نتنياهو في ردّ “هستيري” يحاول تعطيل الصفقة.. وحماس تتريّث وتلقي الكرة في ملعبه وغالبية مجلس الحرب مع الصفقة

في اليوم الـ212 للحرب المتوحشة على غزة، تبدو إسرائيل أيضا عالقة لا تستطيع التقدم للأمام من خلال تحقيق أهدافها العالية، وهي أيضا غير راغبة في وقفها وإيجاد مخرج لها من خلال صفقة لا إنسانية ولا سياسية، فيما يواصل رئيس حكومتها بسعيه المنهجي لتخريب احتمالات الصفقة، ويمضي في خلط الحسابات وسط انتقادات محلية متصاعدة له ولتوجهات حكومته.

بالأمس، ومن منطلق حساباته في إطالة أمد الحرب طمعا بصورة انتصار، واستبعاد يوم الحساب الداخلي، والرغبة بالبقاء في الحكم والتاريخ وخارج السجن (محاكمته بالفساد) عاد نتنياهو من جديد لمحاولة تعطيل الصفقة المطروحة بعد تقارير وتسريبات عن تليين حماس موقفها وتوجهها لقبول العرض المصري مع بعض الاستفسارات والتعديلات.

وطالما أن نتنياهو بعد تهديدات سموتريتش وبن غفير بتفكيك الحكومة، قد قال بصوته وصورته قبل أيام إن الحرب لن تتوقف، وإن إسرائيل ستجتاح رفح، فما المبرّر لبلاغين متطابقين، بينما حماس تستعد لتسليم ردها؟

سارع نتنياهو لإصدار بلاغين غير موقّعين باسمه، قال فيهما إن إسرائيل لن توقف الحرب، وإنها ستجتاح رفح مع أو بدون صفقة. وتبدو هذه محاولة يائسة لاستدراج حماس لتقع في الشرك وتقول “لا” للصفقة

قبل أن ترد حماس رسميا، سارع نتنياهو يوم السبت، لإصدار بلاغين غير موقّعين بشكل صريح باسمه،على شاكلة “مصدر سياسي” قال فيهما إن إسرائيل لن توقف الحرب، وإنها ستجتاح رفح مع أو بدون صفقة. وتبدو هذه محاولة يائسة لاستدراج حماس لتقع في الشرك وتقول “لا” للصفقة ردا على تهديداته، وبالتالي إلقاء الكرة في ملعبها والتحرر من الضغوط الداخلية والخارجية عليه. وهذا ما يفسّر رفضه طلبات الوسطاء بإرسال المفاوضين الإسرائيليين إلى القاهرة للمساهمة في جسر الهوة المتبقية وصولا لصفقة.

في المقابل، تنبهّت حماس لضرورة التريث وعدم الوقوع في مثل هذا الفخ الذي سعى نتنياهو لاستدراجها إليه، وعدم التعنت بتضمين الاتفاقية بندا يقضي بوقف الحرب، خاصة أنها ستبقى تحتفظ بأوراق مهمة تتمثّل بعشرات الجنود والجثامين الموجودة لديها.

معظم مجلس الحرب مع صفقة

مقابل وزراء متشددين أمثال سموتريتش وبن غفير أثنوا على نتنياهو وموقفه المتشدد الرافض لـ”الاستسلام والراية البيضاء”، وجهت أوساط إسرائيلية متزايدة انتقادات لسلوك نتنياهو المريب، بعضها من داخل ائتلافه الحكومي.

وبعد ساعة من “بلاغي نتنياهو” ندّد الوزير وعضو مجلس الحرب بيني غانتس بهما، وقال إنه يقترح عدم الدخول في حالة هستيريا لاعتبارات سياسية (فئوية). وتبعه رئيس المعارضة يائير لبيد الذي وجّه سهامه لنتنياهو خلال مشاركته في مظاهرة شهدتها تل أبيب، حيث قال إنه بدلا من بيانين سخيفين، على نتنياهو إرسال المفاوضين ومطالبتهم بالعودة مع صفقة. معربا عن استعداده منح الحكومة شبكة أمان. وتابع: “لا انتصار دون عودة هؤلاء المخطوفين”.

عدونا المركزي إيران وحزب الله

وجدد رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين، هجومه على حكومة نتنياهو. فقال في حديث للإذاعة العبرية العامة اليوم الأحد، إنه يخشى أن هناك من يحاول تخريب مساعي الصفقة والبحث عن مخرج. لافتا إلى أن “بلاغي نتنياهو” أمس، شكّلا غلطة تكتيكية تعطي حماس فرصة لتوجيه إصبع الاتهام لإسرائيل، وذلك من خلال تعقيبه العجول الذي يسبق رد حماس رسميا.

عاموس يادلين: تصريحا نتنياهو أمس، شكّلا غلطة تكتيكية تعطي حماس فرصة لتوجيه إصبع الاتهام لإسرائيل

ويؤكد يادلين أن الحرب على غزة عمليا توقفت، داعيا للانتقال الآن من تصريحات فارغة حول “الانتصار المطلق” الذي لا تفعل إسرائيل شيئا من أجل تحقيقه، منوها أن حماس باتت لا تتعرض لضغوط عسكرية اليوم. ويمضي يادلين في حملته على نتنياهو بالقول إن “ما يحصل خطير، وكلنا نفهم من هو المسؤول، ويبدو أنه أسير لدى وزراء غيبيين ومتشددين. الانتصار أولا هو استعادة المخطوفين الذين أهملهم الجيش، والذهاب لمكاسب استراتيجية في الجنوب والشمال، وأن لا ننسى أن لدينا 100 ألف نازح مثلما علينا التفرغ لحزب الله في حال رفض الانسحاب من الحدود”.

كما قال يادلين إن إسرائيل لم تهزم حماس ولكن الحركة لم تعد قادرة على تهديد إسرائيل، وإن السابع من أكتوبر لن يتكرر لأن حماس عاجزة عسكريا اليوم، ولأن إسرائيل تعلمت الدرس. وتابع: “علينا سدّ محور رفح بالتعاون مع مصر وجعل المعبر تحت رقابة مشتركة، ومنع حماس من التسلح. وإذا فعلت ذلك، فيمكن لإسرائيل مهاجمتها لاحقا كما تفعل الآن في الضفة الغربية. علينا النظر للأمام لا لنصر مطلق لا يتحقق، بل بالذهاب لصفقة سياسية تشمل تطبيعا مع السعودية. عدونا المركزي هو إيران وحزب الله. أما حماس، فلم تعد تشكّل تهديدا استراتيجيا علينا”.

عملية اغتيال عينية 

المعلق السياسي الإسرائيلي الأبرز ناحوم بارنياع، يواصل حملته منذ الثامن من أكتوبر على حكومة نتنياهو، نواياها، حساباتها ومخططاتها وطريقة إدارتها للحرب، فيؤكد أن “البلاغيْن” أمس الصادرين عن نتنياهو(مصدر سياسي) استهدفا احتمالات الصفقة.

وفي مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” يؤكد بارنياع أن “بلاغي نتنياهو” موجهان للجماهور الإسرائيلي، والوسطاء، وحماس الخارج، والكهانيين داخل حكومته. ويضيف: “عندما يقتنع هؤلاء بعدم وجود صفقة، سيتحرر نتنياهو من الحاجة للحسم. الحرب تستمر والضغط الأمريكي يتبدّد، وتهديدات اليمين واليسار بتفكيك حكومته تؤجل لمواعيد أخرى”.

كما يؤكد بارنياع أن رئيس الحكومة قرّر الهرب من المسار الاستراتيجي إلى المسار السياسي، معتبرا أن هذه الرغبة بإصدار بلاغين خلال يوم السبت المقدّس، تدلل على كونه مرتعب حقا من صفقة، وعلى رؤيته بأنها ممكنة”. ويضيف: “مثل هذه المناورات عملت في الماضي لكنها لا تعمل اليوم .. لا على حماس ولا على غانتس وآيزنكوت ولا على الوسطاء. بقيت ستة شهور لانتخابات الولايات المتحدة. بايدن الآن في فترة الحصاد، ولذا وعد الأمريكيون حماس بصياغة معينة بأن لا تتجدد الحرب في حال تمت صفقة”.

ناحوم بارنياع: رغبة نتنياهو في إصدار بلاغين خلال يوم السبت المقدّس، تدلل على كونه مرتعب حقا من صفقة مع حماس

نداف أيال: ضرر لإسرائيل

وأكد هذه الرؤية زميله محرر الشؤون الدبلوماسية في القناة 12 العبرية، نداف أيال. فيقول ضمن مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” إن نتنياهو لم يعد يخدم المصلحة الوطنية المتمثلة بصفقة مخطوفين، والآن هو متفرّغ بالأساس للرياء والنفاق لليمين المتطرف. يعود أيال ويذّكر بما قاله طاقم المفاوضات الإسرائيلي: طيلة شهور، المفاوضون الإسرائيليون استصعبوا تفسير أعمال نتنياهو بالكامل. الآن اتضحت الصورة تقريبا. لا منطق ببلاغين هستيريين خلال السبت، مفادهما أن إسرائيل لن توقف الحرب بأي حال، وأن اجتياح رفح انطلق مع وبلا صفقة”.

ويتساءل أيال بالقول: “نفترض أن حماس تعود برد غير معقول… عندها يجتمع مجلس الحرب ويقول “لا” فما الجدوى من بلاغي “المصدر السياسي”؟ الجواب هو أن نتنياهو لم يعد يخدم المصلحة الوطنية المتمثّلة بصفقة مخطوفين. هو الآن متفرغ بالأساس للنفاق لجمهور اليمين المتطرف سموتريتش وبن غفير وستروك. هذان البلاغان ليسا علاقات عامة بل ضرر لإسرائيل”.

في لحظة حقيقة المفاوضات جاء بلاغ نتنياهو ليهددها

كذلك، وجّه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، سهامه لنتنياهو بالقول إنه على خلفية تقارير بأن حماس تنوي الاستجابة للمطلب المصري، قال نتنياهو ما من شأنه تشويش أو تعطيل الصفقة المطروحة، منبها أنه في حال أحبط رئيس الحكومة الاتفاق، فسيتعرض لضغوط داخلية وخارجية.

وتبعه محرر الشؤون الشرق أوسطية في الصحيفة، تسفي بار إيل، بتحذيره مجددا من فقدان الرؤية الاستراتيجية، بقوله إنه لا توجد لدى إسرائيل خطة لتطبيق الصفقة ولا لليوم التالي: ليس هناك حل مطلوب لإدارة مدنية داخل القطاع. وحتى المسعى الفلسطيني الداخلي لتأهيل حماس سياسيا بقي دون ردّ في إسرائيل.

وقال النائب المعارض رام بن براك، في تصريح للإذاعة العبرية اليوم، إن لديه شكاً كبيرا بأن اختباء نتنياهو خلف “مصدر سياسي” وخلال يوم السبت، هو تفويت فرصة أخيرة لاستعادة المخطوفين إلى بيوتهم.

هآرتس: إن اجتياح مدينة رفح منوط بخسائر عسكرية ودبلوماسية تعمق عزلة إسرائيل في العالم بشكل خطير

لئلا نتورط في رفح

وتحذر صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها اليوم، من تورّط إسرائيل بتطبيق تهديدات نتنياهو. وتقول تحت عنوان: “لئلا نتورّط في رفح” إن اجتياح المدينة منوط بخسائر عسكرية ودبلوماسية تعمق عزلة إسرائيل في العالم بشكل خطير. وتضيف الصحيفة: “نعم لصفقة تعيد المخطوفين وتعيد النازحين الغزيين إلى شمال القطاع، وتفضي لوقف النار مع حزب الله”.

وتتابع: “على إسرائيل التركيز الآن على تصليح أضرارها باستبدال الحكومة المسؤولة عن الكارثة والتي تسعى لمواصلتها فقط من أجل التهرب من محاكمة الجمهور”.

على خلفية كل ذلك، وتزامنا مع استمرار الوسطاء ومعهم رئيس الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز في القاهرة التداول بالصفقة في ظل إبداء حماس ليونة في مطالبها، يجتمع عند الخامسة من مساء اليوم الأحد، مجلس الحرب في القدس المحتلة، للتداول في الصفقة. علما أن أغلبية أعضائه (الوزراء دريمر ودرعي وغالانت وغانتس وآيزنكوت بخلاف نتنياهو) يؤيّدون الصفقة، متطابقين مع المؤسسة الأمنية القلقة جدا حسب تسريبات كثيرة من استمرار المراوحة، ومن حرب استنزاف دون أفق ودون استراتيجية تشمل “اليوم التالي”.