بدء العام الدراسي في القدس تحت سيف التهويد.. تغيير المناهج ونقص الغرف الصفية يُعكران انطلاق العملية التعليمية

صادق الخضور: وزارة التربية والتعليم معنية بتطبيق التعليم الوجاهي إلى أكبر حد ممكن هذا العام

يحيي حجازي: تخطئ المدارس إذا اعتقدت أن دورها يتوقف على الجانب التعليمي فقط في هذه الفترة الحرجة

فؤاد عابدين: رسالة التعليم تختلف عن باقي الوظائف كونه يحمل طابع تربية الأجيال ومُعنوَناً بالأخلاق

إسماعيل مسلماني: الاحتلال يحاول فرض المنهاج الإسرائيلي على مدارس القدس وهو جزء من عملية التهويد

نادر أبو عفيفة: وضع التعليم في القدس يسير من سيئ إلى الأسوأ إذا لم يتم تدارك الموقف من الجهات المعنية

رمضان طه: تحتاج المدارس إلى أكثر من 1900 غرفة صفية لتلبية احتياجات الطلاب وضمان انتظامهم

مع انطلاق العام الدراسي الجديد، تواجه العملية التعليمية في مدارس القدس التي تتتبع نظام التعليم الفلسطيني تحديات كبيرة وخطيرة، في ظل العراقيل والقيود التي تضعها سلطات الاحتلال في طريقها، في سياق سياسة التهويد التي تنتهجها للمدينة المقدسة ولمؤسساتها التعليمية والتربوية منذ سنوات طويلة، بدءاً بفرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس الخاصة بالترغيب والترهيب، وكذلك تقديم الحوافز للمعلمين للعمل في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال أو التي تتبع المنهاج الإسرائيلي، يضاف إلى كل ذلك وضع شروط تعجيزية تصل حد المنع أمام بناء المزيد من الغرف الصفية.

وهناك تحديات مشتركة يواجهها طلبة المدارس ومعلموهم في القدس كباقي زملائهم في مناطق الضفة الغربية، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني في ظل حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، وعمليات الاجتياح التي تطال العديد من مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وما يتخللها من مواجهات وإصابات وشهداء والقيود المفروضة على حرية الحركة، ومنع التجول، وهو ما يتسبب في إرباك للعملية التعليمية، وبالتالي اللجوء إلى نظام التعلم عن بعد كما حدث في الأعوام الماضية، وكل ذلك يترك أثراً نفسياً قاسياً على الطلبة وذويهم ومعلميهم وعلى العملية التعليمية برمتها.

التعليم الإلكتروني لم يثبت نجاعته

ولمناسبة افتتاح العام الدراسي الجديد توجه صادق الخضور، الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، لـ”القدس”، بالتحية إلى كل المعلمين والمعلمات الذين أظهروا وفاءً كبيراً في إنجاز العام الدراسي الماضي، رغم التحديات والظروف الصعبة.

وقال الخضور إن وزارة التربية معنية بتطبيق التعليم الوجاهي إلى أكبر حد ممكن، وذلك في ظل عدم نجاعة التعليم الإلكتروني لجميع الفئات العمرية والمراحل الدراسية، حيث يناسب بعض المراحل، ولا يناسب الجميع، مشيراً إلى أن نظام التعليم المختلط بين الوجاهي والإلكتروني قد يقلل من شغف الطلاب بالحضور الوجاهي

وأكد أن الوزارة تسعى من خلال التزام الطلبة، ودعم أولياء الأمور إلى تجاوز الصعاب الماثلة أمامها خلال هذا العام

وأوضح الخضور أن الوزارة تدرك التحديات التي تواجهها، لا سيما في القدس، حيث توجد محاولات لفرض مناهج غير فلسطينية على بعض المدارس الخاصة، مشيراً إلى انتظام المسيرة التعليمية في القدس في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم. ونوه في الوقت ذاته إلى التحديات المتعلقة بحصول المعلمين العاملين من الضفة الغربية في مدارس القدس على التصاريح اللازمة من سلطات الاحتلال.

وأشار الخضور إلى أن الوزارة تمكنت من تنظيم امتحانات الثانوية العامة بنجاح في القدس، وتعمل على توفير متطلبات المدارس بشكل مستمر وهي على رأس سلم أولويات الوزارة.

ما يحتاجه الطالب هذا العام أكثر من أي وقت مضى

من جانبه، قال المستشار التربوي يحيي حجازي لـ”القدس”: “إن المدارس تخطئ إذا اعتقدت، وخصوصاً في هذه الفترة الحرجة في تاريخ شعبنا أن دورها يتوقف على الجانب التعليمي فقط. لربما ما يحتاجه الطالب هذا العام أكثر من أي وقت مضى. يحتاج معلمين ومعلمات يستطيعون احتواءه وتفهمه، معلمين ومعلمات قبل أن يبدأوا بالتدريس يتوجهون لطلبتهم فيسألونهم عن حالهم، ويحاولون فهم وتفهم الحمل العاطفي الذي يحمله هؤلاء الصغار معهم نتاج ما يرونه ويسمعونه، وربما يمرون به هم وأبناء أسرهم من أحداث يعجز عن حملها البالغون”

وأكد حجازي أن “الأحداث والأوضاع الصعبة التي يمر فيها طلابنا تخلق الكثير من الضغط والتوتر. لذلك فإن الطالب المتوتر لن يستطيع بسهولة تجنيد الذاكرة والتركيز والانتباه لدراسة المادة التعليمية، فالجهاز العصبي المسؤول عن الاستماع وتحليل المادة وعن العمليات العقلية العليا لن يستطيع الهروب من عبء الغدة اللوزية المسؤولة عن المشاعر، فإن كانت متوترة وتعمل ساعات إضافية فلا أمل في التعلم المأمول”.

المعلم هو ابن نفس البيئة ويتأثر كالطالب

وأضاف حجازي : “المعلم هو ابن نفس البيئة التي يأتي منها طلبته، وهو أيضاً يتأثر كما الطالب بما يحدث من حوله، فالمعلم الأب والمعلمة الأخت والأم تحتاج إلى تجميع كل طاقاتها النفسية والذهنية وإبقاء ما يحدث في محيطها خارج المدرسة قدر الإمكان، لتستطيع تمرير دروسها وإنجاز ما هو متوقع منها”.

وقال: إن الجرأة والاستعلاء على الأحداث الضاغطة أمران ليس بالهينين، وطلب المساعدة وتقديمها ليسا بالمفهوم ضمناً، ولذا فمن المهم أن نساعد طلابنا في المشاركة بما يشعرون به، وإن لم نستطع مساعدتهم كمعلمين، كون ما يشاركوننا به أكبر من طاقتنا، فعلينا توجيههم إلى من هو متخصص في علاج مشاعرهم ومخاوفهم. ونحن البالغون علينا تعلم طلب المساعدة أيضاً، فإن الدعم الاجتماعي يساعدنا في التعامل مع ضغوطات الحياة كما يساعد طلابنا.

ورأى حجازي أن “على المدرسين كبالغين تعلم استراتيجيات تساعد طلبتهم على التفريغ والمشاركة، وأن، يستخدموا هذا العام أكثر من قبل استراتيجيات تدريس يدمجون فيها بين الجهاز الحوفي المسؤول عن المشاعر في الدماغ لتخفيف التوتر ورفع الدافعية للتعلم وبين أجزاء الدماغ الأخرى المسؤولة عن التعلم والتركيز والتخطيط والذاكرة، وهذا الجانب السهل الذي يجيده الكثير من المعلمين والمعلمات”.

ضرورة التقليل من التعليم عن بُعد

بدوره، قال المدير العام لمدارس ورياض الأقصى الإسلامية فؤاد محمود عابدين: “يسعدني مع بداية العام الدراسي الجديد أن أبارك لجميع العاملين في السلك التعليمي متمنياً لهم دوام التوفيق والنجاح وآملاً أن يكون هذا العام مليئاً بالإنجازات وعنوانه التميز والإبداع”.

وأضاف: “إن رسالة التربية والتعليم تختلف بمكوناتها عن باقي الوظائف الآخرى، كونها تحمل طابع تربية الأجيال، ومعنونه بالأخلاق والتعليم للاستمرار في خلق أجيال رائدة في شتى مناحي العلم”.

وأعرب عابدين عن أمله في أن يكون التعليم وجاهياً والعمل على التقليل من التعليم عن بعد نظراً لأهمية التواصل الوجاهي بين المعلم والطالب، مضيفاً : “كما أرجو أن تكون رسالة التعليم عنواناً رئيسياً مرتكزاً على تشجيع الطلاب على الألفة والمحبة والتسامح والمحبة والشغف نحو التعليم والتعلم”.

ودعا عابدين إدارة المدارس إلى تشجيع التواصل من خلال تأسيس وتفعيل مجالس الأهل التي تكون بها الأداة الوثيقة للتواصل المشترك.

وقال: “نأمل من إدارة المدارس والمعلمين تشجيع الطلاب على القراءة الخارجية وعدم الاعتماد فقط على الإلكترونيات والهواتف الخلوية، وتشجيع الطلاب على كتابة الأبحاث وعمل جوائز عينية لأفضل الكتابات النثرية والشعرية. وتشجيع المعلمات على إتاحة الفرص للأبناء في بناء شخصيتهم المتميزة من خلال مقابلات ونشاطات تنمي القدرات العقلية والشخصية لأبنائنا”

وختم عابدين بالقول: “إننا نعمل على تشجيع الأبناء على إنتاج أفكار إبداعية سواء كانت أدبية أو علمية أو تقنية”.

النجاح سلسلة من الخطوات الصغيرة

ووجه المعلم المقدسي إسماعيل مسلماني التهنئة للطلاب المقدسيين لمناسبة افتتاح العام الدراسي الجديد وقال: “كل عام وانتم بالف خير. مرحباً بكم في العام الدراسي الجديد، في مدينة القدس. النجاح لا يأتي دفعة واحدة بل سلسلة من الخطوات الصغيرة التي تخطونها يومياً. لا تنظروا إلى النتائج النهائية فقط، بل ركزوا على طريق النجاح، وكل خطوة تقويكم وتدفعكم إلى الأمام”.

وأضاف: “مع بداية العام الدراسي الجديد يتم استقبال الطلاب والطالبات من قبل المعلمين والمعلمات والمدراء في كل المدارس في جو مفعم بالنشاط والحيوية. عام دراسي جديد. نتمنى لكل أبنائنا الاستمرار في العلم والنجاح وهو السلاح الأقوى الذي يملكه كل طلابنا رغم كل الصعاب والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية”.

وهنأ مسلماني المعلمين والمعلمات الذين لهم الفضل الكبير في تربية أبنائنا في القدس معرباً عن أمله في أن يكون هذا العام موفقاً ما بين الطالب والأهل والمدرسة، ما يقوي العلاقات ويعزز النجاحات في المجتمع وقوة الأسرة المقدسية التي تلعب دوراً هاماً في مسيرة حياة الطلاب

من ناحية ثانية، قال مسلماني إن مدينة القدس ما زالت تتعرض لتحديات عديدة تتمثل بفرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس وبذلك يتعرض طلابنا في المدينة لمضايقات وتفتيش على أبواب سور القدس، لافتاً إلى تعرض المدارس لمضايقات من قبل الاحتلال بفرض سياسات ممنهجة ومحاولة لفرض السياسيات الإسرائيلية في ظل هذه الحكومة التي تحاول تهويد المدينة المقدسة، موضحاً أن استهداف التعليم جزء لا يتجزأ من عملية التهويد.

٨٠٪ من طلبة القدس يدرسون في مدارس بلدية الاحتلال

وقال نادر أبو عفيفة، مدير مدرسة أحباب الرحمن في مخيم شعفاط، والتي أغلقت من قبل الاحتلال لـ”القدس”: “منذ ثلاثين سنة كان يعتبر الأول من أيلول أصعب الأيام وأكثرها تعبأ بالنسبة لي كمدير مدرسة، لكن شهر أيلول هذا العام يختلف عن سابقاته، فلا طابور مدرسياً ولا ازدحاماً لأولياء الأمور من أجل تسجيل أبنائهم، ولن يقرع جرس الحصص مرة ثانية؛ فقد أغلقت أبوابها مدرسة أحباب الرحمن التي أسستها سنة 1994 في مدينة القدس؛ لعدم تجديد وزارة المعارف الإسرائيلية ترخيص المدرسة، وهذا يعني إغلاقها، علماً أن المدرسة مرخصة منذ تأسيسها من مديرية التربية والتعليم التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس”.

وأشار أبو عفيفة إلى أن التعليم في مدينة القدس يعاني منذ سنوات طويلة من خطط ممنهجة من قبل الاحتلال ممثلا بوزارة المعارف الإسرائيلية والبلدية، فمحاولات الأسرلة للتعليم يبدو أنها أتت أكلها مشيراً إلى أن نسبة الطلبة الذين يدرسون في مدارس بلدية الاحتلال الاسرائيلية الرسمية كانت سنة 2002 حسب إحصاءات رسمية 60% من عدد طلبة مدينة القدس، مضيفاً: “في سنة 2016 وصلت إلى 70%، واليوم وبعد الهجمة الشرسة على المدارس تجاوزت النسبة 80% أي أن العشرين بالمئة الباقية موزعة على المدارس الخاصة، ومدارس السلطة الرسمية ومدارس الأونروا والتي ما زال بعضها صامداً في تدريس المنهاج الفلسطيني والبعض الآخر اضطر إلى تدريس المنهاج المحرف الذي وضعته وزارة المعارف الإسرائيلية

ووصف أبو عفيفة وضع التعليم في القدس بالسيئ ويسير إلى الأسوأ إذا لم يتم تدارك الموقف من قبل الجهات المعنية، خاصة وزارة التربية والتعليم في رام الله، وذلك بتقديم الدعم المالي والمعنوي للمدارس الخاصة حتى تستطيع الصمود أمام محاولات الاحتلال أسرلة التعليم في مدينة القدس، وبالتالي انفراد وزارة المعارف الإسرائيلية بفرض المنهاج الإسرائيلي أو المنهاج الفلسطيني المحرف.

المعارف الإسرائيلية تسعى لتقويض العملية التعليمية في القدس

من جانبه، هنأ الناطق بلسان اتحاد أولياء أمور مدارس القدس رمضان طه أولياء الأمور والطلاب لمناسبة بدء العام الدراسي الجديد، متمنياً أن يكون هذا العام الدراسي مميزاً وخالياً من العقبات التي تعيق العملية التعليمية، خصوصًا بعد العام الماضي الذي حرم فيه عدد كبير من الطلاب في غزة والضفة الغربية من حقهم الطبيعي في التعليم بسبب الأوضاع السائدة.

وأشار طه إلى أن هذا العام سيكون مليئاً بالتحديات منذ بدايته، حيث تعمل بلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية على تقويض العملية التعليمية في القدس من خلال سلسلة من الإجراءات، من بينها افتتاح مدارس وصفوف “بجروت” إسرائيلي للضغط على الأهالي للتسجيل فيها. كما تتضمن هذه الإجراءات عدم توفير غرف صفية تناسب العدد المتزايد من الطلاب في منطقة القدس.

وأضاف: “هناك محاولات مستمرة للضغط على الأهالي للقبول بالمخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على التعليم في المدينة، بما في ذلك توزيع الكتب المحرفة التي تتبع الرؤية الإسرائيلية في مدارس القدس”.

وأكد طه أن هناك نقصاً كبيراً في عدد الغرف الصفية في القدس الشرقية، حيث تحتاج المدارس إلى أكثر من 1900 غرفة صفية لتلبية احتياجات الطلاب وضمان انتظامهم في العملية التعليمية.

وأوضح أن بلدية الاحتلال لا تعمل على بناء هذه الغرف، ما يساهم في الضغط على الأهالي للقبول بالتسجيل في المدارس التي تبنى خصيصًا لتكون وفق نظام البجروت الإسرائيلي.

وأشار إلى سلسلة من الإجراءات الأخرى التي تهدف إلى الضغط على المجتمع المحلي، مثل سحب الحقوق المتعلقة بالمواصلات واستبدالها ببطاقات لا تلبي احتياجات الطلاب الذين يسكنون بعيدًا عن خطوط المواصلات الرئيسية، وكذلك منع المدرسين من الضفة الغربية من الوصول إلى مدارس القدس واستبدالهم بمدرسين يتبعون بلدية الاحتلال.

وأكد طه أن المدارس بحاجة إلى الترميم والمختبرات المدرسية وإيجاد ساحات ملاعب، مشيراً إلى إغلاق مدرسة أحباب الله في مخيم شعفاط بذريعة رفضها تدريس المنهاج الاسرائيلي.