستمرة وسرقة الممتلكات في المدرسة أو تدميرها وترهيب الطلاب والمعلمين.”

من ناحية أخرى رصدت “آفاق” سلسلة من الاعتداءات خلال الأشهر الخمسة الماضية، ما يشير الى أن المستوطنين يستغلون فترة الحرب على غزة وشبه الغياب الإعلامي من أجل فرض حقائق جديدة على الأرض والسيطرة على مساحات فلسطينية أكبر ومنع الفلسطينيين من الوصول الى معظم تلك المناطق.
في الثالث والعشرين من كانون ثاني الماضي حفر المستوطنون ثلاثة قبور بحجم صغير مع وردة على كل قبر، في إشارة الى مقبرة للأطفال وكتهديد للسكان الفلسطينيين هناك بأن أطفالهم مهددون بالقتل أيضاً.

كما رصدت “آفاق” في وقت سابق اقتحام مجموعة من المستوطنين مدرسة بدو الكعابنة وتعليق دمى ملطخة بالدم، في إشارة أخرى الى تهديد الأطفال والطاقم التعليمي في المدرسة بالقتل. ورافق ذلك عمليات اقتحام مستمرة من قبل الجيش والمستوطنين للمدرسة لمنع رفع العلم الفلسطيني أو رسمه على جدران المدرسة.

في هذه الأثناء بلغت البؤر الاستيطانية في منطقة المعرجات 4 بؤر استيطانية رعوية، بالإضافة الى مستوطنة (مفؤوت يريحو) التي “شرعنتها” الحكومة الإسرائيلية قبل عدة سنوات وحولتها من بؤرة استيطانية الى مستوطنة.

الى جانب ما تتعرض له منطقة المعرجات تتزايد، من ناحية أخرى، الهجمات على منطقة ومدرسة “وادي السيق” الواقعة في بطن الجبل الشرقي المحاذي لبلدتي الطيبة ورمون. حيث تم تهجير عدد من العائلات من المنطقة بفعل الهجمات الممنهجة المستمرة من قبل أحد المستوطنين الذي بنى بؤرة استيطانية على مقربة من التجمع السكاني لعائلة الكعابنة، بالإضافة الى الهجمات المتكررة على المدرسة وتهديد حياة الطلاب والطاقم التعليمي.

كما رصد نشطاء وحقوقيون قيام مجموعة من المستوطنين في بداية الحرب على قطاع غزة بالاعتداء على نشطاء من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وتجريدهم من ملابسهم وتكبيلهم وتعصيب أعينهم بحماية جيش الاحتلال، من بينهم محمد أبو حسن مدير دائرة الوسط في الهيئة. وهو ما وصفه القيادي البارز في هيئة مقاومة الجدار صلاح الخواجا بـ”الزعرنة والعربدة” التي يمارسها المستوطنون بقرار رسمي حكومي، مضيفا: “منذ بداية الحرب على قطاع غزة صدرت أوامر رسمية للمستوطنين بتوسيع هجماتهم على المواطنين الفلسطينيين في كل مكان، ومنعهم من الوصول الى أراضيهم أو رعي أغنامهم. كما لاحظنا العنف الشديد غير المسبوق من قبل المستوطنين، وبحماية الجيش والشرطة الاسرائيليتين.”

وحول حادثة الاعتداء على موظفي الهيئة قال الخواجا لآفاق: “نحن ننظر الى هذه الحادثة على أنها تهديد جدي لحياة موظفي الهيئة، ونحمل الحكومة الإسرائيلية وجيش وشرطة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن التغطية التي يمارسونها لأنشطة المستوطنين المتطرفين بحق المواطنين الفلسطينيين بشكل عام وبحق النشطاء الحقوقيين والقانونيين والمدافعين عن حقوق الانسان بشكل خاص. كما ندعو المنظمات الدولية والأممية الى توفير الحماية الدولية لسكان المناطق الفلسطينية المعرضة لهذه الاعتداءات ولخطر التهجير القسري.”  مضيفاً: “تمثلت عمليات توسيع اعتداءات المستوطنين من خلال إطلاق النار مباشرة على السكان، ما أدى الى استشهاد 13 مواطناً في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، ستة منهم فقط من قرية قصرة جنوب نابلس، بالإضافة الى إعدام شاب من قرية الساوية جنوب نابلس أيضاً، أثناء موسم قطف الزيتون.”
وأضاف الخواجا لآفاق: “مساحة الأراضي التي صودرت في خمسة تجمعات سكانية بمناطق شرق رام الله وهُجِّر أهلها، نحو 150 كلم2، أي ما يعادل 3 أضعاف المخطط الهيكلي لمدينة تل أبيب. كما تواصلت عمليات التهديد من قبل المستوطنين لنشطاء الهيئة ومن ضمنهم رئيس الهيئة مؤيد شعبان.”

رغم حالة الصمود الأسطوري لسكان منطقة المعرجات بشكل عام وعائلة المليحات بشكل خاص، الا أن هذا الصمود يحتاج الى مجموعة من الإجراءات الفورية لتعزيزه، وبالتالي منع تهجير الأهالي وانهاء الوجود الفلسطيني في هذه المنطقة. لذلك يجب إيلاء هذه المنطقة الاهتمام الأكبر من خلال الاتي:

أولاً: تعزيز التواجد الإعلامي المحلي والدولي في المنطقة وتسليط الضوء على القصص اليومية التي يعاني منها مربو الثروة الحيوانية أو النساء والأطفال، وكذلك الطاقم التعليمي في مدرسة بدو الكعابنة.

ثانياً: وضع خطة دعم وإسناد لسكان المنطقة من قبل الحكومة الفلسطينية من خلال تخصيص ميزانيات لتوفير الاحتياجات اليومية الخاصة بالسكان والثروة الحيوانية وتطوير مصادر المياه والمرافق الحياتية اليومية الخاصة بالسكان.

ثالثاً: تكثيف جهود مؤسسات المجتمع المدني من خلال تنفيذ المشاريع التنموية ومشاريع الدعم الخاصة بقطاع الثروة الحيوانية ومجالات أخرى خاصة بالنساء والأطفال.

رابعاً: وضع خطة دعم لمدرستي وادي السيق وبدو الكعابنة من خلال تطوير مرافقهما وتوفير الحماية اللازمة لمنع وصول المستوطنين إليهما. بالإضافة الى توفير وسائل للمراقبة والتوثيق من قبل وزارة التربية والتعليم.

خامساً: تفعيل الأدوات القانونية الدولية لمحاسبة المستوطنين على اعتداءاتهم المتكررة وتهديدهم العلني لحياة السكان بشكل عام والأطفال بشكل خاص، كذلك اعتداءاتهم على المرافق التعليمية في مدرستي وادي السيق وبدو الكعابنة.

خاص بآفاق البيئة والتنمية