رسالة من دائرة العلاقات الخارجية في الديمقراطية إلى الأحزاب العالمية حول العدوان على الضفة… إعلان ببدء مخطط “الضم”.. وتكرار لتجارب فاشلة ستسقطها إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته

نزولاً عند رغبات وضغوط اليمين الفاشي والمتطرف في إسرائيل، شن جيش الإحتلال الإسرائيلي (28 آب) عدواناً عسكرياً شمل عدداً من المدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، بهدف معلن هو تصفية المقاومة الفلسطينية وأذرعها العسكرية.. وفي سياق هذا الهدف إعادة صياغة مناطق الإنتشار الفلسطيني لتكون منسجمة مع المخططات الإسرائيلية التي ومن خلالها يتم إفراغ مناطق معينة من سكانها، لصالح توسيع مساحات الاستيطان الاستعماري..

لا يمكن النظر إلى هذه العملية كردة فعل على حدث ما، بل هي عدوان جديد، يستكمل مسلسل القتل الممنهج الذي يمارسه جيش الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني منذ فترة في مختلف مناطق الضفة، التي تعتبر وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة واعترافات المئات من دول العالم أراض فلسطينية محتلة لشعبها الحق باللجوء إلى مختلف أشكال النضال والمقاومة من أجل تحريرها وممارسة حقوقه الوطنية فوقها بحرية بعيداً عن كل أشكال الإحتلال والتبعية..

كما يأتي هذا العدوان أيضاً في إطار قضيتين متلازمتين: الأولى حرب الإبادة التي ترتكب في قطاع غزة، حيث تواصل إسرائيل الاستفادة مما وفره لها التحالف الدولي الغربي والأطلسي من دعم لعدوانها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الميدانية على الأرض. والثانية السعي لفرض المخطط الصهيوني المعروف بخطة الحسم بقوة الدم والنار.. وهو مخطط سبق لأكثر من مسؤول إسرائيلي وأن أعلن عنه صراحة، في تحد واضح ليس للشعب الفلسطيني فقط، بل وللنظام الدولي بكافة مكونانه، والذي فشل في ترجمة قراراته واقعاً على الأرض، وفشل أيضاً في توفير الحماية لشعب قابع تحت الإحتلال..

ومن خلال استعراض العناوين العامة لمخطط “الضم والحسم”، فيبدو واضحاً أن إسرائيل تعمل على رسم تفاصيل هذا المخطط، الذي يحشر الفلسطينيين في كانتونات متباعدة وعلى مساحة جغرافية صغيرة جداً، لا تحتاج، وفقا للرؤى الإسرائيلية، سوى إلى تحسين واقعها المعيشي الذي ستعمل إسرائيل على تطويره، في تجاهل تام لكافة الحقوق السياسية والوطنية الفلسطينية.. واستناداً لذلك تضع إسرائيل الشعب الفلسطيني أمام ثلاثة خيارات:

إما قبول مخطط الضم والتعايش “بهدوء” مع الإحتلال وما سيرسمه من مشاريع، مع إمكانية خلق فرص عمل ومناطق تجارية مفتوحة، وفقا لما أشارت اليه ورشة المنامة التي عقدت في البحرين عام 2019 في إطار ترتيبات صفقة القرن الأمريكية.

وإما فتح باب “الهجرة الطوعية” بتسهيلات مالية وإدارية إسرائيلية، بعد عدد من الخطوات التي ستقوم بها إسرائيل، والتي من شأنها أن تجبر غالبية الفلسطينيين على مثل هذا الخيار، من بينها قوانين وقرارات تحاصر الفلسطينيين في أرضهم، ومضايقات يلجأ إليها جنود الإحتلال والمستوطنون المدججون بالأسلحة..

والخيار الثالث لمن يرفض الخيارين السابقين هو الملاحقة والقتل والاعتقال، وهذا ما يحدث الآن في مدن ومخيمات الضفة الغربية وفي الطرقات والشوارع التي توصل المدن والمخيمات الفلسطينية بعضها ببعض.

لذلك، فإن اقتحامات المدن والمخيمات وتهجير السكان، وتدمير البنية التحتية، وارتكاب المجازر الجماعية، هو عملية مدروسة تنقل حرب التهجير والضم والتطهير إلى مرحلتها الدموية الشاملة، وتلجأ فيها دولة الإحتلال إلى كل أنواع السلاح.. من الطائرات الحربية إلى الدبابات والجرافات، والقصف المدفعي، وفرض الحصار على المستشفيات، وعرقلة دور فرق الإسعاف، وتحويل شمال الضفة الغربية، بشكل خاص، إلى مسرح للقتل المجاني، في امتداد صارخ لما يجري في قطاع غزة.

إن المجازر المتتالية والجرائم بحق الشعب الفلسطيني على مدار سنوات الإحتلال، والتي ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة مع صعود اليمين الفاشي للحكم في إسرائيل، وما رافقه من تدمير مقصود للبنى التحتية، لن تنجح لا في كسر إرادة الشعب الفلسطيني ولا في تنفيذ أهداف ومخططات التهجير والضم التي تعمل عليه إسرائيل وعدد من مسؤوليها الرسميين، بل ستزيد المقاومة إتقاداً واتساعاً وإبداعاً في أشكالها..

لقد سبق للإحتلال وأن قام بعملية مشابهة في عدوان “السور الواقي” عام 2002، بعد أن حشدت إسرائيل أكثر من 30 ألف جندي، والذي جاء تنفيذاً لوعد انتخابي قطعه أرئيل شارون لناخبيه تحت شعار “دع الجيش ينتصر” وبهدف القضاء على الإنتفاضة. لكن بعد نحو خمسة أسابيع (من 29 آذار وحتى 10 أيار) من القتل والقصف والتدمير واستخدام الإحتلال لكل ما لديه من قوة عاتية ودون أية كوابح، لم تنجح إسرائيل لا في تحقيق إنتصار حاسم، رغم الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف الشعب الفلسطيني، ولا في القضاء على المقاومة وعملياتها التي ازدات وتيرتها في الداخل الإسرائيلي. وكل ما نجحت به إسرائيل كان استباحة مناطق السلطة الفلسطينية وكسر التقسيمات الجغرافية التي فرضتها اتفاقات أوسلو في توزيع السيطرة الأمنية والعسكرية والوظيفية بين السلطة وإسرائيل، لتعود إسرائيل لفرض إحتلالها المباشر دون مراعاة لاتفاقات موقعة معها.. ما يؤكد حقيقة النوايا والأهداف الإسرائيلية من وراء تلك الاتفاقات..

اليوم، لا يمكن النظر إلى ما يرتكبه جيش الإحتلال ومستوطنوه في الضفة، إلا بكونه تواطؤ وشراكة من قبل بعض القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وصمت عربي ودولي مشين يمد العدو المحتل بكل أسباب القوة والصلافة، ما شجعه على مواصلة حرب الإبادة الجماعية التي اقتربت من نهاية عامها الأول في قطاع غزة بهدف تصفية القضية الفلسطينية، خدمة للدول الإمبريالية الغربية والحركة الصهيونية وتسيّدهما على منطقة الشرق الأوسط والعالم.

إن ممارسات إسرائيل وطريقة تعاملها مع قطاع غزة من حصار وحروب وتدمير وإذلال.. كانت إحدى الأسباب، إلى جانب أسباب أخرى، التي قادت إلى إندلاع المقاومة وتطوير قدراتها وصولاً إلى طوفان الأقصى. وما يحصل اليوم في الضفة الغربية هو مقدمة تملي على كافة مكونات حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، الدفاع عن الأرض الفلسطينية وأصحابها الذين يتهددهم خطر الموت والتهجير والاعتقال والتنكيل وفي إطار عمليات التطهير العرقي التي يرتكبها الإحتلال الإسرائيلي.. وعلى كل حر في العالم أن يعي أن بركان الثورة في فلسطين قد يهدأ قليلاً، لكن ناره لن تخبو أبداً، بل أن الإنفجار الكبير قادم لا محالة وسيكون ثورة كبرى تحرق كل من تآمر وتقاعس وكان مساهما في الجريمة التي يرتكبها جيش الفاشية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

إننا في “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”، وإذ نضع هذه المعطيات بين أيدي الأحزاب السياسية والأطر المجتمعية على اختلاف تشكيلاتها، فإننا ندعوا إلى توسيع دائرة فعلها وتعميق تفاعلها مع ما يحدث لجهة الضغط على حكوماتها لمواقف أكثر توازنا، وبما ينسجم مع الحد الأدنى من المعايير الإنسانية والأخلاقية وحتى السياسية والقانونية التي تتعرض جميعها للإنتهاك على يد الفاشية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة ومن دول غربية.

 

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

– دائرة العلاقات الخارجية –