ترامب يتلقى الرصاص فيسارع نتنياهو إلى طرح نفسه ضحية للتهديد بالقتل

إلى جانب الجدل الداخلي في إسرائيل حول مستقبل الحرب المتوحشة على غزة، وحول مستقبل الصفقة المطروحة، يتواصل جدلٌ آخر، منذ محاولة اغتيال دونالد ترامب، حول السؤال من هو الضحية، ومن هو الجلاد؟ نتنياهو؟ أم خصومه؟

وطبقاً لما نشر في وسائل إعلام عبرية، اليوم، فقد سارع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، منذ الكشف عن إطلاق الرصاص صوب ترامب، بعد منتصف ليلة السبت الماضي، للتشاور مع طاقم الدعاية الخاص به، للنظر كيف يمكن الإفادة من الحادثة، واستخلاص الدروس، ومنع وقوع حادثة مشابهة في إسرائيل، نتيجة “التحريض” عليه.

سجلّ نتنياهو السياسي حافل بالأمثلة على كونه حيواناً سياسياً يتغذّى على التحريض، وشيطنة الآخرين، وتهويش اليهود على العرب، وتهويش اليمين على اليسار..

تزعم الرواية المعلنة لنتنياهو وأبواقه في الحكومة والإعلام أنه معرّض هو الآخر لخطر الاغتيال السياسي، بسبب “شيطنته والتحريض عليه”. هذا ما تبثّه ماكنة الدعاية الخاصة بنتنياهو، “ماكنة بث السم”، كما يقول معارضوه، لكن على أرض الواقع الحقيقة مقلوبة، فهو المحرض الأكبر على كل من يعارضه، هو وحاشيته ومريدوه، وليس فقط على الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وسجلّه السياسي حافل بالأمثلة على كونه حيواناً سياسياً يتغذّى على التحريض، وشيطنة الآخرين، وتهويش اليهود على العرب، وتهويش اليمين على اليسار الخ…

هذه المرة، “طلع نتنياهو “ترامب” على ترامب”، هكذا يقول محلل الشؤون السياسية والحزبية في صحيفة “هآرتس” يوسي فرطر، اليوم الإثنين، الذي يتهم نتنياهو باستغلال إطلاق الرصاص على الرئيس الأمريكي السابق، واستخدام الحادثة “توصيلة” إلى مآربه، بعرض نفسه ضحية تستدرّ التعاطف.

ويؤكد فرطر أن نتنياهو يتباكى على “تحريض” ضده، لكن الهدف الحقيقي لحملته هو المستشارة القضائية للحكومة.

وفي التفاصيل يضيف فرطر: “بعد محاولة اغتيال ترامب، اجتمع طاقم مساعدي نتنياهو المختص بالدعاية، خاصة في منتديات التواصل الاجتماعي: جمعوا من الشبكة بعض التصريحات الانفعالية الصادرة عن مناهضي نتنياهو التي يجانب بعضها بالتحريض للوهلة الأولى. وقد اجتمعت الحكومة ساعتين للنظر بالتحريض ضد نتنياهو.. وهذا يثير الضحك، بل البكاء على ما وصلناه”.

سارة نتنياهو

وهناك مؤشرات كثيرة على أن زوجة نتنياهو، سارة نتنياهو، لا تكتفي بالمشاركة في حملة “تمسكن” زوجها، بل هي محركة العملية التي تطعن أوساط المعارضة، وأصوات الناقدين لـ “العائلة الحاكمة”، في محاولة لتحسين صورتها، وإخراس الاحتجاجات والانتقادات ضدها.

في اليومين الأخيرين، تقول سارة، في تصريحات وتسريبات، إنها تخشى على حياة زوجها، وحياة ولدها يائير، المقيم في الولايات المتحدة، رغم أنه يستمتع في أوقاته هناك، ولا يعمل، بل ولم يؤد الخدمة العسكرية من قبل.

ويثير ذلك ردود فعل إسرائيلية طبيعية تسخر من حملة “تمسكن نتنياهو”، فتحت عنوان “يطلقون النار ويبكون” يقول المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع إن الاحتجاج ضد نتنياهو وحكومته ينزلق أحياناً لدعوة للعنف، لكن لا حاجة للتحريض ضدها، إذ يكفي استذكار الحقائق: في حكومة نتنياهو وزراء مدانون بالعنف والإرهاب، ونتنياهو نفسه يزرع الفُرقى، ويصمت على تحريض ولده ضد خصومه بشكل فظّ”.

يحرضون ويبكون

وتكرس صحيفة “هآرتس” افتتاحيتها، اليوم، لهذا الموضوع وتؤكد أن نتنياهو هو المحرض القومي، فهو لا يفوت فرصة لقلب الحقائق ويطرح الجلاد ضحية، منوهة أنه، في الأمس، سجل نتنياهو ووزراؤه ذروة جديدة في الوقاحة وانعدام الخجل، ببحثهم في اجتماع الحكومة، طيلة ساعتين، “التحريض ضد رئيس الحكومة”، مع العلم أن نتنياهو وثلته هم من يحرضون على الآخرين، خاصة ضد المستشارة القضائية للحكومة، لأنها ترفض أن تكون دمية بأيديهم. وبعكس مزاعم نتنياهو وزمرته، تؤكد “هآرتس” أن الاحتجاجات ضد الحكومة، قبل وبعد الحرب، ليست خطيرة، ولا عنيفة”.

سارة نتنياهو هي محركة العملية التي تطعن أوساط المعارضة، وأصوات الناقدين لـ “العائلة الحاكمة”، في محاولة لتحسين صورتها، وإخراس الاحتجاجات

نتنياهو جيد لليهود

وهذا ما يؤكده سجل نتنياهو منذ اعتلى سدة الحكم للمرة الأولى عام 1996، فقد اختار التحريض والتهويش منهجاً جوهرياً لحملته الانتخابية، بنصيحة مستشار إعلامي تم استحضاره من الولايات المتحدة يدعى آرثر فينكلشتاين، الذي نصحه باعتماد شعارات تحريضية على عدة جهات، منها منافسه شيمون بيرز مرشح “العمل”: “بيرز يقسم القدس”، أو شعار “نتنياهو جيد لليهود”، و”العدو الأخطر موجود بيننا”، وذلك للتحريض غير المباشر على العرب، فلسطينيي الداخل، كونهم يهدّدونه انتخابياً. وسبق تلك الانتخابات، التي تغلّبَ فيها نتنياهو على بيريز بفارق ضئيل جداً، أن شارك نتنياهو بحملات تحريض على رابين حتى اغتياله، من خلال الزعم أن “رابين خائن”، ونشر صوره معتمراً الكوفية الفلسطينية تارة، أو يرتدي زي النازية تارة أخرى. وتكررت منهجية التحريض على الخصوم والمعارضين كل الوقت، وكانت تبلغ ذروتها في كل جولة انتخابية، ففي 2015، أقدم على تهويش اليهود على فلسطينيي الداخل، في شريط فيديو قال فيه، صباح يوم الانتخابات، للكنيست إن “العرب يتدفقون في حافلاتهم لصناديق الانتخابات لتغيير جوهر وروح الدولة اليهودية”.