في بلدة بين نعيم شرق الخليل لم تعد حياة المواطنين كحياة غيرهم في الريف الفلسطيني الذي يمتاز بالهواء النقي والطبيعة الخلابة والهواء. أصبح هواء هذه البلدة مليء بالغبار والضوضاء المستمرة ليل نهار، والشوارع مزدحمة بالشاحنات المحملة بالحجارة الكبيرة التي تفتقر لوسائل السلامة العامة، ما تهدد حياة المارة، كل ذلك سببه مقالع الحجر والكسارات التي تؤرق حياة سكان البلدة.
في هذا التحقيق قابلنا عدداً من المواطنين الذين أكدوا أنهم لا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي وأصبح بعضهم يعاني من الأمراض جراء تلوث الهواء.
تقول المواطنة في البلدة عائشة مناصرة، إن مقالع الحجر منتشرة بشكل كبير في البلدة، وتسبب بمضار سيئة جدا على المواطنين خاصة مرضى الربو والصدر والجيوب الأنفية.
وتضيف أنها أثرت أيضا على الغطاء النباتي مما تسبب باستمرار انتشار الغبار في الهواء، وارتفاع حساسية الأطفال من ذلك الغبار.
وبيّنت أن مقالع الحجر تشكل خطرا على حياة المواطنين والحيوانات، حيث تفتقد إلى سياج أو عوائع حماية تمنع سقوط المواطنين أو الحيوانات من الأماكن المرتفعة.
ويقول المواطن محمود حميدات : إن المحاجر لها تأثير سلبي على المواطنين من معاناة مرضى الربو الذين لا يتحملون الأجواء الملوثة بالغبار التي تخرج من هذه المحاجر، بالإضافة إلى خطر سيارات الشحن التي تحمل الاحجار ذات الأوزان الثقيلة والكبيرة، حيث حينما تعبر من أوساط المدن والقرى، تعرض حياة الطلبة والمواطنين للخطر جراء مخاطر سقوط الحجارة الكبيرة عليهم.
ويضيف المواطن حسام طرايرة : إن هذا التلوث يسبب مرض الربو للأشخاص القربين من المحاجر بالإضافة إلى تسبب الشاحنات بالأزمات في الشوارع في داخل البلدة، لذا يجب إغلاق جميع المحاجر.
توجهنا إلى أصحاب المحاجر، فرفض غالبيتهم مقابلتنا للحديث عن دورهم في مكافحة التلوث الذي تشكله الكسارات والمحاجر ومدى اتخاذهم إجراءات السلامة العامة، باستثناء زياد الخضور صاحب أحد مقالع الحجر والكسارات في البلدة الذي أكد لنا أنه قام بالحصول على كافة التراخيص اللازمة لمحجره.
ويشير صاحب أحد المحاجر زياد الخضور ، إلى أن مشروعه حاصل على كافة التراخيص اللازمة، من ضمنها ترخيص لمحجر ومنشار لقص الحجر.
خلال تجوالنا بين مقالع الحجر شاهدنا المسافات الشاهقة التي خلفتها تلك المحاجر والكسارات دون اتخاذ اجراءات سلامة لحماية المواطنين ومنازلهم من الانهيار، علاوة على التلوث الهواء الذي تسببت به .
في محافظة الخليل يوجد نحو 700 محجراً بينها 23 محجراً في بلدة بني نعيم وتشكل مجمل المحاجر قرابة 5.5% من دخل المحافظة المادي. توجهنا إلى البلدية لسؤالها عن إجراءات التراخيص في ظل العشوائية في مقالع الحجر والتلوث الذي تسببه والتي أكدت لنا أن جميع تلك المحاجر تعمل في ظروف غير قانونية.
ويوضح رئيس بلدية بني نعيم خليل زيدات لـوطن: إن جميع المحاجر تعمل من دون تراخيص داخل المخطط الهيكلي. مضيفا أن البلدية لها دور ولكن لدينا مشكلة في السلطة التنفيذية وهو عدم قدرتنا على الزام اصحاب المحاجر بالتراخيص، بسبب وجود الاحتلال وعدم خضوع بعض المناطق لصلاحيات السلطة.
ويؤكد أن البلدية تعمل دائماً على توجيه أصحاب مقالع الحجر، وتقوم بالضغط عليهم من خلال منع تزويدهم بالكهرباء، ويوجد لدينا شكاوى على سوء الاستخدام لكن للأسف لم تتابع، بسبب عدم وجود بيئة آمنة ومستقرة أمنيا.
في الدعاية الانتخابية أكدت جميع القوائم المترشحة للمجلس البلدي أنها ستعمل على معالجة التلوث البيئي والعشوائية في مقالع الحجر لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع وكانت الذريعة الإمكانيات المادية ووجود بعض المحاجر في المناطق المصنفة “ج” والتي تكون فيها إجراءات البلدية محدودة .
سلطة جودة البيئة أقرت أن هناك عشوائية في المحاجر، خاصة تلك التي أنشأت قبل مجيء السلطة الفلسطينية لكنها تقول إنها تعمل على تصويب وضعها القانوني وتتلقى الشكاوى من قبل المواطنين.
وأكد المسؤول في سلطة جودة البيئة بهجت جبارين ، أن قطاع الحجر من أكبر القطاعات الملوثة للبيئة في محافظة الخليل، وخاصة أنه يوجد عدد كبير منها في المحافظة، وللأسف هناك العديد من المنشأت الصناعية والمحاجر أنشأت قبل مجيء السلطة وكانت مبنية على أسس عشوائية وبدون اشتراطات وتعليمات ومعايير بيئية، ونحن نعمل على ضبط المقالع الجديدة وفق المعايير والاشتراطات القانونية .
سألنا وزارة الصحة عن الإجراءات التي تقوم بها للتقليل من هذا التلوث لكن لم نجد أي إجراءات فعليا على أرض الواقع.
وأشار رامز دويكات المسؤول في وزارة الصحة ، إلى أنه تم تشكيل لجنة حكومية من قبل مجلس الوزراء لدراسة هذا القطاع وتنظيمه وترتيبه بشكل يبعد أي خطر عن المواطنين، بدأت اللجنة مؤخراً بعملها ولكن بسبب الأوضاع الحالية تعطلت بشكل جزئي ولكن الموضوع قيد البحث والمتابعة من قبل الحكومة الفلسطينية.
ويتسبب الغبار بانتشار لعديد من الأمراض مثل الربو وضيق التنفس والأزمات الصدرية والتهاب العيون والجلد كما أن للغازات الناجمة عن الآلات والسيارات دور في انتشار تلك الأمراض أما بالنسبة للضجيج فيعتبر مسببا للأمراض السماعية.
وأمام ما سبق، ستبقى هذه المشكلة قائمة في بلدة بني نعيم في ظل تقصير الجهات المسؤولة في تحمل مسؤولياتها في حماية صحة المواطنين وعدم تطبيق الوعود الانتخابية.
المصدر : وطن للأنباء