الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس: 6/6/2024

تبادل الضربات بين إسرائيل وحزب الله يتفاقم وقد يدفع الطرفين الى الهاوية

بقلم: عاموس هرئيلِ

في الوقت الذي تزيد فيه الولايات المتحدة الجهود لعقد صفقة تبادل ووقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس في قطاع غزة، يتصاعد التوتر على الحدود في الشمال. فتبادل الضربات بين اسرائيل وحزب الله تفاقم (بالاساس تعزز الرأي العام حول خطورة الوضع). أمس أصيب 11 شخص بقصف مسيرة في بلدة حورفيش في الجليل الغربي. وحزب الله تحمل المسؤولية عن هذا الحدث. اسرائيل تهدد الآن بهجوم واسع في لبنان اذا لم يتوقف حزب الله عن هجماته. مبعوثو الادارة الامريكية الذين سيصلون الى المنطقة في الفترة القريبة القادمة على أمل التوصل الى اتفاق في القطاع سيجدون أنفسهم ينشغلون ايضا جهود التهدئة في لبنان. التوتر هناك اصبح يقترب من المستوى الذي سجل في بداية الحرب في تشرين الاول الماضي، عندما بدأ حزب الله يمهاجمة الجليل، وفي الكابنت فحصوا تنفيذ ضربة وقائية.

من بين التصريحات الكثيرة في الفترة الاخيرة برزت اقوال رئيس الاركان، هرتسي هليفي، اثناء جولته في قيادة المنطقة الشمالية أول أمس. فقد أعلن بأن “الجيش الاسرائيلي مستعد للهجوم” و”نحن نقترب من النقطة التي يجب فيها اتخاذ قرار”. ولكن هذه الاقوال لم تسمع بشكل عابر. يبدو أن بعض اعضاء هيئة الاركان الذين يوجدون الآن في نقطة حضيض صعبة على خلفية التحقيق في الحرب والقرارات المختلف عليها لرئيس الاركان حول تعيين كبار الضباط، يلاحظون نقطة خروج محتملة. بدلا من المراوحة في المكان في شرك غزة فان اسرائيل تنزل ضربة قاضية على حزب الله وتبدأ في املاء الاحداث، وليس الانجرار اليها. المنطق هو أنه يمكن الاثبات لحزب الله الثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه اذا اندلعت حرب شاملة، وبالتالي جعل حسن نصر الله يتراجع وينسحب.

الخطر بالطبع هو أن اسرائيل لا يمكنها التحكم بحجم اللهب. في الطرف الثاني توجد قيادة لها تجربة، والتي رغم تطرفها إلا أنها لا تميل الى عمليات غير محسوبة. من المرجح أن حسن نصر الله ايضا قام بالعاب الحرب الخاصة به واستعد لسيناريوهات مثل “الردود”. ومناورات التخويف المتبادلة على شفا الهاوية يمكن أن تدفع الطرفين الى الهاوية. لا يوجد هنا ما نعزي به انفسنا حول الدمار المتوقع في لبنان. فهو سيكون كبير الابعاد، واللبنانيون سيحتاجون الى سنوات كثيرة من اجل ترميمه. ولكن ايضا اسرائيل لا ينتظرها واقع متفائل. فالاضرار التي يمكن أن تحدث هنا، في مدن الشمال والوسط، لا تشبه أي شيء مما شاهدناه من حماس. والجيش الاسرائيلي سيصل الى مواجهة كهذه بعد ثمانية اشهر من الحرب القاسية في غزة، التي استنزفت قدراته وقوة صموده والوسائل القتالية والاحتياطي في الوحدات. يطرح ايضا سؤال هل الاتفاق الذي سيتم التوصل اليه في نهاية الحرب، على فرض أن الجيش الاسرائيلي سينتصر، لن يشبه ما يطرحه الامريكيون والفرنسيون الآن.

في هذه الاثناء اهتمت ايران بصب الزيت على النار. بعد قتل ضابط حرس الثورة في هذا الاسبوع في قصف نسب لسلاح الجو الاسرائيلي في مدينة حلب، اعلن قائد الحرس الثوري بأن “اسرائيل يجب أن تنتظر الرد”. في منتصف شهر نيسان بعد عملية الاغتيال التي نسبت لاسرائيل لقائد قوة القدس التابع لحرس الثورة في سوريا ولبنان، حسن مهداوي، ردت ايران بهجوم لاكثر من 300 صاروخ بالستي وصواريخ مجنحة ومسيرات اطلقت نحو اسرائيل. ايران ارادت تحديد لاسرائيل خطوط حمراء حول المس برجالها في المنطقة. والسؤال هو الى أي درجة ستريد ايران تطبيق هذه الخطوط الآن. في الخلفية تكمن مشكلة استراتيجية حاسمة اكثر تتعلق بايران: ترسخها كـ “دولة حافة” ننوية، التي حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية هي قريبة جدا من تجميع كمية يورانيوم مخصب تكفي لانتاج قنبلة.

خوف الامريكيين من الحرب الاقليمية، حيث يكون لبنان في مركزها، أكبر من الخوف من استمرار الحرب في غزة. الادارة الامريكية تريد انزال هاتين المشكلتين بسرعة عن جدول الاعمال الدولي، قبل دخول الحملة الانتخابية للرئاسة في الصيف الى المرحلة الحاسمة، قبل الانتخابات في تشرين الثاني. مواجهة عسكرية تشمل ايران ايضا يمكن أن ترفع اسعار النفط وتهدد نية الديمقراطيين في عرض بايدن كمن قام باصلاح الاقتصاد في امريكا. بعد خمسة ايام على خطاب جو بايدن فانه لم يصل حتى الآن أي رد رسمي من حماس على اقتراحه لصفقة التبادل، التي ترتكز الى اقتراح اسرائيلي سابق. وحسب الاشارات المتراكمة فان حماس لا تريد الرد ببساطة بـ “نعم”. ابراهيم الأمين، محرر صحيفة “الاخبار” اللبنانية والمقرب من حزب الله، كتب أمس بأن حماس تنتظر ارسال الاقتراح اليها في وثيقة تتم صياغتها بشكل واضح، وتطلب التزام مباشر من نتنياهو بتنفيذ وقف اطلاق النار. هذا الطلب يتعلق بخوف حماس الرئيسي بأن المفاوضات ستتعثر بعد استكمال المرحلة الاولى في الصفة التي سيتم فيها اطلاق سراح مخطوفين لاسباب انسانية، وأن تستغل اسرائيل ذلك من اجل استئناف القتال.

في القطاع بدأت عملية جديدة للفرقة 98، التي قامت باقتحام مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، البريج ودير البلح. في المخيم الثاني توجد كتيبة حماس الاخيرة في المنطقة، التي حسب الجيش الاسرائيلي لم يتم تفكيكها حتى الآن. في المقابل، تستمر عملية الفرقة 162 في رفح. ولكن في الحالتين من الجدير التعامل بحذر مع المصطلحات العسكرية. ورغم أنه توجد في رفح اربع كتائب لحماس إلا أنها لا تكثر من التصادم مباشرة مع قوات الجيش الاسرائيلي، ومن المرجح أن عدد كبير من رجالها انسحبوا من المدينة. التقدم العسكري بطيء نسبيا وهو لا يمس تقريبا وسط رفح المكتظ، والآن اصبح يوجد تقدير بأن العملية ستنتهي قبل نهاية الشهر. لا توجد هنا عملية ممنهجة لتفكيك القدرات حتى الكتيبة الاخيرة وتحقيق النصر المطلق، بل عملية محدودة مع الوعي بأنه بعدها في المستقبل ستكون اقتحامات اخرى.

مفترق طرق

خطوات نتنياهو نجحت مؤخرا في اغضاب الشريك الاستراتيجي الاكثر اهمية بالنسبة لاسرائيل، الاردن. علاقات رئيس الحكومة مع ملك الاردن في حالة توتر منذ سنوات. نتنياهو يتذمر من التصريحات المناهضة لاسرائيل التي يطلقها الملك حول القضية الفلسطينية، وفي الاردن يستاءون من موقفه المنفر. ورغم ذلك يوجد تنسيق امني. الجيش الاردني يقوم باحباط منذ سنوات وبشكل ناجع عمليات تسلل المخربين وتهريب السلاح، التي تقف من ورائها ايران وحزب الله، من المملكة الى الضفة الغربية. عندما تم احباط هجوم ايران بالصواريخ والمسيرات في منتصف شهر نيسان الماضي لعب الاردن دور مهم حسب وسائل الاعلام الاجنبية. طيارون في سلاح الجو الاردني وانظمة دفاع جوية لعبت حسب التقارير دور في اعتراض عشرات الاطلاقات الى اراضي اسرائيل.

حتى الآن ثارت مؤخرا من جديد مشكلة جديدة. منذ اتفاق السلام بين الدولتين في منتصف التسعينيات اسرائيل تقوم بتحويل المياه الى الاردن، التي تسحبها من نهر الاردن. أحيانا في فصل الصيف فان الاردنيين يطلبون ويحصلون على اضافة. مؤخرا وافقت اسرائيل فقط على استئناف تحويل المياه لفترة اقصر مما في السابق، ستة اشهر. بالنسبة للاردن فان هذه مشكلة حاسمة. العلاقات بين الدولتين متوترة في الاصل على خلفية الحرب في غزة وانتقاد الاردن لعمليات اسرائيل هناك. في شهر ايلول يتم التخطيط لاجراء الانتخابات لمجلس الاعيان ومجلس النواب. في البلاط الملكي توجد خشية من صعود كتلة تؤيد الاسلام، التي ستدعم خط اكثر متطرفا للبرلمان تجاه اسرائيل، هذا في الفترة التي فيها اسرائيل قلقة من ارتفاع عمليات تهريب السلاح، وتحتاج الى تنسيق امني وثيق أكثر مع الاردن.

——————————————–

معهد بحوث الأمن القومي (INSS): 6/6/2024

هل من علاقة بين العمال والعمليات؟

بقلم: إستيبان كلور

يبحث هذا المقال في صحة الادعاء بأن منح تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية يشكل خطرا أمنيا على مواطني دولة إسرائيل. ويستند التحليل إلى قاعدة بيانات أصلية وجديدة حول 153 إسرائيليا قتلوا في مناطق الخط الأخضر والقدس الشرقية في الفترة من 1 يناير 2007 إلى 6 أكتوبر 2023. وتظهر البيانات أنه خلال هذه السنوات الـ 17 وقعت ثلاث هجمات نفذها إرهابيون يحملون تصاريح عمل، حيث قُتلوا أربعة أشخاص. 44 في المئة من جميع الإسرائيليين الذين قُتلوا أصيبوا بنيران صواريخ أو قناصة من قطاع غزة و33 في المئة آخرين قتلوا على يد إرهابيين يحملون الجنسية أو الإقامة الإسرائيلية، ويعيشون في القدس الشرقية.  الاستنتاج الواضح هو أن الهجمات التي ينفذها العمال الفلسطينيون نادرة وأن 77 في المئة من القتلى في فترة التحقيق (118 شخصًا) قتلوا في هجمات لم يكن من الممكن منعها من خلال حظر دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى إسرائيل داخل الخط الأخضر.

عشية الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان حوالي 175 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل، 150 ألف منهم في البلدات داخل الخط الأخضر. منذ اندلاع الحرب، منعت الحكومة الإسرائيلية دخول العمال الفلسطينيين إلى الخط الأخضر (باستثناء تصريح خاص لحوالي 8000 عامل فلسطيني، لتلبية الاحتياجات الأساسية الاستثنائية).

هناك خلاف حاد داخل الحكومة حول هذه السياسة. يدعم الجهاز الأمني ​​(باستثناء الشرطة) دخول العمال الفلسطينيين إلى مناطق الخط الأخضر، بموافقة فردية لكل عامل وفي ظل قيود معينة. ويشير مؤيدو تجديد تصريح الدخول للعمال الفلسطينيين إلى الضرر الهائل الذي لحق بالاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حظر دخولهم، وخاصة في قطاعي البناء والزراعة. كما أن هناك مخاوف من أن تؤدي الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها عائلات العمال الفلسطينيين إلى انضمام بعضهم إلى المنظمات الإرهابية، مما يزيد من زعزعة الاستقرار الأمني ​​النسبي في الضفة الغربية. ومن ناحية أخرى، يعارض معظم وزراء الحكومة دخول العمال الفلسطينيين إلى مستوطنات الخط الأخضر. السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن دخول هؤلاء العمال يشكل خطرًا أمنيًا غير ضروري ولا ينبغي القيام به في هذا الوقت، خاصة وأن هناك بالفعل عدة هجمات نفذها إرهابيون يحملون تصاريح عمل في إسرائيل.

تقدم هذه الدراسة تحليلا كميا يبحث في الخصائص الرئيسية لجميع الهجمات التي نفذها الإرهابيون الفلسطينيون داخل الخط الأخضر في السنوات السبعة عشر الماضية. وتعتمد الدراسة على قاعدة بيانات أصلية جديدة حول جميع الإسرائيليين الذين قُتلوا داخل الخط الأخضر (بما في ذلك القدس الشرقية) في الفترة من 1 يناير 2007 إلى 6 أكتوبر 2023. وقد تم بناء قاعدة البيانات على أساس مصادر مرئية، وتشمل معلومات مفصلة عن جميع القتلى، وعن جميع الإرهابيين، والخصائص الرئيسية لجميع الهجمات، بما في ذلك تاريخ ومكان الحادث وكذلك السلاح الذي استخدمه الإرهابيون في مهمتهم الإجرامية. بمساعدة قاعدة البيانات هذه، تم فحص الادعاء الذي أسمعته الحكومة والجمهور، والذي بموجبه يشكل العمال الفلسطينيون الذين يدخلون إسرائيل بتصريح عمل خطرًا أمنيًا على مواطني دولة إسرائيل.

أ. استشهد في عمليات إرهابية داخل الخط الأخضر

خلال الفترة قيد التحقيق، قُتل 153 إسرائيليًا في 87 هجومًا إرهابيًا. تم تنفيذ الهجوم الأكثر دموية في مركز الحاخام اليهودي في القدس في 6 مارس 2008، عندما أطلق إرهابي من شرق المدينة النار على ثمانية من طلاب المدرسة الدينية مما أدى إلى مقتلهم. ووقع الهجوم الثاني من نطاقه أيضًا في القدس، في 23 كانون الثاني (يناير) 2023، وفي هذا الهجوم أيضًا، أطلق إرهابي من القدس الشرقية النار على سبعة أشخاص، ستة منهم مواطنون من دولة إسرائيل وعامل أجنبي.

هناك تقلب كبير في عدد الإسرائيليين الذين قُتلوا مع مرور الوقت. تُظهر البينات حول عدد الأشخاص الذين قُتلوا منذ عام 2007 وعدد العمال الفلسطينيين العاملين في المستوطنات داخل الخط الأخضر (بتصاريح وبدون تصاريح) بين عامي 2012 و2023.حيث ان الأعوام 2008 و2014 كانت عنيفة بشكل خاص. بان معدل القتلى في السنوات الأخرى هو ستة قتلى سنوياً. وخلافا للتقلبات في أعداد القتلى، هناك اتجاه واضح نحو تزايد مستمر في عدد العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية العاملين في مناطق الخط الأخضر. بدأ هذا الاتجاه فورًا مع نهاية الانتفاضة الثانية (البيانات الموجودة في قاعدة البيانات تبدأ فقط من عام 2012). ففي حين تم تشغيل 65 ألف عامل من الضفة الغربية في الربع الثاني من عام 2012، ارتفع عددهم تدريجياً إلى أكثر من 147 ألف عامل في الربع الثالث من عام 2023. وتؤدي الاتجاهات المختلفة في السلسلتين إلى نتيجة أولية مفادها أنه لا توجد علاقة بين المتغيرين عندما يكون الارتباط بينهما أقل من 0.01.

ويتم الحصول على دعم إضافي لهذا الاستنتاج من حقيقة أن معظم القتلى داخل الخط الأخضر قتلوا في هجمات كان الإرهابي المهاجم يتواجد فيها في قطاع غزة وقت تنفيذ الهجوم. ومن حيث شرائح القتلى بحسب السلاح الذي استخدمه الإرهابي في تنفيذ العملية: عبوة ناسفة، رصاص حي، صواريخ (تشمل قذائف هاون ومدافع مضادة للدبابات)، أسلحة مشاجرة (سكاكين، رشق حجارة وخنق)، نيران قناصة من قطاع غزة والهجمات من السيارات المارة. أن ما يقرب من 44 في المئة من إجمالي القتلى (67 شخصًا) قتلوا في الهجمات التي تم إطلاقها وإطلاق النار عليها من قطاع غزة. وتفسر هذه الحقيقة أيضًا الزيادة في عدد الأشخاص الذين قُتلوا في عامي 2008 و2014، عندما قامت إسرائيل بعمليات عسكرية في قطاع غزة، وتم إطلاق صواريخ ضخمة من قطاع غزة على قطاع غزة وعلى مناطق تجمع جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي هذه السنوات، قُتل 13 و27 إسرائيلياً داخل بلدات الخط الأخضربنار مصدرها قطاع غزة.

ومن حيث يتصنيف القتلى حسب مكان الهجوم يظهر بوضوح أن الهجمات الإرهابية يتم تنفيذها في الغالب في ثلاث مناطق: قُتل 58 إسرائيليًا في القدس، وقُتل 52 إسرائيليًا في غلاف غزة (عسقلان ومنطقة باشور)، وقُتل 11 إسرائيليًا في تل أبيب. وفي كل منطقة من المناطق الأخرى، قُتل أقل من خمسة إسرائيليين خلال الفترة المعنية، بينما لم تحدث أي جريمة قتل على الإطلاق في معظم المناطق.

ومن بين جميع الذين قُتلوا في القدس، قُتل 51 شخصًا على يد إرهابيين يعيشون في القدس الشرقية، وكانوا مواطنين إسرائيليين أو كانوا يحملون إقامة إسرائيلية. ولا يحتاج هؤلاء الإرهابيون إلى إذن لدخول يلدات الخط الأخضر. ولذلك، فبالإضافة إلى الضحايا الـ 67 الذين قُتلوا على يد أحد الخطرين المقيمين في قطاع غزة، قُتل ما مجموعه 118 إسرائيليًا في هجمات لم يكن من الممكن منعها من خلال منع دخول العمال الفلسطينيين من يهودا والسامرة. وهم يشكلون 77 بالمائة من جميع القتلى في فترة البحث.

ب. خصائص الإرهابيين الفلسطينيين

خلال فترة البحث، وقع 44 هجوما نفذه إرهابي كان متواجدا في منطقة الخط الأخضر وقت الهجوم. وتم حل لغز جميع الهجمات والقبض على الإرهابيين أو تحييدهم أو انتحارهم خلال الهجوم. وهؤلاء هم 62 إرهابيا تم جمع معلومات عنهم من خلال عمليات البحث في الصحف والتقارير الدورية لمركز الاستخبارات مئير عميت. وتشمل المعلومات العمر ومكان الإقامة والانتماء التنظيمي والخلفية الأمنية وما إذا كانوا يعملون في إسرائيل بتصريح عمل وقت الهجوم.

32  من أصل 44 هجومًا نفذها إرهابي واحد. أما باقي العمليات فقد نفذتها خلايا مكونة من اثنين أو ثلاثة إرهابيين. 65 في المئة منهم كانوا تحت سن 23 عامًا. 21 منهم (34 في المئة) لديهم خلفية أمنية (بما في ذلك الاعتقال في أحد السجون الإسرائيلية). وتشير المصادر إلى الانتماء التنظيمي لـ 35 من الإرهابيين، 20 من حماس، وستة من الجهاد الإسلامي، وخمسة من الجبهة الشعبية، واثنان من فتح وداعش. ولقي 29 إرهابياً حتفهم خلال الهجوم (تحييدهم أو انتحارهم) واعتقال 33 آخرين.

تظهر البينات أن 42 في المئة من الإرهابيين عاشوا في القدس الشرقية. كما تبرز مناطق جنين والخليل كمناطق إقامة للإرهابيين. ومن بين الإرهابيين الـ 36 الذين لا يعيشون في القدس الشرقية، كان خمسة فقط يعملون في إسرائيل وقت الهجوم، وكان ثلاثة منهم فقط يحملون تصريح عمل. ونفذ هؤلاء الإرهابيون هجمات في تل أبيب عام 2015، وفي بيتح تكفا عام 2020، وفي حولون عام 2022. وقُتل في هذه الهجمات أربعة أشخاص.

الاستنتاجات

إذا قامت الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ توصيات لجنة إيكشتاين بشأن تشغيل العمال الأجانب (2008)، فإنها ستدفع الشركات في صناعة البناء إلى اعتماد تحسينات تكنولوجية من شأنها أن تؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل ودخول العمال الإسرائيليين الى الفرع. وبما أن توصيات اللجنة لم يتم اعتمادها، فقد وظف فرع البناء حوالي 100 ألف عامل فلسطيني قبل الحرب الحالية، وقد أصيب بالشلل منذ بدايتها. وبحسب تقديرات بنك إسرائيل، فإن الشلل الذي يعاني منه هذ الفرع يتسبب في تكلفة سنوية تزيد على 25 مليار شيكل.

وتحاول الحكومة جلب عمال أجانب من دول أخرى إلى إسرائيل، لكن هذا الحل غير قابل للتطبيق لأنه لا يوجد أكثر من 80 ألف عامل أجنبي (غير فلسطيني) مستعدون للانتقال إلى إسرائيل. ولكن حتى لو كان هؤلاء العمال موجودين، فإن جلبهم إلى إسرائيل ينطوي على تكاليف اقتصادية واجتماعية كثيرة. إنتاجيتهم منخفضة، ويحتاجون إلى السكن والخدمات الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية، ويؤثرون على النسيج الاجتماعي الإسرائيلي، وبعضهم غير مستعد لمغادرة البلاد في نهاية فترة عملهم.

ويجب علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار أنه بالإضافة إلى التكاليف التي يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي، فإن عدم دخول العمال الفلسطينيين يضر بشكل كبير بالاقتصاد الفلسطيني، حيث أن عمل هؤلاء العمال في إسرائيل يساهم بحوالي 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني. وتحذر المؤسسة الأمنية من أن الضفة الغربية تقترب من نقطة الغليان بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل بديلة لمن عملوا في إسرائيل. إن استمرار الوضع القائم يمكن أن يؤدي إلى اشتعال الوضع في الضفة الغربية ويسبب تحديات أمنية كبيرة.

من الواضح أنه حتى 7 أكتوبر، لم يكن دخول العمال الذين يحملون تصاريح إلى إسرائيل يشكل تهديدًا أمنيًا. لا توجد مؤشرات على حدوث تغيير جوهري في سلوك الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. ولذلك يوصى بإعادة النظر في سياسة الحكومة. صحيح أنه لا يمكن استبعاد احتمال قيام نشطاء فلسطينيين يدخلون بإذن، بتنفيذ هجوم داخل مستوطنات الخط الأخضر. على سبيل المثال، خليل دويخات، 46 عاما، من سكان نابلس، متزوج وأب لسبعة أطفال، لديه تصريح عمل، قتل شاي أوهيون في بيتح تكفا عام 2020. لكن هذا الحادث نادر جدًا (ثلاث حالات فقط) في السنوات الـ 17 الماضية)، ومن الممكن أن يكون إرهابيًا وسيحاول تنفيذ هجوم حتى لو لم يكن لديه تصريح عمل، إن لم يكن في الأراضي الإسرائيلية ففي الضفة الغربية، كما فعل معظم الإرهابيين الآخرين.

——————————————–

هآرتس 6/6/2024

مسيرة الاعلام هي مقياس حرارة للمجتمع الإسرائيلي

بقلم: نير حسون

مسيرة الأعلام في القدس هي مقياس حرارة دقيق لوضع المجتمع الاسرائيلي. فهو يقيس مستوى الكراهية والعنصرية والعنف في المجتمع الصهيوني الديني وتسامح الشرطة وكل المجتمع الاسرائيلي تجاه كل هذه الظواهر. التشخيص في هذه السنة هو نهائي. المسيرة أمس كانت من المسيرات الاكثر عنفا وقباحة التي شاهدتها، أنا في السابق شاهدت كل المسيرات في الـ 16 سنة الاخيرة.

قبل بضع سنوات، في اعقاب الانتقاد الذي وجهته المحكمة العليا، لاسباب تتعلق بالصورة العامة، كانت جهود معينة من قبل المنظمين والشرطة والحاخامات لتهدئة النفوس واضعاف شعارات الانتقام والعنف، في محاولة لاعادة للمسيرة شيء من الاحتفالية البريئة في سنواتها الاولى. احيانا هذه الجهود حتى نجحت. ذات مرة بعض المحلات التجارية الفلسطينية بقيت مفتوحة التي توجد في خط سير المسيرة. في هذه السنة على خلفية الحرب وأحداث 7 تشرين الاول فان مشاعر الكراهية تصاعدت وبدا كأنه اعطيت للشباب الحرية المطلقة. الروح العامة كانت روح الانتقام، الشعار الموجود على القمصان هو قبضة الكهانية، والاغنية الشعبية كانت اغنية الانتقام “سأنتقم لاحدي عينيّ”، اضافة الى “الموت للعرب” و”لتحترق قريتكم”. الوزير المحبوب جدا كان ايتمار بن غفير والاجواء العامة كانت مخيفة.

خلافا للسنوات السابقة فان منظمي المسيرة لا يمكنهم الادعاء بأنه في هذه المرة الحديث يدور عن حفنة. كان يصعب العثور على مجموعة، أو مدرسة دينية، اكتفت بأغاني القدس والايمان. وعلى الاغلب تمت اضافة لشعار الانتقام شعارات عنصرية وعنيفة اخرى.

منذ صباح أمس، قبل بضع ساعات على انطلاق المسيرة الرسمي، وصلت جماعات من الشباب اليهود الذين يرتدون الملابس البيضاء وبدأوا يهيجون في شوارع الحي الاسلامي. فقد قاموا بدفع وشتم والبصق على ومهاجمة المارة الفلسطينيين والصحفيين. هم مشوا ذهابا وايابا مرة تلو الاخرى في الحي وزرعوا الرعب في قلوب التجار والسكان. رجال الشرطة حاولوا ابعادهم ولكن بدون فائدة. ومثلما في كل سنة فقد اغلق التجار محلاتهم التي توجد على خط سير المسيرة، هذه المرة اوصى رجال الشرطة بتشدد ايضا التجار في مناطق اخرى في الحي باغلاق محلاتهم، وهذا ما حدث.

العائلات الفلسطينية بقيت في البيوت الى حين مرور الغضب، والشرطة قامت بابعاد الفلسطينيين عن الاماكن التي يمكنهم فيها مواجهة المشاغبين. في ظل غياب ضحايا فلسطينيين فان الشباب وجهوا العنف للصحفيين في عدد لا يحصى من الحالات، هددوا وشتموا ودفعوا المراسلين والمصورين وكل من تم تشخيصه كصحفي أو كل من حاول توثيقهم. مثلا، متطوعو منظمة “نقف معا”.

للمرة الاولى منذ تغطيتي للمسيرة فقد تمت مهاجمتي شخصيا من قبل عدد من الشباب. فقد القوني على الارض وركلوني لفترة الى أن شاهدت اقدام رجال حرس الحدود وهم يبعدونهم عني. احدهم ساعدني على النهوض، وآخر عثر على نظاراتي. خرجت من هذه الحادثة بجروح وكدمات طفيفة، واثنان من المصورين تم رمي اشياء على رأسيهما.

الاحداث استمرت الى أن قررت الشرطة ابعاد الصحافيين عن المنطقة وادخالهم في منطقة محاطة بالحواجز الحديدية في باب العامود. وقد هدد رجال الشرطة الصحافيين الذين رفضوا بالاعتقال، في حالة تم ابعاد بالقوة مراسل “واي نت” ليران تماري من قبل رجال الشرطة. مراسلون آخرون تم شتمهم وتهديدهم والقاء زجاجات المياه عليهم. خمسة من المشاركين في المسيرة تم اعتقالهم للاشتباه بالقاء اشياء على المراسلين، و13 آخر تم اعتقالهم للاشتباه بالعنف والتهديد والاخلال بالنظام.

لكن المراسلين ليسوا القصة. فالقصة هي عمق المزبلة التي غرق فيها المجتمع الصهيوني – الديني. مجتمع، الذي حدثه الرئيسي في كل سنة هو مظاهرة مقرفة للعنصرية والعنف. الشباب والفتيات يسيرون في مجموعات حسب مؤسسة التعليم التي يتعلمون فيها، سواء معهد ديني أو مدرسة دينية. جميعهم يرتدون القمصان البيضاء التي كتب عليها شعار تمت طباعته خصيصا لهذه المناسبة. المسيرة انطلقت من غربي القدس ووصلت الى البلدة القديمة، على الاغلب كان يسود فيها طابع اغاني القدس واغاني الايمان. قبل الوصول الى البلدة القديمة انفصلت المسيرة. الفتيات دخلن من باب الخليل والحي اليهودي، والشباب دخلوا من باب العامود والحي الاسلامي.

عندما اقترب الشباب من منطقة باب العامود، الباب الاكثر فخامة من بين ابواب البلدة القديمة ومركز حياة الفلسطينيين في المدينة، تغير شيء ما. فقد اصيبوا بحالة النشوة والغناء والصراخ، وكأنهم يستعيدون ذكرى احتلال البلدة القديمة. وبعد الرقص في ساحة الدخول اندفعوا نحو الداخل وهم يضربون بقوة على ابواب المحلات التجارية، الضجة في فراغ البوابة الكبيرة تصم الآذان وتشعل النشوة. السرور كان حقيقيا وكاملا، وكان يمكن رؤية ذلك على وجوه الشباب والحاخامات، وايضا الكراهية. عشرات آلاف شاركوا في المسيرة، من بينهم معظم اعضاء حزب “قوة يهودية”. وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وصل بعد تدفق التقارير حول قصف المسيرة في الشمال. ولكن هذا لم يمنعه من الرقص بفرح مع الشباب على انغام “اعبدوا الله بفرح”. ولكن بعد ذلك قام الشباب بتغيير هذه الاغنية بأغنية الانتقام الشعبية “سأنتقم لاحدى عيني”، التي نتذكرها من عرس الكراهية. وزير المالية استمر في تجميعهم. وبعده جاءت وزيرة المواصلات ميري ريغف واعضاء الكنيست تسفي سوكوت وسمحا روتمان والموغ كوهين وغيرهم. لكن لا أحد منهم استقبل كما استقبل ايتمار بن غفير. الشباب استقبلوه بنداءات “من جاء؟ رئيس الحكومة القادم”. في الهوامش كان هناك من قالوا “يساري جدا”.

خلال دقائق طويلة لم ينجح بن غفير في التحدث بسبب الضجة. “أنا جئت الى هنا لأمر واحد وهو نقل رسالة لحماس”، قال. “كل بيت في غزة وفي الشمال توجد فيه صورة للحرم وللقدس. نحن نقول لهم إن القدس لنا، باب العامود لنا، الحرم لنا”. وبعد ذلك كرر مقولته عديمة المسؤولية التي رددها منذ الصباح حول الغاء الوضع الراهن في الحرم. “اليوم حسب سياستي، فقد دخل اليهود الى البلدة القديمة بحرية. ويهود قاموا بالصلاة في الحرم بحرية. نحن نقول ببساط: هذه لنا”. بعد فترة قصيرة دخل آخر المشاركين في المسيرة البوابة وخلفوا وراءهم اكوام القمامة في ساحة باب العامود.

مثلما في كل سنة ايضا في هذه المرة الشعور باستعراض القوة هذا يثبت بالضبط خلاف ما يتحدث عنه بن غفير. فكلما كانت شعارات الانتقام اقوى واكثر عنفا ووحشية، هكذا يتعزز الشعور بأن كل هذه الجهود تغطي على سيادة فارغة وسياسة فاشلة. 57 سنة منذ توحيد القدس، وثمانية اشهر منذ اندلاع الحرب، والقيادة في اسرائيل التي دخلت الى باب العامود أمس لا يوجد لديها أي جواب يتعلق بسكان القدس وسكان اسرائيل. لا توجد لديهم أي خطة أو أي حل أو أي أمل كي يعرضوه. وبدلا من ذلك هم يأملون الاكتفاء بالانتقام.

———————————————

معاريف 6/6/2024

إسرائيل تتفتت

بقلم: يوسي هدار

الشمال يحترق، كريات شمونا يتصاعد منها اللهيب، مدن وبلدات كاملة ومهجورة منقطعة عن البنى التحتية وعن وسائل الاعلام. عشرات الاف المخلين منذ ثمانية أشهر بلا بيت حتى الان، تقرر موت أربعة مخطوفين آخرين في أسر حماس وباقي المخطوفين لا يزالون يذوون في الاسر. السم والإغراض يتسللان الى هيئة الأركان والالوية يهاجمون رئيس الأركان. إسرائيل تراوح في المكان في غزة وحماس لا تزال تسيطر هناك. بلدات الغلاف لا تزال تقصف. بلدات خط التماس مهددة، إيران تقترب من القنبلة بخطى واسعة، والمجتمع الإسرائيلي ممزق. الرئيس بايدن يؤكد بان نتنياهو يسوف، العزلة الدولية والتسونامي السياسي يحتدمان، وكلنا لا نزال نلعق جراح مذبحة 7 أكتوبر. وفي نفس الوقت تماما، في مشهد تجريدي وغير مفهوم، الشخص ذاته المسؤول عن اخفاق 7 أكتوبر، عن إدارة الحرب الأكثر فشلا في تاريخ إسرائيل ولكل الشرور التي احصيناها لتونا، لا يزال يجلس على كرسيه، معتد بنفسه، يواصل الخداع والكذب، يفضل ائتلاف الكهانيين خاصته على الدولة وحتى لا يفكر بالرحيل الى بيته.

واذا لم يكن هذا بكافٍ فان الحريديم يواصلون التملص من الجيش، الوزير سموتريتش يتجاهل المخطوفين وينشغل بالإدارة المدنية في يهودا والسامرة، الوزير بن غفير يسيطر على الشرطة ويهرب بجبن من عائلات المخطوفين، رئيس هيئة الامن القومي يهين العائلات، محاولة الانقلاب النظامي تتواصل، ميري ريغف تعتقد ان الحكومة قامت بافعال مذهلة، وفي قناة الدعاية للحكم يحصون قتلى مذبحة 7 أكتوبر وفقا لانتمائهم السياسي. إسرائيل تتفتت.

نعم، من الصعب التصديق لكن إسرائيل تتفتت. البلاد التي حلمنا بها الفي سنة، البلاد التي تعلمنا عنها بدم الكثيرين والطيبين، بلاد دافيد وشلومو، بلاد الحشمونائيين، بلاد بن غوريون وبيغن على شفا الخراب، ولا مخلص.

ماذا حصل لنا؟ كيف وصلنا الى أيام ظلماء كهذه؟ اين إسرائيل الجميلة، القوية والمحقة؟ الا يوجد بضعة أولياء يقفون بشجاعة ويوقفون الانهيار؟ اين أعضاء اليهود الاسوياء، أعضاء الحزب الذي كان ذات مرة قوميا ليبراليا، لماذا لا يقولون كفى!”؟ لماذا يسمحون لهذه الحكومة السيئة ان تنزلنا بكرب؟ اين رئيس الدولة الصامت بحيث يحذر، يقف على الباب، يوقف الجنوب؟ اين المعارضة التي تغرد بغضب لكنها تفشل في إيجاد بديل سلطوي حقيقي. على كل هؤلاء ملقى الواجب لاستبدال الحكومة، واذا كان ممكنا حتى في الكنيست الحالية ومنع تفتت إسرائيل. على كل هؤلاء ان يقوموا ويقولوا ليس بعد الان، ويقيموا حكومة طواريء حقيقية، حكومة مسؤولة وسوية العقل تنقذ إسرائيل وترمم الحيطان. الزمن نفد منذ زمن.

لو لم يفشل نتنياهو في إدارة الحرب لكنا منذ زمن بعيد حيدنا حماس واعدنا المخطوفين. لكن الان، بعد اشهر طويلة من المراوحة في المكان لا مفر من قبول الصفقة التي توجد على الطاولة. نعم، يمكن ا يضا النظر بعيدا والرؤيا بوضوح. على الحكومة الجديدة القومية – الليبرالية والصهيونية التي ستقوم ان ترى بوضوح وان تعترف بهذا بانه ينبغي تصفية حماس الاجرامية واللعينة مثلما ان تعترف أيضا بان السلطة الفلسطينية هي بالفعل داعمة للارهاب. ومع ذلك ان تنظر بعيدا أيضا، باتجاه صفقة شاملة وتطبيع مع السعودية. حماس سنعود ونعالجها في اقرب وقت ممكن. لم يتطلب جهد خاص لايجاد الأسباب لذلك وعندها سنهزمها تماما، والحكومة الجديدة التي ستقوم ستتمتع بشرعية دولية اكبر لعمل هذا أيضا. عندما يفيض اليأس لا يتبقى لنا غير التمسك بالامل في ان “انفضي الغبار، قومي والبسي احلى ملابسك، استيقظي إذ جاء نورك، قومي ونوري”.

——————————————–

هآرتس 6/6/2024

لا تصدقوا هرتسي هليفي، نحن غير مستعدين لحرب في لبنان

بقلم: اوري مسغاف

في يوم الثلاثاء سافرت الى منطقة الشمال التي يتم قصفها والمشتعلة، عندما اعلن رئيس الاركان هرتسي هليفي: “اسرائيل تقترب من النقطة التي سيكون عليها فيها اتخاذ قرار. الجيش الاسرائيلي مستعد للانتقال الى الهجوم”. بالصدفة عندما انتظرت في كريات شمونة للالتقاء مع قائد رفيع في المنطقة، فان اللقاء تأجل في اعقاب زيارته بعد بضع دقائق اهتزت السيارة بسبب انفجارين كبيرين. عندما سافرت في شارع 90 نحو مخيم اللاجئين الرمزي الذي اقامه سكان الجليل اليائسين على مفترق عميعاد، الدخان غطى السماء بسبب القصف الدقيق لحزب الله لجبل ميرون.

أنا لست رئيس الاركان، فقط أنا ضابط صغير في الاحتياط، مواطني ومراسل. ولكني أتوسل للاسرائيليين وأقول لهم: “لا تصدقوا هرتسي هليفي، هو يعيش في الخيال، اطلبوا رأي آخر. الجيش الاسرائيلي ودولة اسرائيل غير مستعدين لحرب رسمية في لبنان، التي ستتسبب بدمار كبير في الجليل، وستجر هجمات الصواريخ والمسيرات الى حيفا وغوش دان.

لنبدأ بالجيش. الميزة الوحيدة لنا، نحن المراسلون، على رئيس الاركان هي أننا نتحدث مع الجميع: جنود الاحتياط، زوجات جنود الاحتياط، آباء وأمهات مقاتلون في الميدان، ضباط كبار تسرحوا من الخدمة الدائمة لكنهم ما زالوا يتطلعون على المعلومات ومرتبطين بالواقع.

بناء على ذلك أنا اخاطر واقول بأن الجيش الاسرائيلي غير مستعد وبحق لحرب اخرى. بعد ثمانية اشهر على القتال في غزة والاستعداد والضربات في الشمال فان موارده استنفدت تماما، مئات الجنود قتلوا، آلاف أصيبوا جسديا ونفسيا، المنظومة الداعمة للقتال منهكة ومتآكلة، توجد مشكلة دافعية واضحة في اوساط جنود الاحتياط، ومنذ استئناف العملية في قطاع غزة ايضا هذا سائد في اوساط جنود الخدمة النظامية. ويوجد ايضا نقص في الذخيرة والمعدات.

منذ ثمانية اشهر يقولون لسكان المنطقة الشمالية التي يتم قصفها بأنه يجب عليهم خفض الرأس لأن الجيش منشغل في غزة. الجيش في الوضع الحالي واهليته الحالية غير مبني للقتال في جبهتين. هذا حتى بدون حساب تدخل الحوثيين في اليمن والمليشيات المؤيدة لايران في العراق، وحتى في الاردن، والاشتعال في الضفة الغربية.

لا يوجد ايضا للجيش الاسرائيلي أي رد حاسم على المسيرات المتفجرة وعلى الصواريخ، أو على خطر الحرائق، الذي لم يكن الامر يحتاج الى قدرة استخبارية كبيرة من اجل توقعه. قبل شهر قمت بزيارة صديق لي في اييلت هشاحر. “انتظر لحظة الى أن تتحول الحقول والحدائق من اللون الاخضر الى اللون الاصفر”، قال لي. “كل اطلاق سيصبح حريق. نحن بحاجة هنا الى سيارات الاطفاء والى طائرات الاطفاء اكثر من فرق الطواريء”. هل ما يفهمه كل ابن كيبوتس في منطقة سهل الحولة الحكومة وهيئة الاركان غير قادرة على فهمه؟. هليفي اطلق تصريحه في معسكر غيبور. وفي اليوم التالي تسلل الى هناك في الصباح الباكر بشكل غير معتاد نتنياهو ايضا. وقد التقط صورة بجانب الخرائط والى جانبه قادة كبار وقال: “الارض اشتعلت هنا، وايضا في لبنان. نحن مستعدون لعملية كبيرة جدا”. في غيبور سقط في هذا الاسبوع صاروخ من نوع بركان، يحمل نصف طن من المواد المتفجرة. الدمار في القاعدة كان كبير، النوافذ تهشمت، سوبرماركت في كريات شمونة، وصوت الانفجار سمع جيدا في ارجاء القطاع الامني الذي قامت اسرائيل باخلائه والذي توجد فيه فرق الطواريء وبعض السكان، الذين يحافظون على فرع الزراعة، أو فقط لأنهم يئسوا من الحياة الفاخرة في الفنادق، التي وفرتها لهم بسخاء ميري ريغف.

سكان الشمال المحترق لا يعزيهم أن لبنان ايضا يحترق. عندما سيسقط عليهم وعلى الاسرائيليين الآخرين وابل من صواريخ البركان، وعندما تكون مسيرات نتنياهو مختبئة أصلا في حصن فالك. هو سيكون سعيد باندلاع حرب جديدة تبقي غانتس في الحكومة وتؤجل التسوية في غزة والتحقيق في اخفاقات 7 تشرين الاول. حرب لبنان الثالثة ستنزل علينا كارثة ثقيلة، محظور على رئيس الاركان الانجرار اليها. واجبه الاسمى هو الاهتمام بأمن اسرائيل ومواطنيها.

هو محق، نحن وصلنا الى نقطة يجب فيها اتخاذ قرار: وقف الحرب في الجنوب وفي الشمال واعادة المخطوفين، الاحياء والاموات، والتوقف عن التضحية عبثا بالجنود وانقاذ ما تبقى من الدولة.

——————————————–

هآرتس 6/6/2024

المحكمة العليا، الدرع الواقي الذي تحطم

بقلم: ميخائيل سفارد

خلال 57 سنة حظي الاحتلال الاسرائيلي بدرع قانوني، الذي كانت نوعيته قريبة من الكمال. درع القانون الفولاذي اللامع الذي تذرع به المجتمع الاسرائيلي، وطمس بواسطته عاره، ودافع عن كل الجرائم لدينا، وقام بحماية كل شيء مقرف فعلناه. عشرات السنين كان يمكننا سرقة من المحتلين اراضيهم والاستيطان فيها، اهانتهم على الحواجز وفي الحقول، واعتقالهم بالآلاف بدون محاكمة، وعدم اعتقال أو محاكمة اعضاء العصابات اليهودية الذين ينقضون عليهم، واخراج خارج القانون أي نشاط سياسي غير عنيف يقومون به، قصف قطاع غزة كل بضع سنوات جوا وبرا وبحرا، وقبتنا الحديدية القانونية – التي تترأسها المحكمة العليا، تاج رأسنا – انقذتنا من المحاولات المهينة لتقديم افعالنا لمحاكم أجنبية.

لكن السنة الـ 58 التي ستبدأ في هذا الاسبوع، لا تبدأ خطواتها الاولى بالثقة التي منحها لسابقاتها درع المحكمة العليا. في السنة الماضية اوهام كثيرة تحطمت. نحن اعتقدنا أن الجيش الأقوى في الشرق الاوسط يقدم للمستوطنات الحماية الكاملة، لكن تبين أن هذا كان وهم فظيع؛ كنا على قناعة بأن جهاز الاستخبارات يعرف في الوقت الحقيقي عن كل مواطن في غزة يتبول في زاوية في القطاع، لكن اكتشفنا أن هذا كما يبدو هو كل ما يعرفه؛ كنا على ثقة بأن مكانة جهاز القضاء الاسرائيلي الرفيعة ستمنع تدخل هيئات قضاء دولية، لكن اكتشفنا أن القضاة الاغيار يوجدون على الجدار. ادعاء رؤساء النضال العادل ضد الانقلاب النظامي الذي يقول بأن المحكمة العليا هي درع، هو ادعاء صحيح، لكن تبين أنه توجد لهذا الدرع قيود، حيث أنه حسب الحكمة الشعبية المعروفة فانه لا يمكن خداع الجميع طوال الوقت.

عندما تمثل المحكمة العليا الاسرائيلية امام محكمة التاريخ حول مسألة اذا قامت بالدور الاكثر اهمية لها، الدفاع عن حقوق الانسان والمواطن، فانها ستلوح بقرارات حكمها السابقة، الكثيرة والشجاعة، التي عملت على حماية قيم الديمقراطية والحقوق الاساسية وعززتها. هذا ليس مبالغ فيه. فقد قامت المحكمة العليا بحماية حقوق طائفة المثليين ومنعت الاكراه الديني وحاربت فساد الحكومة.

قضاة المحكمة العليا يحق لهم التفاخر بالاحكام الاساسية التي ألغوا فيها التمييز ضد النساء وحظروا التعذيب (ليس بالكامل) وقاموا بحماية حرية التعبير والتظاهر من المس الحكومي. يجب عدم التقليل من اهمية هذه الاحكام التي حددت بدرجة معينة طبيعة المجتمع الاسرائيلي ومنحت الكثيرين فيه امكانية تجسيد حقوقهم الاساسية، التي بدونها كان سيتم حرمانهم منها.

لكن عندما سيتعلمون بتفاخر الدفاع عن انفسهم امام قاضية التاريخ فانه ستسقط على الارض من عباءاتهم الاحكام التي سيحاولون اخفاءها ونسيانها. آلاف الاحكام التي يصعب أن تغطيها عباءة القضاء في اسرائيل. احكام أكدت على الاضرار بالضعفاء جدا، الذين يوجدون تحت حكم اسرائيل، لكن لا توجد لهم أي حقوق أو أي تأثير في مستقبلهم. أو الذين لا يتم تمثيلهم في أي مؤسسة حكومية تحكمهم.

أنا أتخيلهم، قضاة المحكمة العليا على اجيالهم، وهم يتحدثون في محكمة التاريخ ويشخصون الى الاحكام التي يتفاخرون بها (التي تمت ترجمتها الى اللغة الانجليزية)، ويتقزمون امام احكامهم التي تسقط من عباءاتهم وتزعج تدفق ادعاءاتهم. الاحكام التي تسمح بالطرد ومصادرة الاراضي والنقل القسري وهدم البيوت كعقاب جماعي والاعدام بدون محاكمة ومنع التطوير للفلسطينيين والتمييز في كل المجالات وجهاز قضاء مزدوج، الاول مدني وحديث للمستوطنين والثاني عسكري وديكتاتوري للفلسطينيين. المتفوقون يرفعون اصواتهم وهم يتصببون عرقا، ولكن خلفهم توجد كومة تتحدث عن قصة نظام ديكتاتورية وابرتهايد، التي آلاف قرارات حكمهم سمحت به، حتى لو هنا وهناك قاموا بتخفيفه.

طلب اصدار مذكرات اعتقال لرئيس الحكومة ووزير الدفاع، الذي قدمه المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، يكمل عملية طويلة من اساءة السمعة التي حظيت بها منظومة انفاذ القانون في اسرائيل في المجتمع القضائي الدولي، من دولة ادهشت العالم في الثمانينيات بعد المذبحة في صبرا وشاتيلا عندما قام جهاز القضاء فيها بعزل أحد وزراء الدفاع الاقوياء فيها، وتسبب بالضرر لمسيرة آلاف الضباط الذين وجد أنهم مسؤولون بشكل غير مباشر عن المذبحة، الى دولة جهاز القضاء فيها يغض النظر، وحتى يساعد زعران التلال، الذين يهاجمون قوافل المساعدات الانسانية.

طلب اصدار مذكرات اعتقال يشير الى فقدان تعامل المجتمع القانوني الدولي مع منظومة الاستشارة القانونية وشرطة اسرائيل والنيابة العسكرية والمحكمة العليا ايضا، كمؤسسات لانفاذ القانون ملتزمة بالقواعد الدولية، على الاقل في كل ما يتعلق بمعاملة الفلسطينيين.

لماذا نتذمر؟ في نهاية المطاف منذ عقود ترسخت سياسة الحصانة تقريبا شبه المطلقة للجنود الذين يمسون بالفلسطينيين. تقريبا لا يوجد تحقيقات في الشرطة العسكرية في جرائم الجنود، والتحقيقات القليلة التي تجرى هي ببساطة نكتة. هذه منظومة الجيش والشرطة يساعدون فقط المستوطنين العنيفين ويطمسون على جرائمهم. والنيابة العامة تقدم خدمة وتساعد في عملية الضم والابرتهايد والحماية لكل اسلوب قتالي مدحوض، على اعتبار أنه تكفي بيانات لوسائل الاعلام عن الحرص على القانون الدولي (من اجل حماية اسرائيل من الاجراءات القانونية).

نحن في هذه الاثناء نتطلع الى سقوط دولة اسرائيل القانوني، مع طلب اصدار مذكرات اعتقال لرؤسائها من محكمة الجنايات الدولية، مع الاوامر المؤقتة التي اصدرها قضاة محكمة العدل، مع محاكم في دول مختلفة لا تقوم برمي الملفات التي تتناول افعال اسرائيل بالذريعة الممجوجة “يوجد قضاة في القدس”. هذا سقوط قانوني، الذي تصميم منظومة القضاء لدينا، المستقلة والمهنية وذات الحقوق الكثيرة، على المساعدة في خرق قوانين الاحتلال والحرب، هي أحد اسبابه.

أهلا وسهلا بسنة الـ 58.

——————————————–

هآرتس 6/6/2024

بدلا من فتح جبهة اخرى، أليس من الافضل اغلاقهما؟

بقلم: جدعون ليفي

النجاح لا يناقشه أي أحد، وبالتأكيد ليس في اسرائيل. بعد النجاح الصارخ في غزة فاننا سنتبنى هذا النموذج الناجح في لبنان ايضا: حرب كبيرة ونصر مطلق. كم مرة قلنا “نحن لم نتعلم أي شيء ولم ننس أي شيء”. لكن هذه الاقوال المعطوبة لم تتطرق أبدا الى مثل هذه الفترة القصيرة.

إن الدروس من الحروب دائم يتم نسيانها في وقت ما، لكن أن ننسى الدرس من الحرب في غزة حتى قبل انتهائها، فقط من اجل تكرار نفس الخطأ في مكان آخر؟ غباء اسرائيل تمت اهانته، حتى الوقاحة وكأن النصر اصبح في جيبنا.

يجب علينا القول وعلى الفور: مثل سابقتها في غزة فان الحرب التي ستبدأ في الشمال ستكون حرب اختيارية. اذا لم يكن يجب على اسرائيل غزو غزة بكل قواتها فقط للقتل والتدمير والعقاب، وبالاساس ارضاء غريزة الانتقام، حرب اختيارية واضحة، عندها فان الحرب في لبنان ستكون أم المعارك الزائدة لاسرائيل.

“سلامة الجليل 3” التي على وشك الاندلاع سيتم عرضها بالطبع مثل سابقاتها، سلامة الجليل 1 وسلامة الجليل 2، كحرب فرضت علينا. ما الذي يمكن فعله عندما يكون الجليل مهمل ومحروق؟ هل يجب علينا الصمت لهم؟ حني الرؤوس؟ النقاش حول الحرب في الشمال هو نقاش احادي الجانب، لا أحد يعرض أي خيار، ويوجد خيار. السؤال الوحيد هو مسألة التوقيت. يجب أن ننقذ الشمال من عقاب حزب الله، وهذا يمكن تحقيقه فقط بواسطة الحرب، مثلما في قطاع غزة.

الجيش الاسرائيلي سيقوم بالغزو مرة اخرى والاحتلال، وسيقتل ويُقتل، والجبهة الداخلية في اسرائيل سيتم ضربها بشكل غير مسبوق، وكما يبدو الجيش ايضا. الكلمة الفظيعة “القوة الزائدة” تم نسخها شمالا، القوة الزائدة للحرب. رئيس الاركان اعلن في السابق بأننا وصلنا الى النقطة التي يجب علينا فيها اتخاذ قرار. وقد قصد القرار الوحيد الذي يعرفه وهو حرب اخرى. لا يوجد لدينا خيار. بالتأكيد يوجد خيار.

مع كل الضجة والنيران ومعاناة سكان الشمال نسيت وأُنسيت الذريعة التي بسببها يهاجم حزب الله: الحرب في غزة. الآن امامنا خياران. الاول هو الذي نتوجه اليه وهو تكرار فشل غزة الذريع، حتى مشارف بيروت. الثاني هو افضل بكثير، وقف الحرب في غزة. سلامة الجليل يتم تحقيقها فقط بهذه الطريقة. الاتفاق دائما يضمن أكثر من حرب اخرى، التي يمكن أن تكون اكثر حروب اسرائيل فظاعة.

لا يتم التصديق بأي هدوء تنزلق اسرائيل الى اكثر الحروب فظاعة بدون نقاش عام أو معارضة وحتى بدون عرض بديل: اتفاق لوقف اطلاق النار مع حماس. اللافتة لم تتم كتابتها بعد: لا للحرب في الشمال. ايضا لم تخرج أي مظاهرة ضد الحرب في لبنان. حزب الله اعلن بأن وقف الحرب في غزة سيؤدي الى وقف الحرب في الشمال. وكلمة حزب الله هي كلمة قاطعة أكثر من كلمة بنيامين نتنياهو.

حزب الله لن تتم تصفيته ولن ينسحب الى ما وراء جبال الشوف. ولكن ما الذي ستحققه الحرب باستثناء الضحايا. كل ما سيتحقق من الحرب في الشمال هو المزيد من السفك المخيف للدماء، الذي بعده سيتم التوقيع على اتفاق، والذي يمكن تحقيقه بدون حرب. حزب الله لا يمكنه الاستمرار اذا صمتت غزة، وغزة ستصمت فقط من خلال الاتفاق. اسرائيل ستشن حرب شاملة في الشمال عندما تكون في الأوج: من مكانة دولية في الحضيض غير مسبوقة، والجيش الاسرائيلي مضروب بسبب الاخفاقات في غزة. من الجدير التذكير بأن الاهداف العلنية (وليس الحقيقية) لاسرائيل في غزة لم تتحقق. واكثر من ذلك، في الحرب في غزة من البداية وحتى النهاية البعيدة، اسرائيل قد تخسر. اذا نجح هذا بشكل جيد امام حماس فهو بالتأكيد سيخدمنا اكثر امام الأخ الاكبر والاكثر تسلحا منها، حزب الله، سنضرب ونُضرب، وبعد ذلك سنجلس على الطاولة.

لا يمكن الصمت على ما يحدث في الشمال. اسرائيل مدينة لمواطنيها بتقديم حل لضائقتهم، التي لم يتم قول ما يكفي عنها. حل ضائقتهم يوجد في غزة، فقط في غزة. أو فيما يتم قوله في مكتب رئيس الحكومة في القدس.

——————————————–

هآرتس 6/6/2024

إسرائيل تنزلق إلى حرب مدمرة مع “حزب الله”.. وبن غفير مهدداً نتنياهو: إما تفاصيل الصفقة أو لا ائتلاف

بقلم: أسرة التحرير

دولة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو تنجرف إلى دينامية خطيرة من التصعيد مع “حزب الله” من شأنها أن تخرج عن السيطرة. الحرائق في الجليل الأعلى وفي هضبة الجولان، في الأيام الأخيرة، تسببت بأذى شديد لإحساس الأمن الشخصي وللإحساس العام بأننا “فقدنا الشمال”.

هذه زادت التخوف من أن الدولة والجيش ليس لديهما حلول غير حرب في الشمال ستجلب دماراً عظيماً لكل أرجاء إسرائيل.

تصريحات رئيس الأركان هرتسي هاليفي ونتنياهو عززت التخوف من حرب في الشمال. قال هاليفي إن إسرائيل تقترب “من نقطة اتخاذ قرار”، وإن الجيش جاهز للهجوم. أما نتنياهو، في زيارته إلى “كريات شمونا”، فقال: “نحن جاهزون لعملية قوية جداً في الشمال”. إضافة إلى ذلك، صوتت الحكومة، أمس، على إعطاء إذن للجيش بتجنيد 350 ألف جندي احتياط فوراً.

ربما يعتقد نتنياهو بأن التصعيد العسكري في الشمال سيردع “حزب الله”، لكن في ذلك مخاطرة بخروج الوضع عن السيطرة. فدينامية التصعيد قد تؤدي إلى حرب معناها ضرر عظيم للجبهة الداخلية الإسرائيلية، في مركز البلاد أيضاً، وضرر شديد في البنى التحتية الحيوية وبحياة الإنسان.

غير أن الحرب ليست قدراً، بل وليدة قرار يرتبط ارتباطاً مباشراً بما يجري في قطاع غزة. عملياً، على إسرائيل أن تختار بين حرب قاسية من المتوقع أن تنتشر على كل الجبهات تقريباً- “حزب الله”، إيران، ميليشيات مؤيدة لإيران في العراق وسوريا، والحوثيون من اليمن، وقطاع غزة، وكذا أعمال شغب وإرهاب في الضفة- وبين قبول الصفقة مع “حماس” التي عرضها الرئيس الأمريكي بايدن. لقد سبق لـ “حزب الله” أن أوضح بأنه في اللحظة التي يعلن فيها عن وقف نار في غزة سيركن سلاحه.

إسرائيل ملزمة بالسعي إلى صفقة لإعادة المخطوفين وتوقف القتل المتواصل لجنود الجيش الإسرائيلي. صفقة كهذه كفيلة بمنع حرب شاملة. ولاتخاذ الخطوة الصحيحة، على إسرائيل التغلب على المحافل المعنية بإحراق المنطقة وجر الدولة إلى كارثة: سموتريتش القائل (“المذبحة لا ترتبط بـي”) ومعه بن غفير.

بن غفير هدّدَ نتنياهو، أمس، “بأنه سيشوش الائتلاف”، ما دام رئيس الوزراء يخفي عنه تفاصيل الصفقة. هذه المحافل قد تحكم على إسرائيل بحرب أليمة وقاسية.

بعد ضربة 7 أكتوبر والحرب الطويلة، على إسرائيل أن توقف النزيف، وتعيد المخطوفين، وتعطي راحة للجنود المتهالكين، والتوصل إلى تسوية في الجنوب والشمال، برعاية أمريكية. وكل سبيل آخر قد يؤدي إلى هوة دامية.

——————————————–

يديعوت أحرونوت  6/6/2024

نائب نصر الله: لم نتوقع غباء نتنياهو بهذه الدرجة.. وإسرائيل: انكشفت هشاشتنا

بقلم: د. آفي شيلون

الحرائق المعربدة في الشمال، ومعاناة السكان المخلين دفعت موضوع الجبهة الشمالية إلى رأس العناوين. توسيع “حزب الله” شدة ومدى النار- في رد على توسيع مدى عمليات الجيش الإسرائيلي- يثير في أوساط الكثيرين، بما في ذلك الجيش، الحاجة لعمل عسكري في لبنان. لكن الحقيقة أكثر تعقيداً.

عملياً، بالضبط مثلما ترتبط مسألة المخطوفين بمسألة هزيمة “حماس”، هكذا أيضاً في الشمال؛ فهي ليست ساحة منفصلة عن المعركة في غزة. بمعنى أن من يسعى للسير ضد “حماس” حتى النهاية على هذا النحو، فعليه أن يفهم بأن مصير المخطوفين يحسم هكذا، وهكذا أيضاً من يريد السير مع “حماس” حتى النهاية، فعليه أن يفهم بأن هذا سيأتي على حساب استمرار هجر الشمال.

مثلما في بداية الحرب، أعلن نائب نصر الله، نعيم قاسم، بأن “حزب الله” سيثقل على إسرائيل، وسيقف خلف “حماس” مثلما- على حد قوله- تقف الولايات المتحدة خلف إسرائيل. وقد أعلن على الملأ بأن “حزب الله” لن يخرج إلى حرب، لكن ما دامت إسرائيل تعمل على إبادة “حماس”، فسيصعّب عليها بنار من الشمال. ووعد “حزب الله” بالتوقف حال أوقفت إسرائيل الحرب.

فهمتْ إسرائيل هذا. وعليه، فضّلت إخلاء المواطنين من الشمال لمنع فقدان حياة الإنسان، ولكيلا تصل إلى وضع تلزمها فيه ضربة واسعة للمواطنين بالعمل في الجبهتين. وعليه، ينبغي الاعتراف بالحقيقة المرة؛ من يريد “حتى النهاية” في غزة فعليه أن يدفع الثمن بحياة المخطوفين، وبتواصل هجر الشمال.

لو كانت لإسرائيل قيادة شجاعة تقول الحقيقة لأمكن الطلب من سكان الشمال أن يدفعوا الثمن كي نضمن تصفية “حماس”. لكن قيادتنا تفضل تفادي الحقيقة، وتعرض لنا معركة فيها جبهتان ظاهراً، يمكن معالجتهما على نحو منفرد. وكأنه يمكن أولاً السير على “حماس”، وفقط بعد ذلك على “حزب الله”.

فما بالك لو كانت لنا قيادة تقول الحقيقة، لكانت مطالبة بشرح ما الذي يمنحه التطلع إلى “النصر المطلق” إذا كان لا يتضمن بديلاً واقعياً لـ “حماس” في اليوم التالي، وثمنه ينطوي على استمرار المعاناة في الشمال وفقدان المخطوفين. بمعنى، أنه لن يكون مطلقاً في كل الأحوال.

نائب نصر الله أضاف، قبل شهرين، في مقابلة أفلتت من الرادار الجماهيري، أنه “لم نتوقع أن يكون نتنياهو غبياً بهذا القدر، بحيث يواصل حرباً بهذا الطول”.

بالفعل، فإن خطأ إسرائيل الحرج كان أن بُعد الزمن، بخلاف مفهوم الأمن من عهد بن غوريون الذي سعى إلى معركة قصيرة، لم يؤخذ بالحسبان. وبدلاً من التخطيط لمعركة تنتهي بـ 3 – 4 أشهر، تتصرف إسرائيل وكأن الزمن سيكون في صالحها دوماً. هذا ليس صحيحاً، والسنوار أيضاً يفهم هذا.

ما العمل للخروج من الورطة؟ اتخاذ سياسة تقلل الخسائر. بدلاً من التباحث دون جدوى حول منحى وقف نار يؤدي على أي حال إلى نهاية الحرب، علينا أن نقترح بأنفسنا وقف الحرب مقابل إعادة المخطوفين يرافقه هدوء مطلق في الشمال يتضمن انسحاباً ما لـ “حزب الله” إلى الوراء.

بعد ذلك، ينبغي تصميم إستراتيجية إسرائيلية من جديد. لقد فقدنا الردع لأننا انكشفت هشاشتنا، لكن إسرائيل لا تزال أقوى من أعدائها، و”حماس” بالفعل ضُربت ضربة حرجة.

بعد أن تنتهي المعركة الحالية، ينبغي الاستعداد لحرب حقيقية مع “حزب الله” في السنوات القادمة، عندما تدخل منظومة الليزر لاعتراض الصواريخ قيد الاستخدام.

بالتوازي، علينا محاولة حل المسألة الفلسطينية بشجاعة انطلاقاً من الاعتراف بأنه لا حل غير التسوية والمساومة. وبالطبع، الاتفاق مع السعودية سيعزز هو الآخر مكانتنا.

صحيح، تورطنا. لكن هناك إمكانيات للخلاص من الوضع إذا لم نسر بعيون مغمضة في البحث عن “النصر المطلق” في غزة.

——————————————–

توماس فريدمان: منطقة الشرق الأوسط تقترب من حرب كبرى مدمرة

قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان إن منطقة الشرق الأوسط تقترب من حرب كبرى مدمرة، وإن العام الجاري قد يشهد سلاما حقيقيا يضمن تنفيذا جادا لحل الدولتين أو حربا تعود بالمنطقة إلى ما قبل 1948.

وأضاف في مقابلة مع الجزيرة أن ما يجعل الأمر صعبا في الحرب الحالية هو “أن الأسوأ هم من يحكمونها حاليا، وأن المتطرفين يجلسون في قمرة القيادة”، حسب تعبيره.

ولفت الصحفي الأميركي المخضرم إلى أن احتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله تتزايد بشكل كبير في ظل عدم التوصل لاتفاق ينهي الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، مؤكدا أنها “ستكون حربا مدمرة للطرفين وربما للمنطقة”.

عام فاصل

وبحسب رؤية فريدمان فإن العام الجاري إما أن يشهد حلا جذريا للصراع الإسرائيلي العربي يقوم على تنفيذ جذري وجاد لحل الدولتين أو أنه سيشهد عودة بالصراع إلى 1947 (قبل قيام إسرائيل) لكن بأسلحة جديدة.

وأعرب عن اعتقاده بأن المنطقة تقف حاليا في مفترق طرق غاية في الخطورة وخصوصا بالنسبة لإسرائيل ولبنان وربما الأردن، مؤكدا أن هذه الدول قد تشهد انهيار كل ما تم بناؤه خلال السنوات الماضية، وفق قوله.

وفيما يتعلق باتفاق وقف الحرب المطروح حاليا، قال فريدمان إنه لا يعرف كيف سيتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المضي قدما في اتفاق وقف إطلاق النار في ظل موقف حكومته اليمينية، مؤكدا أن التوصل للصفقة يتطلب تنازلات من الجانبين.

وأضاف أنه “من غير الواضح أيضا ما إذا كان زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الداخل يحيى السنوار يمكنه القبول باتفاق لا يضمن عدم عودة إسرائيل إلى القتال مجددا او اغتيال قادة الحركة، مؤكدا أن كلا الطرفين يتخذ أكثر المواقف  صعوبة في هذه اللحظة”.

وعن الموقف الأميركي من وقف الحرب، قال فريدمان إن الرئيس جو بايدن “يود إنهاء الحرب لأسباب إنسانية وجيوسياسية منها أنه ربما يتمكن من إنجاز خطة مع المملكة العربية السعودية (بشأن التطبيع) فضلا عن إنهاء احتمال اندلاع مواجهة بين إسرائيل وحزب الله”.

وأشار إلى أن هذه الحرب أضرت بالقاعدة الانتخابية لبايدن وهو ما يعزز رغبته في وقفها، مشيرا إلى أنه لا أحد يعرف إن كان هذا الأمر يخدم نتنياهو والسنوار أما لا؟

وأكد فريدمان أنه لا يعرف ما يفكر به نتنياهو وأنه لا يتواصل معه، لكنه أعرب عن شعوره بأنه ممزق بين أمرين أحدهما أن وقف الحرب سيضعه أمام تهديد سياسي، والثاني أن عدم وقفها يعني دخوله في مواجهة مفتوحة مع واشنطن والداخل الإسرائيلي وربما مع جبهة لبنان.

وأضاف “بالنسبة للسنوار فإن وقف الحرب أيضا سيمثل إشكالية سياسية للسنوار مع فلسطينيي القطاع لأنهم سيسألون عن سبب الحرب كلها إذا كان أقصى ما تحقق هو عودة الوضع السياسي والعسكري لما كان قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي”.

وعن فرص نجاح المقترح المطروح لوقف الحرب، قال فريدمان إن المشكلة تكمن “في أن الأمور تدار من جانب أكثر الناس يمينية في الجانبين”، مضيفا “ما من أحد أضر بإسرائيل أكثر من الحكومة الحالية وبالنسبة لفلسطين فإن حماس هي أكثر من أضر بهم أيضا كما أضرّت طهران بالشعب الفارسي”، حسب تعبيره.

مفترق طرق

وخلص إلى أن الأحداث على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية تشي بأن الأمور تتجه نحو التصعيد والمواجهة الشاملة وهو أمر سيؤدي إلى تدمير لبنان وإسرائيل معا، مضيفا أنها “ستكون حربا مختلفة عن حرب غزة لأن كلا الطرفين لديه صواريخ دقيقة ستجعله قادرا على تدمير الآخر، وربما تتحول إلى حرب إقليمية”.

ولفت إلى أن معادلة الردع التي ضمنت عدم اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله خلال السنوات الماضية بدأت تتآكل، مضيفا “نحن لا نتحدث عن نزاع دولتين وإنما عن الطرف الذي سيفرض سيطرته على تلك المساحة من الأرض”.

وقال فريدمان إن المشكلة “تكمن في أن المتطرفين هم من يجلس في قمرة القيادة ليس في إسرائيل وفلسطين فقط وإنما في المنطقة كلها”، معربا عن اعتقاده بأن الشيء الوحيد الذي يضمن مستقبلا مغايرا “هو وجود دولتين لشعبين”.

وقال إن التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية مقابل حل الدولتين قد يكون بداية لشرق أوسط يضم الجميع، مضيفا أن هذا الأمر يتطلب قيادتين إسرائيلية وفلسطينية مختلفتين للغاية.

وختم بالقول إنه ليس متفائلا بشأن التوصل لاتفاق ينهي الحرب ويعيد الرهائن (الأسرى)، لكنه قال إن بعض القادة يمكنهم اتخاذ قرارات كبرى تقضي على هواجس، غير أنه ليس متأكدا من مدى قدرتهم على القيام بذلك.

——————————————–

Jacobin“: مقابر جباليا الجماعية.. صورة الوحشية الإسرائيلية

بقلم: سراج عاصي

مع دخول الإبادة الجماعية في غزة شهرها الثامن من دون أن تلوّح لها نهاية في الأفق، يغرق الفلسطينيون في أعماق اليأس، ومن دون تدخل عالمي حقيقي لكبح جماحها، فإنّ همجية “إسرائيل” في غزة سوف تستمر بلا هوادة.

مجلة “Jacobin” الأميركية تنشر مقالاً للكاتب سراج عاصي، يتحدث فيه عن مجازر الاحتلال في غزّة عموماً، وفي جباليا خصوصاً، ويشير إلى الدمار الهائل الذي أحدثته قوات الاحتلال في المخيم، وعن المقابر الجماعية التي تتكشف بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مدن القطاع.

 

تنتصب المقابر الجماعية في جباليا كوثيقة علنية على وحشية الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، حيث تواصل قوات الاحتلال الصهيوني قتل أي شيء يتحرك، مستهزئة بشكل صارخ بـ “الخط الأحمر” الذي وضعه جو بايدن في رفح، وتدفع الأزمة إلى مستويات مروّعة.

الخميس الماضي، وبعد 20 يوماً من القصف المتواصل والهجمات البرية، انسحبت القوات الصهيونية جزئياً من مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع بعد تدميره بالكامل، حيث واجه الفلسطينيون موجة جديدة من الرعب، حين سارعوا للبحث عن أحبائهم واكتشفوا مقابر جماعية جديدة وفصلاً آخر من فظائع “إسرائيل”، يضاف إلى سلسلة المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في جميع أنحاء غزة.

وقد تم الكشف عن أكثر من 120 جثة حتى الآن، معظمها مقطع إلى أجزاء، بينها بقايا هياكل عظمية لأم وأطفالها، ومن بين الضحايا طفل مقطوع الرأس تحلل جسده تماماً، ولهذا السبب كافحت العائلات للتعرف إلى أقربائهم من خلال ملابسهم وأحذيتهم، وأشكال أجسادهم، وحتى أسنانهم.

الحقيقة أنّ المشهد يشبه مسلخاً مفتوحاً، مليئاً بالجثث المتناثرة وسط الأنقاض حيث العشرات من الفلسطينيين دفنوا تحتها. ولا تزال الجثث بمعظمها مجهولة الهوية، أو ممزقة أو متحللة بحيث لا يمكن التعرف إليها، كما تحدث تقرير صحفي، أنّ عائلة مكوّنة من 30 فرداً لم يتبق منهم إلا ملابسهم الفارغة بعد تحلل أجسادهم، من بينهم جثة طفل تحلل جسده الصغير في سريره.

الضحايا في جباليا بمعظمهم من الأطفال والنساء، بعضهم استشهد برصاص القناصة الإسرائيليين أثناء محاولته الفرار من المخيم الذي يتعرض للقصف العنيف. ومن بين الضحايا الطفلان نسمة وشقيقها مؤمن وقد استشهدا بقصف صاروخي استهدف منزل عائلتهما. كذلك، أطلقت قوات الاحتلال النار على آخرين بدم بارد داخل منازلهم، وقال رجل يحمل جثة والده المسن “لقد قتلوه في المنزل عندما أطلقوا عليه النار وألقوا عليه صاروخاً من طائرة دون طيار”، كما أطلقت النيران على بعض الضحايا أكثر من مرة، كأنهم قتلوا مرتين، في وقت قامت  الدبابات والجرافات الإسرائيلية بتدمير  القبور في المدافن وجرفها، وحوّلوا المستشفى الإندونيسي في جباليا إلى قاعدة عسكرية ومركز قيادة، بعد أن قاموا بإجلاء قسري لآلاف المدنيين الجرحى والأسر النازحة التي تبحث عن مأوى داخله، من دون وجود أي مكان آمن يذهبون إليه، وتضاؤل أمل الجرحى البقاء على قيد الحياة من دون إمكانية حصولهم على علاج.

محو مخيم جباليا من الخريطة

كان التوغل الإسرائيلي في جباليا أحد أكثر الاعتداءات همجية وتدميراً على الإطلاق. وأفاد الدفاع المدني في غزة أنّ “جيش” الاحتلال الإسرائيلي دمّر أكثر من ألف منزل هناك، وحوّل المخيم إلى أنقاض ومكان غير صالح للعيش. لقد أصبح أرضاً قاحلة لا يمكن التعرف عليها، وهي تعجّ بآلاف النازحين بلا مأوى.

وقالت سعاد أبو صلاح، إحدى العائدات من سكان جباليا، “لقد محيت جباليا من الخريطة”، وشبّه محمد النجار، وهو ساكن آخر مصدوم، المخيم المدمر بمكان “ضربه الزلزال”، وقال إنّ “الدمار الذي لحق بجباليا كان انتقاماً خالصاً ضد الناس والسكان المدنيين”. وبسبب الدمار الذي لا يوصف الذي خلّفته القوات الإسرائيلية، أعلن رئيس لجنة الطوارئ البلدية في شمال غزة، مخيم جباليا للاجئين ومدينة بيت حانون “مناطق منكوبة”. إنّ استخدام صفة منكوبة في هذا الإعلان يثير بشكل لا لبس فيه صدمة النكبة التاريخية للفلسطينيين.

وبهدف تجويع الناجين، أحرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي مرافق تخزين المواد الغذائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا”، والتي تعدّها “تل أبيب” الآن منظمة “إرهابية”. بينما، نشر الجنود الصهاينة صوراً ومقاطع فيديو لأنفسهم، مصحوبة بالموسيقى الفلسطينية التقليدية، وهم يحتفلون بتدمير المنازل والمتاجر ومباني “الأونروا” في جباليا. وعرض قائد دبابة منهم لقطات له وفصيلته وهم يقصفون بشكل عشوائي منازل الفلسطينيين مسلحين بالقنابل الأميركية الضخمة، يفجّرون المستودعات ويقصفون المستشفيات والأسواق والمدارس والملاجئ، وسط هتافات الاحتفال بتدمير آخر سبل البقاء للفلسطينيين في غزة.

مخيم جباليا هو الأكبر من بين 8 مخيمات للاجئين في غزة، اجتمع فيه عقب النكبة في عام 1948، الفلسطينيون الذين تعرضوا للتطهير العرقي واقتلعوا من منازلهم على يد المحتلين الصهاينة. وتضم مساحة المخيم الضيّقة التي لا تتجاوز مساحتها 1.4 كيلومتر مربع، أكثر من 120 ألف فلسطيني، وهو مخيم اللاجئين الأكثر كثافة سكانية على وجه المعمورة. ويشتهر المخيم بصموده وصبره، ما جعله هدفاً متكرراً للاعتداءات الإسرائيلية والمجازر الوحشية. وقد كانت جباليا مهد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، ولقبت بـ “مخيم فيتنام”، ورأس حربة المقاومة بوجه المحتل.

لكن، هجمات الإبادة الجماعية الإسرائيلية ليست في جباليا وحدها، فلم يسلم أي من مخيمات غزة الأخرى منها، وأثناء قصف جباليا، قصفت “إسرائيل” منزلاً في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، ما أدّى إلى استشهاد أسرة مكوّنة من 5 أفراد. وتظهر اللقطات أحد الجرحى وهو يمسك بساقه ويصرخ، “لمن هذه الساق”، وبجانبه والد انهار من الألم وهو راكع على الأرض أمام جثامين أطفاله الشهداء. كذلك، انتشلت فرق الدفاع المدني في غزة، جثتي رجل وامرأة وطفلهما الرضيع من تحت أنقاض منزل شرق القطاع، بعد استشهادهم في غارة جوية ليلية.

قصف المدنيين

تقصف “إسرائيل” الأماكن السكنية بدقّة مروّعة، وتلاحق بشكل خاص الناشطين والمتطوّعين الذين كانت خطيئتهم الوحيدة هي مساعدة الفلسطينيين على البقاء على قيد الحياة، من بينهم عائلة من غزة مكوّنة من ثلاثة أشقاء، كانوا يطبخون ويوزّعون الطعام على الفلسطينيين النازحين لعدة أشهر.

كذلك، قتلت قوات الاحتلال 3 من الطواقم الطبية في سيارة إسعاف لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث تم قصفهم وتناثرت جثثهم إلى أشلاء. وقصفت في مكان آخر، والدة تخبز الخبز، وأطفالاً يبحثون عن الطعام في حي التفاح، وقتلت نجل الصحفي الفلسطيني معتصم دلول، بعد أسبوعين فقط من قتل شقيقه أيضاً، واغتالت الصحفيين علاء الدحدوح وعبد الله النجار.

إنّ آفاق الناجين من المجازر الإسرائيلية قاتمة، فسكان غزة بمعظمهم يتضورون جوعاً تحت الحصار، مع استمرار منع الاحتلال وصول المساعدات، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وفي الأسبوع الماضي، دعت أكثر من 50 منظمة حقوقية دولية إلى إعلان رسمي عن المجاعة في القطاع، مستشهدة باستخدام “إسرائيل” المتعمّد للتجويع كسلاح، وهو ما يشكّل جريمة ضد الإنسانية. وتواصل “إسرائيل” منع وصول الأدوية والمواد الغذائية، وخاصة حليب الأطفال، الذين يتضورون جوعاً حتى الموت أمام آبائهم اليائسين، ويموتون بوتيرة مرعبة. نبيل، طفل مصاب بسرطان الدم، منعه الاحتلال من السفر وتركه ليموت بين ذراعي والدته عند معبر رفح.

لقد قتلت “إسرائيل” حتى الآن أكثر من 37 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم من الأطفال، وما زال أكثر من 10 آلاف مدفونين تحت الأنقاض. ونزح أكثر من مليوني فلسطيني آخرين، واحتلت ثلث أراضي غزة لإنشاء منطقة عازلة وطريق مركزي يقسمها، بينما تقتل عائلات بأكملها وتهدم أحياء بأكملها. إنّ الدمار الذي ألحقه “الجيش” الإسرائيلي مستخدماً القنابل الأميركية بغزة، ليس له سابقة في تاريخ البشرية.

وبعد أن دمرت جباليا، تتوغل قوات الاحتلال الإسرائيلي الآن بشكل أعمق في وسط مدينة رفح، حيث يحتمي ما يقرب من 1.5 مليون فلسطيني نازح. ويعتقد أنّ رفح، التي وصفها مسؤولو اليونيسف بأنّها “مدينة الأطفال”، كانت الملجأ الأخير في غزة قبل أن تغزوها “إسرائيل” في الشهر الماضي، الأمر الذي أدّى إلى سلسلة مروّعة من المذابح ضد المدنيين.

ووفقاً لوكالة “الأونروا”، فقد نزح أكثر من مليون فلسطيني من رفح منذ الغزو الإسرائيلي. وتقول إحدى وكالات الأمم المتحدة إنّ نحو 18500 امرأة حامل في حالة رعب من كابوس القصف الهمجي الذي لا يهدأ في رفح. ووصف مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين ماثيو هولينجورث، رفح بأنّها مكان يسوده زئير القذائف ورائحة الموت.

وتقول مونيكا جونستون، وهي ممرضة أميركية متطوعة في رفح، إنّ “بلدة اللاجئين الصغيرة مكان يمتلئ بالأطفال المصابين بصدمات نفسية”. كذلك، فقد أحد الأطفال يده وساقه أثناء محاولته فتح علبة سمك تونة، تبيّن أنّها مفخخة تركها الجنود الإسرائيليون خلفهم لغرض القتل. طفل آخر، شاهد والده يحترق حياً عندما قصف الاحتلال خيمتهم التي تؤويهم، لينضم إلى أكثر من 25 ألف طفل تيتموا بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل” على غزة. ومما يزيد من مأساة رفح أنّ “الجيش” الإسرائيلي أمر بإخلاء المستشفى الميداني الأميركي على شاطئ رفح، وهو آخر مستشفى ميداني عامل هناك، وبحسب مكتب منظمة الصحة العالمية في فلسطين، أخلت “إسرائيل” مستشفى الهلال الإماراتي الأسبوع الماضي، وهو ما تبقى من المستشفيات العاملة في رفح.

الاستهزاء بـ “الخط الأحمر” الذي وضعه بايدن

إنّ التوغل الإسرائيلي المتعمّق في رفح يشكل سخرية من “الخط الأحمر” الذي حددته إدارة بايدن، والذي أثبت أنّه أجوف وضعيف. وبينما يحتفل قادة الاحتلال الإسرائيلي بالغزو والمجازر المروّعة التي ارتكبوها، تراوح إدارة بايدن في حالة إنكار عميق للأفعال الكارثية  المستمرة  حتى اللحظة.

وفي محاولتها المتواصلة للتقليل من شأن الفظائع التي ترتكبها “إسرائيل”، ذهبت حكومة الولايات المتحدة إلى حد تزوير تقاريرها عن غزة، بهدف الخداع وإعفاء “إسرائيل” من مسؤولية منع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن تؤدي إلى إلزام الولايات المتحدة بخفض مبيعات الأسلحة لـ”إسرائيل” بموجب بند في قانون المساعدة الخارجية.

الأنكى هو دعوة زعيمي الحزبين الجمهوري والديمقراطي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، الذي قد يواجه قريباً مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، إلى إلقاء كلمة أمام الكونغرس الأميركي، مع أنّ هذا الأمر سيؤدي إلى تآكل ما تبقى من كرامة الطبقة السياسية الأميركية، وهي تكافئ “إسرائيل” على جرائم الحرب في غزة، وتشجّعها بشكل لا يتزعزع على مواصلة جرائمها وتغذي طمعها بالإفلات التام من العقاب. وفي محاولة يائسة لإنقاذ “إسرائيل” من العزلة الدولية وإنقاذ فرص إعادة انتخابه لفترة ثانية، وضع جو بايدن خريطة طريق لوقف إطلاق النار يوم الجمعة الماضي، وإن كانت لا تصل إلى حد المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار.

ورداً على تصريحات بايدن، كثفت “إسرائيل” هجومها، وقصفت كل قطاع غزة ورفح بلا رحمة، ونفّذت ما لا يقل عن 10 مجازر ضد المدنيين. منذ تصريح بايدن، قتلت “إسرائيل” أكثر من 160 فلسطينياً. وفي الوقت نفسه، تواصل إدارة البيت الأبيض تزويد “إسرائيل” بحزم بمليارات الدولارات من شحنات الأسلحة والقنابل الضخمة، والتي تسببت في الموت والإصابة والتشريد لأجيال من الفلسطينيين في القطاع.

إنّ شبح المقابر الجماعية في جباليا يلقي بظلال لا تمحى على ضمير الإنسانية. ومع دخول الإبادة الجماعية في غزة شهرها الثامن من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق، يغرق الفلسطينيون في أعماق اليأس، ومن دون تدخل عالمي حقيقي لكبح جماحها، فإنّ همجية “إسرائيل” المضطربة في غزة سوف تستمر بلا هوادة.

——————انتهت النشرة—————-