التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين يقرّب البلاد من بلقنة الصراع الدموي التاريخي

رغم تصعيد الاحتلال والمستوطنين حملاتهم الدموية على الفلسطينيين داخل الضفة الغربية المحتلة، وربما بسببها أيضاً، تتزايد المقاومة وتشي بالمزيد من عمليات نوعية، آخرها عملية ضد دورية عسكرية في حاجز ترقوميا، صباح اليوم الأحد، قتلت ثلاثة جنود.

لليوم الخامس، تواصل قوات الاحتلال مداهمة المخيّمات والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، قتل وإصابة واعتقال العشرات يومياً وإشاعة الخراب والدمار المستلهم من جرائم جيش الاحتلال داخل قطاع غزة.

تأتي العمليات الفلسطينية داخل الضفة الغربية وخارجها رداً طبيعياً على استمرار الاحتلال، وتصاعد المقاومة هو نتيجة عدة عوامل في المدة الأخيرة، منها استمرار المذبحة وحرب الإبادة التي تدخل الفلسطينيين، أينما كانوا، بحالة غضب لا بد له أن ينفجر مهما كان ميزان القوى مختلاً.

سبق أن أدّى المساس بالأقصى إلى تفجير انتفاضات، منذ 1921، مروراً بهبة البراق، عام 1929، وهبّة القدس والأقصى مطلع الانتفاضة الثانية، ووصولاً لهبّة الكرامة

وتزداد حالة الغليان داخل الضفة الغربية المحتلة نتيجة جرائم المستوطنين والإرهاب اليهودي الذي يثقل على الفلسطينيين ويصب الزيت على غضبهم، وهذا ما حذّر منه رئيس “الشاباك” رونين بار، في مذكرّة خطية لحكومة الاحتلال ورئيسها، قبل أيام، عنوانها أن الإرهاب اليهودي تهديدٌ على أمن الدولة.

وسبق بار عددٌ من المراقبين الإسرائيليين أيضاً ممن حذروا من انفلات المستوطنين من عقالهم وارتكابهم جرائم بحق الفلسطينيين بشكل غير مسبوق منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية التي تتضمن وزراء مستوطنين يشاركون في دعم المعتدين وتوفير الحماية لهم، وبلغت مناصرة الوزراء للإرهاب ذروتها بدعوة وزير المالية والوزير الإضافي في وزارة الأمن المستوطن سموتريتش لحرق حوارة.

عبث ببرميل بارود

في التزامن، يكرر وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير، المدان بالإرهاب بمحكمة إسرائيلية، الاعتداءات والانتهاكات في الحرم القدسي الشريف، ودعواته الصريحة لخرق “الوضع الراهن”، وللصلاة اليهودية في المكان المقدس للمسلمين وعموم الفلسطينيين، ولبناء كنيس مقابل قبة الصخرة، بعد دعوات لبناء الهيكل الثالث المزعوم مكان الأقصى. بيد أن هذه الاعتداءات، التي تعتبر لعباً خطيراً جداً بالنار، لا تقتصر على بن غفير وسموتريتش، بل هي مسؤولية حكومة الاحتلال وجموع الإسرائيليين.

ومن المتوقع أمام التأييد لهذه الاعتداءات على الأقصى أن تزداد في الأيام القادمة، تزامناً مع الأعياد اليهودية المستغلة من قبل مستوطنين ومتشددين للمزيد من الاقتحامات والانتهاكات للأقصى.

ويدرك بعض المراقبين في إسرائيل أن هذا عبثٌ ببرميل بارود، فالأقصى له زاوية دافئة في قلوب الفلسطينيين، أينما كانوا، لكونه مسجداً وصرحاً تاريخياً حضارياً ووطنياً، وسبق أن أدّى المساس به لتفجير انتفاضات، منذ 1921، مروراً بهبة البراق، عام 1929، وهبّة القدس والأقصى في مطلع الانتفاضة الثانية، عام 2000، ووصولاً لهبّة الكرامة على طرفي الخط الأخضر، في مايو/أيار 2021.

وفي هذه الأيام؛ الخطورة مضاعفة بسبب حالة الاحتقان بسبب حرب التدمير والتهجير على أشكاله ضد الشعب الفلسطيني. الضفة الغربية التي ترى مشاهد المذبحة والإبادة في غزة، وتعيش داخل “طنجرة ضغط” بسبب خناق اقتصادي وتصعيد الاحتلال والمستوطنين جرائم السلب والنهب والتهويد، تبدو في الأيام الأخيرة مختلفة من ناحية انتشار بؤر المقاومة، كمّاً وكيفاً، وتبدو جبهة مواد متفجّرة، كما يصفها المراسل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع اليوم.

وتحذر جهات إسرائيلية أيضاً أن الضفة الغربية على حافة انفجار أشد بسبب الاعتداءات، وبسبب توفير سلاح ومال من قبل إيران و”حزب الله” و”حماس” عن طريق الحدود الأردنية، ويسوق هؤلاء مزاعمهم وتحذيراتهم لتعزيز دعوتهم لوقف الحرب وتحاشي وضع إستراتيجي خطير تلتحم به عد ساحات وجبهات مشدّدين على أن إسرائيل غير جاهزة لمثل هذه الحرب.

الغاية الحقيقية للحرب الإسرائيلية

لكن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو لا تكترث لتحذيرات المؤسسة الأمنية والدولة العميقة وعدد كبير من الجنرالات في الاحتياط والمراقبين من ذوي التجربة، فتواصل حربها المتوحشة على غزة، وتنقلها للضفة الغربية، دون أن تكترث بتبعات اشتعال هذه الجبهة.

وانضم وزير الأمن غالانت، اليوم، لهذه التحذيرات، بدعوته لقلب قرار الكابنيت الأخير باستمرار احتلال فيلادلفيا، ملمّحاً تلميحاً غليظاً لضرورة إتمام صفقة، ووقف الحرب، لترتيب الأوراق الإسرائيلية المبعثرة، والتفرّغ للعدو الأكبر إيران.

في التزامن، أكد رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك أنه لا قيمة عسكرية للسيطرة الإسرائيلية على فيلادلفيا ونيتساريم، وكَشَفَ، في حديث للقناة العبرية 12، أن نتنياهو هو من عارضَ مطلب الجيش باحتلال فيلادلفيا، قبل شهور، داعياً رؤساء المؤسسة الأمنية للاستقالة، وفضح حقيقة ما يجري بسبب التهديد الكبير على إسرائيل من استمرار نزيف سيؤدي لحرب إقليمية. لكن نتنياهو يصم أذنيه وعينيه.

ويكشف بعض وزراء حكومة الاحتلال عن أخطر غايات هذه الحرب البربرية: إيقاع نكبة جديدة بالفلسطينيين، وكسر إرادتهم، وحسم الصراع معهم، كما يستنتج من تصريحات وزيري الخارجية والزراعة يسرائيل كاتس وآفي ديختر في الأيام الأخيرة.

في مقاله، كشف الصحفي المستوطن، المعلّق في القناة 12 العبرية، عاميت سبغل أن هدف نتنياهو من التمسك بفيلادلفيا ليس فقط استبعاد صفقة من شأنها توقف الحرب، موضحاً أنه يتطلّع لاحتلال القطاع كي يكتب التاريخ والمؤرخون أن أرئيل شارون فرّطَ بقطعة من “أرض إسرائيل” (قطاع غزة)، فيما قام هو باستعادتها.

حسب سيغل، المتعصّب وأحد أبواق نتنياهو، وأدين والده بالإرهاب قبل 30 سنة، فإن فيلادلفيا ليس مجرّد “مسمار جحا” يستخدمه نتنياهو لتعطيل الصفقة، بل جزء من مخطط احتلال للقطاع.

برغم كل التحذيرات، يتجاهل نتنياهو رؤية المؤسسة الأمنية هذه الحالة المحتقنة الخطيرة على إسرائيل أيضاً، بسبب طمعه بالبقاء بالتاريخ، وفي سدة الحكم، ويستفيد من ضعف وتردد الضغوط الخارجية والداخلية. ما يجري من اعتداءات وجرائم بحق الفلسطينيين، والمرشحة للمزيد، يقرّب البلاد من “حالة بلقانية”، ما يعني اختلاط الحابل الفلسطيني بالنابل الإسرائيلي على طرفي الخط الأخضر، واتساع دائرة الدم، تديين وتعقيد الصراع التاريخي أكثر مما شهدته البلاد المبللة بالدم والدمع عام 2000.

تعيش الضفة الغربية المحتلة داخل “طنجرة ضغط” بسبب خناق اقتصادي وتصعيد الاحتلال والمستوطنين جرائم السلب والنهب والتهويد

إسرائيل لا تهمه

على خلفية ذلك، يؤكد المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني أن نتنياهو، وبخلاف ما يشاع، يملك إستراتيجية: كل قرار عنده هو نتيجة للسؤال هل القرار يفضي لوقف الحرب وإسقاط الائتلاف؟ ويؤكد أن نتنياهو لا يكترث بالنصر، بل باستمرار حكمه، منوهاً، في المقابل، أن البديل مفيد جداً لإسرائيل، ويقول إن وقف الحرب وإحراز صفقة يمكّن من تحقيق تغيير إستراتيجي، وبناء تحالف إقليمي، وضم السعودية لاتفاقات أبراهام، وبناء جبهة موحدة ضد إيران، إضافة لتحرير المخطوفين، لكن نتنياهو “غير موجود”، وهو سيفعل كل ما يحافظ على هذا الائتلاف.

وتبعه زميلُه، معلق الشؤون الاستخباراتية رونين بيرغمان، الذي ينقل، في مقال تحت عنوان “تغيير دراماتيكي باحتمالات بقاء المخطوفين”، عن مصدر أمني قوله إن حكومة إسرائيل تخون وظيفتها. والمخطوفون يقتلون. منوهاً أنه، منذ أسابيع، هناك تغيير سيئ في احتمال بقاء المخطوفين.

ويتابع: “المسؤولية ملقاة على حماس، لكن استمرار القتال، والتمسك بفيلادلفيا، وتخريب المفاوضات، يزيد طينة المخطوفين بلة. يضاف لذلك تراخي الهيكلية القيادية في حماس. إسرائيل تحكم على المخطوفين بالإعدام. حتى الآن كان مقبولاً القول إن المخطوفين تركوا ومصيرهم داخل الأنفاق، والآن بات حكم الإعدام فورياً. الواقع الناشئ، خاصة بعد قرار الكابنيت الأخير، له معنى قاطع وقاتل؛ تقصير فتيل حياة عشرات المخطوفين وهم على قيد الحياة.

وبعد الكشف عن تخليص الجثامين الجديدة، يرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن هذا الحدث مرآةٌ سوداء للتحوّل الذي طرأ في الأسابيع الأخيرة، ويضيف: “الزعم أن الضغط العسكري يعيد المخطوفين لم يكن صحيحا يوماً.. واليوم هو زعم فارغ”.