هآرتس// لا يوجد سلام وأمن لاسرائيل بدون تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، والعكس صحيح

بقلم: شاؤول ارئيلي وآخرين

المذبحة في 7 تشرين الاول والحرب التي اندلعت في اعقابها يجب أن تكون انعطافة في نظرة اسرائيل للنزاع بينها وبين الفلسطينيين. نحن نشاهد مرة اخرى حدود القوة ونتعلم بأن الاعتماد عليها وحدها لا يمكنه ضمان الاستقرار والأمن لسكان اسرائيل. من اجل تحقيق الامن والاستقرار يجب علينا التفكير في طابع الدولة ومكانتها في المنطقة. هل ترغب في الاندماج فيها مع تحقيق حلمها الديمقراطي من خلال الاعتراف بالحقوق الشرعية لجيرانها الفلسطينيين، أو هي ترغب في أن تكون دولة ثكنات تعيش على حد السيف كنبتة غريبة في الشرق الاوسط.

اسرائيل اقيمت بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الكارثة، في اعقاب اعتراف دولي كبير كانت بدايته في وعد بلفور وصك الانتداب، الذي نص على أنه يجب تأمين للشعب اليهودي بيت قومي في وطنه التاريخي، الذي سيكون بالنسبة له “الملاذ الآمن” بعد المطاردة التي كانت من نصيبه لمئات السنين. هذا الاعتراف يعتمد على العلاقة التاريخية للشعب اليهودي بارض اسرائيل والاعتراف بحقه في تقرير المصير مثل كل الشعوب.

لكن دولة اسرائيل لم تنشأ على ارض فارغة. سكانها العرب الفلسطينيون يعيشون في فلسطين/ ارض اسرائيل منذ مئات السنين، وغرسوا جذورهم عميقا فيها. توجد لهم علاقة تاريخية متواصلة مع البلاد التي لا تقل عن العلاقة اليهودية التاريخية بارض اسرائيل كوطن الاجداد.

في فترة قيام الانتداب البريطاني في 1922 فان 90 في المئة من سكان البلاد كانوا من العرب، وكانت بملكيتهم معظم الاراضي الخاصة في فلسطين/ ارض اسرائيل. رغم هذا الواقع إلا أن مبدأ تقرير المصير لم يتم تطبيقه على فلسطين عند صدور صك الانتداب… بسبب التوق للسماح باقامة البيت الوطني اليهودي (تقرير لجنة التقسيم في 1957). لو أن هذا المبدأ تم تطبيقه لكان سيعطي العرب دولة.

فقط في 1947، بعد نضال مدته ربع قرن، ادرك المجتمع الدولي بأنه يوجد للشعبين حق في وطنهما كما احسن حاييم وايزمن في وصف ذلك عندما قال: “الحق يتحقق بالعدالة”. في قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29/11/1947 تقرر تقسيم فلسطين/ ارض اسرائيل الانتدابية واقامة دولتين فيها، يهودية وعربية، تشكل اتحاد اقتصادي (القدس جسم منفصل يكون تحت سيطرة الامم المتحدة). مساحة الدولة اليهودية كانت اكبر (55 في المئة) رغم أن السكان العرب كان عددهم ضعف عدد السكان اليهود تقريبا.

الاستيطان العبري في ارض اسرائيل وافق على خطة التقسيم للأمم المتحدة، في حين أن القيادة الفلسطينية رفضتها وأدت الى اندلاع حرب الاستقلال في 1947. الحرب كانت طويلة، وفي قسمها الثاني بعد الاعلان عن دولة اسرائيل، انضمت ايضا دول عربية للقتال الى جانب الفلسطينيين. نتائج هذه الحرب كانت كارثية على الفلسطينيين (النكبة). قسم منهم تم طرده أو هرب واصبح لاجيء خارج حدود فلسطين/ ارض اسرائيل، ومعظمهم بقوا بعد انتهاء الحرب في المناطق التي بقيت خارج حدود دولة اسرائيل، المعروفة الآن بالضفة الغربية (التي تم ضمها للاردن)، وقطاع غزة (الذي بقي تحت سيطرة مصر).

حكومة اسرائيل برئاسة دافيد بن غوريون تنازلت عن امكانية السيطرة العسكرية في الضفة الغربية في الحرب من اجل الامتناع عن السيطرة على مناطق فيها اغلبية فلسطينية. رغم حدودها الضيقة إلا أن اسرائيل قبل حرب الايام الستة (1967) تعاملت بشكل جيد مع الاخطار الامنية من قبل جيرانها، والعقد بين عملية سيناء في 1956 وبين حرب الايام الستة كان العقد الاكثر هدوءا وأمنا في تاريخ اسرائيل، طالما أننا نتحدث عن العمليات الارهابية والاخطار الامنية من الضفة الغربية وقطاع غزة.

الكثير من دول العالم اعترفت باسرائيل بعد حرب الاستقلال، وخطوط الهدنة من العام 1949 اصبحت حدود الدولة عند اندلاع حرب الايام الستة. هذه الحرب أدت الى تغيير جغرافي كبير في مساحة ارض اسرائيل التي تخضع لسيطرة اسرائيل (خطوط 1967). اسرائيل قامت باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنذ ذلك الحين هي تسيطر، مباشرة أو غير مباشرة، على الشعب الفلسطيني الذي يعيش في هذه المناطق.

رغم أن رئيس الحكومة في حينه، ليفي اشكول، كان يعتقد بأنه يجب الاحتفاظ بالمناطق المحتلة كوديعة الى حين التوصل الى اتفاق دائم، إلا أنه عمليا حكومات المعراخ عملت حسب خطة ألون التي تضمنت الاستيطان في المناطق. هكذا، بعد الحرب بدأ الاستيطان في المناطق المحتلة، في الضفة وفي القطاع. غوش ايمونيم التي تشكلت في 1974 كانت الناطق بلسان حركة الاستيطان المسيحاني، وحصلت على الدعم الكبير من القيادة الاسرائيلية الجديدة برئاسة مناحيم بيغن (الليكود) بعد انتخابات 1977.

رغم أن اسرائيل اعترفت بقرار مجلس الامن 242 الذي صدر في تشرين الثاني 1967، “الارض مقابل السلام”، هي عمليا رفضته لصالح الاستيطان في كل ارض اسرائيل الانتدابية وحتى خارجها، في شبه جزيرة سيناء وفي هضبة الجولان. في اسرائيل اخذ يتبلور منذ ذلك الحين طموح مسيحاني غير اخلاقي وغير واقعي، الذي بحسبه يجب “انقاذ” كل ارض اسرائيل رغم أنه في اجزاء كبيرة منها يعيش شعب آخر منذ مئات السنين، ورغم أن هذا الامر يخالف القانون الدولي. عن تحقيق العدالة بين الشعبين اللذين علاقتهما بالوطن المشترك قوية، لا يتحدثون. ولا يتحدثون ايضا عن الخطر الامني الذي ينطوي عليه هذا الطموح المسيحاني.

الانتفاضة الاولى التي اندلعت في القطاع في كانون الاول 1987 اوضحت بشكل جيد أن السيطرة على شعب آخر ستكون مقرونة بأعمال غير اخلاقية وستجبي منا ثمنا لا يمكن تحمله. في اعقاب ذلك تبلور في اوساط القيادة المسؤولة في اسرائيل الادراك بأنه يجب انهاء النزاع بين الشعبين من خلال تقسيم البلاد بينهما، بدءاً باسحق رابين (“موضوع الانفصال يعتبر أمر رئيسي”)، ومرورا باهود باراك (“الانفصال يعتبر حاجة وطنية عليا، بالنسبة للديمغرافيا والهوية والديمقراطية الاسرائيلية”)، واريئيل شارون (“آمنت وأملت أن نستطيع الاحتفاظ الى الأبد بالمناطق، ولكن الواقع المتغير في البلاد وفي المنطقة وفي ارجاء العالم، كل ذلك اجبرني على اعادة النظر وتغيير المواقف”)، وانتهاء باهود اولمرت (“إما دولتين وإلا فان اسرائيل ستنتهي”).

هكذا توصلنا الى اتفاقات اوسلو في 1993، والمفاوضات في انابوليس في 2008، والأمل في انهاء النزاع وتحقيق العدالة للشعبين، مع أخذ الواقع الذي نشأ بعد حرب الاستقلال في الحسبان، واجراء تعديلات صغيرة حسب خطوط 1967. في نفس الوقت معظم الجمهور الاسرائيلي وافق على هذا الموقف وأيده.

لكن قوى متطرفة في الشعبين أدت الى افشال اتفاقات اوسلو. بعد قتل رابين، الذي كان مؤيدا لهذه الاتفاقات وانهاء النزاع بين الشعبين مقابل اعادة اراض واعطاء حق تقرير المصير للفلسطينيين في المناطق. وبسبب أن المفاوضات في كامب ديفيد في تموز 2000 حول الاتفاق الدائم فشلت، واندلاع الانتفاضة الثانية، بدأ الجمهور اليهودي في اسرائيل يبتعد عن فكرة تقسيم البلاد الى دولتين. هذا الابتعاد الذي تعمق في فترة حكم بنيامين نتنياهو أدى الى اليأس في اوساط الفلسطينيين وازدياد العمليات الارهابية ضد الاسرائيليين، التي وصلت الى الذروة في مذبحة 7 تشرين الاول.

الآن ايضا، بعد مرور ثمانية اشهر على مذبحة تشرين الاول، توجد مواقف مسيحانية قومية متطرفة في اوساط الاسرائيليين، تدعو الى استيطان كل الاراضي بين البحر والنهر، وضم المناطق والسيطرة على الشعب الفلسطيني الذي يعيش فيها. القيادة السياسية الحالية يوجد لها دور حاسم للدفع قدما بهذه المواقف، التي تسعى الى اقامة دولة يهودية بين البحر والنهر، التي ستحقق حسب رأيهم تفوق الشعب اليهودي على الشعب الفلسطيني الذي يعيش بجانبه. فكرة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير المستقل واستقلاله السيادي تم طمسها وتقريبا محيت من الخطاب في اوساط الجمهور الاسرائيلي. على أي حال هي فكرة غير قائمة في اوساط القيادة الاسرائيلية الحالية. هذه المقاربة تجسد غياب القيم الاخلاقية والعدالة في العلاقة بين الشعبين، وتستخف بالمقاومة التي تثيرها في الشعب الفلسطيني وفي العالم وتتجاهل الاخطار الامنية الحقيقية المقرونة بها، والتي تهدد مجرد وجود اسرائيل كدولة يهودية مع اغلبية يهودية صلبة.

هذا الوضع يقتضي، الآن أكثر مما كان في السابق، بلورة حركة شعبية يهودية في البلاد وفي العالم تعترف بالصلة العميقة للشعب الفلسطيني مع المناطق بين البحر والنهر، والاعتراف بحقوقه الطبيعية والشرعية في تقرير المصير والاستقلال واقامة دولة ذات سيادة قابلة للحياة في هذه المناطق الى جانب دولة اسرائيل. فقط هكذا سيكون بالامكان تصحيح الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني نتيجة استثناء فلسطين/ ارض اسرائيل في مبدأ تقرير المصير من العام 1922، والاثمان التي دفعها في اعقاب حرب الاستقلال في 1948 (النكبة)، والاحتلال في حرب الايام الستة. فقط هذا التصحيح يمكن أن ينهي النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، وهكذا فقط يمكن ضمان وبحق أمن دولة اسرائيل وأمن سكانها.

نحن ندرك المشاعر القوية لدينا فيما يتعلق بالعلاقة التاريخية مع ارض اسرائيل كوطن الآباء، وندرك الصعوبة العاطفية العميقة للكثيرين في التنازل عن اجزاء من الوطن التاريخي، لكن يجب الفهم والادراك بأنه ايضا للفلسطينيين توجد صلة تاريخية بهذه البلاد. في الحقيقة هذه العلاقة بدأت قبل مئات السنين، وليس قبل آلاف السنين، مثل علاقة الشعب اليهودي. ولكنها ليست اقل عمقا من علاقة الشعب اليهودي بهذه البلاد.

الصلة التاريخية تقوم على الاستيطان والتحضر وحياة الناس وأجدادهم في ارض اسرائيل. لذلك فانه بدون التنكر لمشاعر ابناء الشعبين والصعوبة في التنازل عن اجزاء من الوطن، لا يوجد خيار آخر عدا تقسيمها الى دولتين، مع ضمان الترتيبات اللازمة للحفاظ على أمن اسرائيل.

لا يوجد سلام وأمن لاسرائيل بدون تحقيق العدالة للعشب الفلسطيني. ولا توجد عدالة للشعب الفلسطيني بدون سلام وأمن لاسرائيل. هذه الامور مندمجة ولا يمكن فصلها. هذه هي الطريقة الصحيحة لحل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، وهذه هي الطريقة الصحيحة لضمان وجود وسلامة وأمن ابناء الشعبين اللذين يسعيان مثل كل بني البشر الى حياة سلام وطمأنينة واخوة في دولتيهما المستقلتين والحرتين في الوطن المشترك بين البحر والنهر.