إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 5/1/2025 

رؤيا الحكومة لتهويد النقب اصبحت تهديدا وجوديا على سكان القرى غير المعترف بها

بقلم: عيدان سولومون

كلما اقترب العام 2024 من نهايته فان ضائقة سكان القرية البدوية رأس جرابة تتفاقم. قبل ستة اشهر حكمت المحكمة بهدم هذه القرية في 31 كانون الاول سببب توسيع مدينة ديمونة القريبة منها. وهم لم يكن بامكانهم السماح بذلك. رأس جرابة اقيمت قبل اقامة ديمونة. والصور الجوية التي تم تقديمها للمحكمة اثبتت أنه في العام 1956 كانت قائمة في المكان الحالي. في بداية الاسبوع الماضي شعر سكان القرية براحة مؤقتة عندما وافقت المحكمة العليا على طلبهم تأجيل هدم القرية فقط لمدة ثلاثين يوم. ايضا هذه انباء مشجعة اذا اخذنا في الحسبان تصميم الحكومة الحالية على اخلاء القرى غير المعترف بها في النقب واقامة مستوطنات جديدة لليهود في مكانها.

الدليل على ذلك هو أنه منذ تشكيل الحكومة الحالية فان الدولة قامت بهدم قرى غير معترف بها، وادي خليل وأم الحيران، وهي في عرعرة وحيين في القرية غير المعترف بها أم متنان والحبل على الجرار. اضافة الى ذلك في اللجنة الوزارية لشؤون المجتمع البدوي تم عرض مؤخرا عدد، بحسبه في 2024 كان ارتفاع 400 في المئة في تنفيذ اوامر الهدم في النقب. في نفس الجلسة صادقت اللجنة على توسيع “خطة التركز” الى مناطق اخرى، التي بلورها الوزير عميحاي شكلي والتي تهدف الى تجميع سكان القرى غير المعترف بها في عدد من القرى البدوية، وتجاهل دعاوى ملكيتهم للارض.

في موازاة ذلك الحكومة تدفع قدما بخطة ستمكن من نقل آلاف البدو، الذين قراهم غير منظمة، الى منشأة كرفانات مؤقتة، التي ستقام في قرى معترف بها، ومستوى البنى التحتية فيها ستكون اقل من المطلوب في القرى المنظمة. البيوت المؤقتة محدودة بخمس سنوات، لكن لا يوجد في الخطة أي تعليمات تلزم السلطات بتطوير في هذه الفترة بنى تحتية دائمة مطلوبة. حسب واضعي الخطة فهي تستهدف التمكين من الاخلاء السريع للسكان البدو، وتحويل شمال النقب الى منطقة مهجرين، ظروف حياتهم غير مناسبة. 

محاولة اخلاء القرى غير المعترف بها، أو اقامة قربها بلدات تقيد توسعها، لا تقتصر فقط على الحكومة الحالية. ولكن القرارات التي اتخذتها الحكومات السابقة في هذا الامر على الاغلب لم تطبق. عمليا، منذ اخلاء قرية العراقيب غير المعترف بها في الخمسينيات، تمت اعادة بناءها وهدمت في 2010 وبنيت ثانية عشرات المرات، لم تخرج الى حيز التنفيذ اوامر هدم بهذا الحجم. اضافة الى ذلك عندما طلبت الدولة من التجمعات البدوية اخلاء بيوتها قبل بضعة عقود، تم ايجاد مكان بديل للسكان تمت الموافقة عليه. الآن الاخلاء يتم تنفيذه حتى لو لم يتم ايجاد حل مناسب للسكان يوافقون عليه، حتى لو كانت الدولة هي التي وطنتهم في تلك المنطقة مثلما هي الحال في حالة أم الحيران.

فقط قبل ستة اسابيع قامت الدولة باخلاء القرية غير المعترف بها بدون التوصل الى اتفاق مع السكان، قبل اقامة المستوطنة اليهودية درور في مكانها. معظم المخلين انتقلوا للسكن في المجلس المحلي في حورة، وبعضهم نجحوا في بناء هناك بيوت جديدة. آخرون يعيشون في بيوت مرتجلة ومؤقتة، ويمكن أن يتسلموا هناك ايضا اوامر هدم.

عندما تم هدم أم الحيران بقيت في النقب 35 قرية بدوية غير معترف بها. 10 منها معدة للهدم، البقيعة، أم البدون، رأس جرابة، تل عراد، عتير، البات، أم رتام، الضاحية، كركور والسير. في بعض الحالات تخطط الدولة لاقامة مكانها مستوطنة يهودية جديدة أو توسيع مستوطنة قائمة. وفي حالات اخرى فان نية هدم القرى تنبع من خطة لوضع مكانها بنى تحتية مثل الشوارع أو توسيع مناطق صناعية قائمة. على أي حال، هذا الامر تم كجزء من سياسة بعيدة المدى لعدم الاعتراف بالقرى البدوية ومنع توسعها الطبيعي.

بقوا خارج المدينة

رأس جرابة يتوقع أن تكون التالية في قائمة الهدم. القرية التي يعيش فيها حوالي 500 شخص اقيمت على اراض كانت في السابق تعود لابناء قبيلة الهواشلة، والآن هي مسجلة كاراضي دولة. هي توجد شرق ديمونة، هناك يتم التخطيط لاقامة حي جديد، الذي حسب ادعاء الدولة يقتضي هدمها.

في 2019 قدمت سلطة اراضي اسرائيل دعوى اخلاء ضد السكان، بذريعة أن هناك حاجة الى اراضي القرية لتوسيع المدينة. وردا على ذلك فقد طلب السكان الاندماج في خطة “شرق ديمونة” كحي خاص داخل حدودها، بما يشبه الوضع في احياء عربية توجد في مدن يهودية اخرى. جمعيات “بمكوم” و”عدالة”، التي رافقت السكان، عرضت بديل للخطة يسمح بدمجهم في الخطة الهيكلية لديمونة. ولكن هيئة تطوير وتوطين البدو في النقب رفضت ذلك. 

الهيئة اقترحت على السكان الانتقال الى قرية قصر السير البدوية، التي توجد شمال غرب ديمونة. ولكنهم رفضوا ذلك لأن عدد من البدو الآخرين يدعون ملكيتهم للاراضي. في اعقاب ذلك وافقت المحكمة المركزية في بئر السبع على ادعاء سلطة اراضي اسرائيل بأن سكان رأس جرابة هم الذين يرفضون وغير معنيين بقبول الحلول التي عرضت عليهم. وقررت بأنه اذا لم يقم السكان باخلاء المنطقة حتى نهاية 2024 فان سلطة اراضي اسرائيل ستكون مخولة باخلائهم. 

مع ذلك، المحكمة المركزية لم تبت في امكانية دمج سكان رأس جرابة في الحي الجديد الذي سيتم بناءه في ديمونة. السكان اعترضوا في المحكمة العليا، التي بدورها قررت بأن هدم القرية سيتم تأجيله، وأن سلطة اراضي اسرائيل ستقدم في غضون 30 يوم رد على طلب السكان في اجراء قانوني منفصل. في هذه الاثناء تمت المصادقة على خطة “شرق ديمونة”. 

باستثناء قرية رأس جرابة فان الدولة تريد هدم ايضا قرية تل عراد وقرية عتير. في مكان تل عراد الدولة تريد اقامة مفئوت عراد – خمس مستوطنات جديدة واحدة منها مخصصة للبدو. عدد سكان تل عراد بضعة آلاف، وحسب التقدير فانه لن يتم ايجاد مكان للجميع في القرية البدوية التي يخطط لبنائها. على بعد مترين عن مكان القرية البدوية عتير، التي ستهدم ايضا، تخطط الدولة لاقامة مستوطنة اسمها يتير، مخصصة لاتباع حباد.

رئيس المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، عطية العاصم، قال: “يوجد للحكومة هدف مزدوج: مصادرة اراضي البدو ومنعهم من اقامة عائلات. هذا يتجلى في تدمير قرى بالكامل ولا يسمحون بالبناء ولا يخططون لبناء بيوت جديدة، حتى في البلدات التي حصلت على الاعتراف. هناك حوالي 30 ألف بدوي في القرى التي حصلت على الاعتراف، لكن في كل سنة الدولة تسمح لهم ببناء تقريبا اربعة بيوت جديدة. في نهاية المطاف الحكومة تريد محاربة ديمغرافيا البدو”.

القرار سياسي وليس تخطيطي

في العقد الاخير صادقت الحكومة على اقامة 18 مستوطنة جديدة في النقب، 16 منها مخصصة لليهود: 5 مستوطنات في مفئوت عراد، 5 على طوال الشارع 25، 2 للحريديين، و6 في ارجاء النقب. اضافة الى ذلك اعترفت الدولة بالقرى البدوية خشم زانة وعبدة ورحمة. الهدف العلني لهذه المستوطنات هو تعزيز الاستيطان اليهودي في النقب وجذب سكان يهود من مركز البلاد الى الجنوب. عمليا، في الوقت الذي تخصص فيه الدولة مناطق واسعة لاقامة مستوطنات جديدة لليهود، تقوم بتقليص اراضي السكان البدو وتمنع تنظيمها. 

مع ذلك، قرار المصادقة على اقامة مستوطنة جديدة لا يضمن أنها ستقام بالفعل. ففي حالات كثيرة هذا الامر استهدف خدمة دوافع سياسية. الاغلبية الساحقة من المستوطنات الجديدة التي يتم التخطيط لاقامتها في النقب لم تصل بعد الى مرحلة التخطيط الاولية في اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء. اضافة الى ذلك، رسميا يعارضون في ادارة التخطيط وفي وزارة المالية اقامة مستوطنات جديدة مقرونة بتكلفة ضخمة، والرؤيا هي أن هذا الامر سيؤدي الى تبذير اموال الجمهور وسيضر بالمناطق المفتوحة وسيضعف المدن الموجودة في النقب.

حتى الآن بؤرة الاحتكاك المستقبلية الاكثر اشتعالا هي تواصل المستوطنات التي تمت المصادقة على بنائها على طوال الشارع 25 بين بئر السبع وديمونة. تقريبا كلها يتم التخطيط لبنائها على اراضي القرى البدوية غير المعترف بها أو قربها، الامر الذي سيجبر السكان الحاليين على الاخلاء. النية هي تجميعهم في قرى بدوية قائمة، بدون مناقشة طلباتهم وادعاءات ملكيتهم للاراضي في النقب. حسب اقوال المخططين والنشطاء فان هذا القرار هو قرار سياسي ويتجاهل موقف المهنيين الذين يؤيدون الاستثمار في المدن القائمة بدلا من الضواحي.

معيجل الهواشلة، مركز ميداني في المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، قال بأنهم في المجلس لا يعارضون اقامة بلدات يهودية جديدة لأنه “يوجد في النقب ما يكفي من الاراضي للجميع. نحن ضد تهجير القرى البدوية وبناء مستوطنات يهودية في مكانها. نحن عملنا خطة بديلة بمشاركة مهنيين للقرى غير المعترف بها، وارسلناها الى كل الجهات في الدولة. المرة الاولى التي ارسلناها فيها كانت في 1999، وقبل اربع سنوات جددناها وارسلناها مرة اخرى. ولكننا لم نحصل على أي رد”.

في هذه الاثناء تم اعطاء البلدات التي تمت المصادقة على اقامتها على طول شارع 25 اسماء مؤقتة: نفاتيم جنوب، عومريت، جفعوت عداريم، تيلم، تلما وتاليا. الدولة قامت بتخصيصها للسكان اصحاب الطبقة العليا، وهي تعتبر بلدات مجتمعية أو متعددة التجمعات لسكان متدينين وعلمانيين. عومريت مثلا يخطط لاقامتها على اراضي القرية غير المعترف بها الزرنوك، التي يعيش فيها 5500 نسمة، وفيها مدارس وعنقود من رياض الاطفال وعيادة وما شابه؛ مستوطنة تاليا يتوقع اقامتها اعلى مستوطنة أم متنان التي يعيش فيها 1500 نسمة.

رئيس المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب قال إن تخطيط بلدات يهودية جديدة على اراضي القرى البدوية هو “ذروة العنصرية. يقومون باقتلاع اشخاص يوجدون على الارض قبل قيام الدولة فقط لأنهم بدو. وفي نفس الوقت يبحثون عن يهود لتوطينهم مكانهم. لا أعرف اذا كانت هناك دولة ديمقراطية اخرى يمكن أن يحدث فيها مثل هذا الامر. ولكن في اسرائيل، مع هذه الحكومة، يبدو أن كل شيء مسموح – العنصرية، تهجير الناس وهدم البيوت – كل ذلك فقط للبدو”.

من سلطة البدو جاء: “نحن غير مسؤولين عن بناء البلدات اليهودية، بل عن تنظيم السكان البدو الذين يعيشون بصورة غير قانونية داخل وخارج القرى. وبخصوص امكانية دمج السكان البدو في البلدات اليهودية فان هذا ليس من مهمة السلطة أو من صلاحيتها. منذ 2015 تقرر اقامة خمس قرى بدوية جديدة، باستثناء مروة التي ستقام في اطار مفئوت عراد – في 2015 وادي النعام، وفي 2022 تقرر اقامة قرية رحمة وعبدة وخشم زانة، في 2006 تقرر اقامة قرية الفرعة.

——————————————-

إسرائيل اليوم 5/1/2025

حاليا في لبنان: وقف نار مع موعد انتهاء

بقلم: ايال زيسر

بعد بضعة أسابيع ستنتهي المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار بين إسرائيل وحزب الله، تلك الستين يوما التي في نهايتها يفترض بقوات الجيش الإسرائيلي ان تنهي انسحابها من جنوب لبنان. 

حكومة لبنان من جهتها لا تضيع الوقت وتحتج بصوت عال على الخروقات الإسرائيلية للاتفاق، أي تلك العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي كي يدمر البنية التحتية العسكرية التي خلفها حزب الله في القرى الشيعية على طول خط الحدود مثلما هي أيضا الهجمات المركزة في كل ارجاء لبنان والتي تستهدف احباط محاولات حزب الله إعادة بناء قدراته العسكرية وتهريب السلاح الى لبنان. 

غير أنه ينبغي ان نذكر ونُذكر بان الاتفاق لا يستهدف، بخلاف ادعاء لبنان، ان يؤدي فقط الى وقف نار وانسحاب مقاتلي حزب الله من المنطقة التي في جنوبي الليطاني. هدفه هو تدمير القدرات العسكرية لحزب الله ابتداء من جنوب الليطاني لكن في سياق الطريق أيضا في كل أراضي لبنان، مثلما هو أيضا لمنع ايران من ان تحول اليه صواريخ ووسائل قتالية متطورة. 

على أي حال، المرحلة الأولى من الاتفاق لم تستهدف ان تكون اختبارا لإسرائيل، بل لحكومة لبنان ولجيشها: هل سيتمكنان، وقبل ذلك هل سيرغبان على الاطلاق، في أن يصدما بحزب الله ويفرضا عليه تنفيذ شروط الاتفاق. الجواب واضح – حكومة لبنان وجيشه لا يريدان بل ولا يستطيعان الصدام مع حزب الله وعليه فهما يتركانه يفعل ما يشاء. 

والدليل، في جنوب لبنان ينشر الجيش اللبناني قواته، لكنه لا يعمل كي يفكك البنية التحتية العسكرية لحزب الله أو يبعد المخربين، لا في جنوب لبنان ولا في مناطق أخرى من الدولة. 

يجدر بالذكر ان حزب الله ضرب بشدة في اثناء الحرب لكنه لم يصفى. فإسرائيل وافقت على وقف النار وبذلك منحته حبل نجاة وسمح له بان يبقى على قيد الحياة. 

حتى لو افترضنا بان نحو ثلاثة ارباع ترسانة الصواريخ التي كانت لدى الحزب عشية الحرب دمر، تبقى لديه اكثر من 40 الف صاروخ: وحتى لو افترضنا بان نحو 5 الاف من مقاتليه صفاهم الجيش الإسرائيلي، تبقى له عشرات الاف النشطاء والمقاتلين. 

حزب الله حصل على وقف النار وهو أيضا لا يرد حاليا على استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي ضده. لكن في اللحظة التي يتبين له بان وقف النار أصبح مستقرا ودائما، سيرفع رأسه من جديد ويبدأ بإعادة بناء قدراته العسكرية. وواضح ان أحدا في لبنان لن يتمكن من الوقوف في وجهه – لا الرئيس الذي سينتخب في الأيام القادمة ولا الحكومة الخاضعة على أي حال في سيطرة حزب الله، ولا الجيش اللبناني. وكما درج على القول في لبنان: اذا قرر حزب الله احترام اتفاق وقف النار – فلا حاجة حتى لجندي لبناني واحد في جنوب لبنان، لكن اذا ما قرر حزب الله خرق الاتفاق والإبقاء على تواجد مسلح في جنوب الليطاني، فانه حتى 100 ا لف جندي لبناني لن يتمكنوا منه. 

إسرائيل تتمتع اليوم بتفوق واضح على حزب الله. لكن هذا يمكن أن ينقضي لان إسرائيل ستتفرغ لتحديات أخرى تقف امامها ولن ترغب أيضا في خرق الهدوء في الشمال، بخاصة بعد ان يبدأ سكان الشمال بالعودة الى بيوتهم. اما حزب الله بالمقابل، مثل حماس أو داعش، فهو تنظيم يفكر ويعمل بتعابير السنين بل والعقود، ومنظومة اعتباراته ليست منظومة ربح وخسارة بتعابير غربية.

وعليه، فمحظور على إسرائيل العودة الى سياسة الاحتواء التي اتبعتها في العقود الماضية والى عصر معادلات حسن نصرالله، للرد والرد المضاد. محظور عليها أيضا ان تعلق آملها بالجيش اللبناني او باليونيفيل، ولا حتى بلجنة المتابعة الدولية لتنفيذ الاتفاق، التي كما هو معروف تنقصها الاسنان.

الجانب اللبناني لا يستطيع ولا يريد ان ينفذ اتفاق وقف النار، وهكذا فانه يخرقه. على إسرائيل أن تعمل بقوة في كل ارجاء لبنان حتى بثمن انهيار الاتفاق. الطريق للتصدي لتنظيم مثل حزب الله لا يكون من خلال التفاهمات والاتفاقات بل من خلال استخدام القوة. 

——————————————-

هآرتس 5/1/2025

الحلم الذي انهار والحلم الذي انتصر في الشرق الاوسط 2024

بقلم: درور زئيفي

ثلاثة احلام كبيرة تتصارع فيما بينها على مستقبل الشرق الاوسط. كل حلم يطرح البديل الخاص به. العام 2024 غير بشكل جذري العلاقة بين هذه الاحلام وفتح الافق لتغييرات دراماتيكية في السنة القادمة. الحلم الاول، حلم علي خامنئي وشريكه السابق حسن نصر الله، كانت له عدة اهداف، من بينها نشر افكار الثورة الاسلامية في العالم العربي، وتوسيع سيطرة الشيعة في كل المنطقة وخارجها، والسعي العنيد الى تصفية الدولة اليهودية. حتى العام 2014 آمنوا بأن هذه الاحلام ستتحقق. العراق سقط في أيديهم بعد غزو الولايات المتحدة في 2003، وحزب الله سيطر على لبنان بدون رد حقيقي من قبل اسرائيل؛ بعد مساعدتهم في انقاذ نظام الاسد من الانتفاضة الشعبية ضده ايضا سوريا سقطت في يدهم.

الهلال الشيعي تم استكماله، ايران قامت ببناء تواصل بري تحت سيطرتها من شرق حدود باكستان وحتى البحر المتوسط. الاحتلال الحوثي في شمال اليمن اضاف ايضا ذراع في الجنوب، والعلاقات التي نسجتها مع قيادة حماس والجهاد الاسلامي اضافت غزة لهذه الذراع، ويهودا والسامرة، وطوقت العدو من كل اتجاه. ولكن الرهان الاستراتيجي الكبير ليحيى السنوار، من اجل اشعال كل هذه الساحات في القتال ضد اسرائيل في نفس الوقت، فشل، وحلمهم الكبير تحول الى كابوس. في 2024 فقدت طهران تقريبا كل ذخائرها في الشرق الاوسط، وما بقي يهدده الخطر. الوضع خطير جدا، الى درجة أن الكثير من المراقبين يتوقعون هزة داخل ايران في السنة القادمة الى درجة اسقاط النظام.

الحلم الثاني، الحلم المشترك لبنيامين نتنياهو والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حاكم الامارات، هو تحالف كبير بقيادة مشتركة بين اسرائيل، السعودية، الامارات والدول العربية المعتدية برعاية امريكية. تحالف يهدف الى صد عدوان ايران وبناء قاعدة أمنية واقتصادية مشتركة. في هذا الحلم الكبير كان مكان ايضا للحلم المسيحاني الصغير للحاخامات في الائتلاف، ضم الضفة الغربية وغزة والاندماج في الشرق الاوسط ايضا من حيث طابع النظام ومكانة حقوق الانسان. يجب القول بنزاهة أنه ايضا الشركاء العرب في هذا الحلم لم يقلقوا بشكل خاص على وضع الفلسطينيين أو الحاجة الى الحفاظ على الديمقراطية في اسرائيل.

قبل سنة ظهر أن هذا الحلم في حالة تراجع. فايران استكملت التواصل الشيعي وتقدمت في طريقها نحو الذرة. والجمهور في اسرائيل انقسم في الصراع حول الانقلاب النظامي. وفي 7 اكتوبر ظهر نتيناهو مهزوم. في نفس الوقت العلاقات بين السعودية والادارة الديمقراطية الامريكية كانت في الحضيض. وقد وافقت على استئناف علاقاتها مع ايران وفقدت الاهتمام بالتطبيع مع اسرائيل. ايضا هذا تغير بسبب الانجازات المثيرة للانطباع لجهاز الامن الاسرائيلي، بدعم الولايات المتحدة، في محاربة المحور الشيعي. الآن يوجد اهتمام متجدد بالتحالف بين اسرائيل والدول السنية المعتدلة، وايران أصبحت تعتبر تهديد.

لكن الرابح الاكبر في السنة الاخيرة هو بالذات الذين لهم الحلم الثالث: الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وامير قطر تميم آل ثاني واحمد الشرع، الحاكم الجديد لسوريا. الحلم المشترك لهم هو فرض الاسلام السياسي السني، الذي الجناح المعتدل فيه هو حزب “العدالة والتنمية” في تركيا، والجناح المتطرف فيه ينتمي للقاعدة والمنظمات الجهادية. قبل عشر سنوات، في ثورة الربيع العربي، وعندما انتخب ممثل الاخوان المسلمين محمد مرسي رئيسا لمصر، كان يبدو أن هذا الحلم في الطريق للتحقق. ولكن الانقلاب الذي عزل مرسي احبط هذه العملية. تفكك نظام الاسد منح اردوغان وشركاءه سوريا ايضا، وهو يمكنهم من العودة واحياء حلمهم.

هذه الاحلام الثلاثة مختلفة عن بعضها كليا. وهي تمكن من رسم سيناريوهات متوقعة للسنة القادمة. نجاح تركيا في اسقاط نظام الاسد وطرد المليشيات الشيعية سيستدعي مواجهة مباشرة بينها وبين ايران. الدولتان يسود بينهما التوتر منذ فترة طويلة، ضمن امور اخرى، بسبب ربط تركيا للاقلية الاذربيجانية بايران والسنية بالعراق، ودعمها العسكري لاذربيجان. في اعقاب الاحداث الاخيرة، الدولتان توجدان في ازمة دبلوماسية عميقة، الامر الذي يمكن أن يؤدي الى قطع العلاقات. 

هذا الوضع يخلق تقارب محتمل بين حلم تركيا – قطر وحلم اسرائيل – الامارات، رغم التوتر القائم حول القضية الفلسطينية وقضية الاكراد. بعض المصالح المشتركة بين اسرائيل وتركيا هي الحاجة الى استقرار النظام الجديد في سوريا لمنع تقوي الجهات الارهابية والرغبة في كبح نشاطات حرس الثورة و”قوة القدس” والتوق الى ضمان حرية الملاحة في البحر الاحمر، وتعزيز قوة اذربيجان أمام تهديد ايران.

يصعب توقع ما ينتظرنا في السنة القادمة. ولكن اذا توقفت الحرب وتم التوصل الى صيغة للبدء في عملية سياسية في القطاع وداخل حدود السلطة الفلسطينية، فمن المرجح رؤية ازدهار معين في العلاقة بين تركيا واسرائيل، وتفاقم التوتر بين تركيا وايران، وخطوات للدفع قدما بالتطبيع بين اسرائيل والسعودية، واستمرار تفكك منظومة الوكلاء ونظام الحوثيين في اليمن، وربما حتى هزة قوية للاستقرار الداخلي في ايران.

——————————————-

هآرتس 5/1/2025  

ستشكل هذه الخسارة إرث نتنياهو، كما شكلت حياته في شبابه

بقلم:  ألوف بن

ساهمت هذه الخسارة في تشكيل النظرة العالمية للشاب بنيامين نتنياهو. وتحدث في مذكراته عن مشاعر الذنب التي شعر بها بسبب مقتل أصدقائه في الجيش، وقبل كل شيء – بسبب مقتل شقيقه يوني في عملية عنتيبي. السؤال إذا كان يوني سيعيش لو ذهب بيبي إلى الجيش كما طلب قائده، بدلا من إقناع شقيقه بالعودة إلى الجيش النظامي، لم يتركه يرحل. وكتب نتنياهو: “بعد وفاة يوني، تعلمت أن أضع جانبا أسئلة ’ماذا لو‘”. “لقد قررت التوقف عن العبث بها، التوقف عن العيش في الماضي. وبدلاً من ذلك، اعتمدت مبدأً ثابتاً لنفسي: الحياة لا يمكن أن تتكرر، ويجب الحفاظ عليها بأي ثمن”.

هذا المبدأ وجّه نتنياهو طوال معظم سنوات رئاسته للحكومة، وكان له أيضاً فائدة سياسية. لقد سقطت غولدا مائير ومناحيم بيغن من السلطة بسبب الجنازات العسكرية العديدة التي جرت في الحروب التي جرت تحت إشرافهما.

خلال ولاية نتنياهو الأولى، قادت حركة “الأمهات الأربع” حملة شعبية لوقف قتل الجنود في لبنان. واستجاب خصمه إيهود باراك للدعوة، ووعد بالانسحاب من المنطقة الأمنية، وهزم نتنياهو في الانتخابات. لقد تعلم نتنياهو الدرس، وعاد منذ ذلك الحين إلى السلطة وهو عازف عن المخاطرة بالجنود. وتحت قيادته تم تحسين القوات الجوية والدفاع الصاروخي والجدران على الحدود، كما تم تقليص القوات البرية، وأدى قتالها إلى سقوط العديد من الضحايا. نتنياهو لم يتأثر من الانتقادات لجبنه وتردده في استخدام القوة، لأنه يعلم أن الجمهور يقدر الفراغ في المقابر العسكرية.

لقد صدم هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجمهور وكذلك نتنياهو. فجيشه المتطور، والذي بدا في السابق وكأنه الوصفة المثالية لإدارة الصراع بدون تكلفة، يبدو الآن أنه سبب الكارثة، في غياب قوات الدفاع عن الحدود. وبعد التردد، وافق نتنياهو على العملية البرية لاحتلال القطاع، رغم أنه يعرف الثمن: تدمير أجزاء كبيرة من غزة، وآلاف القتلى من المدنيين، واحتلال إسرائيلي طويل الأمد، كما كتب في كتابه “بيبي” قبل الحرب. . وحلت محل حذره الشديد اللامبالاة تجاه الضحايا، وخاصة حياة المختطفين، باسم “النصر المطلق” الذي وعد به.

وقبل أسبوعين، أعلن نتنياهو انتهاء المهمة، وأخبر صحيفة “وول ستريت جورنال” عما حدث “خلف كواليس الانتصار الإسرائيلي”. لقد غيرت قراراتي الشرق الأوسط، وكنت أشعر بالفخر بعد الضربات التي تلقتها حماس وحزب الله، وسقوط النظام في سوريا، والهجوم على إيران. ولكن كما في المأساة اليونانية، تغلبت الغطرسة على الملك هذه المرة أيضًا. لقد أعلن النصر، وما زال الجنود يُقتلون في غزة. لكنها لا تقع في حرب وجودية، بل لاستكمال التطهير العرقي في شمال غزة وتهيئة المنطقة للاستيطان اليهودي.

إن المعاناة الرهيبة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة لا تثير سوى القليل من الاهتمام لدى الجمهور الإسرائيلي، المغلف بالبر الذاتي المتمثل في “أنهم هم الذين جلبوا المعاناة على أنفسهم”. لكن شواهد القبور المتراكمة في المؤامرات العسكرية تشكل الدعم الواسع لاستمرار الحرب عشية عملية أخرى في مدينة غزة.

وبدلا من إنتاج ألبومات النصر، يتبادلون الاتهامات بالغرق في وحل غزة. يدعي البيبيون أن الجيش يستخدم القليل من القوة، ويتهم الجيش الإسرائيلي نتنياهو بإدامة حكم حماس في القطاع، كما أن معارضي نتنياهو من معسكر حزب رلب، الذين يدعمون سياساته منذ 7 أكتوبر على الرغم من معارضتهم لقيادته فجأة يتساءلون عن أهداف القتال. يدعمون احتلال غزة ويفتخرون بالتضحيات التي يقدمها القطاع، لكنهم غاضبون من تهرب الحريديم.

وهكذا عاد نتنياهو واكتشف أن الثكل لا يمكن تركه جانباً، ولا حتى بغطاء آلة السم في الداخل وتمجيد الذات في الخارج، فالجنازات العسكرية سترسم شيخوخته وإرثه، تماماً كما شكلت حياته عندما لقد كان شابا.

——————————————-

إسرائيل اليوم 5/1/2025  

هدف ترامب: صفقة كبرى، وبسرعة

بقلم: داني زاكن

في غضون اقل من ثلاثة أسابيع سيدخل الى المنصب الأعلى في العالم رئيس الولايات المتحدة الجديد – القديم دونالد ترامب ويبدو أنه مصمم على أن يعيد أمريكا الى المكانة الأكبر من الجميع.

لن يكون بلا أساس التقدير بان هذه ستكون ولاية مختلفة جدا عن تلك “العادية” للرؤساء الديمقراطيين ومعظم الجمهوريين، والتغييرات ستنفذ “بعظمة” وبسرعة اكبر مما في ولايته السابقة. 

جاءت هذه الأمور استنادا الى بضع محادثات مع مسؤولين في السابق وفي المستقبل في ادارتي ترامب، مع موظف كبير في البنتاغون ومع مصدر سياسي إسرائيلي مطلع على الاتصالات مع كبار رجالات الإدارة الوافدة. هذه اتصالات يمكن وصفها بأكثر من إيجابية لإسرائيل، وهي عملية جدا. 

“اتفاق اطار جديد”

الانباء وفرها اثنان، مصدر سياسي إسرائيلي ومصدر امريكي بخلاف الولاية السابقة لا يزال لا يتبوأ منصبا رسميا، لكنه مشارك من خلف الكواليس. كلاهما أكدا بانه تجري مباحثات مستمرة ومتقدمة بين مندوبي إدارة ترامب الجديدة وحكومة إسرائيل ودول من الخليج، على راسها السعودية، على اتفاق اطار شامل سيغير على حد قولهما، الشرق الأوسط. 

ترامب يريد ويعمل على صفقة كبرى، صفقة شاملة ضخمة تقوم على أساس صفقة القرن في جوانب اقتصادية وامنية، مع حلف إسرائيلي – امريكي – سعودي مستقل وفي داخله حل للمسألتين الجوهريتين في المنطقة: ايران ومحور ارهابها والمسألة الفلسطينية. وهذا سيأتي، كما يبدو أسرع من المتوقع. 

لماذا؟ فكرة هامة قدمها شخص خدم في الإدارة السابقة وكان مشاركا جدا في الشؤون المتعلقة بنا. في حديث معه قال: “الرئيس الان هو ليس دونالد ترامب كانون الثاني 2017. هو اكثر نضجا بكثير، يعرف غياهب الإدارة وعلى مدى سنوات إدارة بايدن تابع عن كثب المواضيع المركزية، وعلى رأسها المواضيع الخارجية. فلئن كان احتاج في ولايته السابقة سنتين كي ينفذ التغييرات الكبرى في سياق الشرق الأوسط فهذا سيحصل الان في بداية الولاية”.

خطوات بعيدة الأثر

نذكر: إدارة ترامب السابقة نفذت في نصف سنة من الولاية تغييرات واسعة في السياقة الامريكية في الشرق الأوسط. بعدة خطوات بعيدة الأثر وقفت ضد السياسة التقليدية لوزارة الخارجية التي تعتقد بان دولة فلسطينية في حدود 1967 فقط ستجلب السلام وان حكومات نتنياهو واليمين هي عائق امام ذلك.

لقد غيرت الموقف من النظام الإسلامي في ايران، وتعاملت معه كدولة إرهاب وليس كحليف للاتفاقات، مثل أوباما. قائمة الخطوات التي اتخذتها مذهلة: نقل السفارة الامريكية الى القدس (كانو الأول 2017)، الخروج من الاتفاق النووي (أيار 2018)، صفقة القرن على مرحلتين (أيار 2019 ومؤتمر البحرين وكانون الثاني 2020 الإعلان في البيت الأبيض) وبالطبع – درة التاج: اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل، اتحاد الامارات، البحرين والمغرب والتي خرجت الى النور في خريف 2020. 

الصفقة الكبرى الجديدة ستكون استمرارا عمليا اكثر لاتفاقات إبراهيم وستشكل تحديثا لصيغة مرفوعة المستوى لصفقة القرن. فقد تعلم ترامب من التجربة في المرة الماضية، التي نجحت جزئيا فقط. 

السعودية – دولة أساس

السعودية هي الدولة الأساس. في المرة السابقة لم تنضم الى الصفقة بشكل كامل. حتى لو صادقت من خلف الكواليس على اتفاقات إبراهيم. لقاؤها في الخلف في حينه نبع سواء من رغبة ولي التعهد والرجل القوي في السعودية محمد بن سلمان لتعزيز مكانته امام الحرس القديم وبسبب الرفض الفلسطيني الانضمام الى الخطوة.

والان ابن سلمان مستعد للتقدم الى الامام، لكن في محادثات مع الأمريكيين، سواء مع إدارة بايدن ام مع مبعوث ترامب ستيف وتكوف في كانون الأول، طرح شرطان: الأول والاهم، إصلاحات اقتصادية وبنيوية لمنع الفساد في السلطة الفلسطينية، ونقل العصا من أبو مازن الى زعيم براغماتي. والثاني استعداد إسرائيلي لاستئناف المفاوضات لحل دائم بمشاركة مندوبي دول الخليج، الولايات المتحدة والفلسطينيين.

حسب مصدر إسرائيلي، شرط إضافي، طرحه الامريكيون بالذات كان تغيير حقيقي في جهاز التعليم الفلسطيني يلغي الترويج لكراهية إسرائيل واليهود ويشجع الإرهاب. إسرائيل الرسمية تحافظ بتزمت على بنود الاتفاقات او التقدمات خشية أن تثير هذه (عمليا تثير منذ الان) المعارضة في جناحها اليميني الصقري. لكن الادعاء هو أنه توجد مزايا كثيرة جدا في الرزمة المتبلورة بحيث يكون من المحظور التخلي عنها والثمن معقول.

“ليس في كل يوم تصل الى عتبة الدولة فرصة كهذه لاجل تثبيت تسوية امنية، سياسية واقتصادية على مدى السنين مع إدارة عاطفة ومتفهمة، مع دول محيطة تفهم قوة إسرائيل، رغم الضربة التي تلقتها في 7 أكتوبر ومع أعداء منكوبين وضعفاء. اذا ما فوتناها سيكون هذا بكاء للأجيال”، قال المصدر السياسي الإسرائيلي. 

لإيران – كل شيء جاهز

في مسألة ايران وإمكانية الهجوم هناك، أجاب ترامب نفسه للمراسل الذي سأله بان الصمت صحيح في هذا الوقت. من حيث المبدأ كل شيء جاهز. منظومات الدفاع الايرانية ضعيفة على نحو خاص بعد الهجوم الإسرائيلي هناك والمنشآت النووية مكشوفة عمليا. روسيا تحاول ان تزودها بسرعة بمنظومات S-400 كما نشر في “نيويورك تايم”، لكن في إسرائيل يعرفون كيف يجدوا حلا عمليا لها أيضا. 

الى جانب ذلك، بنية الإدارة توسيع وتطبيق العقوبات على تصدير النفط الإيراني الى الصين، مصدر الدخل الأساس للنظام في طهران. ومع ذلك، يحتمل أن يفضل ترامب خوض مفاوضات على أساس الإنذار للنظام الإيراني والوصول الى اتفاق يجبره على أن يتنازل عن النووي تماما تقريبا. 

وثمة المزيد مما ينبغي معالجته: سوريا مثلا، وفيها الأقلية الكردية التي تقف امام تهديد اردوغان والنظام الجديد. الولايات المتحدة هي حليفتهم لكن مثلما حصل غير مرة في الماضي من شأنها ان تضحي بهم في المباحثات مع اردوغان. كما ان قطر وعلاقاتها المتفرعة مع الاخوان المسلمين والإرهاب هي موضوع يتعين على واشنطن ترامب ان تعالجه وهكذا أيضا النفوذ الصيني الكبير وغيره.

ترامب الحديث ليس محبا للحروب وهو محب للصفقات الكبرى ومصمم على أن يعمل بسرعة على تنفيذها. وعليه يبدو أنه بعد زمن غير بعيد من 20 تشرين الثاني، ستحصل هنا أمور – وبعظمة. 

——————————————

هآرتس 5/1/2025

أكلت مع ابني في أور يهودا، وبسرعة سموني “نازي يهتم باطفال غزة”

بقلم: جدعون ليفي

“عند التركي” هو اسم محل معروف لبيع الشاورما في أور يهودا، ولكن لا يوجد فيه أي شيء تركي، المشهد شعبي والاسعار أقل شعبية، وشخص منظم يوجد على المدخل وطابور من الزبائن الذين جاءوا من قريب ومن بعيد. خدمة ابني العسكرية اوصلته في حينه الى هذا المكان، ومنذ ذلك الحين وهو يحب أن يأكل هناك. 

أول امس في الظهيرة كنا هناك مرة اخرى. سرعان ما ثارت ضجة. بدأت بالشتائم بصوت مرتفع وانتهت بدائرة تبعث الرعب حول طاولتنا. “ليتك تختنق بالاكل وتموت”، كانت البداية، “لماذا تسمح لهم بأن ياكلوا هنا؟”، استمر التهديد. و”لو لم تكن توجد كاميرات لكنت حطمت وجهك”. هكذا كانت النهاية. “انظروا من يأكل هنا”، قال شخص للمارة، وهؤلاء وقفوا في دائرة وينظرون الى الشيطان الذي جاء الى المدينة. الرجل تقدم واقترب من طاولتنا. غضبه ازداد والعنف كان قريب جدا. ذهبنا من هناك على صوت الشتائم التي رافقتنا الى السيارة. “تبا لمن ياكل مع هذا النازي”، ايضا وجهوا الشتائم لابني. ليس للمرة الاولى ولا للمرة الاخيرة. هذا غير فظيع وليس قصة كبيرة.

لكن كانت هناك جملة قيلت هناك اكثر من مرة، لم اسمعها من قبل وهي “أنت نازي لأنك تهتم باطفال غزة”. في اور يهودا حصلت النازية على تعريف جديد: النازي هو من يهتم باطفال غزة. التجويع، الحصار، النقص، التدمير، التطهير العرقي والابادة الجماعية في غزة تعتبر في العالم خصائص للنازيين، في حين أنه في اور يهودا انقلب النظام. النازي هو الذي يهتم بالضحية. من يهتم باطفال غزة لا يمكنه الاكل في اور يهودا أو الاقتراب منها – المدينة التي يوجد فيها شارع على اسم يوني نتنياهو، ومطعم باسم “لقاء عنتيبة. وشارع سمي في السابق على اسم عشيقة رئيس البلدية. 

خلال هذه الحرب واجهت العنف والتهديد اقل من العادة، الساحة انتقلت الى “نعم” أو “لا” والنضال من اجل المخطوفين. التلفزيون لا يقدم أي رأي بديل أو صوت يعارض جرائم الحرب، وهكذا بالتحديد يخفف على المصدومين من افعال اسرائيل: في هذه المرة مجموعة المعارضين آمنة اكثر من رعب الجمهور. لأن صوته تم اسكاته وتم ابعاده عن الحوار. هذا الاسكات خطير. 

حتى الآن لم تكن لدينا حرب لم يكن لها معارضون، على الاقل في المراحل المتقدمة والاكثر اجراما. دائما الحروب هنا بدأت بدعم المجتمع اليهودي، وحتى بانفعال شامل في اوساط ابنائه، الى أن فتحت الشروخ وبرزت الاسئلة. حرب لبنان الاولى كانت مثال على ذلك، لكن ايضا عملية “الرصاص المصبوب” و”الجرف الصامد” اثارت في مرحلة معينة المعارضة، وصوتها تم سماعه. ليست هذه هي الحال في هذه المرة. هذه الحرب، الاطول التي عرفتها الدولة منذ اقامتها، هي الحرب التي كانت الموافقة عليها اوسع من أي حرب اخرى، على الاقل في الخطاب العلني حولها. المحتجون يريدون صفقة. المعارضون يريدون وقف اطلاق النار وحتى انهاء الحرب – لكن فقط من اجل المخطوفين والجنود الذين يقتلون. الضحايا في غزة لا يتم أخذهم في الحسبان بالمرة. ومن يحاول ذكرهم، على الاقل في اور يهودا. 

غسل الادمغة والعمى يسجلان ارقام قياسية غير مسبوقة. خيبة الأمل للكثيرين والجيدين – القلائل جدا الذين استيقظوا منها حتى الآن – خلقت السراب والوهم: للوهلة الاولى يبدو أنه يوجد في الدولة نقاش عميق والمجتمع منقسم اكثر من أي وقت مضى. لا يوجد انقسام: اسرائيل موحدة في تأييدها غير المحدود للجيش الاسرائيلي مهما تراكمت جرائمه. وبفضل هذه الوحدة غير المحدودة يمكن لاسرائيل أن تفعل في غزة ما يخطر ببالها بعد 7 اكتوبر. عمليا، اسرائيل لم تكن موحدة بهذا الشكل كما هي موحدة في بداية العام 2025، رغم كل الضجة في الخلفية والنحيب المصطنع على “الاستقطاب الموجود في الشعب”، إلا أنه محظور في أي حال الاحتجاج على هذا النظام الجيد. ومن يحاول فعل ذلك فهو نازي. 

عندما وصلنا اخيرا الى السيارة أنا وابني، تقدم نحوي شاب لطيف وطلب مباركتي. وقد قال إن من لا يرد على الشتائم والتهديدات يعتبر صاحب خصائص مميزة. وطلب مني أن أعطيه البركة ليجد في القريب زوجة جيدة. أنا فعلت ذلك وكنت مسرورا لتقديم هذه المساعدة.

——————————————

يديعوت احرونوت 5/1/2025  

اتفاق وقف النار مصلحة قومية عليا وهو الطريق الأفضل للمس بحماس

بقلم: بن درور يميني

حماس لا تريد اتفاق مخطوفين. الإدارة الامريكية تقول هذا المرة تلو الأخرى. وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن، قال مرة أخرى يوم الخميس الماضي، في مقابلة مع “نيويورك تايمز”: كلما اقتربنا من الاتفاق، “كانت حماس تتراجع عن الموافقة على وقف النار وتحرير المخطوفين”. ونحن نرفض الاستماع. هذا لا يعني أن نتنياهو يريد الاتفاق. واكثر من هذا، عندما يهدد بان الحرب ستستمر حتى بعد الاتفاق – فانه لا يهدد حماس. هو يخدم حماس لانه منذ اشهر عديدة وحماس توجد في مرحلة “قوة الضعف”. ليس لها ما تخسره. الدمار والخراب هائلان. ما الذي يمكن عمله لحماس اكثر مما فعلناه حتى الان؟ 

لقد أوقعت حماس ضررا تاريخيا لمليونين من سكان غزة. أوقعت بهم الكارثة الأكبر منذ النكبة. أوقع زعماء العرب نكبة 1948. وزعماء حماس نكبة 2023. لكن مثلما لم يكن في حينه محفل جدي واحد أجرى حسابا للنفس على فشل الرفض والمقاومة وتهديدات الإبادة، هكذا مشكوك أن يفعل احد ما حسابا للنفس اليوم، على فشل الرفض والمقاومة وتهديدات الإبادة. ففي العقود الأخيرة تلقت حماس عروضا للاعمار والمساعدة ولرفع الحصار، مقابل تجريد القطاع. ولم تعرف حماس الا جوابا واحدا. لا. 

الخراب ليس نتيجة صدفة. العكس هو الصحيح. لان إحساس الضحية هو جزء من الهوية الفلسطينية. في السياق الاستراتيجي، إحساس الضحية هو الورقة المظفرة للفلسطينيين. هو الذي يمنحهم القوة الدولية. هو الذي يخرج مئات الالاف الى الشوارع في كل مدن الغرب وفي الجامعات. كلما ارتفع إحساس الضحية الى مستويات اعلى جديدة، هكذا يكون وضع إسرائيل أسوأ. ما الذي يمكن لإسرائيل ان تفعله بالضبط في المرحلة الحالية؟ ان تقتل عشرة مخربين آخرين من حماس كل يوم؟ ان تهدم عشرة مبان أخرى؟ ان تمنع عبور شاحنات الغذاء؟ هذا بالضبط ما تريده حماس. إحساس الضحية. المذبحة الوحشية لعبت دورا ما بعد 7 أكتوبر. هذا انتهى. الان الكلمات الأساس هي الإبادة الجماعية، التجويع، التطهير العرقي والاستعمار. هذه أكاذيب. لكن دعاية الأكاذيب، كما يجدر بالذكر هي لاعب مركزي في لوحة الشطرنج الاستراتيجية. استراتيجية نتنياهو فشلت قبل 7 أكتوبر. هي فشل مطلق أيضا منذ 7 أكتوبر. هذه استراتيجية حرب بلا توقف. الثمن الداخلي والدولي الذي تدفعه إسرائيل آخذ في التصاعد. في الداخل هذا هجرة عكسية من البلاد. هذا استقطاب. هذا انشقاق. هذا احباط متزايد ومتعاظم على ترك المخطوفين لمصيرهم. هذا امتثال متضائل لخدمة الاحتياط. هذا الدمار الاقتصادي الذي هو نتيجة لمزيد فمزيد من الميزانيات للوسط المتملص من الخدمة ومن العمل، واقل فاقل ميزانيات للمقاتلين ولحاملي العبء. في المستوى الدولي يدور الحديث عن ان إسرائيل تحتل مكان جنوب افريقيا. هذا ليس حظر السلاح فقط، من قبل العديد من دول الغرب. هذا أيضا المقاطعة الهادئة. تعاون اكاديمي وعلمي وبحثي اقل. استثمارات اقل في إسرائيل. احداث لاسامية اكثر. 

لكن نتنياهو يهدد حماس بمواصلة القتال. وكأن هذا يخيفهم كثيرا. المزيد من الشيء ذاته. كل يوم يمر تعد فيه إسرائيل الطرف المعتدي – بالنسبة للحملة المناهضة لإسرائيل يعد انتصارا صغيرا آخر. بالضبط مثلما توجد حماس في مرحلة قوة الضعف، إسرائيل توجد في مرحلة ضعف القوة. الخلاص لن  يأتي من إدارة ترامب. هذا بالتأكيد مشجع أن يتلقى التقدميين في الولايات المتحدة ضربة في الانتخابات للرئاسة، لكنهم يواصلون العمل. يحتمل أيضا ان اغلبية السكان في الدول الغربية ليسوا كارهي إسرائيل أو أن النزاع لا يقلقهم حقا. لكن المشكلة هي مع النخب التي تسيطر على وسائل الاعلام، الاكاديمية والثقافة. وهي اكثر تأثيرا بكثير. 

قوة الضعف تميز أيضا الحوثيين. ليس لهم ما يخسروه. مثل حماس، هذه اجسام تحركها أيديولوجيا الكراهية. اجسام تزرع الدمار والخراب. اليمن على أي حال توجد في المرتبة الـ 126 في جدول المجاعة العالمية، من اصل 127 دولة في هذا التصنيف. بالضبط مثل حماس، ليس للحوثيين أي مشكلة مع مزيد فمزيد من الضحايا البشرية و/أو المعاناة الإنسانية و/أو المس بالبنى التحتية التي بصعوبة توجد. السعودية قاتلت الحوثيين. سنوات من القصف. هذا لن يجدي نفعا. هي التي تضررت. والان هذه إسرائيل، واساسا حيال حماس، بعد 457 يوما من القصف، هل توجد اهداف أخرى ستغير شيئا ما؟ صفينا محمد ضيف ويحيى السنوار. ما الذي تبقى؟

في الظروف الناشئة فان وقف النار هو مصلحة قومية عليا. مرغوب فيه بالطبع مع اتفاق مخطوفين. لانه يجب تقليص الضرر. كل يوم يمر بدون وقف نار، يزيد الضرر فقط. بالطبع وقف النار الذي يؤدي الى اتفاق استراتيجي مع السعودية، سيحسن الوضع. لكن صحيح حتى الان نحن في خسارة متزايدة. جنود يقتلون، مخطوفون يذوون. إسرائيل تصبح منبوذة اكثر فأكثر. هكذا نحن نحتاج الى وقف النار. لا كاستسلام لمطالب حماس بل العكس. هذا هو الطريق الأفضل للمس بحماس.

——————————————

هآرتس 5/1/2025

“نعم” لنفتالي بينيت لرئاسة الحكومة

بقلم: ديمتري شومسكي

رام فرومان خرج مؤخرا وبقوة ضد فكرة دعم نفتالي بينيت كمرشح لرئاسة الوزراء بدلا من نتنياهو (“هآرتس”، 25/12/2024). حسب قوله فان كل الاسرائيليين العلمانيين – الليبراليين الذين يظهرون الاستعداد للتصويت له اذا قام بتشكيل حزب جديد، نسوا السجل القومي الديني المناهض لليبرالية الذي قام بينيت بمراكمته في الـ 15 سنة الاخيرة. 

بينيت شكل وبحق مع اييلت شكيد جمعية “اسرائيل خاصتي” في 2010، التي ساهمت بشكل كبير في تعزيز حكم نتنياهو. وعندما شغل منصب وزير التعليم في حكومة نتنياهو فقد ساهم بشكل جوهري في تعزيز تهويد التعليم الرسمي. وعندما كان رئيس حكومة التغيير (الامر الذي يناسب المدير العام السابق لمجلس “يشع”)، تجاوز من اليمين حكومات نتنياهو السابقة وزاد بشكل كبير تمويل مشروع الاستيطان. ازاء كل ذلك، يقول فرومان، فان تحالف الجمهور الليبرالي في اسرائيل مع بينيت من اجل استبدال نتنياهو هو خطوة انتحارية، ستقود اسرائيل من الدلف الى المزراب.

سيتم القول على الفور، بشكل واضح جدا، بأنه محظور على الجمهور الليبرالي الذي يميل نحو اليسار في مواقفه السياسية، ناهيك عن التحدث عن جمهور مصوتي اليسار الواضح، التصويت لاسباب “استراتيجية” ليميني ايديولوجي واضح مثل بينيت. بدلا من ذلك يجب على هذا الجمهور بذل الجهد الكبير من اجل ترميم المعسكر الديمقراطي – الليبرالي في اسرائيل الذي بدأ في الظهور واصبح الآن بقيادة يئير غولان.

لكن مجرد فكرة أنه في فترة النقاهة المأمولة من صدمة نتنياهو، سيترأس حكومة اسرائيل زعيم وطني مثل بينيت، هي فكرة مباركة ومن الضروري دعمها. محاولة فرومان تشويه هذه الفكرة بواسطة استعراض تاريخي للسنوات التي سبقت الكارثة القومية المزدوجة لاسرائيل – تشكيل الحكومة القومية – الكهانية الاولى في تاريخ الدولة والمذبحة في 7 اكتوبر – تدل على أنه عالق في الماضي قبل هذه الفوضى، ولم ينتبه الى معنى التغيير التكتوني الذي مر على المجتمع الاسرائيلي في السنتين الاخيرتين. التطور الكارثي الذي حدث في اسرائيل تحت حكومة الدمار الوطني هو كهننة سريعة وشاملة لليمين الاسرائيلي. ولأن كل المجتمع الاسرائيلي تحرك نحو اليمين قبل سنوات من ذلك فان كهننة اليمين تعني بالفعل زيادة كهننة الجمهور الواسع في اسرائيل. ازاء هذه الامور فان المهمة المستعجلة في اطار الاصلاح الداخلي المأمول في اسرائيل بعد نتنياهو يجب أن تكون نزع كهننة وفاشية اليمين – لا يوجد شخص مناسب لهذه المهمة مثل نفتالي بينيت، وذلك لثلاثة اسباب.

السبب الاول هو أن بينيت يميني بارز. ففي نهاية المطاف مفهوم ضمنا بأن عملية التنصل الداخلي لليمين من توجهات الكهانية يمكن أن يدفعها قدما وبنجاح فقط شخص يميني بكل معنى الكلمة. السبب الثاني هو أن بينيت يدرك كم هو جيد لو أن كل يميني قومي ونزيه في اسرائيل يعرف المفهوم ضمنا: أن اليساريين ليسوا اقل اخلاصا للشعب من اليمينيين.

هذا الادراك كان بضاعة نادرة، الى درجة العدم، في اليمين في ظل نزع شرعية اليسار في عهد نتنياهو. ولكن هذا هو بالضبط ما قاله بينيت بعد هزيمته في الانتخابات الاخيرة: “اليساريون يحبون الدولة ليس اقل من اليمينين، باستثناء أنهم يتبنون مواقف مختلفة حول التوجه الصحيح”. اذا كان وبحق كرئيس حكومة سيبذل الجهود من اجل غرس هذه الرؤية في خطاب اليمين فهو بذلك خدمة اغلى من الثمن لعملية تطهير سم الكراهية القاتلة التي تعمل على قضم المجتمع الاسرائيلي من الداخل في عهد البيبية. 

السبب الثالث هو أن بينيت، الذي يتمتع بحبه العميق لاسرائيل، اظهر بالاشارات والمعجزات أن حب اسرائيل لا ينبغي أن ينطوي على كراهية الامم. وقد اوضح ذلك عندما كان يتولى رئيس حكومة التغيير. ورغم الكراهية ونزع الشرعية عن الاقلية العربية في اسرائيل، التي سيطرت على اليمين بشكل كامل، لا سيما بعد اقوال التحريض لنتنياهو ضد العرب في انتخابات 2015 (“العرب يتدفقون الى صناديق الاقتراع بجموعهم”)، إلا أن بينيت تجرأ على التعاون في اطار الائتلاف مع حزب عربي مسلم وطور علاقات ثقة واحترام متبادلة مع رئيسه منصور عباس. 

وقد كتب فرومان، كما يبدو هو محق في ذلك، بأنه ذات يوم بينيت سينجح في افضل الحالات في الحصول على اربعة مقاعد في اوساط جمهور معتمري القبعات المنسوجة. مع ذلك، لا يوجد شك بأنه ازاء ابعاد الدمار والفساد الذي تسبب به نتنياهو وامثاله لاسرائيل فانه توجد لبينيت امكانية كامنة في الانتخابات غير قليلة، سواء في اوساط مصوتي المعسكر الرسمي أو في الجناح المعتدل لمصوتي الليكود.

يجب رؤية الواقع كما هو: للاسف الشديد، حلم دولتان لشعبين في ارض اسرائيل/ فلسطين، الطريقة الوحيدة لضمان سلامة وأمن وشرعية وجود الدولة اليهودية، ابتعد بعد مذبحة 7 اكتوبر والقتل الجماعي لسكان غزة في اعقابها، نحو مستقبل مجهول وبعيد حتى أكثر مما كان في السابق. الحكومة المتوقعة برئاسة يئير لبيد، ولا نريد التحدث عن بني غانتس الذي موقفه الوحيد هو أنه محظور أن يكون للمرء أي موقف، لن تدفع قدما بالعملية السياسية حتى شبر واحد، وستواصل الدفاع قدما بمشروع السلب الانتحاري للاستيطان، بالضبط كما ستفعل الحكومة المقدرة لبينيت.

في ظل حكومة برئاسة لبيد أو غانتس، أو في ظل أي حكومة لها هوية فكرية مطموسة، فان اليمين في اسرائيل سيواصل الاندفاع نحو النازية المطلقة، لأن حكومة واسعة بقيادة حزب اليمين لبينيت مع حزب الديمقراطيين فيها، على الاقل ستبدأ في اعادة الطابع الانساني لليمين في اسرائيل. واذا تمكن بينيت من الدفع قدما بهذه الخطوة فان هذا كاف.

——————————————

معاريف 5/1/2025

في حرب “الخدع الحديدية”.. للإسرائيليين بكل وضوح: أجهزة الدولة تتفكك

بقلم: زيف لنتشور

الحرب التي لا نهاية لها في غزة تعد منجم ذهب لنتنياهو. حكومته وحكمه.

ليس لأنها تبعد أو تعرقل الانتخابات ولجنة تحقيق حقيقية وقرار محكمة، ثم تغلق زاوية صغيرة من انقلاب نظامي كبير، فقوة وأهمية الحرب تكمن الآن في قدرتها على صرف الانتباه عن حقيقة أن كل أجهزة الدولة تتفكك حتى مستوى سوء الأداء.

الأزمة المتعمقة في التعليم والصحة والرفاه والمواصلات والقائمة لا تزال طويلة، والعجز لا يزال ممتداً وواضحاً وجلياً لكل مواطن أو مواطنة احتاجا للخدمات، ويفهم من كل المعطيات ويصرخ على لسان الخبراء والموظفين الكبار في الأجهزة المختلفة. لا يمكن العيش في إسرائيل وتفويت هذا. وفي السنة القريبة القادمة، في كل سيناريو محتمل، سيسوء الوضع الاقتصادي، ولن يكون الارتفاع المبهر إلا في غلاء المعيشة.

إلى جانب القصور الأعلى في 7 أكتوبر، تتواصل قصورات الحكومة؛ كل وزارة في مجالها، وكلها معاً، كجسم سلطوي، خلقوا تفككاً منظوماتياً.

لما كانت الأمور واضحة لنتنياهو ولمحيطه أيضاً، فقد أجري استخدام إضافي للمناورة القديمة والناجعة المتمثلة بتركيز الوعي على المواجهات العسكرية وعلى التهديدات الأمنية، وليس على الهموم التي تثيرها. ساحر ماكر وخبير يعرف كيف يضلل ويخدع، فيجذب النظر إلى مكان آخر، لكيلا يلحظ الجمهور الأمور التي تجري في أماكن أخرى في الوقت ذاته. وهكذا يدق وتداً عسكرياً في غزة، ويطلق تصريحات قتالية ويغرس مسامير صغيرة في دواليب المفاوضات لتحرير المخطوفين التي هو بنفسه يبعث إليها بالمندوبين. عجب العجاب.

الحرب في غزة، التي تستحق في هذه المرحلة أن تسمى الخدع الحديدية، أنهت دورها منذ زمن بعيد. كانت فيها إنجازات أمنية، جبت أثماناً باهظة، والآن طبقت الشروخ الدامية. هي فتاكة لجنود الجيش الإسرائيلي، وللمخطوفين الذين تبقوا على قيد الحياة وللمواطنين الغزيين أيضاً. هي تخدم أساساً الفرسان المتطرفين، والمسيحانيين والمتعطشين للثأر في الائتلاف منفلت العقال.

إنهاء الحرب والتسوية أو الحل للمدى البعيد تعد هي الرعب. وهذه قد تدفع مواطني إسرائيل للتفرغ عن الانشغال بالصواريخ وبصافرات الإنذار، بالنازحين وبالجنازات والتركيز على المدارس والمستشفيات، على الطرق وعلى التكايا.

هؤلاء المواطنون، الذين لو أعطيت لهم الإمكانية كانوا سيؤثرون، هم القادرون على رفع رؤوسهم من فوق دخان المعركة الذي بث في عيونهم واستيعاب ما يدور حولهم. ليفهموا، على خلفية خرائب حياتنا نحن المواطنين أن ليس غزة هي الوحيدة التي دمرت في منطقتنا. ليتبينوا أنه لا تزال هنا حملات عسكرية – ناجحة إلى هذا الحد أو ذاك، لكن بدون دولة.

——————————————

هآرتس 5/1/2025

بذريعة “الإصلاح”.. هل ينجح وزير العدل في إحكام خطته الكبرى “إخضاع الذراع القضائي”؟

بقلم: أسرة التحرير

التحقيق الذي نشرته “هآرتس” أول أمس يكشف الشكل الذي تبلور ونفذ فيه الانقلاب النظامي الذي أعلن عنه وزير العدل يريف لفين في كانون الثاني 2023. فلم يعرض لفين في حينه إلا قسماً من خطة كاملة ومرتبة لتغيير طابع دولة إسرائيل: بلورها قبل سنة من ذلك مع مستشاريه المقربين ومع أناس منتدى كهيلت، وأساساً أفيعاد بكشي – بكشي إياه الذي هو الآن مرشح لفين لمنصب قاض في المحكمة العليا.

تثبت الوثيقة مرة أخرى بأنه لا صلة للخطة التي عمل لفين عليها مع سيده رئيس الوزراء نتنياهو بـ “الإصلاح” – أي إصلاح جهاز القضاء – بل كان الهدف هدم مبنى النظام حتى الأساس و(كسر) الذراع القضائي. لفهم الاتجاه الذي تهب فيه الريح، ينبغي الإشارة إلى أن إحدى الإمكانيات التي بحثت بشأن تعيين القضاة هي أن تختار الحكومة وحدها قضاة العليا – بل وأن يجتاز هؤلاء استماعاً في الكنيست. رئيس العليا ونائبه ينتخبان هما أيضاً بهذه الطريقة، بل ولن يرسّما في منصبيهما قبل ذلك. بمعنى أن لفين قد يعين كل شخص مباشرة لمنصب رئيس العليا. كما خططوا لإلغاء قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته – من أهم القوانين في سجل القوانين الإسرائيلي.

ويتبين حسب التحقيق الصحافي بأن الاحتجاج الجماهيري نجح في إبطاء وتيرة تقدم الانقلاب، وشطب بعضاً من بنوده عن جدول الأعمال وتلطيف حدة بعض من مشاريعه. لكن محظور على الجمهور أن يوهم نفسه: الانقلاب عاد قبل وقت أطول حتى من إعلان لفين عنه في تشرين الثاني – ظاهراً رداً على إطلاق قنابل الإضاءة نحو المنزل الفارغ لرئيس الوزراء – لأن في نيته استئنافه. تعمل الحكومة على بضع خطوات تشريعية وقرارات مناهضة للديمقراطية. كل منها في مرحلة إقرار مختلفة، وذلك في الوقت الذي تتواصل فيه التهجمات على حامية الحمى الرئيسة، المستشارة القانونية غالي بهرب ميارا.

لن نعرف كيف ستتقدم خطة لفين الكبرى. لكن مثلما قال مصدر في محيطه القريب، فإن تغيير تركيبة اللجنة لانتخاب القضاة هي الخطوة الأهم في نظره اليوم أيضاً. وبالفعل، يواصل لفين تأخير تعيين إسحق عميت رئيساً للمحكمة العليا من خلال المناقشات للتحفظات التي رفعت ضد المرشحين للرئاسة – نتيجة حملة مخطط لها بادر إليها كي يحبط التعيين. في الشهر الماضي، أمرت محكمة العدل العليا لفين بأن يطرح انتخاب رئيس العليا في لجنة انتخاب القضاة للتصويت حتى 16 كانون الثاني. حتى ذلك الحين، يحاول اليمين العمل على تشريع جديد. اليوم، مثلاً، ستبحث اللجنة مشروع القانون الذي تقدمت به النائبة تالي غوتليف، وبموجبه الكنيست هي التي تعين رئيس العليا.

إن حكومة الهدم لم تتخل قط عن الانقلاب. لفين ونتنياهو يواصلان عملية هدم الديمقراطية. يجب استمرار الاحتجاج ضد هذا الخطر.

——————————————

تغيير المناهج الدراسية.. الإدارة الجديدة في سوريا متهمة بفرض أجندة إسلامية

بقلم: سارة دعدوش

ويخشى السوريون من أن تفرض الإدارة الجديدة رؤيتها الدينية في سوريا بعد أن كانت منذ فترة طويلة دولة علمانية.

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تنشر تقريراً للكاتبة السورية سارة دعدوش، تتحدث فيه عن التعديلات في المناهج الدراسية، التي قامت بها الإدارة الجديدة في سوريا. وقالت إنها أثارت غضباً بين السوريين، واتّهم بعضهم الإدارة الجديدة بأنها تفرض رؤيتها الدينية، وآخرون اتهموها بأنها تحرّض السوريين، بعضهم على بعض، وتمحو تاريخ سوريا.

أثارت الإدارة السورية الجديدة موجة من الغضب بعد إدخال تعديلات شاملة للمناهج التعليمية، والذي يزعم المنتقدون أنّها ستفرض أجندة إسلامية على طلاب المدارس.

وانتشر الغضب بعد أن نشرت وزارة التعليم هذا الأسبوع 12 وثيقة تسرد التعديلات والحذف في الكتب المدرسية لمواضيع، بما في ذلك اللغة العربية والتاريخ والعلوم والدراسات الاجتماعية والدين.

وتضمّنت أغلبية التغييرات إزالة الإشارات إلى نظام الرئيس السابق بشار الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد، اللذين حكما معاً بقبضة من حديد مدة خمسة عقود، مثل الصور والإشارة إلى الجيش والنشيد الوطني.

لكن السلطات أثارت أيضاً قلق الكثيرين من خلال إزالة الإشارات إلى الآلهة ما قبل الإسلام، وحتى كلمة “آلهة” نفسها، وتقليص انتقاد الإمبراطورية العثمانية. كما تم حذف الإشارة إلى زنوبيا، الملكة الشهيرة في مدينة تدمر القديمة، قبل الإسلام.

وخشي المنتقدون أن تمثل التغييرات منحدراً زلقاً، بحيث تسعى جماعة المتمردين الإسلامية، “هيئة تحرير الشام”، التي تهيمن على الحكومة الجديدة، إلى فرض نظرتها الدينية على ما كان لفترة طويلة أحد أكثر بلدان الشرق الأوسط علمانية.

وكتبت ريما فليحان، الكاتبة السورية وناشطة حقوق الإنسان، في فيسبوك، إنّ “محو تمجيد النظام البائد أمر مفهوم، لكن حذف الحقائق والأحداث التاريخية، من نضال شعبنا ومعالم الحضارات القديمة، ليس مصادفة”، مؤكدةً أنّه “هنا يكمن الخطر”.

وقال بسام القوتلي، رئيس حزب الأحرار السوري المعارض، إنّ الحكومة الموقتة لا ينبغي لها أن تُصدر مثل هذه التغييرات الكبيرة وغير العاجلة من أجل تنفيذ شيء يلائمها أيديولوجياً”. وأضاف أنّ إزالة إرث الأسد “ليست مثيرة للجدل”، لكن الإصلاحات يجب أن تتولاها لجان تضم خبراء.

وفي أعقاب الغضب الشديد إزاء التعديلات، قال وزير التعليم، نذير القادري، يوم الخميس، إنّه في حين أنّ المناهج القديمة ستظل قائمة حتى تشكيل لجان لمراجعة الكتب المدرسية، فإنّه أمر بإجراء بعض التغييرات لحذف “ما يمجد نظام الأسد البائد”، وإبدال العلم السوري القديم بعلم المعارضة.

وأضاف أنّ السلطات ستعدل أيضاً “بعض المعلومات غير الصحيحة، في منهج التعليم الإسلامي”، بما في ذلك تفسير الآيات القرآنية.

وكان القادري وزيراً للتعليم سابقاً في حكومة الأمر الواقع، المدعومة من “هيئة تحرير الشام” في إدلب، والتي حكمت الزاوية الشمالية الغربية من سوريا لأعوام، قبل إطاحة الأسد.

تدرّس الدراسات الدينية، وهي مادة إلزامية في المدارس السورية، كتابين، أحدهما للمسلمين والآخر للمسيحيين. أضاف أحد التعديلات، التي أُجريت في كتاب مدرسي للدراسات الإسلامية للصف الأول، تفسيراً لآية قرآنية تذكر “الذين اكتسبوا غضب الله” و”الضلال”، في إشارة إلى “المسيحيين واليهود”.

في كتاب العلوم للصف الأول، تم تغيير “نعمة الطبيعة” إلى “نعمة الله”، بينما في كتاب التاريخ للصف الثاني عشر، تم حذف جملة تشير إلى الإعدام الجماعي الشهير للقوميين العرب في عام 1916 في عهد العثمانيين، والذي تم تحديده كعطلة رسمية في سوريا ولبنان.

وبموجب القانون، تلزم سوريا المدارس الخاصة والعامة بتدريس المنهج نفسه، مع إرسال مفتشين إلى المدارس الخاصة في عهد الأسد للتأكد من تدريس الكتب المدرسية، التي تنشرها الحكومة.

انتقد السوريون المحافظون وغير المحافظين التعديلات الأخيرة، وراكموا التعليقات على منشور إعلان الوزارة في فيسبوك. وقال أحد المعلقين على الإشارة إلى اليهود والمسيحيين: “ما هذا التعليم المحرّض بشكل واضح؟”. وقال آخر: “من أعطاكم الحق في حذف تاريخ سوريا؟”.

وحذّر بسام القوتلي، رئيس حزب الأحرار السوري المعارض، من أنّ التغيير أحادي الجانب “يخلق انقسامات مجتمعية”. وأضاف: “هذا هو آخر شيء نحتاج إليه في هذه الفترة عندما نحتاج إلى توحيد السوريين، وجمعهم معاً، وحملهم على قبول نزع السلاح”.

——————————————

معاريف 5/1/2025

ضباب المعركة: سيبقى الجيش الإسرائيلي في غزة، سورية، ولبنان

بقلم: ألون بن دافيد

كان هناك شيء ملتبس في معظم تهاني العيد من؛ ـ”أن تكون سنة أفضل” سمعتها، هذا الأسبوع”. يبدو أن ليس خلف ذلك أي ثقة. فإسرائيل تدخل العام 2025 ولا تزال جريحة، فيما لا تزال بعض جراحها مفتوحة ونازفة. صحيح أنها أنهت العام 2024 متوجة بانجازات عسكرية مبهرة، لكن هذه الإنجازات لم تترجم بعد الى خلق واقع أفضل وتحويل إسرائيل دولة من المفضّل العيش فيها. العكس هو الصحيح: فهذه آخذة في التآكل كل يوم، فيما نغرق في مراوحة المكان في غزة، لبنان، وسورية.

في اليوم الأخير من العام 2024، في اثناء زيارة لي الى الشمال توقفت في احد الأماكن التي أستطيبها: فلافل شمعون عومر في كريات شمونا، حيث أصر عومر على إبقائه مفتوحاً كل أيام الحرب. بخلاف تام مع المدينة نفسها، التي لا تزال فارغة من الناس، كان المكان مليئا بالزوار لكن شيئا ما بدا غريبا. كانت الفلافل طيبة كما كان دوما، لكن فقط بعد بضع لقم فهمت ما الذي يختلف هذه المرة: رغم العدد الكبير من الناس الذين أموا المكان، ساد هناك صمت مطبق. كان الكل يأكل بصمت، وحتى عندما كانوا يتحدثون كان هذا قصيرا وبصوت مهموس. بسطات الفلافل هي أماكن تعج بالناس بطبيعتها، وبسطة عومر كانت دوما مليئة بالناس. أما هذه المرة فلم يكن هناك الا صمت مثقلاً بالحزن.

زيارة السيدة ستروك

تواصل هذا الصمت المزعج أيضا في زيارة الى بلدة المطلة المدمّرة. فمنذ وقف النار تمكن المجلس من قصقصة الأعشاب الضارة التي نمت بعشوائية وقد بلغت طول الانسان، لكن الدمار ظاهر في كل زاوية في ما كان ذات يوم زهرة جليلية: البيوت المهدمة، الأرصفة المحطمة تحت جنازير الدبابات، والطرقات المثقبة بإصابات الصواريخ. تسللت كلاب لبنانية بجموعها دون عراقيل من الثغرات العديدة في الجدار وملأت البلدة.

في البلدة نفسها لم يكن سوى أعضاء ثلة التأهب المخلصين، ممن واصلوا حماية المطلة اثناء السنة القاسية. هنا وهناك كان ثمة سكان جاؤوا ليروا ما تبقى من بيوتهم أو لأخذ أغراض شخصية من هناك، لكن عشرة مواطنين فقط، معظمهم كبار في السن، عادوا الى المطلة منذ أعلن وقف النار. الهجران بات واضحا في كل مكان.

في محاولة لبعث بعض الامل وإشعال بصيص نور، اعتزموا في المجلس اشعال شموع الحانوكا مع قادة الجيش في المنطقة. لكن عندها جاء بلاغ من وزيرة الاستيطان والمهام الوطنية، اوريت ستروك، بانها تعتزم المجيء. تأهب الجميع. في كل البلدات في الشمال، التي زرتها اثناء الحرب- وكانت هذه كثيرة- لم يسمعوا ابدا عن هذه الوزارة الزائدة والوزيرة الزائدة أكثر فأكثر.

الوزيرة الثرية لا تؤمن على ما يبدو بأنه يوجد استيطان او مهام وطنية جدية داخل تخوم الخط الأخضر. في السنة الماضية ومن ميزانية رفعت الى اكثر من 700 مليون شيقل، حولت نحو 8 ملايين شيقل فقط، اكثر بقليل من 1 في المئة من ميزانيتها، لبلدات الشمال المتضررة. اما الآن فقد ارادت أن تشعل شمعة في المطلة ربما كي تضيء المطارح الجديدة التي تتطلع لتستوطن فيها. قبل لحظة من الغاء الجميع مشاركتهم، جاء من مكتبها بلاغ الغاء، فتنفس الجميع الصعداء.

تفضلت وزيرة المهام الوطنية بان تغدق 4.6 مليون شيقل في السنة الماضية على بلدات الجنوب المدمرة، نحو نصف في المئة من ميزانيتها. الصمت المطبق للمطلة وكريات شمونا كان يمكن أن نراه، هذا الأسبوع، حتى في الغلاف، في كيبوتس ناحل عوز. المرافق الاقتصادية تؤدي مهامها، لكن الأعضاء ليسوا موجودين. لا يعرف أحد اذا ما ومتى سيعودون. إسرائيل 2025 ليست فقط حزينة، بل مهملة أيضا، من حكومتها.

الجيش الإسرائيلي يبحث عن تفسيرات

من الجهة الأخرى واصل الجيش الإسرائيلي ضرباته في غزة. اهتزت الأرض بالقنابل التي ألقاها سلاح الجو، وأصوات نار الدبابات والمدافع لم تتوقف لحظة. شارع آخر وحي آخر، مئة أخرى ومئتان أُخريان من رجال “حماس” صفوا. يمكننا أن نبتلع في الحرب في غزة الى الابد، لكن حتى في أصوات قادة الجيش الإسرائيلي يسمع التشكك حين يشرحون الأهمية الحيوية للمهمة.

تكاد كل منطقة شمال القطاع طهرت من المدنيين ومن رجال “حماس”. سويت أبراج أحياء سكنية للضباط والأطباء في بيت لاهيا بالأرض. لم يعد هناك منزل يطل على ساحات نتيف هعسرا وخط القطار الى سديروت. أصبحت جباليا جزر خرائب، والكلاب وحدها تجول هناك لتتغذى على القمامة التي يخلفها وراءه الجيش الإسرائيلي. السيطرة في القسم الشمالي من القطاع توفر لإسرائيل ورقة مساومة يمكنها أن تدفع قدماً بإعادة المخطوفين لو أن حكومتنا كانت معنية بهذا وليس فقط بقانون التهرّب من الخدمة.

في هذه الاثناء كل يوم يمر هناك يجبي لترات من الدم، والآن يستعد الجيش الإسرائيلي ليلقي بفرقة أخرى، رابعة، الى العمل في غزة. ينبغي ان نقول هذا مرة أخرى: لن نتمكن ابداً من ان نقتل كل المتماثلين مع “حماس”. أعدادهم في غزة هي مخزون لا نهاية له. كما أننا لن ندمر آخر الصواريخ والـ “آر.بي.جي”. اذا لم نجير الإنجاز الآن سنجد أنفسنا نغرق وننزف هناك سنوات دون جدوى ودون المخطوفين، القلة التي لا تزال باقية على قيد الحياة.

بدون أي استراتيجية أو تفكير مرتب من المستوى السياسي يجد الجيش الإسرائيلي نفسه يجتذب الى بقاء طويل في ثلاثة أقاليم: غزة، سورية، ولبنان.

مثلما في العام 1982، بعد أن طردنا الفلسطينيين من لبنان واجتذبنا الى 18 سنة دامية من القتال هناك، هكذا اليوم أيضا: يبحث الجيش الإسرائيلي عن تفسيرات تبرر استمرار البقاء والنزيف. 

شرح ضابط في قيادة المنطقة الشمالية لي، هذا الأسبوع، في ذروة الجدية باننا “لن نتمكن من الدفاع عن بلدات الجولان في الهضبة، ومن الحيوي ان نبقى على الأرض السورية”. وأضاف: “ليتنا نتمكن من ان نحتل حزاماً أمنياً في كل حدودنا، كي ندافع عن البلدات”. هذه الفكرة التبسيطية قد تبدو لديه مغرية، لكن تاريخنا اثبت المرة تلو الأخرى بان احتلال ارض اجنبية له أثمان عالية، والاحتلال بشكل عام، الذي دخل الى وعي عالٍ، يخرج مع ذيل منكسر.

إسرائيل، التي تجاوز عدد سكانها هذه السنة خط الـ 10 ملايين، لا تحتاج الى ارض أخرى، بل تحتاج الى تطبيب وشفاء. شرط ضروري للشفاء هو إعادة المخطوفين وهو في متناول اليد. حربنا لن تنتهي هذه السنة، لكن يمكن تقليصها الى الحجوم الضرورية ووقف النزف الزائد. المهمة الكبرى التي ستكون لنا في السنة الجديدة هي اصلاح ما تحطم كي يكون لنا ما نواصل القتال في سبيله.

——————————————

هآرتس 5/1/2025

إسرائيل تتجه لتدمير مدينة غزة كما دمّرت جباليا

بقلم: عاموس هرئيل

كشف الجيش الإسرائيلي، أول من أمس، تفاصيل كثيرة عن عملية تقشعر لها الأبدان، نفذتها وحدة “شلداغ” شمال سورية في أيلول الماضي، تم فيها تفجير مصنع لانتاج الصواريخ الدقيقة، كانت ايران تنوي تشغيله بالتعاون مع نظام الأسد. العملية التي تم التخطيط لها لفترة طويلة تدل على القدرة الآخذة في التحسن لإسرائيل على استخدام القوات الخاصة في عمليات معقدة جدا، بعيدا عن حدود الدولة. في اليمن، أصبحت الهجمات الجوية الإسرائيلية تقريبا أمراً روتينياً بتنسيق وطيد مع الولايات المتحدة، التي تقصف هناك أهدافاً بشكل منفرد. ما يحدث في الساحات البعيدة يشير الى تركيز متزايد لإسرائيل على إمكانية أنه في وقت ما في العام الحالي، باتفاق مسبق مع إدارة ترامب، ستكون المنشآت النووية الإيرانية في مرمى الهدف.

جهات رفيعة في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، إسرائيل كاتس، وجنرالات الجيش الإسرائيلي، يكثرون من الحديث عن سبع جبهات تحارب فيها إسرائيل، والتأكيد على الإنجازات التي سجلت، مؤخراً، امام محور ايران، لا سيما في سورية وفي لبنان. ولكن هذه الإنجازات لا تحل المشكلة الأساسية التي بسببها بدأت الحرب الإقليمية – قطاع غزة، بشكل أدق النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. حتى بعد الدمار والقتل الذي اوقعه الجيش الإسرائيلي على القطاع فانه لم تمح فظائع “المذبحة” في 7 تشرين الأول 2023. هناك شك كبير اذا كانت قد رممت بشكل كامل مكانة الردع الإسرائيلية في المنطقة. الى جانب ندب ذاك اليوم نفسه بقيت مشكلة المخطوفين ومعها الجرح العميق الذي فتحته في التكافل الداخلي في المجتمع الإسرائيلي.

عدد المخطوفين، الذين ما زالوا في القطاع، هو 100 مخطوف. ولكن من المعروف جيدا أن اقل من نصفهم ما زالوا على قيد الحياة. حتى بعد ثلاثة اشهر على القتال في مخيم جباليا والدمار المطلق للمخيم والقتل الكثير، يصعب الحديث عن هزيمة استراتيجية لـ “حماس”. ضعفت المقاومة العسكرية لـ “حماس”، والجيش الإسرائيلي يتفوق في كل مواجهة، ويستمر الاخلاء القسري للسكان من الربع الشمالي للقطاع. ولكن كل ذلك لا يحقق النصر الحاسم أو يدفع قدما بصفقة التبادل (اليوم سيتم استئناف المفاوضات حول الصفقة، في لقاء في قطر بين الوفد الإسرائيلي وممثلي دول الوساطة). كلما تضاءلت احتمالية عقد صفقة\ تزداد الدعوات في المستوى السياسي لتوسيع العملية الى مدينة غزة في جنوب جباليا، بصورة تناسب خطة الجنرالات، وهي الخطة التي تحرص هيئة الأركان على نفي أي صلة لها بها.

بضع كيلومترات تفصل بين مدخل جباليا الجنوبي والاحياء الشمالية في مدينة غزة. ورغم العملية العسكرية السابقة في تشرين الثاني 2023، فان الكثير من المباني في غزة ما زالت قائمة. عدد المدنيين الذين بقوا هناك اكبر مما قدر الجيش الإسرائيلي في البداية. يبدو أنه اكثر من 100 ألف شخص. بينهم يعمل آلاف من رجال “حماس”. بعضهم يعملون في الحفاظ على الحكم المدني والنظام العام. آخرون يستعدون للمواجهة القادمة مع الجيش الإسرائيلي.

الشخص البارز في غزة نفسها هو عز الدين حداد، الذي هو الآن قائد الذراع العسكرية لـ “حماس” في شمال القطاع، والقائد الكبير الوحيد الذي بقي من قيادة الذراع العسكرية، الى جانب محمد السنوار، الذي يشغل منصبا مشابها في جنوب القطاع. من لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست تسربت، هذا الأسبوع، بيانات استخبارية عرضها الجيش الإسرائيلي. ما زال يوجد لدى “حماس” في القطاع حوالي 9 آلاف “مخرب” في اطر منظمة والعدد ذاته من نشطاء بدون هيكلية تنظيمية نظامية. وتيرة تجنيد النشطاء الشباب للذراع العسكرية تزيد الآن على الوتيرة التي يدمر فيها الجيش الإسرائيلي هذه الأطر. بدأت ابواق نتنياهو في ادخال فكرة أنه لن يكون مناص من إعادة احتلال مدينة غزة الى الخطاب العام.

هنا لا توجد أي حالة صدفية. هناك إمكانية لعملية جديدة هناك، بعد جباليا، في الحالة المرجحة التي تقول بأنه مرة أخرى ستنهار مفاوضات عقد الصفقة. أيضا قيادة المنطقة الجنوبية تدفع نحو ذلك، بالأساس طاقم التخطيط فيها. كثيرون هناك، وأيضا في فرق الاحتياط، يعملون من خلال أيديولوجيا حريدية قومية واضحة. من ناحيتهم توجد نافذة فرص تغمز لهم، ليس فقط لهزيمة “حماس”، بل لإعادة إقامة المستوطنات في القطاع واغلاق الطريق أمام أي انسحاب في المستقبل. عندما ينتقد سموتريتش، وزير المالية، رئيس الأركان، هرتسي هليفي، بأنه رفض المصادقة على العمليات التي عرضت عليه في ذلك الأسبوع، ولا يدفع أي أحد في الجيش الثمن عن هذا الاتصال الصارخ مع المستوى السياسي، فان الاتجاه الذي تهب فيه الرياح اصبح معروفا للجميع.

الى جانب توسيع النشاطات الهجومية يوجد حوار يقظ حول حلول ستجسّد في القطاع نوعا من الحكم المدني برعاية إسرائيل. يدور الحديث عن إقامة أربعة مراكز لوجستية على الشاطئ في القطاع، ستوزع المساعدات الإنسانية على يد مقاولين مدنيين باشراف الجيش الإسرائيلي. في جباليا وفي بلدات في شمال القطاع يتم فحص فكرة إقامة “تجمعات مغلقة” ومراقبة، يسمح للمدنيين الفلسطينيين بالعودة اليها في المستقبل، لكنهم سيضطرون الى العيش هناك في الخيام في ظل عدم وجود مبان صالحة للسكن. سيتحكم الجيش بالخروج من هذه المناطق والدخول اليها.

في جنوب القطاع توجد خطة لاشراك سكان محليين في السيطرة، ممن يعملون في الأساس بالقضايا الجنائية.  ولكن الواضح هو أن كل ذلك سيحدث فقط بعد تدمير آخر للفضاء الحضري، وابعاد السكان بالقوة وقتل المسلحين.

في الغرف المغلقة يتم الآن همس تقشعر له الابدان، “تحويل غزة الى تشرنوبل”. بعد التسرب الذي حدث في مفاعل تشرنوبل في 1986 حفر السوفييت بسرعة نفقا استهدف منع تسرب المادة المشعة الى المياه الجوفية. التشبيه هنا يتعلق بما هو مطلوب القيام به كما يبدو في كل المنطقة التي توجد شمال وادي غزة، أي ممر نتساريم – تدمير كثيف للبنى التحتية فوق وتحت الأرض. فقط بعد ذلك سيكون بالإمكان مناقشة عودة السكان. متى سيحدث ذلك؟ لا أحد يعرف.

الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في الواقع يطالب بتحرير جميع المخطوفين، واحيانا يطالب بانهاء الحرب. ولكن يتعزز الانطباع بأن نتنياهو غير متحمس للصفقة، التي ستكون مقرونة بتقديم تنازلات مؤلمة ومشكلات سياسية بالنسبة له، وأنه يفضل الحفاظ على الوضع القائم. الوزير المقرب منه، رون ديرمر، يؤمن بأنه في ظل ترامب سيكون بالإمكان إيجاد حلول عنيفة كهذه، وأن الخطوات لن تردع السعودية عن التطبيع مع إسرائيل والمشاركة في الترتيبات في القطاع. ولكن هناك شك كبير اذا كانت الرياض ستوافق طالما أن القتل مستمر في غزة. الى جانب المشكلات الأخلاقية الصعبة التي تظهر في الخطة فان الضباط المتطوعين للمشاركة فيها يجب عليهم الاخذ في الحسبان إمكانية أن يجدوا انفسهم في مرمى هدف المجتمع القضائي الدولي.

التهديد الداخلي  

الصورة الحزينة، التي تأتي من غزة، والجمود في المفاوضات بشأن المخطوفين، تندمج حتى الآن في واقع سياسي قبيح، انكشف في هذا الأسبوع بكامل البؤس. ركزت حملات الابواق في الفترة الأخيرة على الحرب داخل المعسكر الداخلي. حدث هذا بعد أن أجبر الوزير ايتمار بن غفير، بخطوة صبيانية، نتنياهو على الهرولة الى الكنيست، رغم عملية “البروستاتا”التي أجريت له، من اجل التمكين لتحقيق نصر الائتلاف في التصويت. في الحقيقة حدثت هناك أمور أسوأ بكثير، من بينها موقف أعضاء الكنيست في الائتلاف من أبناء العائلات الثكلى الذين يطالبون بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، ومنع دخول عيناف سانغاوكر الى الكنيست، والأموال الضخمة التي ابتزتها الأحزاب الحريدية في الوقت الذي اقصيت فيه التسهيلات لرجال الاحتياط جانبا، وأيضا الجهود الكبيرة لاجازة قانون اعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية.

كل يوم في حياة هذه الحكومة يظهر منافسة على تحطيم رقم قياسي شخصي للانغلاق والوحشية. ولكن التهديد الأكبر هو التهديد الداخلي: التناقض الواضح بين خطة تهرب الحريديين من الخدمة وبين عدد القتلى الآخذ في الازدياد في القطاع، الذين عدد كبير منهم هم من أبناء الصهيونية الدينية (المعسكر وليس القائمة). كلما استمرت الحرب وازداد عدد الجنازات فان رئيس الحكومة سيجد صعوبة في المناورة بين المعسكرين المتصادمين.

عزلة نتنياهو، الذي أُجريت عملية جراحية له، هذا الأسبوع، بعيدا عن أبناء عائلته، تبدو الآن: تواجد زوجته بعيدا؛ والجهود المثيرة للشفقة لحاشيته لتزوير سيطرة كاملة على الوضع. المرء يمكنه للحظة الاعتقاد بأنه تحت العربة المتعثرة للحكومة بدأت العجلات أخيرا في التفكك. لأنه في نهاية المطاف من غير المعقول أن الدولة اجتازت الكارثة الكلرى في تاريخها، وحتى الآن المسؤول الرئيسي عن ذلك، الذي حدثت هذه الأمور اثناء ولايته، لا يدفع أي ثمن سياسي. حتى الآن، كالعادة، يبدو أنه من السابق لأوانه تأبين نتنياهو. فهو سيمسك بالدفة من خلال استخدام كل الوسائل التي بحوزته، سواء أكانت قانونية أم غير قانونية.

 في هذا الأسبوع التقيت مع صديق لي، ابنه جندي في الخدمة النظامية ويحارب في القطاع بين حين وآخر منذ بداية الحرب. يقول الابن إن معنويات فصيله عالية، وإن القادة مهنيون، والجنود مصممون على مواصلة القتال. يزرع فصيله الكمائن في المنطقة المأهولة المدمرة، ويطلق النار عند تشخيص حركة مشبوهة قربه. في الأسابيع الأخيرة قتل الجيش الإسرائيلي بهذا الشكل بضع عشرات من الفلسطينيين تم العثور على سلاح مع بعضهم.

الحي الذي يوجد فيه الفصيل تم اخلاؤه من السكان، لذلك فان الافتراض هو أن كل من يقترب من القوات هو “مخرب” وحكمه الموت. سألت الاب اذا كان مقتنعا بأنه لم يصب مدنيون فلسطينيون. هو ليس على ثقة من ذلك، أجاب. ولكن في هذه الاثناء يجب عليه التركيز على أمور أخرى، وهي أن يكون ابنه واصدقاؤه في الوحدة يفهمون المهمة، وأن يخرجوا من القطاع بسلام.

بالمناسبة، رافق الوحدة طوال الوقت “شاويش فلسطيني”، يقوم بأمر منها وحده بتمشيط بيوت مشبوهة، يصورها بالهاتف المحمول ويرسلها الى الجنود. هذا الفلسطيني أيضا هو المسؤول عن كل العمل الأسود. من غير الواضح المقابل الذي يحصل عليه، هذا اذا كان يحصل على شيء. في الصيف الأخير عندما نشرت “هآرتس” تقريرا عن استخدام واسع لفلسطينيين في القطاع دروعاً بشرية، وبتقنيات مشابهة، أصيب قادة كبار في الجيش بالصدمة. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي قال في حينه: تمنع “الأوامر ذلك، وقد تم توضيحها للقوات، هذا الادعاء قيد الفحص”.

لا يقتصر التشكيك في بيانات الجيش فقط على الساحة الدولية، فهناك يشتد انتقاد القتل الذي تمارسه إسرائيل في شمال القطاع وعلى ظروف الحياة غير المحتملة في مخيمات النازحين في الجنوب. التحقيق الجديد، الذي نشره ينيف كوفوفيتش في الصحيفة عن التنكيل الذي قام به قائد الفرقة 252، العميد يهودا فاخ، في ممر نتساريم؛ وظروف موت جندي غولاني، غور كهاتي، وعالم الآثار زئيف ارليخ، اثناء جولة في القلعة الصليبية في لبنان؛ والاختلاف حول نشر تسجيلات المراقبات اللواتي قتلن – كل هذه القضايا تثير الشك الكبير بشأن قدرة الجيش على التحقيق مع نفسه. وأن ينشر بشفافية للجمهور، وأن يطبق معايير السلوك المعلنة على الجنود والوحدات.

هذا تحد كبير امام رئيس الأركان، في الوقت الذي ينشغل فيه بالحرب في غزة، والتهديدات من الشمال، في الوقت الذي يضع فيه رئيس الحكومة ووزير الدفاع خطة لاقصائه. حتى الآن واجب هليفي الاسمى هو تجاه الجمهور، ولن يتحقق هذا الامر بدون عرض كل الحقيقة على الجمهور.

حزاني ضابط احتياط مخضرم وخدم شهوراً كثيرة في مقر فرقة حاربت في القطاع. في حياته المهنية هو عالم انثربولوجيا. يصف في كتابه الجديد باسم “الانثربولوجيا في الحرب: مذكرات من الميدان” مشاهداته وانطباعاته عن الحرب من أيامها الأولى. يضاف هذا الكتاب الى قائمة الكتب الطويلة التي ينشرها المشاركون في الحرب من الطرف الإسرائيلي. تركز مقاطع كثيرة في الكتاب على المراحل الأولى في الحرب – الصدمة التي أصابت الجيش الإسرائيلي إزاء إخفاقات “المذبحة”، والمشاهد الفظيعة من الغلاف، التخوفات التي رافقت القادة عند الدخول البري الى المنطقة المأهولة والمكتظة في القطاع، والاحتكاك القريب مع “حماس”، التي حارب رجالها من بين السكان المدنيين. عن الوحشية التي اظهرتها في يوم “المذبحة” كتب حزاني: “أجبرتنا حماس على النظر من خلالها وأن لا ننفي وجودها… اجبرتنا حماس على النظر اليها كما هي والانجذاب الى داخلها، فوق الأرض وتحت الأرض. تتحدانا الحرب في مسألة الحدود الإنسانية لنا ولهم”.

في تشرين الثاني 2024 أعلن في القطاع عن وقف إطلاق النار لمدة أسبوع من اجل تطبيق صفقة تبادل المخطوفين الأولى التي في اطارها تمت إعادة نساء وأطفال. كتب حزاني بأنه فقط خلالها فهم بشكل متأخر وخلافا للشعور العام الذي ساد في الفرقة بأن تحرير المخطوفين تحقق بدرجة قليلة بفضل الإنجازات العسكرية على الأرض، وبدرجة اكبر لاسباب براغماتية لـ “حماس”. كانت قيادة “حماس” معنية بالتخلص من النساء والأطفال، الذين كان يصعب الاحتفاظ بهم، وكانوا يشكلون عبئاً على صورة “حماس” في اتصالاتها مع المجتمع الدولي.

——————————————

هآرتس 5/1/2025

سياسة الانتقام الإسرائيلية لم تولد بعد 7 تشرين الأول؛ بل أصبحت علنية فقط

بقلم: إيتاي ماك

بعد عام وشهرين تقريباً من الحرب التي قُتل خلالها عدد كبير جداً من المدنيين في غزة جرّاء القصف الإسرائيلي أقرّ تحقيق صحيفة “نيويورك تايمز” بأن هناك سياسة رسمية، جرى إقرارها بأوامر فتح النار التي تم تحديثها يوم 7 تشرين الأول.

وبحسب التحقيق، حصل الضباط من رتب متوسطة في الجيش على صلاحية استهداف آلاف المقاتلين من رتب متدنية، بالإضافة إلى مواقع عسكرية لم تكن ذات أهمية كبيرة خلال الحملات السابقة في القطاع، على الرغم من أنه كان من المعروف مسبقاً احتمال مقتل عدد كبير من المدنيين – يصل إلى 20 مدنياً في كل قصف، وأكثر من 100 مدني إذا كان الهدف قيادياً في “حماس”. وفي إطار “تخفيض السقف” الذي جرى، تم اعتماد أساليب غير موثوق بها من أجل إيجاد أهداف وتقدير عدد المدنيين الذين يمكن أن يُقتلوا بسبب القصف، ولم يتم الفحص ولا استخلاص العبر جدياً، فيما بعد.

وبمعزل عن مدى التزام هذه الأوامر بالقوانين الدولية، يبدو أن الضباط الكبار والمستشارين القضائيين، وأيضاً المستوى السياسي، صادقوا من خلال هذه الأوامر على “قيمة” الانتقام، وأرادوا تمرير رسالة، مفادها التالي: “جُنّ جنون صاحب المنزل”، أو “خلعنا القفازات”. هذا لا يعني بالضرورة أن كل هجوم كان عبارة عن عملية انتقام غير مبرر عسكرياً، أو أن كل ضابط، أو جندي شارك في هذا القصف، لكن من الواضح أن المستويات العليا على الأقل كانت تعلم مسبقاً بأن النتيجة التراكمية لتطبيق هذه الأوامر هي أعداد كبيرة جداً من الضحايا المدنيين.

لطالما قُتل مدنيون خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، لكن على الأقل، كان هناك رغبة في الامتناع من ذلك رسمياً. فخلال جلسة الهيئة العامة للكنيست في نهاية تموز 1982، وبسبب القصف على بيروت، قال رئيس الحكومة مناحم بيغن: “ليشهد كل أعضاء الحكومة وضباط الجيش الذين يستمعون إلى أقوالي على أنه عندما أحضروا لي الخرائط، وشرح الضباط للحكومة خطة الهجوم المبرر والضروري، رداً على قتل أشخاص ونساء وأطفال، ألم يكن السؤال الأول الذي وجّهته إلى الضابط: أين المدنيون؟ ولو كان الجواب أنهم قريبون جداً من الهدف لجرى استبعاد الخريطة عن الطاولة. وصادقنا على العملية، فقط عندما كان الجواب أن القصف لا يشكل خطراً على المدنيين، وأقول هذا أمام جميع أعضاء الحكومة الذين يشهدون”.

في سنة 2018، ورداً على طلب التماس بشأن حرية الحصول على المعلومات، نشر الجيش إعادة صوغ لقرار إطلاق النار في القصف الجوي، وبحسبه، يجب القيام بتقدير موقف راهن بشأن كل عملية محددة، والتأكد من خلال مستشارين قانونيين بأن الهجوم موجه ضد العدو، أو ضد أهداف عسكرية فقط، وأنه يجب القيام بخطوات معقولة من أجل تقليص الأضرار الجانبية المتوقعة، والتأكد من الاستخدام المفرط للقوة العسكرية المتوقع نتيجة القصف. وجاء أيضاً أنه يجب التأكد من أن الضربة تستجيب لشرط التناسب وضرورة الحذر.

حينها، كان هناك تخوف من أن تسمح هذه الأوامر، التي كانت صالحة قبل السابع من تشرين الأول، بإصبع خفيف على الزناد، وبصورة خاصة بسبب وجود التكنولوجيا الرخيصة، والمستعملة على نطاق واسع، والمسيّرات الهجومية. إلّا إن الأوامر التي تم إقرارها يوم 7 تشرين الأول، والتي كُشفت في تحقيق “نيويورك تايمز”، حولت الإصبع إلى حالة “ثبات على الزناد”. وبدلاً من الرغبة في الامتناع من إلحاق الضرر بالمدنيين، تصالح الجيش مسبقاً مع قتل عدد كبير جداً من النساء والأطفال والعجَزة.

طبعاً، لم تولد العمليات الانتقامية في هذه الحرب، بل كانت موجودة قبل قيام الدولة وبعده. فعلى سبيل المثال، نفّذ الجيش 122 عملية انتقام في الفترة 1950-1956، قَتل في بعضها مدنيين، ومن ضمنها العملية في قبيا، حيث جرى قصف 45 منزلاً وقتل 60 مدنياً. الاسم المقبول لوصف هذه العمليات في إسرائيل هو “الانتقام”، لكن عملياً، المقصود الانتقام ممن ألحق الضرر بالدولة، أو قواتها، أو مواطنيها. وبحسب أوامر الجيش التي كُشفت في “نيويورك تايمز”، جرى السماح، رسمياً، بالانتقام من أبناء العائلة والجيران والناس الموجودين في المنطقة.

بحسب تقديرات سرية قامت بها أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة بشأن موضوع “إسرائيل فإن الخبرة في الحرب على الإرهاب”، والتي تم تجهيزها في سنة 1984، وكُشفت للجمهور في سنة 2016، كان “الالتزام بسياسة الانتقام موجودا عميقا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن جهات استخباراتية إسرائيلية حذّرت دائماً من أن قدرة هذه العمليات على ردع (الإرهابيين) ضئيلة جداً، فإن القيادة دائماً كانت تميل إلى العمل استناداً إليها، في حال كانت المصلحة الأمنية الإسرائيلية على المحك”. وتشرح التقديرات كيف كان العمل في خمسينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات منه، وأن إسرائيل “انتقلت من سياسة العين بالعين البسيطة إلى عقيدة انتقام متطورة كلياً. وبحسبها، يمكن التعامل مع (الإرهاب) عبر الرد بتدفيعه ثمناً مرتفعاً بشكل غير معقول”.

وتشير هذه التقديرات إلى صعوبات شبيهة بالصعوبات التي تتعامل معها إسرائيل، اليوم، نتيجة سياسة الانتقام: بصرف النظر عن درجة مهنية هذه العمليات، عسكرياً، فإنها أضرّت بمكانة إسرائيل وصورة جيشها وعلاقاتها بالدول الصديقة.

ثمن آخر تمت الإشارة إليه هو “إلى أيّ مدى ساهمت طريقة عمل إسرائيل ومواجهتها (الإرهاب) في استمراره؟ لقد ساهمت العمليات الواسعة التي نفّذتها إسرائيل في تحقيق الهدف الفلسطيني، أي أن يؤدي الرد الإسرائيلي القوي إلى إثارة الاهتمام، وأحياناً إلى التعاطف مع أهداف (الإرهاب). وأكثر من ذلك، يبدو أن طريقة عمل إسرائيل لا تمنع تجنيد فلسطينيين جاهزين للموت من أجل تحقيق أهدافهم”. وخلصت وكالة الاستخبارات الأميركية إلى القول، إن “التعامل مع (الإرهاب)، في الأساس، استناداً إلى القوة، يخلق دينامية جدلية، وليس نهاية واضحة للمشكلة”. المثال لذلك يحدث، اليوم، مع نجاح “حماس” في إعادة ترميم قوتها في كل مكان يخرج الجيش منه في القطاع، وأيضاً تجنيد كبير لمقاتلين جدد.

دائماً كانت سياسة الانتقام موجودة، لكنها منذ السابع من تشرين الأول، يجري تطبيقها بقوة، وبات مجرد التصنع غير ضروري. فبعد “المذبحة” بثلاثة أيام، يوم 10 تشرين الأول، نُشرت عريضة حاخامات تتضمن مطالبة بإلحاق الضرر بالمدنيين قصداً، وقيل فيها، إنه “لا يجب أخذ مدنيي العدو بعين الاعتبار”، و”خلال الحرب، أفضل الأفاعي تغيّر جلدها”، و”سألاحق أعدائي وأصل إليهم، ولن أعود حتى نهايتهم”، و”لا تسمحوا بالأقوال التي تُضعفنا، والتي تبحث عن ورقة توت قانونية لتقليص القتال”. كان بين الموقّعين دوف ليؤور، الذي يُعتبر حاخام “شبيبة التلال”، وأقرّ بأن “باروخ غولدشتاين مقدس أكثر من جميع مقدّسي المحرقة”، بالإضافة إلى الحاخام عوزي شرباف الذي تمت إدانته بقتل ومحاولة قتل، وحُكم عليه بالمؤبد بسبب دوره في العمليات الإرهابية في الكلية الإسلامية في الخليل.

في أعقاب مطالبات ناشطين وحاخامين من اليمين المتطرف بالانتقام بعد “مذبحة” السابع من تشرين الأول، قام ناشطو “شبيبة التلال” بتنفيذ عمليات انتقامية في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، ونفّذ بعض جنود الجيش عمليات انتقامية في القطاع. جوهرياً، لا تختلف هذه المطالبات عن مصادقة الجيش على أوامر الانتقام التي كان يعرف مسبقاً أنها ستكون سبباً لمقتل عدد كبير من المدنيين.

—————–انتهت النشرة—————–