الصحافة العبرية… الملف االيومي الصادر عن المكنب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معاريف 20/9/2024

نتنياهو خسر الحرب أمام «حماس» ويطيل الوقت حفاظاً على كرسيّه

بقلم: يوسي هدار

الكلاب تنبح والقافلة تسير. في الحقيقة باتت هذه الطقوس مملة ومزعجة. وللأسف الشديد فإن الكلاب في هذه المعادلة هي أغلبية الشعب الإسرائيلي، أمّا القافلة، فهي قافلة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأكثر فشلاً في تاريخ دولة إسرائيل. لكن هذا لا يؤثر فيه، بل هذا ما يريده بالضبط: أن نُصاب بالملل، ونتعب، ونرفع أيدينا مستسلمين، وأن يعود كلٌّ منّا إلى منزله وحياته، ويترك إسرائيل تنزف حتى تصل يده الطولى من السلطة الاستبدادية إلى كلّ واحد منا. هذا ما يريده : إنهاكنا، وإذا كان نتنياهو لا يفقه شيئاً في الدبلوماسية، أو العمل العسكري، فهو على الأقل خبير في الخداع السياسي والإنهاك.

تماماً خلال كتابة هذه السطور نرى “حزب الله” يلعق جراحه، بعد عملية مذهلة وغير مسبوقة، إذ انفجرت في لحظة واحدة في لبنان، وحتى في سورية، أجهزة الاتصال الخاصة بعناصره، الأمر الذي أدى إلى إصابة نحو 3000 منهم، وقتل بعضهم. ووفقاً لتقارير أجنبية، نُسبت هذه العملية إلى إسرائيل، وإذا كان الأمر صحيحاً فإنها تكشف عن جانب آخر من القدرات العسكرية الإسرائيلية الهائلة. قد تقربنا هذه الدراما من حرب فعلية مع “حزب الله”، إلى جانب القتال المستمر في غزة، وهجمات الحوثيين، والتهديدات الإيرانية، و”الإرهاب” المتصاعد في الضفة الغربية وداخل إسرائيل. لكن كل هذا لا يمنع نتنياهو من حياكة مؤامرة، في هذا الوقت بالذات، لإقالة وزير الدفاع، لا أقل! ففي هذه اللحظات الحرجة لأمن الدولة، وفي خضم حرب قد يتسع نطاقها، تبرز مؤامرة من هذا النوع، لا يمكن لأحد التفكير فيها، حتى مكيافيلي نفسه.

وهكذا، بدلاً من التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى سنحصل على صفقة مصالح سياسية قذرة وكريهة. يعلم نتنياهو، بعكس بن غفير وسموتريتش، المهرّجَين المهووسَين اللذين أدخلهما إلى حكومته، وهما اللذان لا تعدو تهديداتهما كونها مجرد هراء، لكن تهديدات الأحزاب الحريدية [بشأن انسحابها من الحكومة إذا لم يتم إلغاء قانون تجنيد الحريديين] حقيقية. فما العمل؟ طرد غالانت الذي يعارض قانون التهرب من التجنيد، وإحلال جدعون ساعر الذي يكرهه نتنياهو ويكره زوجته [زوجة ساعر، المذيعة غيئولا إيفن، المعروفة بانتقاداتها العلنية لنتنياهو]، لا لشيء، إلّا من أجل البقاء في السلطة. من الصعب تعليل هذا التحرك المخزي من الرجل الذي، حتى أيام قليلة فقط، كان يحذّر من تصرفات نتنياهو الخطِرة. نعم، ساعر هو مَن قال: “إذا كنتم تريدون نتنياهو رئيساً للوزراء، فلا تصوتوا لي”.

هكذا يسعى نتنياهو للحفاظ على كرسيه، وليس من أجل أن يفعل شيئاً مفيداً لمصلحة مواطني إسرائيل، بل من أجل مصالحه الشخصية والسياسية فقط، وليتمكن من الاستمرار في إنهاكنا. فهذا الرجل الذي خسر الحرب أمام “حماس”، ويجرجرنا منذ عام كامل إلى حرب استنزاف لا نهاية لها، من دون أن يترجم قدرات الجيش الإسرائيلي إلى حسم استراتيجي، ويطيل أمد الحرب، ويستنزفنا للحصول على مزيد من راحة البال: ارتياح من تهديد الانتخابات المبكرة، وارتياح من خطر تشكيل لجنة تحقيق وطنية في أحداث السابع من تشرين الأول، وارتياح من خطر مقاضاته بسبب تهم الفساد الموجهة ضده. وللأسف، لقد تمكن من العثور على مَن سيساعده في الأمر، في مقابل مناصب وامتيازات.

لتبرير خطته القذرة، يدّعي المتردد الوطني، بمساعدة أبواقه الحقيرة، أن الوزير غالانت يساري ضعيف الإرادة. هذا ببساطة لا يُصدق! لأن غالانت هو الذي اقترح، بعد أربعة أيام فقط من كارثة 7 تشرين الأول، في الوقت الذي كان نتنياهو يعيش حالة من الذعر، شنَّ هجوم على “حزب الله” في خطوة جريئة، لكن نتنياهو تهرّب من مقترحه، واختار المماطلة. إن نتنياهو الذي أرهق دولة كاملة بمحاولة تنفيذ انقلاب سياسي، هذا الرجل الذي قسّم ومزّق هذا الشعب، هو نفسه الذي جلب لنا كارثة 7 تشرين الأول، ولم يتحمل المسؤولية. فإن لم يكن ذلك كافياً، فهذا الرجل هو الذي قاد حرباً فاشلة في منطق معاكس لأيّ منطق استراتيجي، لأن ما يتحكم في تصرفاته هو فقط منطق البقاء السياسي على كرسي الحكم. وبدلاً من شن حرب قصيرة ومكثفة بشجاعة، اختار المماطلة وحرب استنزاف خطِرة لإسرائيل، وتمكن من إيقاع إسرائيل في أسوأ وضع منذ تأسيسها.

——————————————–

هآرتس 20/9/2024

“معادلة الردود” لا تزال سارية المفعول والقرار بالغائها متعلق بإسرائيل

بقلم: تسفي برئيل

“أنا لم أشاهد أمور قاسية كهذه طوال حياتي”، هذا ما قاله طبيب في مستشفى في بيروت لوكالة الانباء الفرنسية بعد هجوم تفجيرات اجهزة اتصال البيجر لرجال حزب الله في هذا الاسبوع. “تم احضار اشخاص مبتوري الارجل، 75 في المئة تقريبا اصيبوا في عيونهم، من بينهم 15 في المئة فقدوا كلتا العينين، اصابع بترت، اعضاء داخلية اصيبت ولا يوجد لدينا ما يكفي من المعدات ومواد التخدير لمعالجة الجميع”.

قبل شهر تقريبا قال وزير الصحة في لبنان، فراس الابيض، بأن مخزون الادوية في المستشفيات يكفي لاربعة اشهر تقريبا. “لبنان مستعد للحرب”، اراد الوزير تهدئة الجمهور. ولكن في نفس الشهر احتاج لبنان الى ارسالية طواريء وزنها 32 طن من المعدات والادوية من منظمة الصحة العالمية التي كانت مخصصة للمستشفيات، لكن تم نقلها في معظمها الى العيادات في جنوب لبنان. نتائج ايام الهجمات الالكترونية في لبنان المنسوبة لاسرائيل والتي اصيب فيها تقريبا 5 آلاف شخص وقتل 30 شخص، تدل على أن لبنان بعيد عن أن يكون مستعد لحرب كاملة. ليس فقط المعدات والادوية هي التي تنقص الرفوف في المستشفيات، حوالي 30 في المئة من الطواقم الطبية تركت العمل في السنوات الاخيرة بسبب الصعوبة في كسب الرزق من هذه المهنة.

الاصابات التي الحقها هجوم اجهزة البيجر واجهزة الاتصال استهدفت في الحقيقة رجال حزب الله، لكن الضرر البيئي اصاب آلاف المواطنين (الذين ليست لهم علاقة)، سواء كانوا من المواطنين الذي وقفوا قرب الاجهزة التي تفجرت، أو أنهم كانوا مرضى تم تسريحهم قبل فترة من المستشفيات أو اضطروا الى تأجيل العمليات الجراحية لهم من اجل اخلاء مكانهم للمصابين الجدد. “هذه صدمة وطنية”، كتبت الصحافية اللبنانية دنيس عطا الله. “مذبحة أمس تثير في اوساط بعض اللبنانيين سؤال ما هي جدوى هذه الحرب، وهل الدولة يمكنها تحمل العبء الكبير لها. بالنسبة لمواطنين كثيرين الحرب في غزة لا تمس بهم، رغم التعاطف الذي يظهرونه تجاه القضية الفلسطينية. بالنسبة لهم هذا تعبير عن السلوك المتعالي لحزب الله وعن قدرته على فرض على اللبنانيين ما يشاء، دون الاخذ في الحسبان مصلحة الدولة ومواطنيها”.

هذا لا يعتبر تصريح استثنائي، بل هو يضاف الى تصريحات اكثر شدة سمعت في الاشهر الاخيرة تجاه حزب الله، الذي ردا على ذلك قام بتسمية منتقديه “خونة في الداخل” و”صهاينة لبنانيون”. ولكن هذا الانتقاد لم يوجد حركة شعبية أو احتجاج كبير ضد حزب الله، وفي الايام الاخيرة يبدو حتى أن الهجمات الجماعية على اجهزة الاتصال على انواعها أثارت ردود تضامن وتعاطف مع المصابين، وكانت هناك تصريحات طالبت بـ “الوحدة الوطنية” امام الهجوم الذي اعتبر ضربة شديدة لكل لبنان وليس فقط لحزب الله، واقوال تقول بأنه اذا اندلعت حرب فانها تلزمنا بتجنيد كل مواطني لبنان للدفاع عن الوطن. حسن نصر الله يدرك بشكل جيد صعوبات الدولة في مواجهة هجمات كثيرة الاصابات. في خطابه أمس شكر الطواقم الطبية والمستشفيات على الاسهام الكبير، وشكر ايران وسوريا على أنها فتحت المستشفيات فيها للمصابين، وشكر العراق على الارسالية السريعة للمعدات والادوية. ولكنه اراد التوضيح ايضا بأن “الضربة الشديدة وغير المسبوقة” التي تعرض لها لبنان، حسب تعبيره، لن تغير سياسة الحزب، رغم أن الهجوم “اجتاز جميع الخطوط الحمراء”.

محللون لبنانيون سارعوا اول امس لوصف “هجوم البيجرات” المنسوب لاسرائيل كهجوم حطم “معادلة الردود”، حسب المحلل منير الربيع في موقع المعارضة “المدن” الذي قال بأن “حزب الله موجود الآن بين الفخ والكارثة”، الشرك هو الدخول الى حرب ستضعضع الاستراتيجية التي توجه خصائص مشاركة الحزب في الحرب في غزة، التي اساسها “دعم” غزة بدون الانجرار الى حرب شاملة. و”الكارثة” هي النتائج التي يمكن أن يلحقها الحزب لنفسه ولكل لبنان. حسب هذا التحليل فانه من الآن فصاعدا لم يعد الامر يتعلق باطلاق النار مقابل اطلاق النار، وعمق الاهداف مقابل عمق الاهداف، والمس المتبادل بالمدنيين أو الامتناع عنه، وايضا بجهود القيام بالتصفيات المركزة.

حسن نصر الله رفض أمس هذا التحليل، ليس فقط أنه اعترف بأنه لا يوجد لدى حزب الله قدرة تكنولوجية على القيام برد يناسبة طبيعة هجوم اسرائيل، بل هو امتنع ايضا عن اعطاء أي تفاصيل حول “متى وأين وكيف” سيكون الرد على الهجوم. واكتفى بوعد ضبابي بأن هذا الرد “سيأتي”. ولكن من اقواله يمكن الفهم بأنه لا ينوي شن حرب شاملة، ضمن امور اخرى، لأن هذه الحرب لا تتعلق فقط بحزب الله، وهي ستضطر ايران الى أن توفر للمنظمة “غطاء دفاع” يشمل الدعم العسكري المباشر وليس فقط البلاغي أو اللوجستي. هذا الوضع عملت ايران على تجنبه، ومن اجله قامت ببناء وتطوير “حلقة النار”، كي يكون مبعوثوها هم الذين يوفرون النار ويتلقون النار بدلا منها في كل ساحة من الساحات المحلية. صواريخها ومسيراتها تحتفظ بها فقط للوضع الذي ستتم مهاجمتها فيه بشكل مباشر.

من هنا فان استمرار تمسك حزب الله وايران بـ “معادلة الردود” ينقل الى اسرائيل القرار هل ومتى سيتم اشعال الحرب؛ ازاء سلوك حزب الله فان اسرائيل هي التي يجب عليها ايضا مواجهة الشرعية الدولية والداخلية من اجل تبرير هذه الحرب طالما أن حزب الله لا يقدم أي ذريعة جوهرية لشنها. مع ذلك، غياب الرد من قبل حزب الله ينعكس ليس فقط على مكانة المنظمة المعطوبة، بل ايضا على امتدادات ايران الاخرى، وبالاساس على ايران نفسها. لأنه اذا كان حزب الله حتى الآن هو المنسق والمخطط لوكلاء ايران والذي يتولى مكانة “القائد الاعلى” الذي لا تقل مكانته عن قائد “قوة القدس” اسماعيل قاءاني في كل ما يتعلق بـ “جبهة الدعم” لحماس، فان المواجهة الواسعة مع اسرائيل لا تعني فقط انهيار الاستراتيجية التي قامت بتأسيس هذه الجبهة.

مقابل تحالف حربي استهدف فقط دعم حماس من اجل اجبار اسرائيل على الموافقة على وقف الحرب في غزة، فان الحرب الشاملة يمكن أن تتسبب في تمزق “عقد المجوهرات” وفصل غزة وتركيز المعركة في لبنان وخارجه. هذه ستكون حرب نهايتها لم تعد مرهونة بوقف الحرب في غزة، بل بالظروف التي ستتطور في الساحة اللبنانية وفي كل المنطقة. ولكن هذه ليست معضلة حزب الله أو ايران، لأنه في المقابل اسرائيل يمكن أن تجد نفسها في وضع ستحتاج فيه الى تفوقها العسكري لمواجهة الضغط الامريكي ومواجهة خطوات دولية اخرى ستمارس ضدها، من بينها حظر السلاح أو عقوبات ستفرض عليها من قبل مجلس الامن.

حزب الله، مثل اسرائيل، دخل الى الحرب في غزة بدون استراتيجية لـ “اليوم التالي”. ولكن خلافا لاسرائيل التي وضعت لنفسها اهداف، تدمير حماس وابعاد التهديد من القطاع واعادة المخطوفين وفي هذا الاسبوع اضافت هدف “اعادة بأمان” سكان الشمال الى بيوتهم، فان حسن نصر الله يطمح الى تحقيق هدف واحد فقط وهو وقف الحرب في قطاع غزة، حتى ذلك بالشروط التي يتم الاتفاق عليها بين اسرائيل وحماس، بدون تدخل حزب الله أو ايران. مع هذا التعريف لهدف الحرب فان حزب الله غير مطلوب منه أن يقوم بـ “تعديل استراتيجي”.

حسن نصر الله يمكنه الافتراض بأن “اليوم التالي” سيكون مثل “اليوم السابق”، الذي فيه تم الحفاظ على ميزان الردع والتهديد المتبادل بينه وبين اسرائيل. هذا المبدأ اوضحه حسن نصر الله بشكل جيد في خطابه عندما تعهد بعدم ترك “جبهة المساندة” رغم الرسائل “الرسمية وغير الرسمية” التي وصلت اليه، والتي بحسبها اذا اوقف النار ضد اسرائيل، واذا فصل لبنان عن غزة، فسيتم منع شن حرب شاملة ضده. حسن نصر الله كان واضح وحازم عندما قال: “ردنا هو باسم الشهداء والمصابين، جبهة لبنان لن تتوقف الى أن يتوقف العدوان على غزة، ولتكن ما تكون التضحية والنتائج والأفق”.

باستثناء هذا التعهد فان حسن نصر الله لم يتعهد بأي شيء. أي دبلوماسية أو أي خطة سياسية، مثل تطبيق القرار 1701 والترسيم النهائي المتفق عليه للحدود البرية بين اسرائيل ولبنان أو ابعاد قوات حزب الله الى ما وراء الليطاني – كل ذلك ستتم مناقشته، هذا اذا تمت، بعد الحرب في غزة، ولا يمكن أن تظهر في شروط وقف اطلاق النار في لبنان. اسرائيل هي المطلوب منها وضع استراتيجية لليوم التالي، ليس فقط في غزة بل ايضا في لبنان، استراتيجية تقوم بصياغة مفهوم “اعادة بأمان” سكان الجليل الى بيوتهم. لأنه مقابل طموحاتها في غزة وامام حماس هي لم تعتبر “تدمير البنى التحتية للارهاب” في لبنان وتدمير حزب الله أو حتى نزع سلاحه كأهداف للحرب. في لبنان تتحدث عن ابعاد التهديد التكتيكي، لكنها لا تتحدث عن تدمير الصواريخ بعيدة المدى أو المسيرات، وحتى عن ابعاد حزب الله عن الساحة السياسية، أي اخراجه من الحكومة ومن البرلمان ونزع سيطرته المدنية في الدولة.

هذا يعني بأن اسرائيل تلائم حجم طموحاتها مع الوضع في لبنان، وبناء على ذلك فهي تحدد جوهر التهديد الذي ستضطر الى مواصلة التعايش معه، وهو تهديد ربما يقنع سكان الجليل بالعودة الى بيوتهم والشعور بالأمان، هذا على فرض أن اسرائيل لا تنوي احداث واقع جديد يجبرها على احياء خطة “اورانيم الكبيرة” أو حتى خطة “اورانيم الصغيرة”، واعادة منطقة الحزام الامني.

حسن نصر الله تقريبا قام بفرك يديه باستمتاع عندما تحدث عن التقرير الذي بحسبه قائد قيادة المنطقة الشمالية، أوري غوردن، قال إن قوات الجيش الاسرائيلي مستعدة لاحتلال قاطع امني في لبنان. “الآن نحن نبحث بالفتيل والسراج عن الدبابات الاسرائيلية، لكن عندما سيأتون الينا فأهلا وسهلا، نحن نعتبر هذا اليوم فرصة تاريخية نأمل بها”، قال حسن نصر الله. ومن اجل ازالة الشك حرص على التأكيد بأنه حتى الحزام الامني لن يمنع اطلاق النار نحو اسرائيل. ولكن لا توجد حاجة الى الاعتماد على تحذيرات حسن نصر الله، يكفي الاطلاع على ارشيفات الـ 18 سنة لحرب لبنان الاولى.

——————————————–

معاريف 20/9/2024

هزيمة استراتيجية

بقلم: حاييم رامون

لا خلاف في أن جنود الجيش الإسرائيلي قاتلوا ولا يزال يقاتلون ببطولة في الحرب في قطاع غزة واوقعوا إصابات شديدة بقوات حماس. مع ذلك، تجدني مضطرا لان أقول بأسف شديد ان إسرائيل تكبدت هزيمة استراتيجية في الحرب. اعرف انه لا يوجد قاريء لا يثور بشكل طبيعي على هذا القول، لكن اذا لم ننظر الى الواقع بالعينين، سنقع في أوهام عابثة ولن نصلح ابدا ما يستوجب الإصلاح.

ان الادعاء بان إسرائيل تكبدت هزيمة استراتيجية ليس فقط ما أقوله أنا، بل الحكومة هي التي أعلنت عن ذلك بشكل رسمي: “إسرائيل لا تقيم سيطرة فاعلة في ارض القطاع… في اطار النشاط العملياتي تصطدم قوات الجيش الإسرائيلي اليوم أيضا بمقاومة مسلحة لقوات العدو، تحت الأرض وفوق الأرض، في زرع عبوات ناسفة، اطلاق صواريخ مضادة للدروع وقناصة، بنار الصواريخ وبمحاولة استدراج قواتنا الى منازل مفخخة وغيرها. هذه المقاومة تميز القتال في عموم المناطق في القطاع ابتداء من شهر أكتوبر… إسرائيل ضربت ضربة شديدة منظمة حماس وقدراتها العسكرية، لكن هذه القدرات لم تنزع منها بعد، والاشتباكات العنيفة تتواصل… اليوم أيضا لدى حماس قدرة على ممارسة صلاحيات سلطوية في القطاع، وهي تواصل السعي الى استخدام صلاحياتها من خلال بذل الجهود والكثير من المقدرات. هذا الجهد يجد تعبيره في عدة مستويات، الأساسي منها هو: رسم السياسة، تفعيل أجهزة الامن وإقامة أجهزة امن جديدة للعناية بالنظام العام، غايتها السيطرة على المساعدات واحتياجات الحركة، ضخ الأموال الى القطاع، توزيع الرواتب وتوزيع المساعدات” (هذا مقتبس عن رد الدولة على الالتماس الى المحكمة العليا في موضوع المساعدات الإنسانية).

باختصار شديد، تعترف الحكومة بالفم المليء بانها فشلتت في تحقيق هدف الحرب الأساس – تقويض حكم حماس وتصفية قدرتها العسكرية – وان حماس تواصل الحكم في القطاع ولا تزال تحوز قوة عسكرية فاعلة.  لو كنت أقول لكم في نهاية أكتوبر 2023 ان هذا سيكون الواقع بعد 11 شهرا من القتال، لاعتقدتم ان عقلي تشوش، لكن هذا هو الواقع كما هو، وينبغي الاعتراف به وفهمه كي نتمكن من إصلاحه.

سمسرة حماس

أولا، علينا أن نسأل لماذا تكبدنا مثل هذه الهزيمة الاستراتيجية.

المستوى العسكري والمستوى السياسي الأعلى رفضا الاستماع الى مشورة حكماء ومجربين منا ممن تصدوا بنجاح لكيانات إرهابية مثل حماستان في القطاع. هكذا مثلا، الجنرال المتقاعد ديفيد بتراوس التقى مع مسؤولين إسرائيليين كبار قبل بدء الخطوة البرية وقال لهم ان إسرائيل لن تتمكن من تصفية حكم حماس اذا لم تحتل القطاع وتقيم حكما عسكريا. رئيس الأركان الأمريكي الجنرال تشارلز براون نقل رسائل مشابهة لمسؤولين إسرائيليين. لشدة الأسف، وقعت اقوالهم على آذان صماء.

بعد 7 أكتوبر كشف مسؤولو المستوى السياسي لمفاجأتهم بان ليس لهيئة الأركان أي خطة جاهزة لاحتلال قطاع غزة. حماس هي العدو الانشط ضد إسرائيل منذ 2007، واحد في هيئة الأركان لم يفكر بانه ينبغي اعداد خطة لحرب واسعة ضده. لهذه الدرجة نالت استراتيجية “احتواء حماس” ومفهوم “جولات القتال” مكانة عميقة لدى المستوى العسكري الرفيع. في هيئة الاركان اضطروا بالتالي للارتجال في ثلاثة أسابيع لخطة حربية تحتاج الى اشهر طويلة لاعدادها كما ينبغي. وكنتيجة لذلك، في خطة الحرب كانت مواضع خلل عديدة منذ البداية ولم يكن وقت لفحصها واصلاحها في اطار دراسة اركان مرتبة. عمليا، الهزيمة الاستراتيجية كانت مضمونة منذ الخطة التي اعدت.

لقد بدأ الجيش الإسرائيلي الحرب بخطوة قوية لكن بطيئة في شمال القطاع، بدلا من الهجوم بالتوازي في عدة محاور او للأسف – في حركة كماشة من الشمال والجنوب. كنتيجة لذلك، واصلت حماس تلقي السلاح، الذخيرة، الغذاء والوقود عبر محور فيلادلفيا ومعبر رفح على مدى ثمانية اشهر. هذا التموين عزز قدرة صمود حماس، ودفعنا على ذلك ثمنا دمويا.

عندما حاولت أن استوضح في الزمن الحقيقي ما هو المنطق بالدخول فقط الى شمال القطاع، كان الجواب الأسوأ الذي تلقيته هو أن “الجيش كان يحتاج لان يستعيد الثقة لنفسه”.

حتى لو تلقينا هذا الجواب السيء، يطرح السؤال لماذا لم يتوجهوا الى رفح وجنوب القطاع، بعد العملية في الشمال، وبدلا من هذا دخلوا الى خانيونس.

خطة الحرب للجيش الإسرائيلي استندت الى استراتيجية “دخول وخروج”، أي ان الجيش يدخل الى منطقة، يهزم قوات حماس فيها وعندها يخرج من المنطقة. هذه الاستراتيجية هي أم كل الخطايا، وهي واحد من العاملين الأساسيين في الهزيمة. استراتيجية “دخول وخروج” أدت الى ان تنجح حماس في ترميم قواتها في كل مكان خرجت منه قواتنا، بعد أن احتلتها بثمن باهظ. عقب ذلك، اضطر الجيش الإسرائيلي لان يعود ليحتل المرة تلو الأخرى جباليا، الزيتون، الشجاعة وخانيونس.

غير أنه مؤخرا كشف الموغ بوكر النقاب عن أنه حتى في شمال القطاع، المكان الذي استخدم فيه الجيش الإسرائيلي القوة الأكبر، جندت حماس في الأشهر الأخيرة 3000 مقاتل إضافي كي تملأ صفوفها. مع أن فشل استراتيجية “دخول وخروج” لم تعد نظرية بل حقيقة مؤكدة، لا يزال رئيس الأركان يصر على المواصلة فيها، والمستوى السياسي لا يضغط عليه لتغييرها.

عارض وزير الدفاع ورئيس الأركان معارضة قاطعة إقامة حكم عسكري مؤقت في القطاع. كنتيجة لذلك، لم ينهار الحكم المدني لحماس بل وعمليا ساعدنا في الإبقاء عليه. حكم حماس، الذي لم يضطر لان يتصدى لاي حكم بديل، كان يمكنه أن يسيطر بسهولة على كل المساعدات الإنسانية التي دخلت الى القطاع تقريبا، واستخدامها لاجل تعزيز حكمه (من يسيطر على الطعام والمياه – يسيطر على السكان) وان يملأ جيوبه.

يوآف غالنت قاد سلسلة من الخطط الهاذية والمنقطعة عن الواقع لاستبدال حكم حماس بمحاولته العنيدة وعديمة المنطق للامتناع عن حكم عسكري مؤقت – وكلها فشلت فشلا مدويا ومتوقعا. واخطر من هذا، خطط وزير الدفاع فقط عززت حماس. هكذا مثلا، في بداية شباط كشف النقاب عن “المشروع التجريبي للشمال” – خطة الوزير غالنت لادخال مساعدات إنسانية “مباشرة لتجار فلسطينيين، بدون منظمات إغاثة وسيطة… التجار، بخلاف نشطاء حماس، سيكونون مراكز القوة الجديدة” (بعد يومين من ذلك كتبت بان هذه الخطة منقطعة تماما عن الواقع، ومآلها الفشل).

مؤخرا كشف بوكر النقاب عن ان التجار الغزيين، الذين حرص وزير الدفاع على ان ينقل المساعدات الإنسانية اليهم دفعوا لحماس 20 في المئة من مداخيلهم من بيع البضاعة للسكان الغزيين. المعنى هو ان غالنت مسؤول بشكل شخصي عن تعزيز حماس، لانه بسببه ليس فقط مخازن حماس مليئة بالبضائع حتى صفر مكان، بل انه منح أيضا منظمة الإرهاب مصدر دخل جارٍ، وحسب التقديرات – ربحت هذه في الأشهر الأخيرة نصف مليار دولار من المساعدات الإنسانية – اكثر بكثير مما تلقته في فترة زمنية مشابهة عبر حقائب المال القطري سيئة الصيت والسمعة.

حمير يقودون اسودا

في السطر الأخير كابنت الحرب بقيادة نتنياهو، غالنت وغانتس، وهيئة الأركان برئاسة هرتسي هليفي فشلوا في كل جانب من إدارة الحرب من ناحية استراتيجية. هذا الفشل يتأكد فقط في ضوء بطولة القوات المقاتلة (حتى رتبة عميد) ممن لم يكونوا اقل في الجسارة والتضحية من جيل 1948. “اسود تقودهم حمير” قيل عن الجيش البريطاني في حرب القرم، والأمور أصح باضعاف بالنسبة للجيش الإسرائيلي في حرب غزة.كل المسؤولين عن الهزيمة الاستراتيجية يجب أن يأخذوا المسؤولية وان يضعوا المفاتيح ويرحلوا.

الان ينبغي أن يتقرر ما الذي ينبغي لإسرائيل أن تفعله في الحرب من الان فصاعدا. فمع أنه على مدى اشهر طويلة كتبت بانه يجب احتلال القطاع كله، وإقامة حكم عسكري فيه وتثبيت سيطرة امنية إسرائيلية طويلة يحتمل ان يكون هذا الان بات متأخرا. قوات الجيش الإسرائيلي تآكلت في حرب استنزاف “دخول وخروج”، ومكانة إسرائيل الدولية تدهورت الى الهوة.

من جهة أخرى، محظور قبول منحى صفقة المخطوفين التي توجد على الطاولة الان، لانها خطوة خداع من حماس. منحى الصفقة هذا يعطي حماس كل ما تحتاجه فورا – انهاء فعلي للحرب، تلقي ضمانات دولية وضمان مساعدات إضافية تعزز أكثر فأكثر سيطرتها في القطاع.

بالمقابل، إسرائيل لن تحصل على كل المخطوفين في المرحلة الأولى، بل ولن نعرف كم مخطوفا حيا لا يزالون لدى حماس. الاحتمال في أن تخرج المرحلة الثانية الى حيز التنفيذ وكل المخطوفين يعادون الى إسرائيل في غضون 42 يوما هو صفري.

وبالتالي، فان المستوى السياسي كائنا من سيكون، ينبغي أن يختار الاستراتيجية التالية: رئيس الوزراء يقول بشكل علني انه مستعد لانهاء الحرب بشكل رسمي وبالمقابل تعيد حماس كل المخطوفين، الاحياء والأموال، دفعة واحدة، في غضون وقت قصير محدد.

اذا وافق يحيى السنوار على صفقة في مرحلة واحدة، كل المخطوفين يعودون الى إسرائيل، مع كل التداعيات المعنوية والاجتماعية التي ينطوي عليها ذلك. بعد صفقة كهذه يتعين علينا أن نستخلص الدروس من الهزيمة الإستراتيجية التي تكبدناها، ان نبني الجيش من جديد ونخطط استراتيجيات افضل حيال حماس وباقي اعدائنا.

اذا رفض السنوار، فقد تتمكن الحكومة من اقناع الجمهور الإسرائيلي ودول العالم بان لا مفر من احتلال القطاع كله لاجل التقويض النهائي لدولة الإرهاب لحماس.

——————————————–

هآرتس 20/9/2024

مثلما في الحرب على بُعد شعرة من العاصفة

بقلم: عاموس هرئيلِ

هذا كان الاسبوع الذي انتقل فيه ثقل الحرب كما يبدو نهائيا من الجنوب الى الشمال، بعد سنة تقريبا من القتال بدون أي حسم. منذ بضعة اشهر ووزير الدفاع يوآف غالنت وكبار قادة الجيش الاسرائيلي يتوسلون لرئيس الحكومة من اجل تقليص حجم القتال في القطاع والاعلان عن انتصار (غير مرتبط بالضبط بالواقع) أمام الذراع العسكري لحماس وتحرير القوات الى ساحة لبنان قبل احتمالية اندلاع حرب شاملة مع حزب الله. نتنياهو، لاسبابه الخاصة، قام بتأخير القرار. فقد فضل حرب الاستنزاف في غزة بدون الانجرار الى مواجهة شاملة في الشمال. يبدو أنه اعتقد أنه يمكنه مواصلة خداع الجمهور، في حين أنه ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية في تشرين الثاني.

في الفترة الاخيرة شيء ما تغير في سلم اولوياته، تصعب معرفة ما هي بالضبط منظومة اعتباراته، ربما هو خشي من ازدياد الشعور باليأس في اوساط الجمهور، في الوقت الذي فيه 60 ألف شخص من سكان الشمال مخلين من بيوتهم بدون أي موعد للعودة. وقد اندمج بذلك العملية التي بادر اليها التي في هذه الاثناء تتباطأ لعزل غالنت من منصبه واستبداله بجدعون ساعر.

حسب وسائل الاعلام الاجنبية ثار في اللحظة الاخيرة ايضا موضوع عملياتي مستعجل. في حزب الله يتشككون في أن اسرائيل قامت بتفخيخ اجهزة البيجر خاصته، وقام بارسال بعض الاجهزة للفحص في ايران. هذه الاجهزة، حسب تقرير موقع “مونيتر” تم تفجيرها من بعيد في طريقها الى هناك من اجل التشويش على التحقيق. عندها ايضا تم تفعيل الهجوم على اجهزة البيجر يوم الثلاثاء بعد الظهر خوفا من أن استكمال التحقيق في ايران سيكشف الخطة ويمنع استخدامها مستقبلا، حتى لو كانت الاكثر مناسبة لاستخدامها كضربة افتتاحية في حال تم شن حرب شاملة.

في الموجة الاولى، التي ركزت على المنظومة التي استخدمها حزب الله من جديد مؤخرا بتوجيه من رئيس الحزب حسن نصر الله من اجل التملص من تعقب اسرائيل، انفجرت آلاف الاجهزة. عشرة اشخاص في معظمهم من اعضاء حزب الله قتلوا واصيب الآلاف. في اليوم التالي توسع الامر ووصل الى اجهزة اتصال تكتيكية. في هذه الموجة قتل تقريبا 20 شخص وأصيب المئات في ارجاء لبنان. ضرب اجهزة البيجر كان دقيق جدا، لأنه ركز على الاجهزة التي كانت بحوزة النشطاء بشكل روتيني. في حين أن اجهزة الاتصال تم تخصيصها للاستخدام في حالات الطواريء ويتم الاحتفاظ بها بشكل عام في مخازن تنظيمية أو خاصة. يبدو أنه هنا كان الضرر اقل تركيزا. يمكن الافتراض أنه ايضا هنا تم الاخذ في الحسبان الخوف من “احتراق” الخطة بعد تفجير اجهزة البيجر. وحتى الآن بأثر رجعي يثور سؤال هل الضربة الثانية هي التي ستجعل حزب الله يقوم بالرد بشدة اكبر.

حتى أمس امتنع حزب الله عن القيام بردود استثنائية في مركز البلاد، لكنه زاد النيران على الحدود الشمالية. جنديان اسرائيليان قتلا وعشرة جنود اصيبوا بسبب اصابة صاروخ مضاد للدروع ومسيرات. اسرائيل، والمنطقة جميعها، بقيت متأهبة قبل خطاب حسن نصر الله في بيروت بعد الظهر. في الخطاب اعترف حسن نصر الله بأن “هذه هي الضربة الاكثر قسوة التي تلقيناها في أي وقت”. واضاف بأن الحزب سيواصل القتال طالما أنه لم يتم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة. وقد وصف هجوم اسرائيل كاعلان حرب على حزب الله ووعد بالرد الحقيقي. بشكل طبيعي هو الذي يعطي الموعد المحدد، لكن من اقواله يمكن الفهم بأن القرار وتنفيذه يمكن أن يستغرق وقت. اذا كانت اسرائيل تأمل بواسطة هذه العملية فصل غزة عن لبنان، فانه يبدو على الاقل بشكل علني تعهد بفعل العكس.

هذا الاسبوع حدث بلا شك تصعيد دراماتيكي يرفع بدرجة معينة خطر اندلاع حرب شاملة. مع ذلك، حتى كتابة هذه السطور، حتى الآن يصعب تشخيص عملية محتمة لا يمكن منعها، التي نهايتها حرب مؤكدة. حزب الله تعرض لضربة شديدة في منظومته العملياتية وفي صفوفه يتم الشعور بالاهانة والتشويش، الى درجة الصعوبة في تفعيل سلسلة القيادة والسيطرة. كيف يمكن لحسن نصر الله واسياده في ايران الحسم بين سلسلة احتمالات: رد مراقب يثبت أن ايران لم تتنازل عن الحرب رغم محاولة اسرائيل الفصل بين غزة والشمال؛ الخروج الى حرب شاملة؛ أو اعطاء فرصة اخرى لجهود الوساطة الامريكية مهما كانت احتمالية ذلك ضئيلة.

رغم التهديدات السادية على جانبي الحدود، إلا أنهم في القدس وفي بيروت يدركون الثمن الكامل للحرب. لن يكون هناك حسم سهل، بل مناوشات متبادلة، كثيرة الاصابات، ايضا في الجبهة الداخلية. في اسرائيل وفي لبنان يتوقع أن يكون هناك اصابة شديدة للبنى التحتية والمناطق المأهولة، الدمار والقتل سيكونان بحجم وقوة غير مسبوقة بالنسبة للدولتين. توجد لاسرائيل افضلية استخبارية وتكنولوجية واضحة، تم تجسيدها في الفترة الاخيرة (التي امتنعت عن تحمل المسؤولية عنها بشكل رسمي). في وضع فيه حزب الله ينشر قواته بشكل دفاعي امام عملية برية فانه في ساحته الداخلية في جنوب لبنان ربما التحدي يكون معقد اكثر.

تفضيل حسن نصر الله  وايران واضح. فمنذ انضمام حزب الله للحرب في 8 تشرين الاول الماضي فقد اختار البقاء في اطار القتال ضدنا، اطلاق الصواريخ والمسيرات والصواريخ المضادة للدبابات بدون اختراق اراضي اسرائيل أو مهاجمة تل ابيب وحيفا. الهجمات الاخيرة ضده تقتضي منه اعادة النظر في هذه السياسة والتقرير اذا كان يمكنه الحفاظ عليها، في حين أن الثمن الذي دفعه ازداد. مراسلون متماهون مع حزب الله تطرقوا مؤخرا بشكل علني الى الاحتمالات التي تقف امام حزب الله، من بينها هجوم مركز لقوة “الرضوان” (التي قتل كثير من قادتها واصيبوا في التفجيرات الاخيرة) على موقع عسكري اسرائيل على الحدود الشمالية أو اطلاق الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة نحو مركز البلاد.

الجيش الاسرائيلي اعلن أمس بأنه في بداية الاسبوع قتل اثنين من رجال حزب الله اقتربا من موقع “تسيبورين” على الحدود الشمالية. من الواضح أنه بعد الهجمات فان الخطوات التي سيتم فحصها في بيروت ستكون اوسع من وضع عبوة ناسفة قرب موقع عسكري. فيما يتعلق بالصواريخ، حتى الآن هذه احتمالية تم اعدادها من قبل ايران كرد على هجوم مستقبلي لاسرائيل ضد المنشآت النووية في ايران. في هجمات هذا الاسبوع قتل واصيب عدد من الايرانيين، من بينهم رجال من حرس الثورة. هل ازاء خطورة الوضع أو الغضب على المصابين ستصادق طهران لحسن نصر الله على استخدام السلاح الاستراتيجي الذي حصل عليه منها.

بعد الهجمات نشر أن الجيش الاسرائيلي يقوم بنقل الفرقة 98 الى قيادة المنطقة الشمالية. على شارع 6 ظهر في الايام الاخيرة الكثير من ناقلات الدبابات وناقلات الجنود المدرعة في الطريق الى الشمال، طالما أنه لم يعلن عن تجنيد الاحتياط بشكل واسع وفوري فانه هذه العملية تظهر أكثر كتعزيز للدفاع، وربما كاشارة تهديد لحزب الله، اكثر مما هي استعداد لشن عملية برية. في لبنان يتابعون الآن بعصبية أي عملية وتصريح من الجانب الاسرائيلي، ولكن نحن ما زلنا في ذروة لعبة تنس الطاولة. الامور مرهونة بشكل كبير بخطوات حسن نصر الله – أي رد حزب الله، وبعد ذلك رد اسرائيل عليه.

بعد الصدمة الاولى التي احدثتها التفجيرات فان حزب الله بحاجة الى وقت كي ينهض. فقد اصيبت ليس فقط وسائل اتصالاته السرية ومنظومة القيادة السيطرة، بل نشأت ازمة ثقة مع النشطاء الذين بالنسبة لهم الحزب هو الذي وفر لهم الاجهزة التي قتلت واصابت اصدقاءهم. ايضا الجمهور اللبناني المتعب والخائف بشكل عام صرخ مرة اخرى في وجه الخطر الكامن في انتشار مقرات الحزب ومعسكراته داخل القرى والمدن، ومن المرجح أن يزيد الهجوم الثاني الضغط على حسن نصر الله من اجل التحرك بسرعة. وقد يؤثر ذلك على اعتباراته ليقوم برد اكثر شدة على خلفية التحدي الذي وضعته اسرائيل امامه.

ربما أن القيادة في اسرائيل ايضا مصممة اقل مما يبدو. نتنياهو صادق على خطوات هجومية استثنائية، لكنه ما زال لا يسارع الى شن حرب، وما زال يخطط كما يبدو للسفر الى الجمعية العمومية في نيويورك في الاسبوع القادم. غالنت حصل من نتنياهو على هجوم مسموم، الذي حاول عرضه كجبان ومتردد في الساحة الشمالية، ومنذ ذلك الحين فقد اضطر الى التساوق مع الخط الهجومي العلني لرئيس الحكومة. رئيس الاركان هرتسي هليفي، المجروح من احداث 7 اكتوبر، لا يوجد في موقف يمكنه فيه التشاجر بحرية مع نتنياهو أو مع جهات رفيعة اخرى في المنظومة، التي تدفع نحو خطوات نهايتها التصعيد.

جنرالان في الاحتياط يوجدان سياسيا في الوسط – يسار، يئير غولان واسرائيل زيف، تحدثا مؤخرا في وسائل الاعلان عن الحاجة الى دخول بري الى جنوب لبنان، وعن اقامة حزام ضيق وراء الحدود في محاولة لابعاد حزب الله عن خط اطلاق نار مباشر على المواقع العسكرية والمستوطنات. هناك من يوصون ايضا بالقيام بعملية من اجل احتلال المنطقة حتى نهر الليطاني. في المقابل تسمع اقتراحات لعملية جوية كثيفة لبضعة ايام، ضرب المواقع العسكرية المهمة لحزب الله.

كل هذه الافكار هي صياغات متعددة لحرب محدودة. من غير المؤكد أنه في حالة التدهور الى مثل هذه السيناريوهات أن يكون بامكان اسرائيل التوقف. هناك تفكير بأن المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، سيتدخل وسيقوم بطبخ اتفاق بدون التدهور الى مواجهة شاملة. هذا رهان على آلية التوقف التي يوجد شك كبير في أن تكون في متناول اليد. من اجل الدخول الى مثل هذه المعركة يجب على الجيش التأكد من أنه توجد لديه وحدات جاهزة ومخزون احتياط وذخيرة مناسبة، وأن المستوى السياسي بحاجة الى مستوى تنسيق بالحد الاقصى مع الادارة الامريكية.

في اليمين المتطرف احتفلوا هذا الاسبوع بالتفجيرات القاتلة في لبنان وقاموا بتوزيع الحلوى، وكأننا وصلنا اخيرا الى الفضاء. سياسيون ومغردون انفعلوا جدا من الانجاز العملياتي المؤثر بحماسة تناسب اكثر فتيان في حركة الشبيبة. ولكن الواقع هو فوضوي وصعب حتى عندما تكون اسرائيل هي المتفوقة. بعد النجاح الاستخباري والعملياتي المشكلات الاستراتيجية بقيت على حالها. نحن نوجد على بعد شعرة من الحرب في الشمال، التي ستكون مختلفة عن كل ما شاهدناه هناك في السابق.

——————————————–

معاريف 20/9/2024

تكتيك، ليس استراتيجية

بقلم: جاكي خوجي

مشكوك أن تكون إسرائيل وجهت لحزب الله في أي  مرة في الـ 40 سنة صراع معه ضربة كهذه التي وجهتها هذا الأسبوع، وذلك حسب المنشورات.  فالتفكير بان أناس حزب الله ممن كانوا عنوانا للعملية كانوا يسيرون على مدى اشهر مع أجهزة استدعاء على أجسادهم، دون أن يعرفوا بانه توجد فيها قنابل صغيرة تفعل من بعيد بكبسة زر من تل أبيب. ذهبوا ليناموا بينما قنبلة الى جانبهم، احتسوا قهوة الصباح وهي موضوعة على طاولتهم، مارسوا الحب مع زوجاتهم بينما هي ملتصقة باجسادهم.

حتى الاسم الدقيق للعملية كان من الصعب ادراكه. فمن هجوم البيجر يوم الثلاثاء اصبح في الغداة “هجوم الوكي توكي”. وفي ذات المساء انضمت اليهم بطاريات ليثيوم تفجرت وأجهزة أيفون. لبنان تملكه الفزع. كل جهاز كهربائي استورد من الخارج اشتبه به بانه قنبلة خفية. اذهب لتعرف اذا كان ذاك الذي يقف الى جانبك، مع جهاز في جيبه، ليس رجل حزب الله سيشغل بعد قليل الجهاز في جيبه. يمكن فقط ان نتخيل الفزع الذي ادخل فيه السكان في لبنان.

من ناحية استخبارية تعد هذه عملية لامعة منسوبة لجهاز الامن الإسرائيلي. ليس صدفة ان عربد نصرالله أمس في تعابيره الى رد فعل أليم. فقد كان ينبغي لنا أن نرى النكات التي تراكضت على حسابه وعلى حساب رجاله. “يا حسن، لا ترد على إسرائيل”، توجه اليه احد نجوم الشبكة. اذا كنت رجلا، فرد على الهاتف”. آخرون صمموا صور أجهزة هاتف قديمة التي استخدمناها في السبعينيات والثمانينيات وهي معلقة بثقل  على الحزام.

ان قدرة الاختراق لمنظمته، التحكم من بعيد بالحياة الحميمية اليومية لرجاله، الحرج الذي لحق به امام الجمهور اللبناني. كما كان هناك أيضا موضوع شخصي. المئات منهم تعرضوا للانفجار في الوجه وافسدت وجوههم. حزب الله، الذي يدعي صبح مساء بان افعاله تحمي اللبنانيين ويتباهى بانه يردع إسرائيل جلب الموساد والجيش الإسرائيلي الى كل بيت.

وضع جديد في المعركة

لكل منظمة مقاتلة يوجد شرف، ليس فقط للعرب منهم. لكن في حزب الله مفعمون بالعزة على نحو خاص. فهم ممتلئون باحساس الشرف، مما يعود  في بعضه الى أجيال من الدونية الطبقية للطائفة الشيعية في لبنان. في السنوات الأخيرة شعروا بانهم يشترون عالمهم. إسرائيل أيضا. ها هم يقاتلون ويطردون ويفعلون كما يريدون على طول الحدود. استخفوا بنا. استخفوا بكارهيهم في الغرب وبالطبع حكومة لبنان. وعندها نشبت الحرب وفي مغامرتهم الكبيرة قرر نصرالله ورجاله بالحاق لبنان بحماس. الجيش القى بثقله على التفوق الاستخباري وبدأ يصيبهم الواحد تلو الاخر. وهذا الأسبوع سد افواههم، بكل معنى الكلمة.

الان نصرالله في شرك: من جهة تأذى بشرفه. من جهة أخرى كل رد من جانبه سيجر ردا اكثر حدة باضعاف من عدوه المرير. كان مسلٍ ان يقرأ المرء هذا الأسبوع مقال إبراهيم الأمين، الصحافي الأكثر قربا من حزب الله وعمليا الناطق غير الرسمي بمواقفه. الأمين، كاتب كفؤ وذكي، اشتكى من ان إسرائيل لا تسارع للتصرف وفقا للمعادلات. فقد اقترح حزب الله خوض قال في منطقة الحدود فقط، أي تدمير بلدات الشمال، اما إسرائيل، المتمردة، فقد رفضت ووسعت دائرة النار. والان، كما يلمح، من شأن حزب الله ان يستخدم السلاح الذي حاول الابتعاد عنه. غزو بري من مقاتلي منطقة الجليل، او استخدام الصواريخ الدقيقة لضرب اهداف عسكرية او مدنية في عمق إسرائيل.

“المقاومة لن تستسلم للمشاعر”، كتب الأمين، في محاولته لان يقول ان الرد سينظر فيه برباطة جأش. “لكن العدو يعرف جيدا بانه دفع المقاومة لان تهجر اطار قواعد الحرب القائمة منذ سنة واننا نقف امام وضع جديد”.

نصرالله يوجد اليوم في الدرك الأسفل الاعمق منذ سنين طويلة. معظم الجمهور ليس معه. فقدَ بعضا من العقول الأهم لديه، ومئات من رجاله أيضا. مشكوك أن يكون الهدف الوطني الذي لاجله القى بقواته الى المعركة – انقاذ حماس – قد تحقق. حماس تسير من سيء الى أسوأ. ونصرالله يعرف ان كثيرين آخرين، في الشارع العربي، في لبنان أيضا، وفي ايران بالطبع – يتوقعون منه أن يمحو العار. بخلاف السنوار، الذي يقاتل وحده في غزة، نصرالله ليس وحيدا. الإيرانيون معه. والحوثيون أيضا. جيوش من المؤيدين في العراق وفي أماكن أخرى أيضا. اذا ما علق في حرب وجود، سيأتي كل هؤلاء لنجدته. كما أن له أصدقاء من درجة ثانية كفيلون بان يساعدوا في المشورة، في السلاح وفي الضغط الدبلوماسي. روسيا مثلا، قطر والجزائر.

هذا يجلبنا الى انباء سيئة: “هجوم البيجر” وان كان سيذكر لسنوات طويلة الى الامام، لكن ليس هو ما سيعيد سكان الشمال الى بيوتهم. هذه عملية لامعة أساسها تكتيك، لكنها ليست استراتيجية. حسن لو كانت خطوة بدء لحرب، تذهل العدو وتضعفه قبل أن يتلقى ضربات رهيبة على رأسه. لكنها لم تكن هكذا. مسؤول كبير في حزب الله، هاشم صفي الدين، هدد أول أمس في أن الهجوم سيوقظهم لان يهاجموا بلدات اكثر وبذلك يوسع نطاق الاخلاء في أراضي إسرائيل.

يخطيء من يعتقد أن إسرائيل يمكنها بسهولة ان تصفي حزب الله في هذه الأيام. فحزب الله ليس حماس، واراضي لبنان واسعة ولا تشبه غزة. مقاتلوهم اكثر خبرة من مقاتلي السنوار، والسلاح الذي لديهم اكثر تطورا. صحيح أنهم سيتكبدون ضربات قاضية، لكنهم لن يقاتلوا وحدهم. فهذه حرب وجود ورفاقهم سيتجندون من اجلهم. ارساليات المساعدة تلك كفيلة بان تضاعف عدد المسلحين الذين سيقفون في وجه الجيش الإسرائيلي في لبنان. ويدور الحديث عن إضافة عشرات الاف المقاتلين. والمجتمع الإسرائيلي، هل بوسعه أن يصمت امام كلفة حرب كهذه؟ جيش احتياط منهك، والجيش النظامي يقاتل منذ سنة في غزة. حرب تكلف مالا كثيرا جدا. مشكوك ان يكون الاقتصاد الإسرائيلي مبنيا لها. هذه ستكون حربا طويلة وقاسية، اذا ما بدأت، لم نشهد لها مثيل.

حزب الله كسب عن حق الاثمان الباهظة التي يدفعها وتلك التي سيدفعها. بسبب الخراب الذي زرعه في بلدات في الشمال، وبسبب الضائقة التي ادخل اليها لبنان كله. كثيرون في المنطقة يتمنون رؤيته يسقط، ليس فقط في إسرائيل. لكن يجدر بنا ان نعرف الى اين نسير. يمكن ان ندير حيال حزب الله بضعة أيام قتال، ربما اكثر. كما يمكن ادخال قوات برية الى لبنان وايلامهم بالطبع. لكن لاجل ان نصفيهم يستغرق الامر سنوات والثمن سيكون عاليا جدا.

——————————————–

هآرتس 20/9/2024

في الوقت الذي انهار فيه تصور غالنت، نتنياهو عاد الى الوعود وساعر عمل ضد قيمه

بقلم: يوسي فيرتر

اثناء كتابة هذه السطور مساء يوم أمس، يبدو أن عملية عزل يوآف غالنت وتعيين جدعون ساعر بدلا منه، دخلت الى التجميد. تغيير كبير بعد أن نشر في يوم الاثنين بأنه المسألة هي “بضع ساعات” وبعد ذلك “يوم”، وبعدها “الى حين سفر رئيس الحكومة الى نيويورك” (يوم الثلاثاء، لمدة ستة ايام! وضمنها نهاية اسبوع فاسدة لالقاء خطاب في الجمعية العمومية وعقد لقاءات كاذبة).

المبرر هو التدهور الامني في الشمال وحوادث التفجيرات التي قربت المنطقة من حرب واسعة مع حزب الله، التي لا نعرف الى أين ستتدهور. هذا ليس الوقت المناسب لاستبدال وزير الدفاع، كما يتضح.

لكن ماذا كان بالضبط الوضع لدينا في الفترة التي سبقت هجوم اجهزة البيجر في يوم الثلاثاء واجهزة “ووكي توكي” في اليوم التالي؟ هل كنا عشية تهدئة؟ هل كنا على بعد خطوة من التسوية واعادة عشرات آلاف المخلين الى بيوتهم؟ هل كنا نشبه سويسرا؟. حتى في الهستيريا يجب أن يكون القليل من المنطق، لكن ليس عندما يكون الحديث يدور عن بنيامين نتنياهو.

عودة الى يوم الاثنين. غالنت دخل مع لوح الكتابة الاصفر لديه الى المشاورات الامنية في مكتب رئيس الحكومة قبل الظهر، على فرض أنه في هذا النقاش سيتقرر بشأن زيادة شدة العمليات امام حزب الله. نتنياهو دخل الى هذه الجلسة على فرض أنه حتى نهاية اليوم سيتم ابلاغ غالنت بقرار الاقالة، الثاني في غضون 18 شهر.

مثلما هي الحال في الغرب القديم فقد جلسا قبالة بعضهما في ظهيرة ذلك اليوم. وبين حين وآخر تم ادخال اوراق الى الغرفة. غالنت تسلم الاوراق من سكرتيره العسكري، غاي مركيزنو. ونتنياهو لسبب ما تسلم الاوراق من رئيس طاقمه، تساحي برفرمان.

هذا الامر كان يمكن أن يثير الشك لدى غالنت، حيث أنه يوجد ايضا لنتنياهو سكرتير عسكري هو الجنرال رومان غوفمان، ولكن محظور عليه الانشغال بالامور السياسية. من يقوم بعلاج هذه الامور هو برفرمان. “انتشرت” شائعات مقلقة، تطورات سياسية وائتلافية، أو طلبات سلام تاريخية من السيدة التي هي دائرة عمله. في يوم الاثنين قام بقطع مسافة طويلة بين غرفة الكابنت ومكتب السكرتاريا، هذا ليس لأنه لم تكن لغالنت أي اسباب للتشكك في ذلك. حاشيته السياسية عرفت أن جدعون ساعر التقى مع نتنياهو مرتين في الاسبوعين الاخيرين.

اثناء جلوسهما هناك مع القيادة العليا الامنية اندفع ميخال شيمش الى بث برنامج الظهيرة في “كان” وقال بأن نتنياهو يستعد لاقالة وزير الدفاع خلال ساعات واستبداله بجدعون ساعر. النبأ وصل بالطبع ايضا الى اذن المرشح للاقالة. وحسب مصدر كان موجود في الغرفة هو لم ينسحب. ايضا نتنياهو لم ينسحب. النقاش استمر. “كان يسري في شرايينهما الجليد بدلا من الدماء”، قال لي أحد الموجودين هناك.

كانت هناك انباء عامة لغالنت، لكن التفسير الذي اعطاه اياه طوال الوقت كان مخفف، نوع من التصور. هو عرف أن سيف الاقالة موجود دائما على عنقه، لكنه اعتقد أن تأييد الجمهور الواسع، ولا سيما صدمة نتنياهو في “ليلة غالنت”، اضافة الى الضغط الامريكي والحرب، كل ذلك يمنحه الحصانة. تبين له بأنه مخطيء.

المقربون من غالنت يقدرون أن من قام بتسريب النبأ هو شخص مقرب من سارة نتنياهو، الذي عبر بهذا التسريب عن رغبتها (في حينه) في احباط الصفقة. الرواية التي ارفقها مكتب رئيس الحكومة بنية الاقالة كانت رفض وزير الدفاع كما يبدو لعملية في الشمال، خلافا لموقف رئيس الحكومة المتحمس للمعركة، وتصميم غالنت على مواصلة الدفع قدما بصفقة التبادل. ولكن ما العمل، الحقائق لا تتوافق مع الافعال.

باستثناء الفروقات الدقيقة فانه لا يوجد في الحقيقة أي اختلاف بين موقف رئيس الوزراء وموقف وزير الدفاع بشأن قضية لبنان. غالنت يدرك، مع الرغبة الصادقة في بذل الجهود الكبيرة لاعادة المخطوفين واغلاق الملحمة في غزة، أنه في هذه الاثناء هذا غير محتمل. الحقيقة هي أن الخطوط العريضة للخطة الامريكية “خذها أو اتركها” كانت ستأتي قبل اسبوعين.

لذلك فانه في الجلسة الامنية التي عقدت قبل اسبوع، مساء يوم الخميس، قام بشرح لماذا في هذه الاثناء لا توجد احتمالية للتسوية، ولماذا حان الوقت للتوجه الى الشمال، سواء بتسوية سياسية أو عملية عسكرية. “يجب استنفاد الاتصالات السياسية (قبل الحرب)”، قال غالنت. ونتنياهو قال “احتمالية التوصل الى تسوية سياسية هي ضئيلة. كما قلنا هذه فروقات صغيرة. ولكن عندما سينزل فأس الاقالة سيعرض المتحدثون بلسان رئيس الحكومة، كما هي حال اكاذيبهم دائما، الذبابة على أنها فيل.

ساعر قام بطي كل الرايات، وعلى رأسها مصداقيته وكلمته، مقابل حقيبة الدفاع. هو يعد الحكومة الدموية ليس فقط باستكمال ولايتها واجازة ميزانية لسنة أو سنتين، بل ايضا الدفع قدما بقانون الاعفاء من الخدمة الذي سيرضي الحريديين، الامر الذي قام غالنت بمنعه حتى الآن. المفارقة الصعبة هي أنه يعد ايضا بعدم المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية. صحيح أنه كان وزير العدل في حكومة التغيير الذي قدم اقتراحين بشأن تشكيل لجان تحقيق رسمية في كارثة ميرون وقضية الغواصات.

——————————————–

هآرتس 20/9/2024

هكذا اصبح جدعون ساعر الشخص الاكثر لعنة في الدولة

بقلم: رفيت هيخت

جدعون ساعر وزئيف الكين يوصفان في عالم السياسة كـ “ثعلبين” خبيرين في استغلال الفرص، والتحالفات والسيناريوهات على اساس القدرة النادرة على التحليل. على خلفية هذه السمعة يصعب الاستغراب من السهولة التي سقطا فيها في المصيدة المكشوفة والمتسلسلة لبنيامين نتنياهو أو حاشيته، أو كلاهما معا، الضالعين في اضعاف الخصوم الى درجة تحويلهم الى جثث سياسية، وفي الطريق هم ينجحون في استخراج منهم فائدة في اضعاف خصوم آخرين.

هذا بالضبط ما حدث هنا. فالمفاوضات السياسية التي تم تسريبها قبل أن انتهائها بهدف تفجيرها، والتي جعلت ساعر الشخص الملعون في الدولة واحرقته في معسكره الحالي، كل ذلك بدون حصوله على الجائزة الذهبية، أي وزارة الدفاع. العلاقة مع ساعر تحولت الى احاسيس مشتركة نادرة بين المعسكرين. فسواء البيبيين أو غير البيبيين يحتقرونه، ويشخصون لديه نموذج مزمن اساسه عدم الاخلاص للمعسكر الذي ينتمي اليه في لحظة معينة.

اذا كانت خطة ساعر هي اجتياز متكرر لخطوط الليكود البيبي بهدف وراثة نتنياهو، فهو تنتظره هناك صعوبات غير قليلة، كما اثبت التسريب. اضافة الى الجهات الرفيعة التي التقطت صورة وراء المتهم امام العدسات وهي تضع الاقنعة، في الصورة المشهورة، والتي لا يوجد لها أي سبب لاستقبال ساعر بالحلوى والأرز، هناك قسم كبير في منطقة الليكود وفي القطاع البيبي والكهاني لا يريد ساعر، حتى لو قدم انبوب اوكسجين محدث لنتنياهو، فانه يرى فيه بالضبط ما تراه فيه الام الروحية سارة نتنياهو.

تدمير القيمة الذي قام به نتنياهو لساعر لم يكن لينجح لولا التعاون الوثيق من قبل الاخير. هذا ليس فقط الانهيار المضحك لـ “البديل الرسمي” أو “القيمي” لحكم نتنياهو، بل ايضا وبدرجة كبيرة استعراض للاعتبار المضلل، الذي الاغلبية الساحقة في الجمهور تعتبره جنون عظمة مدحوض ووقح. هو لم يتجرأ على الانضمام للحكومة من اجل الحصول على النفوذ أو على كرسي في الكابنت، لكنه تجرأ على الدخول الى وزارة الدفاع اثناء الحرب الاكثر صعوبة بالنسبة لاسرائيل، من خلال عملية تصل رائحتها السياسية الكريهة الى درجة غير مسبوقة. ساعر يعتقد أنه موازٍ لبني غانتس الذي انضم لحكومة الطواريء. غانتس ليس فقط لديه ناخبين خلافا لساعر، بل ايضا هم يثقون به، بحق أو بدون حق هذا مسألة اخرى، ويؤمنون بأن انضمامه للحكومة يناقض مصلحته السياسية. الى درجة أن ساعر لا يدرك الجغرافيا التي يسير عليها والتي فعليا يمكن الافتراض أنه في هذه الاثناء هو ما يزال يؤمن بأنه سيكون رئيسا للحكومة.

ساعر فقد اعصابه واضاع طريقه، حيث أنه حسب رأيه تمت سرقة منه المكان الذي وصل اليه في كابنت الطواريء لصالح غادي ايزنكوت. من هنا بدأت حملة التدهور، التي شملت الانسحاب من المعسكر الرسمي، وبعد ذلك رفض عرض افيغدور ليبرمان، مرة اخرى نتيجة تقدير خاطيء لقوته وأهميته.

ربما أن العمليات في لبنان حقا اعترضت القنبلة السياسية، مثلما تم عرض الامور، وأن نتنياهو حقا سيقوم بتعيين ساعر بدلا من يوآف غالنت. هناك امور مخيفة ولا اساس لها تحدث هنا طوال الوقت، ولم يعد بالامكان استبعاد شيء لا يصدق.

لكن الاكثر معقولية هو أن نتنياهو، الذي خفض بشكل أكبر اهمية ساعر، يمكنه الآن الاتجار بضمه الى الحكومة بدون حقيبة الدفاع، التي يريد أن يأخذها من غالنت على أي حال، في المقام الاول من اجل تقليل قوة ايتمار بن غفير، الذي يخرج آريه درعي عن اطواره. حتى لو اصبح وزير الآن فانه يصعب رؤية مستقبل سياسي لساعر. لن ينضم اليه أي لاعب وهو غير قادر على أن ينتخب بقوته الذاتية.

هذه الامور ينشغل فيها الاشخاص الذين يمكنهم انقاذ المخطوفين من جهنم، والذين يتظاهرون بدون نجاح باهتمامهم بالمواطنين.

——————————————–

 

 

هآرتس 20/9/2024

الداعي لتجويع سكان غزة: كلهم نازيون.. لكن نتنياهو “خرج عن السكة”

أجرت المقابلة: رفيت هيخت

تصريحات غيورا آيلند، اللواء احتياط، منذ 7 أكتوبر أثارت الدهشة: رفاق لسنين أداروا له ظهورهم، بعد أن صدموا بدعوته لتجويع غزة، فتبناه اليمين بحرارة رغم أنه يؤيد إنهاء الحرب وإسقاط نتنياهو. بعد أن دعا لتجويع غزة، واعتقد أن الأوبئة في القطاع ستقرب النصر، فإنه يروج لصفقة مخطوفين فوراً، وبعدها السعي لحل النزاع. فكيف تترتب كل هذه التناقضات معاً؟ من ناحيته، هذا بسيط جداً.

نقتبس بعضاً من أقواله في هذه المقابلة:

“أعترف بأنني تحدثت بانعدام مسؤولية حين دعوت إلى التجويع، لكن تجويع العدو حتى الموت مسموح بل وموصى به شريطة أن يتاح للمدنيين الخروج. وهذا بالضبط ما أقترحه – الإعلان لـ 300 ألف نسمة في شمال القطاع: لديكم أسبوع للخروج. على السنوار أن يفهم بأن استمرار الحرب يؤدي به إلى خسارة الأرض”.

“الرواية بوجود منظمة إرهاب هي حماس، وكل سكان غزة خيرون، ببساطة غير صحيحة. فأهالي غزة مثل أهالي ألمانيا النازية. كل السكان يؤيدون الزعيم. لا أقول إنه يجب معاقبة الجميع، لكن يجب أن يسمى الولد باسمه. أن نفهم بأنها حرب دولة إسرائيل ضد دولة شنت حرباً على إسرائيل”.

عندما سُئل آيلند كيف يعيش مع أعداد عالية لأطفال قتلوا في غزة، يجيب: “ما العمل؟ معدل الولادة في غزة عال جداً، وبالتالي هناك الكثير من الأطفال. القول أن تقتلوا فلسطينيين كثيرين جداً هو قول سياسي لسياسيين وصحافيين، لا يقوله أي جنرال غربي”.

“كان ينبغي لنتنياهو أن يقول لبايدن ما الذي يزعجك، أيها الرئيس؟ “فتيان التلال” وكل تنكيلاتهم بالعرب؟ إذن ها نحن نفعل أموراً لم نفعلها حتى الآن: اعتقال إداري ليس لخمسة أشخاص، بل 500 شخص. أنت ملزم بتأييدنا في شيء واحد فقط: لن نتمكن من إعادة المخطوفين إذا أدخل الطعام إلى غزة بلا حدود. نحن مجانين في هذا.

“نتنياهو يعيش في فيلم. يشبه نفسه هذه المرة ليس بتشرتشل بل بروزفيلت الذي قاتل ضد ألمانيا واليابان حتى النصر المطلق. يراهن على وجود دولة إسرائيل بجنون عظمته. لدي سنوات طيبة معه، لكني أعتقد أنه نزل عن السكة. الدولة في واقع الأمر يديرها شخصان: بن غفير وسارة نتنياهو”.

“أنا مستعد لأن أكون يساراً حتى النهاية، وأنهي الحرب ليس بسبب المخطوفين، ولا بانعدام الجدوى، بل بسبب الآثار الكثيرة على ساحات أخرى. نحن في حفرة استراتيجية، في دوامة آخذة بالتعمق. ونحن من يحفر هذه الحفرة إلى أعماق أكثر بعيون مفتوحة”.

——————————————–

هآرتس 20/9/2024

لمبعوث “المؤامرة” الأمريكي: تعرف سلفاً أن السنوار سيرفضها..

وسيتسع الخرق على إسرائيل

بقلم: أسرة التحرير

نُشر أمس اقتراح جديد لصفقة مع حماس. وحسب المسؤول من طرف الحكومة عن موضوع الأسرى والمفقودين، غال هيرش، نقل إلى الإدارة الأمريكية اقتراحاً إسرائيلياً بموجبه يتحرر كل المخطوفين المحتجزين في القطاع دفعة واحدة مقابل إنهاء الحرب. إضافة إلى ذلك، قيل إن إسرائيل ستوافق على مغادرة زعيم حماس يحيى السنوار وعائلته وآلاف النشطاء القطاع إلى دولة ثالثة.

رحبت هيئة عائلات المخطوفين “بمنحى نتنياهو الجديد” وقالت إن “الاقتراح يعزز الأمن في إسرائيل ويسمح بالوصول إلى تسوية إقليمية شاملة”. وبالفعل، هذا اقتراح جيد على الورق. غير أن احتمالات قبول حماس والسنوار متدنية جداً، لأنهم غير معنيين بالنفي، حتى لو وصفت مثل هذه الخطوة كـ “ترحيل” أو “استسلام”. يمكن الاشتباه بأن هيرش، مندوب حكومي يسعى لجعل الحرب في غزة لا نهاية لها، يعرف هذا جيداً، بل ربما تكون هذه هي الفكرة من خلف المبادرة: وضع منحى معقول ظاهراً، تكون فرص قبوله متدنية، لتقليل النقد ضد الحكومة من جانب عائلات المخطوفين وتقليل الاحتجاجات الجماهيرية معها.

أما في الواقع نفسه ذاك الذي لا يتخيله هيرش ومرسلوه، فإسرائيل تتورط. فهي تقيد نفسها في جملة ساحات وقد نفسها تجد نفسها في حرب متعددة الساحات قاسية ودامية. إن التأثر الجماعي بالقدرات الاستخبارية والعملياتية التي أدت إلى تفجيرات أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال لنشطاء حزب الله والمنسوبة لإسرائيل ربما يستبدل بصراخات نجدة، وليدة معركة إقليمية قاسية. معركة كهذه لا يزال ممكناً منعها بصفقة حقيقية وشجاعة مع حماس، وإن كان يرافقها ثمن باهظ، لكن في الحساب النهائي، منفعتها أكبر بكثير: فهي لن تسمح بعودة المخطوفين فقط بل ستهدئ الحدود الشمالية أيضاً.

ينكب الأمريكيون على تفاصيل صفقة كهذه، لكنهم يصطدمون بروح رافضة من جانب السنوار، ومن جانب نتنياهو كذلك. قبل لحظة من اشتعال المنطقة كلها، حكومة إسرائيل ملزمة بتأدية واجبها الأخلاقي، تدفع بالصفقة التي يقترحها الأمريكيون، وتعيد المخطوفين إلى الديار، وتمنع حرباً ستكلف حياة إسرائيليين كثيرين.

——————انتهت النشرة——————