الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 8/10/2024

العملية البرية في لبنان تخدم مصالح نتنياهو الخاصة

بقلم: رفيف دروكر

بعد مرور سنوات على حرب لبنان الثانية، أجريتُ مقابلة مع  وزير الدفاع آنذاك، عمير بيرتس، قال لي فيها: “كل مَن يعتقد أنه حقق نصراً في نقطة معينة خلال حدث معين مخطئ”. وتابع: “من المذهل أن العملية الأكثر بطولةً وأهميةً، والتي استغرقت 48 ساعة، تحولت إلى شيء روتيني”. قصد بيرتس في كلامه السرعة التي تبدد فيها تأثير العملية التي بدأت بها حرب تموز 2006، والتي جرى خلالها تدمير صواريخ “فجر” التابعة لـ “حزب الله”، والتي كانت مخبأة في منازل سكنية. وهذا ما يدفعنا إلى التفكير في اغتيال حسن نصر الله  وسائر كبار المسؤولين. إنجازات مذهلة، لكن إذا لم تُترجم بسرعة إلى واقع مختلف على الأرض، فإنها ستتآكل وتختفي.

بعد الحرب، سيكون من المفيد أن نفهم الفجوة غير المفهومة بين قدرات “حزب الله” التي جرى الحديث عنها طوال أعوام وبين قدراته في هذه المواجهة، من رئيس الحكومة، وصولاً إلى آخر صحافي. وُصف “حزب الله” بأنه تنظيم يمكنه إطفاء الأضواء عندنا، وشلّ الخدمات الحيوية، والقضاء على  قواعد سلاح الجو، وتدمير الأبراج السكنية. وصُورت المواجهة معه على أنها ضرب من الجنون؟

حتى اغتيال فؤاد شُكر “رئيس أركان” “حزب الله”، كان يبدو أن الحزب، ببساطة، لا يريد استخدام قوته. بعد اغتياله، بدا أن قدراته ليست كما جرى تقديرها. أين القدرة على إطلاق 2500-3000 صاروخ دفعة واحدة؟ أين الصواريخ الدقيقة التي ستنطلق معاً، ويكفي أن يجتاز خمسة من هذه الصواريخ الدفاعات الجوية الإسرائيلية لكي تتسبب بضرر غير مسبوق بالجبهة الداخلية؟

التفسيران اللذان قُدما حتى الآن ليسا مُقنعين. عمليات الجيش الإسرائيلي كانت مذهلة ومكثفة، لكن جيش “الإرهاب” المكون من عشرات الآلاف من المقاتلين ومئات الآف الصواريخ، كان من المفترض أن يكون مستعداً لإطلاق كثيف للصواريخ، حتى لو خسر 50% من قدراته، ويجد صعوبة في التواصل.  التفسير الآخر هو أن إيران لم تعطِ موافقتها على مثل هذه الحرب، هو أيضاً تفسير واه. لقد أطلقت إيران 200 صاروخ باليستي على إسرائيل للرد على العملية الإسرائيلية ضد حزب الله، بينما كانوا يدّعون أن ما سيجري هو العكس: حزب الله سيرد بقوة على أيّ هجوم إسرائيلي على إيران.

هل أخطأنا في تقدير قدرات “حزب الله”؟ وهل ما يجري هو جولة أُخرى ضد السلاح غير التقليدي الذي لم نجده في العراق؟ النقطة المهمة هي أنه في الوضع الحالي، من الصعب أن نرى كيف سيُترجم التفوق العسكري الواضح إلى واقع أفضل في المستقبل المنظور. وقال بيرتس في المقابلة أيضاً: “مَن يبحث لنفسه عن صورة انتصار في صراع مع تنظيم ’إرهابي’ لن يجدها. ففي النهاية، ستثبت الخلية الأخيرة التي تنجح في إطلاق الصاروخ الأخير أنها لا تزال حية، وبصحة جيدة”.

وحتى في السيناريو الأفضل، أي أن يواصل “حزب الله” “فقط” إطلاق الصواريخ، مثلما هي الحال الآن، وتواصل إسرائيل هجومها، وتتقدم العملية البرية بنجاح، هل سيؤدي هذا إلى نقطة يستطيع فيها سكان الشمال العودة إلى منازلهم؟ وحتى إطلاق الصواريخ الحالي لا يمكن قبوله. علاوةً على ذلك، عندما سيخرج الجيش الإسرائيلي من القرى الشيعية، مَن سيدخل إليها؟

بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، فإن عملية برية تستمر أسابيع هي أمر مطلوب: فهي تسمح له بالبقاء، ولا يجري خلالها تشكيل لجنة تحقيق رسمية، بينما جنودنا الأبطال في الجنوب اللبناني، وطبعاً سيأتي طلب إقالة محامي الدفاع عنه من المحكمة الإقليمية في القدس، فكيف يمكنه تقديم شهادته في ذروة حرب شديدة؟ كما أن رداً كبيراً على إيران يزيد في تصعيد الوضع يصب في مصلحته أيضاً. في المقابل، بالنسبة إلى الجمهور، من الممكن استخدام رافعة الرد على إيران وضعف “حزب الله” من أجل محاولة التوصل الآن إلى اتفاق وقف إطلاق نار يقطع الصلة بين غزة ولبنان، ويُبعد “حزب الله”، ويطالب بوصول قوة دولية أكثر فعالية إلى المنطقة.

——————————————–

عن “N12 8/10/2024

حان الوقت لترجمة الإنجازات العسكرية من خلال عملية سياسية

بقلم: غيورا آيلاند

إلى حين كتابة هذه السطور، من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستهاجم إيران، وكيف ستكون تداعيات الهجوم. في المقابل، تبدو صورة الحرب الدائرة منذ عام في غزة ولبنان أكثر وضوحاً. في إطار القتال الحالي لن تحقق إسرائيل “النصر المطلق” في غزة، وكذلك في لبنان. ولن تستسلم “حماس” و”حزب الله”، وسيكون هناك دائماً مَن سيواصل إطلاق النار. إن استمرار القتال على الجبهتين لا يخدم مصلحة إسرائيل، لذلك من الصائب أن نفتح الباب أمام ترتيبات سياسية على الجبهتين.

بالنسبة إلى غزة، علينا أن نقول ببساطة: إسرائيل مستعدة للاتفاق التالي مع “حماس”، إطلاق كل المخطوفين في عملية واحدة مقابل إنهاء الحرب وخروج قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك شرط إضافي لا يوجّه إلى “حماس”، بل إلى دول العالم، وستكون أيّ خطة لإعادة إعمار غزة مشروطة بالنزع الكامل للسلاح منها.

بالنسبة إلى لبنان، يجب أن نقول التالي: إسرائيل مستعدة لإنهاء الحرب باتفاق يعتمد على القرار 1559، الذي يدعو إلى نزع سلاح كل الميليشيات في لبنان، بما فيها “حزب الله”. يستطيع “حزب الله” البقاء كحزب سياسي، ويستطيع عناصره الاحتفاظ بسلاحهم الفردي. ومع ذلك، يجب تدمير كل السلاح الثقيل والقدرة على إنتاجه. إسرائيل مستعدة للدخول فوراً في مفاوضات على هذا الأساس، وما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق، فسنواصل القتال.

هذا الكلام جوهري فيما يتعلق بغزة ولبنان، لأن النجاحات العملانية للجيش الإسرائيلي خلقت زخماً داخلياً – لبنانياً إيجابياً، علينا استغلاله. على سبيل المثال، رئيس الحكومة اللبنانية مستعد للحديث عن انتخاب رئيس للجمهورية، من دون تأييد “حزب الله”، الأمر الذي امتنع عنه حتى الآن. كما أن الرئيس السوري يبحث في إمكانية إرسال مساعدة عسكرية إلى “حزب الله”. وبدأ حوار داخلي لبناني يشمل شخصيات كبيرة من الطائفة الشيعية بشأن تسوية جديدة في لبنان. تدرك آلاف العائلات الشيعية أنه لا يوجد مَن سيعوّضها خسارة منازلها في الجنوب، أو في بيروت. الولايات المتحدة وفرنسا تبحثان في إرسال قوات فرنسية، أو قوات من “الناتو”، بدلاً من قوات “اليونيفيل” الفاشلة. كل هذا الزخم الإيجابي يمكن أن يتبدد، إذا استمرت الحرب، وإذا ظهر أن إسرائيل تريد احتلال لبنان والبقاء في أراضيه.

يبدو أن موضوع المخطوفين ليس هو فقط ما يشغل بال الحكومة، بل أيضاً مستقبل الشمال، والعبء الكبير الذي يتحمله جنود الاحتياط والاقتصاد المتدهور والأزمة الاجتماعية. وتحديداً بعد الزخم العسكري واسترجاع الردع، حان الوقت للاستفادة من هذه الإنجازات من خلال عملية سياسية. من السهل نسبياً القول: إن “وقف إطلاق النار” ليس هو الحل. الحل هو في خلق وضع يفهم فيه العالم ويقبل أن دولة إسرائيل غير قادرة على تحمُّل وجود “حماس” و”حزب الله” بالقرب من حدودها. والتوصل إلى هذا الإنجاز لا يجب أن يعتمد، بالضرورة، على قدرتنا على القضاء على آخر “مخرب”. بل يتطلب وجود ترتيبات يمكن أن تتشدد إسرائيل بشأن مضمونها. لقد ضيّع رئيس الحكومة فرصة القيام بذلك في خطابه في الأمم المتحدة، لكن الأوان لم يفُت بعد. من الأفضل ألّا نستخدم التهديدات، مراراً وتكراراً، بل معرفة التحدث بلغة “مرنة”، وأن نفسّر للمواطنين اللبنانيين وسكان غزة ودول العالم أنه يسرّنا إنهاء الحروب، والانسحاب من غزة ولبنان في مقابل إيجاد واقع أفضل للجميع. صحيح أن السنوار و”حزب الله” لن يوافقا على هذه الخطوات، لكن لماذا لا نقول ذلك بكل الوسائل الممكنة؟

خطأ “الضغط العسكري وحده هو الذي سيؤدي إلى …”، جعلنا لا نتخلى فقط عن الخطوات السياسية، بل أدى إلى كبحها. عندما سُئل نتنياهو قبل نحو عام، خلال الأسبوع الأول من الحرب، عن “اليوم التالي للحرب” في غزة، رفض الكلام عن ذلك، بدلاً من أن يقول الأمر الوحيد الصحيح، وهو “في اليوم التالي، يجب ألّا تكون هناك سلطة لـ”حماس”، ولا حُكم عسكري إسرائيلي. وإسرائيل مستعدة الآن للدخول في حوار مع الدول العربية والغربية بشأن “اليوم التالي”، وهي تؤيد أيّ اقتراح يضمن نزع السلاح من غزة في اليوم التالي للحرب”. لقد تخلت إسرائيل أيضاً عن الضغط الاقتصادي الذي يساعد الضغط العسكري كثيراً. وبهذه الطريقة، ننتصر على سلطة “حماس”.

اليوم، أمامنا فرصة كي نعمل بصورة مختلفة. ومن المؤسف أن نستمر في الاعتقاد أن الضغط العسكري في غزة ولبنان، وحده، يحقق الخلاص.

——————————————–

هآرتس/ ذي ماركر 8/10/2024

كبرى شركات الغاز الاجنبية تتراجع عن الاستثمار في اسرائيل بسبب الحرب

بقلم: عيدان بنيامين

انفعال عظيم غمر وزير الطاقة الاسبق اسرائيل كاتس في تموز 2023 ورجال وزارته. وكان سبب ذلك هو مشاركة شركات دولية كبرى لاول مرة في العطاء الرابع للتنقيب عن الغاز.

لسنوات طويلة حاول اسلاف كاتس ربط شركات النفط والغاز الكبرى في العالم للاستثمار في التنقيب في اسرائيل. البيان عن مشاركتها في العطاء لم يأت إلا بعد اشهر قليلة من اعلان “بريتيش بتروليوم” وشركة النفط الوطنية لأبو ظبي “ادنوك” عن التقدم باقتراح لشراء نصف اسهم شركة “نيو ميد اينرجي” التي يملكها اسحق تشوفا، واعتزامهما تحويلها الى شركة خاصة.

الاحتكار الفعلي في انتاج الغاز المحلي، شبرون، الذي يشغل حقلي الغاز الكبيرين – تمار ولفيتان – اعلن هو الآخر عن الاستثمارات التي سينفذها في الحقلين كي يوسع توريد الغاز والتصدير الى مصر والاردن.

جاءت الحرب فأخرت الخطط. في البداية كان يخيل أن هذا مؤقت، غير أن البيان الاخير للشركاء في حقل لفيتان عن أن شبرون قرر وقف الاستثمار لتوسيع الحقل بسبب الحرب، يشهد على أن اقتصاد الغاز التقى قعرا جديدا.

لا يدور الحديث عن تنقيب جديد عن الغاز، بل فقط عن توسيع يفترض أن يدخل للشركات، بما فيها شبرون، مالا اكثر – بسرعة اكبر. وعلى هذا مستعدة شبرون لأن تتخلى حاليا.

والى ذلك يطفو الى السطح ايضا السؤال كم يمكن الاعتماد على ما هو قائم في انتاج الغاز المحلي: شركاء شبرون اعلنوا بأنه ينفذ توقفات مبادر اليها في الانتاج من الحقل – بسبب الوضع الامني. مشكوك فيه أن تكون هذه التوقفات منسقة مع وزارة الطاقة.

“المفاوضات في ذروتها”

المشروع الذي اعلنت شبرون عن تأخيره هو توسيع قدرة الانتاج من حقل لفيتان: من نحو 1.2 مليار قدم مكعب في اليوم الى نحو 1.4 في اليوم. التوسيع كان يفترض به أن ينفذ من خلال اضافة انبوب بين الحقل والطوافة.

شبرون، هكذا حسب شركائها، تؤجل المشروع لنصف سنة على الاقل. “منوط بالجداول الزمنية وبطلبيات المقاول المنفذ، وبالوضع الامني الذي يسود في المنطقة”. شبرون هي ايضا المشغلة لحقل تمار، بل ومسؤولة عن توسيعاته المستقبلية. هو الآخر من شأنه أن يتضرر.

هذا يؤثر مباشرة ايضا على الخطط لتوسيع التصدير. فبدون زيادة الضخ من حقلي لفيتان وتمار الى طوافتيهما، لن يكون ممكنا انتاج غاز اكثر – وزيادة التصدير.

انبوب التصدير اقامته “نتغاز”، شركة الغاز الطبيعي الاسرائيلية، ومن شأنه أن يمول من شركات تستخدمه. في الاشهر الاخيرة كان صعبا على “نتغاز” التوقيع على اتفاقات مع شركات الغاز. ويبدو أنه مع قرار تأجيل الاستثمارات، فان الاتفاقات ايضا لن توقع قريبا.

في آب اعلنت “نتغاز” بأن الشركات كان ينبغي أن توقع حتى يوم أول أمس، في 6 اكتوبر، على اتفاقات لتصدير الغاز في خط رمات حوفيف – نتسانا (خط جديد للتصدير). وصحيح حتى أمس، الاتفاقات لم توقع. وفي “نتغاز” يقولون إن “المفاوضات في ذروتها”.

كان يفترض بانبوب الغاز أن يستخدم لزيادة التصدير بـ 6 مليارات قدم مكعب في السنة. وكان يفترض بالخط الجديد أن يكون منصة لتصدير الغاز الى مصر، الذي يمر في رمات حوفيف، اشليم ونتسانا – وهو يمتد الى نحو 65 كم، وكلفته المتوقعة على المصدرين هي نحو 900 مليون شيكل.

حتى لو وقعت الاتفاقات ليس مؤكدا أن يكون هناك من يوافق على المجيء الى اسرائيل لاقامة الخط. في بداية الحرب اوقفت اعمال شركة “مايكروبيري” الايطالية. فالشركة تقيم خط الغاز البحري مقابل اسدود وعسقلان، الذي يفترض أن يورد الغاز ضمن امور اخرى، الى وحدات الانتاج المتحولة لمحطة روتنبرغ.

في آب اعلنت “نتغاز” بأنها توصلت الى اتفاق مع المقاول على عودته في تشرين الثاني. لكن مع توسع الحرب يحتمل أن يتأجل هذا مرة اخرى – للاسباب الامنية التي تأجل عليها حتى الآن. وبسبب التأخيرات المتواصلة، فان كلفة الخط تواصل الارتفاع. في هذه اللحظة، وعلى فرض أن الاعمال ستستأنف في تشرين الثاني، من المتوقع لهذه الكلفة أن ترتفع مليار شيكل – 140 مليون شيكل اكثر من الثمن السابق.

تأجيل صفقة “نيو ميد” وخوف من الهروب

الجمود في فرع الغاز وجد تعبيره ايضا في انهيار الصفقة لشراء نصف اسهم شركة “نيو ميد” – الشريك الاكبر في حقل لفيتان. وحسب مقترح الشراء الذي نشر في آذار 2023، فان “بريتش بتروليوم” وشركة “ادنيك” لابو ظبي، كان يفترض بهما أن تشتريا، حسب قيمة نحو 14 مليار شيكل، كل وحدات الشركاء في “نيو ميد” التي لدى الجمهور (45 في المئة)، وكذا 5 في المئة من وحدات الشركاء التي تحوزها مجموعة “ديلك”.

لكن اللجنة التي تشكلت لمراجعة الصفقة من جانب “نيو ميد” بمشاركة “بريتش بتروليوم” و”ادنك” قررت في آذار تأجيل المداولات حول الصفقة المقترحة – على خلفية “انعدام اليقين الناشيء في المحيط الخارجي”. انعدام يقين متواصل بل ومتعاظم، بسبب اتساع الحرب، يبعد وربما يلغي الصفقة.

——————————————–

هآرتس 8/10/2024

رسائل حماس في ذكرى الحرب تكشف الفجوة العميقة بين الحركة والواقع في قطاع غزة

بقلم: جاكي خوري

رسائل حماس في يوم السنة لـ 7 اكتوبر ركزت على محاولة تبرير الهجوم، عرض الانجازات العسكرية والايضاح بأنها لا تزال مستقرة. قادة المنظمة والناطقين بلسانها كرروا المرة تلو الاخرى القول بأن “طوفان الاقصى” كان خطوة واجبة في ضوء العدوان والقمع الاسرائيليين ضد الفلسطينيين، الأسرى والمسجد في القدس. المعاناة الرهيبة لاكثر من مليوني نسمة يعيشون في منطقة ليست جديرة بالحياة دحرت الى الهوامش. من ناحية حماس الغاية – حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله – تبرر كل وسيلة.

ما برز اكثر من بين كل هذه الرسائل كانت الفجوة بينها وبين الواقع. فمع أن نار حماس تسببت أمس بتشغيل الصافرات في وسط البلاد، لكن من الصعب القول بأنها تحدت الجيش الاسرائيلي، الذي اعلن بعد وقت قصير عن الهجوم على منصة الاطلاق. وليس مثلما في جولات القتال السابقة في القطاع، فان نار الصواريخ معناها عقاب جماعي للسكان: من يسكن في المنطقة التي اطلق منها سيتلقون مزيد من الاوامر للاخلاء، وبعده تأتي الغارات المكثفة والقصف من الجو ومن البر ومزيد من القتلى والمزيد من التردي في الوضع الانساني.

بيان حماس الرسمي، مثل تصريحات خالد مشعل، تضمن دعوة لانضمام الضفة الغربية للكفاح وتوحيد الصفوف ضد اسرائيل في العالم العربي والاسلامي. هذه الدعوة هي الاخرى لا اساس لها في الواقع. فتوقع حماس لاشتعال في الضفة يشدد الضغط على اسرائيل، خاب: في هذه الاثناء اسرائيل هي التي تشدد الضغط في ظل تهديد صريح لسحق السلطة الفلسطينية. اجتياحات على طول وعرض الضفة اصبحت أمرا عاديا والحواجز التي نصبت فيها تمنع حتى المسيرات غير العنيفة احتجاجا على ما يجري في القطاع.

أمل حماس يوجد في لبنان، غير أن الحرب باتت تدور في دولة لا تقرب الحرب في غزة من نهايتها. حزب الله وإن كان لا يزال يصر على وحدة الساحات ويتمسك بالمعارضة لكل تسوية لا ترتبط بوقف النار في القطاع، لكن أحدا في لبنان أو في غزة يمكنه أن يتوقع حتى متى وبأي قدر سيواصل عمل ذلك.

الناطق بلسان الذراع العسكري لحماس، أبو عبيدة، اوضح بأن المنظمة تعتزم مواصلة حرب الاستنزاف ضد اسرائيل. لكن رغم محاولة بث احساس بأن الامور كالمعتاد، عمليا المعركة ترتدي شكل حرب عصابات استنادا الى هجمات موضعية للخلايا على القوات الاسرائيلية. تواصلها منوط بحجم وسائل القتال التي تضعها حماس تحت تصرفها؛ وبقدرتها على تلقي المساعدة اللوجستية في الوقت الذي يحاصر فيه القطاع من كل صوب.

في هذا الوضع، الورقة الاخيرة في يد حماس هي المخطوفون الاسرائيليون الاحياء. ليس صدفة أن قال أبو عبيدة أن في المنظمة يجتهدون للحفاظ على حياة المخطوفين، لكنه حذر من تكرار حادثة رفح التي قتل فيها ستة مخطوفين في محاولة لانقاذهم. ويأتي التحذير لحث الجمهور في اسرائيل على الضغط على الحكومة، لكن في حماس ايضا باتوا يفهمون بأن هذا الضغط لا يؤثر كثيرا على بنيامين نتنياهو.

سكان غزة يسمعون هذه الاقوال ويفهمون بأن ليس لقادة حماس أي خطة عملية تؤدي الى التغيير، وأن وقف النار في المستقبل القريب ليس على جدول الاعمال، وأن الاهتمام انتقل الى اماكن اخرى. تخوفهم، بعد سنة كلفت حياة اكثر من 40 ألف فلسطيني، هو أن تبقى الحرب تدار حتى في السنة الثانية، وأن عدد المقتولين فقط هو الذي سيتغير حتى ذلك الحين.

——————————————–

إسرائيل اليوم 8/10/2024

من بين الأنقاض: الحائط الحديدي الذي تصدع

بقلم: جيل سامسونوف

كل قصف في اليمن وفي ايران يبني من جديد حائطنا الحديدي الذي تصدع قبل سنة. كل صاروخ لنا على بيروت وعلى غزة وكل اعتراض لصاروخ من ايران يجدد ويعزز قوة إسرائيل التي ضعفت على مدى عشرات السنين حتى درك اسفل في أكتوبر 2023.

الحائط الحديدي سيقنع دول المنطقة المعتدلة بان إسرائيل هي سند آمن، يعطي للامريكيين ثقة بالاعتماد على إسرائيل قوية، بل ربما حتى يعطي الأمريكيين الشجاعة لتصفية التهديد النووي في النهاية. اريد حتى أن اؤمن بان نصرا إسرائيليا في الشمال وردع ايران سيجبران السنوار على الوصول الى اتفاق في مسألة المخطوفين.

يمكن ان نقول منذ الان بثقة ان اعداءنا رأوا الانشقاق في داخلنا كضعف يستدعي العدوان. فسروا كضعف أيضا محبتنا الرائعة للحياة، للترفيه وللرحلات. وكذا خيار القيادة والجيش احتواء التهديد في الجنوب، في الشمال وفي الشرق على دفع ثمن باهظ لحرب وقائية.

الحقيقة البسيطة يمكن ان نقرأها في مقال يعود لمئة سنة كتبه زئيف جابوتنسكي “الحائط الحديدي”، الذي حذر فيه من الأوهام ومن اختيار “الآنية”. فقد حذر زملاءه ممن آمنوا بالسلام وبالاخوة انطلاقا من النية الطيبة والقيم. في نظر جابوتنسكي الحائط الحديدي كان السبيل الى السلام من موقع قوة وردع، وفقط بعد أن يقاتل العرب ويعودوا ليقاتلوا الى أن ييأسوا في ضوء الحائط ا لحديدي.

بشكل عجيب، من طبق مفهوم الحائط الحديدي لجابوتنسكي كان خصمه دافيد بن غوريون الذي قاد إسرائيل في التحرير امام ستة جيوش عربية ولاحقا ليفي اشكول، في النصر العظيم في حرب الأيام الستة امام الأعداء في حينه مصر، سوريا والأردن – نجاح أدى بالولايات المتحدة لان تدعم إسرائيل وتوفر لها السلاح. لقد جربت الدول العربية طريق الحرب في 1948، 1956، 1967، 1973، وفقط بعد أن خسرت واستوعبت بانه قام امامها حائط حديدي – توجهت مصر والأردن الى اتفاقات السلام.

جابوتنسكي لم يشهد صعود القوة العظمى الجهادية الإيرانية، التي استغلت سياسة المصالحة الساذجة للادارات الامريكية التي لم تقطع رأس الافعى في مهدها. وبقيت إسرائيل وحيدة امام العدوان الإيراني، حتى عندما أوشكت على أن تهاجم مرتين كي تصفي النووي الإيراني، منتع الامريكميون هذا عنها في اللحظة الأخيرة. الوحش الإيراني زرع الكراهية، ربى وبنى وسلح اذرع جهادية في لبنان، في العراق، في اليمن وفي غزة. امامهم لم يقف حائط حديدي امريكي، بل حائط من الاقوال، المصالحة والوهن.

إسرائيل قيادة وكبلت. وهكذا جرت الى حرب استنزاف لعشرين سنة. اما المخاطر فضلت الغرق في استمتاعها ونجاحاتها الاقتصادية والتكنولوجية. لم نوافق على التخلي عن جودة حياتنا كي نتصدى للمخاطر، وان كان ينبغي الاعتراف بانه كان شبه اجماع على أنه لا ينبغي دفع ثمن للتصدي لحماس او حزب الله. لقد حذرت إسرائيل من ايران من على منصة الأمم المتحدة وفي الكونغرس الأمريكي – لكن امام “حائط الاقوال” الأمريكي سيطرت إسرائيل على المنطقة واعدت حرب الجبهات السبعة. وبالذات في ذروة ضعفنا وكارثتنا، في 7 أكتوبر 2023 كان اليوم الذي اضطررنا فيه لان نصحو ونبدأ بالانقلاب التاريخي الذي ايقظنا وحملنا الى حرب وجودية لا خيار فيها.

من الصعب قول هذا، لكن بالدم الغالي جدا لمئات من جنودنا يبنى من جديد الحائط الحديدي. بفضل البطولة والتضحية لمقاتلي الجيش الإسرائيلي ربما نبني الردع الإسرائيلي للابناء والاحفاد وربما نكون في الطريق الى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، من هيمنة إيرانية جهادية – الى هيمنة الأغلبية في الدول الإسلامية التي تعارض الجهاد الشيعي. وربما، مثلما في نصر 1967 سينضمون الى النجاح الأمريكي الذين بعد الانتخابات سيتجرأون على قطع راس الافعى الإيرانية، واقتلاع النووي وتصفية القوة العظمى الجهادية.

——————————————–

هآرتس 8/10/2024

“سنة تشرتشل” لنتنياهو

بقلم: انشل فيفر

في خطابه في الكونغرس في تموز الماضي ذكر بنيامين نتنياهو قرار الادارة تأخير ارسالية قنابل شديدة القوة لاسرائيل. ترافق خطابه واقتباسات عن ونستون تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية: “اعطونا الأدوات وسننهي المهمة”.

الاختيار التاريخي – من داخل توجه تشرتشل الى الرئيس روزفلت في بداية 1941، حين كانت بريطانيا وحدها أمام النازيين وكانت تواقة لارساليات السلاح من الولايات المتحدة – كان مضللا وناكرا للجميل. فبريطانيا تشرتشل كان يمكنها فقط أن تحلم بالقطار الجوي الامريكي الذي يهبط في اسرائيل بانتظام منذ نشوب الحرب في غزة. ناهيك عن نشر حاملات الطائرات والاسراب القتالية الامريكية، كتلك التي شاركت في اعتراض رشقة الصواريخ والمسيرات من ايران في 14 نيسان.

لكن نتنياهو، رغم كل السيرة الذاتية لتشرتشل وقصص التاريخ عن الحرب العالمية التي قرأها لا يمكنه أن يضبط نفسه. ففي نظر نفسه هو ونستون تشرتشل جيلنا، وحتى ذروة دعوات تشرتشل للخطابة في الكونغرس حطمها، حين فعل هذا اربع مرات. كما لخص ايضا من خطاب “دم، عرق ودموع”: “نصر، نصر بكل ثمن، لا يهم كم طويلة ستكون الطريق إذ بدون حرب لا بقاء”، في شعار من كلمتين، سرعان ما طبع على القبعة. نتنياهو أسير في شخصية تشرتشل رغم أنه تعلم منه الشعارات أساسا.

حقيقتان تاريخيتان جوهريتان تفرقان بينهما. صحيح أنه كان لتشرتشل تجربة سياسية جمة حين عين رئيسا للوزراء في 1949، لكنه قبل ذلك لم يكن في المنصب العالي. العقد ما قبل ذلك اسماه “سنوات صحرائي”: سنوات من المنفى الداخلي بعزلة داخل الحزب المحافظ الذي رأى معظم زعمائه به نموذجا خطيرا وليس مصداقا. في هذه السنوات تمرد تشرتشل على الخط الحزبي وعارض بشدة السياسة التصالحية لسلفه نويل تشمبرلين تجاه المانيا النازية. هوة تفصل بين تشرتشل ونتنياهو الذي في سنواته الطويلة كرئيس وزراء قبل 7 اكتوبر اختلق مفهوم الاحتواء وعزز حماس في غزة. التضارب المطلق بين الرجلين ينعكس ايضا في الشكل الذي وصل فيه تشرتشل في النهاية الى الحكم: بعد ثمانية اشهر من نشوب الحرب العالمية، في اعقاب الهزيمة العسكرية التي تكبدتها بريطانيا في المعركة على النرويج، ومع بدء الاجتياح الالماني لدول غربي اوروبا. وللدقة، دخل تشرتشل داونينغ 10 حتى دون أن ينتخب لرئاسة الحزب المحافظ، وبفضل انذار طرحته احزاب المعارضة. الليبراليون وحزب العمال رفضوا أن يكونوا شركاء في الائتلاف تحت تشمبرلين أو تحت شريكه في سياسة المصالحة – وزير الخارجية هليفيكس.

ليس كنتنياهو – الذي فقد ثقة اغلبية الجمهور الاسرائيلي ويتمترس في داخل حكومة يمين متطرف – تشرتشل في ايام الحرب وقف على رأس حكومة وطنية شكلتها الاحزاب الثلاثة الكبرى.

من المغري ايضا تشبيه نتنياهو، أبي مفهوم “احتواء حماس”، بتشمبرلين المتصالح. لكن ليس مثل نتنياهو، فهم تشمبرلين الحاجة الى الوحدة الوطنية في ساعة الحرب. كان يمكنه أن يبقى رئيس وزراء بتأييد من الاغلبية الكبرية للمحافظين في البرلمان، لكنه اختار الاستقالة حين فهم أن هذا هو السبيل الوحيد لتوسيع الحكومة.

من كل ما كتب ونحن نعرفه عن ونستون تشرتشل، واضح أنه في مجال المزايا الشخصية، هو ونتنياهو نقيضان تامان. تشرتشل لم يخف من اتخاذ قرارات ثورية، حتى تلك التي كانت تتعارض ومواقف “قاعدته”. لم يعمل بـ “توجيهات”، بل اعطى الأوامر وبعد ذلك تأكد من تنفيذها. تشرتشل وثق جدا باعضاء طاقمه، وبالمقابل، حظي بثقتهم. كما أنه لم يخشى من العمل المشترك مع خصوم سياسيين.

لما كانت المحبة للسيجار ليست ميزة، يمكن القول إن الميزة المشتركة بين نتنياهو وتشرتشل هي قدرتهما على كتابة الخطابات والقائها.

أما الحقائق التاريخية فأقل اهمية. نتنياهو بالطبع ليس تشرتشل، واسرائيل 2024 ليست الامبراطورية البريطانية في 1940. لكن رئيس وزرائنا يؤمن بكل قلبه بأنه تشرتشلنا. مع دخوله الى سنة اخرى من حرب لا تنتهي، هذا الاعتقاد الذاتي سيجد تعبيره بقرارات تؤثر على حياتنا جميعا.

في السنة الاولى من الحرب قلل نتنياهو من القيادة. فهو اساسا كان يرد (وحتى هذا بصعوبة) على الواقع الرهيب الذي فرض على اسرائيل. هو لم يدر الحرب في غزة، وبالتأكيد لم يدخل الى التفاصيل العملياتية. حضوره وجد تعبيره اساسا باقرار متردد للخطط وبمنع كل مبادرة لبلورة استراتيجية لانهاء الحرب. بخلاف تشرتشل، الذي لم يتردد في استبدال جنرالات وفرض رأيه على خطوات الحرب، نتنياهو دخول الى حرب خنادق مع وزير الدفاع وهيئة الاركان. وحتى تغيير الاتجاه في الشهرين الاخيرين، اساسا في لبنان، فرض عليه لاضطرارات عملياتية. التشرتشل الذي فيه طل هذه السنة اساسا بالخطابات وفي اطلاق الشعارات العليلة. من ناحيته هو “دخل الى الشخصية”.

الآن، حين تدخل الحرب في سنتها الثانية يلوح لنتنياهو الامر الحقيقي. حرب ضد ايران هي لحظة حقيقته التشرتشلية. ومثل موضع تقليده (الذي كان صوتا وحيدا في الغرب الذي حذر من المانيا النازية ودعا الى التسلح المتعاظم)، هكذا تصرف نتنياهو حين على مدى السنين حذر العالم من التهديد الايراني. في الماضي منعت القيادة الامنية خروجا الى معركة عسكرية ضد ايران، وهكذا ايضا معظم اعضاء الكابنت السياسي – الامني والادارة الامريكية. أما الآن، حين لاحت الفرصة بعد رشقة الصواريخ الباليستية من ايران، يؤمن نتنياهو بأن لديه شرعية تاريخية للعمل. قادة جهاز الامن – ليس مثله هم نادمون على خطيئة قصور 7 اكتوبر، وهم ايضا يبحثون عن مخرج من حكم التاريخ – لم يعودوا يقفون في طريقه. جو بايدن ايضا لا يبدو أنه حاجز لا يمكن عبوره. بعد الانتخابات في تشرين الثاني ستكون فترة الصمت بين الادارتين. وبعد ذلك من يدري، لعل دونالد ترامب يعود الى البيت الابيض.

نتنياهو مقتنع أن في 7 اكتوبر المذنبون فقط هم قادة الجيش والشباك، لكنه هو ايضا يقرأ الاستطلاعات ويعرف أن الكثيرين يرون فيه المذنب الاساس. لكن مثلما قبل 29 سنة، بعد اغتيال رابين نجح في قلب الجرة رأسا على عقب والفوز في الانتخابات – الآن ايضا هو مصمم على ترجيح كفة حكم التاريخ. هو بالتأكيد يؤمن بأنه سينقذ ارثه وأنه بدلا من أن يسجل كالزعيم الاسوأ في ألفي سنة تاريخ يهودي – سيذكر كتشرتشل اليهودي – الرجل الذي وحده حذر من العواصف والمخاطر، وهو الذي قاد العالم الحر الى النصر المطلق على الشر.

المستقبل القريب لا يمكن توقعه. ربما سلسلة هجمات على منشآت النووي والنفط الايرانية (بمساعدة بعض التصفيات المركزة) ستقرب سقوط نظام آيات الله. ربما ينضم الامريكيون الى المعركة ايضا، مثلما فعلوا في 1941. المؤكد هو أن اسرائيل تدخل الى سنة اخرى من حرب رهيبة، فيما يقف على رأسها أسير في صورة ذاتية تاريخية كاذبة، منقطع اكثر من أي وقت مضى عن واقع حياتنا.

——————————————–

هآرتس 8/10/2024

رئيس الوزراء الاسوأ وعد بالسلام مع السعودية لكننا تلقينا حربا في سبع جبهات

بقلم: نحاميا شترسلر

بمرور سنة على المذبحة والحرب التي جاءت في اعقابها، واضح اليوم اكثر من أي وقت مضى كم هو بنيامين نتنياهو مذنب بالكارثة الرهيبة. فقد تركنا لمصيرنا، انشغل بالانقلاب النظامي بدلا من أن ينشغل بالأمن وقادنا الى درك اسفل غير مسبوق والى خوف وجودي.

نتنياهو هو المسؤول الاعلى عن الجرح الدامي لـ 7 اكتوبر. فقد أنامنا على مدى 15 سنة من حكمه بقصص اساطير عن حماس مردوعة لن تهاجم، بل إنه حتى حرص على أن يمول الوحش. في الشمال سمح لحزب الله بأن يتعاظم انطلاقا من النهج الجبان اياه في عدم فعل أي شيء. وهو لم يعالج الخطر المركزي، ايران، وسمح لها بأن تواصل الركض نحو النووي. وفي الحقل السياسي ايضا قادنا الى اسفل الدرك. رغم أننا هوجمنا، مكانتنا في العالم سيئة على نحو خاص: شيء ما بين سوريا وكوريا الشمالية. الرأي العام ضدنا ونحن منبوذون في كل محفل دولي. دول صديقة كفت عن توريد السلاح لنا، وضعنا الاقتصادي يتدهور والتصنيف الائتماني في درك اسفل تاريخي. كل هذا يحصل فيما أن “سيد التسيب” يتجاهل الـ 101 مخطوفا في غزة عقب اعتبارات شخصية.

لكن كان لنا ايضا حظ كبير. تصوروا ماذا كان سيحصل لو أن يحيى السنوار اشرك حسن نصر الله بمخططاته، وكانا الاثنان هاجمانا في وقت واحد في ذاك السبت اللعين في اكتوبر. هذا لم يحصل لأن السنوار ليس استراتيجيا كبيرا مثلما درج على تقديمه. كما أنه لا ينبغي أن ننسى بأن افعاله أدت الى الدمار، الخراب والموت في القطاع.

لقد كشف الاجتياح البري لجنوب لبنان للعيان كل خطة حزب الله لاحتلال الجليل. صحيح أننا كنا نعرف بالنية، لكن نتنياهو فضل “احتواءها” هي ايضا، كي لا يهز كرسيه. لقد سمح لحزب الله بأن يتعاظم، على بعد متر من المطلة، وتجاهل آلاف المخربين من قوة الرضوان ممن تدربوا في سوريا تحت أيدي مدربين ايرانيين. كما أنه لم يفعل شيئا عندما اقتربت قوة الرضوان من الحدود، بنت البنى التحتية واقامت عشرين استحكاما.

لقد وجدت القوات التي دخلت الى لبنان كميات هائلة من الوسائل القتالية التي خبئت في عشرات المخازن والانفاق. كانت هناك عبوات لتفجير الجدار الحدودي، صواريخ مضادة للدروع، بنادق قناصة ورشاشات ثقيلة. كما وجدت صورا جوية وخرائط مع خطط اجتياح مفصلة للبلدات والقواعد. لو كان حزب الله انضم لحماس في 7 اكتوبر لما كانت قوة توقفهم. لقد كانوا سيحتلون بسهولة المطلة وكريات شمونة ليواصلوا جنوبا ويلتقوا بمخربي حماس في قلب تل ابيب. فظاعة.

ثمة من يقول إن السنوار لم يشرك نصر الله بخطته الهجومية خوفا من أن تسرب. الموضوع هو أنه حتى لو كانت وصلت الى استخباراتنا معلومة عن مكالمات كثيفة بين السنوار ونصر الله فان اهارون حليوه، رئيس شعبة الاستخبارات (الذي استقال في هذه الاثناء) كان سيلغيها بذاك الغرور الذي ساد في حينه في الجيش الاسرائيلي. كان سيقول إن هذه مجرد اقوال وإن حزب الله يتدرب فقط كي يدافع عن نفسه من هجوم محتمل يقوم به الجيش الاسرائيلي.

الاستنتاج هو أنه ينبغي الغاء الدور المركزي للاستخبارات: اعطاء تقديرات عن نوايا العدو. حتى لو اصابت مرة – مرتين، في المرة الثالثة ستفشل. فلتكتفي بوظيفتها الاضافية الهامة: جمع المعلومات الاستخبارية العسكرية. في هذا شعبة الاستخبارات “أمان” تتميز. هي والموساد وفرا معلومات استخبارية فائقة لسلاح الجو ولقوات البر، وهكذا أتاحا الضربة القاسية لحزب الله التي تحدث الآن امام ناظرينا.

عشية 7 اكتوبر وعد نتنياهو بدولة اسرائيل قوية ومزدهرة، لكنه هو نفسه دخل في صدمة، الجيش اختفى والمواطنون بقوا وحدهم أمام القتلة. احساس الأمن ضاع وهو لن يعود بسهولة. عشية 7 اكتوبر “سيد التسيب” وعد ايضا بالسلام مع السعودية لكننا تلقينا حربا في سبع جبهات. يتبين أن الرجل الاسفل في تاريخ الشعب اليهودي هو ايضا رئيس الوزراء الاسوأ منذ قيام الدولة.

——————————————–

يديعوت احرونوت 8/10/2024

حرب 7 أكتوبر أنشأت مفاهيم مغلوطة تشكل تهديدا وجوديا على الحلم الصهيوني

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية – مركز ديان جامعة تل أبيب

من الصعب اجمال حرب ما لم تنتهي بعد وليس واضحا ليس ستتطور. فقد بدأت المعركة الحالية بصدمة كالصدمة في 1973 (بل واشد منها)، حملت مزايا حرب 1967 في اعقاب النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل وبخاصة في الشهر الأخير، لكن مع مرور الوقت باتت تشبه أكثر فأكثر حرب الاستنزاف.

مع انها ليست أطول حروب إسرائيل (التحرير والاستنزاف كانتا أطول) ولا الأكثر فتكا بينها (وان كان 7 أكتوبر اليوم الأكثر دموية في تاريخ النزاع)، لكنها بلا شك اكثر هزا: فقد نشبت بمفاجأة تامة وفي جبهة لم تكن تعتبر كتهديد فوري، ضعضعة إحساس التفوق الاستراتيجي والفكر القومي الذي يقضي بانه انقطعت العلاقة بتاريخ المحارق اليهودية ورفعت من أرضية الوعي الجماعي ذاكرة الانقراض في ضوء المذبحة الجماعية، الخراب واخلاء البلدات والاجتياح لاراضينا.

لم يكن أي جديد أو مفاجيء في المعركة الحالية. عن خطة الهجوم لحماس كان معروفا من قبل (المشكلة نبعت من الإستخفاف بقوة العدو)، ولحرب متعددة الساحات ضد معسكر المقاومة استعدت إسرائيل منذ بضع سنوات، وان كانت افترضت دوما بانها ستنشأ بدينامية لا يمكن السيطرة عليها وليس في اعقاب هجوم مفاجيء. عمليا، نشأت المواجهة الأعنف في أي مرة بين إسرائيل وحماس وحزب الله والاحتكاك المباشر الأول مع طهران.

بعد سنة لا يزال لا يمكن الحديث عن “شرق أوسط جديد” بالمعنى الذي تقصده إسرائيل. في غزة وبقدر اقل من ذلك في لبنان، الجغرافيا والديمغرافيا تغيرتا: غزة تقلصت ديمغرافيا بنحو 8 في المئة (الأغلبية فرت)، شهدت دمارا غير مسبوق، تفتقد للبنى التحتية للعيش المدني ومعظم سكانها يتجمعون في مساحة صغيرة. في لبنان يبرز تدمير قرى الجنوب ومليون لاجيء تدفقوا الى بيروت وشمال الدولة. ولكن حماس وحزب الله اللذين تضررا بشدة بالبعد العسكري، بقيا، يحافظان على قوتهما على المستوى المدني والسياسي ولا يمكن تأبينهما.

ايران التي شعرت هذه السنة بان رؤياها الاستراتيجية لافناء إسرائيل ولاعادة تصميم المنطقة بقيادتها تتحقق، شهدت هزة في الشهر الأخير، واساسا عقب الضربة “لوكيلها” المركزي. لكن بالنسبة لها أيضا لا ينبغي المبالغة بالنشوة. لطهران قوى كثيرة. وهي تسعى لترميم معسكر المقاومة، وتواظب في التقديم لتثبيت قوة نووية. كل هذا بما ان في الخلفية يقف عالم عربي ضعيف، خائف ومنقسم، بعيد عن أن يكون أساسا لتحالف إقليمي جديد، مثلما درج على وصفه في الخطاب الإسرائيلي.

7 أكتوبر نفض عن إسرائيل مفاهيم كثيرة وعلى رأسها تلك التي نبعت من الجهل في ثقافة “الاخر” وتطبيق منطقنا (الغربي) عليه. فالايمان بان حماس مردوعة وتركز على تطوير حكمها وبالتالي يمكن تطويعها بواسطة “جزر اقتصادي” هذا، الى جانب فرضيات المستوى السياسي بانه يمكن التقدم في التطبيع دون الانشغال في الموضوع الفلسطيني، مواصلة إدارة النزاع بلا حسم، وانه يوجد في إسرائيل تفوق تكنولوجي وردع تجاه عموم اعدائها. بالمقابل تضعضعت أيضا الفرضية السائدة والتي تقول ان الاحتلال هو جذر كل شر، التفسير الذي من الصعب الاعتماد عليه في ضوء العداء اللاذع والمتجذر الذي انكشف في مذبحة 7 أكتوبر.

ولكن حقيقة ان المسؤولين عن قصور 7 أكتوبر يواصلون تصميم الحاضر والمستقبل ولا يجرى تحقيق جدي وإسرائيل تركز على إنجازات عسكرية لكنها تمتنع عن بلورة استراتيجية أدت الى ولادة مفاهيم جديدة: “النصر المطلق”  (الذي من غير الواضح متى، كيف وهل سيتحقق)، عقيدة تقويض حماس دون بقاء دائم في الأراضي التي احتلت، خيالات حكم العشائر، الحلم بنشر قوات عربية في غزة او اقناع السنوار لمغادرة غزة مثل عرفات في بيروت 1982، الفرضية التي تقول ان مزيدا من القوة سيؤدي الى تخفيف حدة مواقف حماس في المفاوضات على الصفقة، وفوق كل شيء – الايمان بالقدرة على إعادة تصميم شرق اوسط جديد وطيب قريبا. كل هذه تطرح علامة استفهام هل بالفعل تحسنت قراءة إسرائيل لمحيطها.

إسرائيل مطالبة بلجم الجنون الذي ألم بها، أي الحركة التي تراوح بين الخوف الوجودي وسكرة الاحاسيس، التي تترافق وذاك الاحتقار الذي كان عشية 7 أكتوبر وينطوي مثلا على القول السائد “عبثا اخفنا انفسنا من حزب الله”. على إسرائيل أن تكون واعية وتفهم بان عدويها الأساسيين حماس وحزب الله – مضروبين بشدة لكن غير قابلين للفناء. مطلوب فرض تسوية في غزة وفي لبنان يبقي على القضاء على التهديدات، يسمح بعودة المخطوفين والسكان الى بيوتهم، الى جانب قدرة تدخل في كل لحظة ضد عدو أيديولوجي مرير يواصل التمسك بابادة إسرائيل والعمل في ضوء رؤيا مسيحانية. بهذه الطريقة، تتمكن إسرائيل من التركيز على التهديد المركزي عليها – ايران الهدف الذي لا تتيحه حروب الاستنزاف الكثيرة.

في المجال القريب، اثبتت الحرب أهمية البحث والحسم في المسألة الفلسطينية والصعوبة للدفع قدما برؤيا حول شرق جديد دون معالجة جذرية للموضوع. لقد خلقت المواجهة في أوساط معظم الإسرائيليين استنتاجين جماعيين يوجد بينهما توتر. الأول – انه حقا لا توجد قدرة على عيش جماعتين اهليتين مختلفتين ثقافيا ومعاديتين في ذات الكياه بلا فاصل مادي وان وضعا كهذا معناه سيناريو بلقاني، وبالمقابل – ان الفلسطينيين ليسوا ناضجين للحرية وان الاستقلال التام لهم معناه تهديدات وجودية، مثلما جسد مشروع الجهاد الذي دفع قدما به في غزة منذ فك الارتباط في 2005.

ان رؤيا الصهيونية مطالبة بالتعقيدات، ضمن أمور أخرى في ضوء حقيقة انه لا يوجد عنوان مستقر وجدي حاليا لقرارات تاريخية حاسمة في الجانب الفلسطيني، فما بالك حساب نفس او قبول إسرائيل كحقيقة قائمة. إسرائيل ستكون مطالبة بان تفحص كيف يمكنها أن تدفع قدما بفصل مادي بين الجماعتين الاهليتين، حتى من طرف واحد دون أن ينطوي الامر على تهديد وجودي، الامر الذي يفترض مثلا الحفاظ على سيطرة على مدى الزمن على بوابات الكيان الفلسطيني الى العالم (غور الأردن وفيلادلفيا). هذه ليست وصفة مؤكدة لاستقرار كامل، فما بالك لتعايش وسلام، لكن في ضوء البدائل الأخرى وعلى رأسها الحكم المباشر على الفلسطينيين ودولة واحدة (يلوح كأهون الشرور).

——————————————–

هآرتس 8/10/2024

تسوية سياسية يمكنها أن تخرجنا من المستنقع الذي أدخلنا اليه نتنياهو، غالنت وهليفي

بقلم: اسحق بريك

في الرد على اطلاق 181 صاروخا باليستيا من ايران، ينبغي لاسرائيل أن تختار أهدافا ايرانية لا يؤدي الهجوم عليها الى حرب، مثابة نهاية فعل بتفكير مسبق. فالهجوم على آبار النفط أو على المنشأة النووية في نتناز من شأنه أن يؤدي الى تصعيد قاس ونشوب حرب اقليمية شاملة لا يحمد عقباها. من المهم أن نفهم بأن ضرب المنشأة النووية الايرانية لن يوقف القدرة الايرانية على انتاج قنابل نووية، بل في افضل الاحوال سيعيق الانتاج ببضعة اشهر فقط.

اسرائيل وحدها لا يمكنها تدمير المنشأة النووية، المنتشرة في بضعة مواقع في عمق عشرات الامتار فأكثر من تحت الارض. وحتى لو جاءت الولايات المتحدة لمساعدتنا، فان هذه مهمة صعبة جدا على التحقق. الولايات المتحدة التي ترى في النووي الايراني خطرا عليها وعلى العالم كله، لم تخرج بنفسها الى حرب لتدمير المنشأة النووية انطلاقا من الفهم بأن هجوما على ايران من شأنه أن يشعل حربا عالمية مع محور الشر الجديد: روسيا، الصين وايران.

في الايام الاخيرة اقترح علينا دونالد ترامب مهاجمة النووي الايراني. وأنا اسأل ترامب: لماذا لم تهاجم أنت، عندما كنت رئيسا للولايات المتحدة وتدمر المنشأة النووية الايرانية، إذ أن قدرات دولتك تفوق بمئات الاضعاف قدرات دولة اسرائيل؟. أنت تقدم لنا مشورة لم تتجرأ على تحقيقها بنفسك رغم قوتك. مشورة ترامب هي مشورة احيتوبول، قبولها سيلحق ضررا رهيبا بدولة اسرائيل ومن شأنه أن يؤدي الى نقطة اللاعودة.

ليست هذه هي المرة الاولى التي اكتب فيها بأن بنيامين نتنياهو، يوآف غالنت وهرتسي هليفي، يراهنون على مجرد وجود دولة اسرائيل. فبقرار غير حكيم واحد من شأنهم أن يشعلوا نارا متعددة الجبهات في كل الشرق الاوسط. هم لا يفكرون للحظة باليوم التالي. هم يعيشون سكرة احاسيس بلا أي تفكر ويستمتعون بريح اسناد من جانب كثيرين ممن لا يفهمون الواقع المتشكل حولهم. عندما تضربنا الكارثة سيكون قد فات الأوان. ومثلما هرب الثلاثة من مسؤوليتهم عن اليوم الاكثر سوادا في تاريخ اسرائيل، 7 اكتوبر 2023، هكذا سيهربون من مسؤوليتهم حين تنهار الدولة في حرب استنزاف متعددة الساحات.

هؤلاء المجانين الثلاثة يتخيلون بأنهم قادرون على أن يقضوا على حماس وحزب الله ويقضوا على حكم آيات الله في ايران. المصابون بجنون العظمة غير مستعدين لأن يقبلوا أي تسوية كي يحرروا المخطوفين (مع أن غالنت وهليفي يتحدثان عن تحرير المخطوفين، لكن طريقة عملهما في الميدان تدل على أن كل هذا ظاهرا فقط ومن الشفة الى الخارج)، لاعادة النازحين الى بيوتهم، لوقف الانهيار الاقتصادي، لترميم العلاقة التي اضعناها مع دول العالم ولانقاذ المجتمع في اسرائيل الذي ينهار في داخل نفسه.

إنهم يريدون تحقيق كل شيء بواسطة الضغط العسكري، وفي نهاية اليوم لن يحققوا شيئا. يضعون اسرائيل على عتبة وضعين متعذرين: الاول، انفجار شامل في الشرق الاوسط حين سيقاتلنا كل العالم العربي المعادي لنا بذروة القوة التي تحت تصرفه، في ظل اطلاق الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الى مراكزنا السكانية. الوضع المتعذر الثاني، استمرار حرب الاستنزاف.

في هذين الوضعين لا يمكن لدولة اسرائيل أن تصمد على مدى الزمن. تسوية سياسية فقط يمكنها أن تخرجنا من المستنقع الذي ادخلنا اليه هؤلاء الثلاثة.

——————————————–

معاريف 8/10/2024

تطورات المعركة في الشمال وتداعياتها متعلقة بقدرات الجيش الإسرائيلي في لبنان

بقلم: ران ادليست

السؤال الأكثر شيوعا في أيامنا هو “هل”. هل توجد للجيش الإسرائيلي صورة استخبارية كافية عن قدرة المقاومة لدى حزب الله في حرب العصابات في وجه خطوات تطهير المنطقة من الانفاق ومن الحشودات تحت الأرض؟ هل مخزون الصواريخ، المقذوفات الصاروخية وباقي الأسلحة كفيل بان يكون مشكلة في سياق القتال؟ هل سيكون ممكنا الاحتفاظ بخط التلال الذي يفترض أن يكون فاصلا امنيا في صالح عودة سكان الشمال الى بيوتهم؟ هل يوجد تقدير في موضوع الثمن الذي ستجبيه الحملة منا، بخاصة حين يكون رقم الف جندي قتيل يضيء في الوعي؟ هل استسلم نتنياهو لمطالب الأمريكيين كما عرضها الجنرال مايكل كوريلا الذي زار إسرائيل في بداية الأسبوع؟

مثلما هو الحال دوما، ينتظر الامريكيون والجيش الإسرائيلي لاستكمال التسوية التي طرحها المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكشتاين. القدرة على تنفيذها في ضوء النشوة التي تلت حملة التصفيات ليست واضحة. في الجنوب انتظر الجيش الإسرائيلي والامريكيون ان يتفق نتنياهو على صفقة، وجررنا الى رفح والى فيلادلفيا والى إمكانية إشكالية ومهددة من قتال العصابات في القطاع. وفي الشمال نحن ننجر الى سيناريو مشابه.

الاختبار الحالي هو شدة الرد الإسرائيلي المستقبلي على الرد الإيراني (الذي جاء بعد الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني وهلمجرا)، والسؤال هل سيحتوي الإيرانيون الضربة الإسرائيلية. اذا ما انهى الجيش الإسرائيلي في غضون أيام غير طويلة الخطوة البرية (ليس الليطاني وبالتأكيد ليس الاولي) وعاد الى الخط الأخضر يكون أمل. لكن هل الجيش الإسرائيلي سيتموضع وربما يغرق في خط التلال المشرفة على مسافة بضع كيلومترات عن الحدود؟ هل سيواصل الجيش الإسرائيلي المراوحة في الوحل اللبناني دون تقدم في الاتصالات لوقف النار؟ هل الرد الإسرائيلي على اطلاق الصواريخ الإيرانية 2 سيخرج عن التوازن اللازم؟ وسؤال الأسئلة هو هل سيكون للثنائي سموتريتش وبن غفير قدرة وصول لعملية اتخاذ القرارات؟ اذا كان نعم فان ما كان هو ما سيكون. حكومة نتنياهو واستنزاف متعدد الساحات.

الوضع الحالي سائل، احمر اكثر من الدم وقاتم اكثر من القتامة. فرضية عمل الجيش الإسرائيلي هي عصا القيادة التي تتحكم بها إدارة بايدن. وبخلاف تام مع تهديدات نتنياهو وشركائه في اليمين الهاذي والعنيف يقول رئيس الأركان “نحن سنضرب ايران ردا على الهجمة الجوية المتداخلة 2 في الزمان والمكان الذي نختار”. عندما يقتل الجيش الإسرائيلي زعماء حماس وحزب الله فان هذا بالتأكيد يناسب المصلحة الامريكية. ما لا يناسبهم هو ان هذا يبدو كمذبحة بالجملة كرش الجراد من الجو.

المصلحة الاستراتيجية العالمية والغريزية للولايات المتحدة، مثلما هي للجيش الإسرائيلي، حكومة إسرائيل وقسم كبير من شعب إسرائيل تقول: اقتلهم كلهم. اما التفكير البارد فيقول ان هذه مهمة متعذرة. مثلما يعرف كل مواطن عاقل، في البنتاغون أيضا يعرفون بان الشيعة هم الطائفة الأكبر في لبنان. في البيت الأبيض يعرفون بان حربا متعددة الساحات تضم ايران وتقع في زمن انتخابات كفيلة بان تكون كارثة انتخابية. لكن عندما يكون كل صوت في الولايات المتأرجحة يقرر، عندما ينجرف التقدميون الشباب البعيدون عن الحسابات الاستراتيجية في موجات التضامن عقب نتائج قصف سلاح الجو التي تغمر الشاشات بالدم والنار والدخان بما في ذلك الاف القتلى بينهم نساء وأطفال. ومع كل الاحترام لقدرة انتاج النفط في الولايات المتحدة، فانه عندما تحترق أبار النفط في الشرق الأوسط وترتفع أسعار الوقود في الولايات المتحدة واضح لماذا يطالب بايدن الا نلمس النووي او منشآت النفط.

ما ليس واضحا هو ما الذي ستفعله الحكومة. مع دخول الجيش الإسرائيلي البري الى لبنان لا مشكلة لدى بايدن. او ماكرون. فاضعاف حزب الله سيضعف العلاقة بايران وسيشكل ورقة أخرى في الاتصالات غير المباشرة لتسوية شرق أوسطية جديدة في محور الولايات المتحدة – فرنسا – ايران. إسرائيل؟ ليس لعاملي المقاول كما هو معروف كلمة لكنهم كفيلون بان يجنوا ويخربوا على خطوات مركبة مثلما فعلوا في الحرب في الجنوب بالهام من حكومة مجنونة. اليوم، اللعبة مع ايران هي لعبة مباعة في مستوى تفعيل هجوم إيراني ودفاع إسرائيلي. الإيرانيون يحافظون على قواعد اللعب وحتى الان الجيش الإسرائيلي أيضا لم يخرج عنها رغم تصريحات نتنياهو المتبجحة.

——————————————–

يديعوت احرونوت 8/10/2024

على إسرائيل أن تخرج عن القواعد المتبعة لتضرب النووي الإيراني مهما كان الثمن

بقلم: بن درور يميني

مرت سنة منذ المذبحة الوحشية. مرت سنة منذ الاغتصاب. سنة من الصواريخ. سنة من المقذوفات الصاروخية. سنة من العذابات. سنة من اللاجئين. سنة من المظاهرات. سنة من الانفجارات اللاسامية. سنة كانت فيها الحرب الحقيقية في واقع الامر حيال ايران. سنة كان فيها معظم العالم الحر يثبت كل يوم بانه ليس حرا. محور الشر الإيراني هاجم إسرائيل من قطاع غزة، من لبنان، من اليمن، من العراق، من ايران ومن سوريا – وقسم ليس صغيرا من النخب وقف الى جانب قوى الظلام والقتل. سنة يفرض فيها حتى زعماء الدول الذي يفترض أن تقود العالم الحر وتقاوم محور الشر مقاطعة على تصدير السلاح لإسرائيل.

العالم الحر جن. هو اسير في ايدي صناعة أكاذيب محور الشر الذي يفرض الدمار، الإرهاب والخراب تقول انه محق وإسرائيل هي المشكلة. ليس بعد اليوم. نحن نصل الى لحظة الحسم لانه لا يمكن لاي ضرب لحماس وحزب الله ان تجدي نفعا، دون ضربة لإيران، رأس الافعى. الان حان دور إسرائيل بان تجن. هي ملزمة بان تجن، ليس فقط من اجلها بل وأيضا من اجل العالم الحر. لانه اذا خرج محور الشر من هذه المعركة الرهيبة بلا اذى فليس فقط إسرائيل ستدفع الثمن. عشرات الملايين في الشرق الأوسط سيواصلون المعاناة. دول العالم الحر ستدفع ثمنا باهظا. هذا يحصل منذ الان. شوارع لندن، باريس، نيويورك ومدريد مليئة بالمتظاهرين المؤيدين لمحور الشر. عدد لا يحصى من المحاضرين، معظم المحاضرين يقفون الى جانب محور الشر. هم يبررون المذبحة. هم يتهمون إسرائيل بالاستعمار. هم يتهمون إسرائيل بالابادة الجماعية. هم يكذبون بلا توقف. هم يعرفون وبالتأكيد يفترض بهم ان يعرفوا بان زعماء حماس وحزب الله يعلون بان هدفهم هو إبادة اليهود واحتلال كل دول العالم الحر لغرض إقامة خلافة إسلامية. لكنهم يرفضون أن يسمعوا. سنوات وهم ينفذون غسيل دماغ لطلابهم. والان الطلاب هم الذين يتماثلون مع أيديولوجيا بن لادن ونصرالله، يحيى السنوار وعلى خامينئي. جعلوا الجامعات استحكامات لمحور الشر.

هذا الجنون يجب أن ينتهي. لان عشرات الملايين ومنهم ستة ملايين يهودي دفعوا ثمنا باهظا على جنون الشر المطلق. ليس بعد اليوم. هذه المرة الوضع أسوأ. الجنون هو ليس فقط لمحور الشر. الجنون يحظى بتعاون العالم الذي يفترض أن يكون حرا. هذا الجنون لن ينتهي اذا واصلت إسرائيل اللعب حسب القواعد وليس اذا ما استسلمت لضغط العالم الحر الذي تقلقه أسعار النفط اكثر من التهديدات بتصفية إسرائيل. لانه في اللعب حسب القواعد يمكن للرئيس الإيراني أن يزور الأمم المتحدة وان يستقبل كضيف محترم. لكن على رئيس وزراء إسرائيل يهدد أمر اعتقال دولي.

هذا العبث لا يمكنه أن يستمر. إسرائيل ملزمة بان تجن.

يمكن الجدال هل الاتفاق النووي مع ايران في 2015 كان الامر الصائب، وهل الغاؤه في 2017، من قبل ترامب كان خطأ. وفقط شيء واحد واضح. مع أو بدون اتفاق، ايران لم تغير بملمتر واحد ايديولوجيتها الاجرامية. فقد مولت إرهاب حزب الله، حماس والحوثيين قبل الاتفاق وهي تواصل بعد الاتفاق ولم تتوقف بعد الغاء الاتفاق.

لقد تجلدت إسرائيل عندما وصل المزيد فالمزيد من الصواريخ الى حزب الله وحماس. وتجلدت إسرائيل في السنة الأخيرة عندما اطلق حزب الله، بدون أي استفزاز من جانب إسرائيل في كل شهر قرابة الف صاروخ ومُسيرة. الاف البيوت دمرت. الاف الدونمات من الحقول الزراعية، الغابات والمحميات الطبيعية احترقت. عشرات الاف الإسرائيليين اصبحوا لاجئين. لا توجد دولة في العالم تتجلد على هذا، لكن إسرائيل تجلدت.

هذا لا يمكن أن يستمر. إسرائيل ملزمة بان تجن.

في مظاهرات التأييد لمحور الشر برزت المرة تلو الأخرى يافطة تقول “بكل وسيلة ممكنة” لاجل تبرير مذبحة حماس. حان الوقت لان يكون هذا شعار إسرائيل. مع او بدون الولايات المتحدة إسرائيل ملزمة بان تدمر منشآت النووي الإيرانية، بكل وسيلة ممكنة. لان هذا نظام مجنون ومحظور ان يكون لمثل هذا النظام سلاح دمار شامل. لانه اذا لم يصفى هذا الحكم، واذا ما كانت لديه القدرة، اذا ما وصل الى سلاح نووي فانه سيبيد إسرائيل. هو سينفذ إبادة جماعية بحق الملايين. أسعار النفط سترتفع؟ فلترتفع. حياتنا اهم.

الشرق الأوسط بحاجة الى سلام وترميم وهذا لن يتم طالما كان آيات الله يحكمون ايران. عشرات ملايين الإيرانيين، اللبنانيين، العراقيين، اليمنيين والفلسطينيين هم الضحايا الأساس للنظام الإيراني الذي يلحق الدمار، الجوع، الخراب وسفك الدماء. ليس واضحا اذا كان بوسع الولايات المتحدة أن تسمح لنفسها بان تتركهم لمصيرهم. واضح ان إسرائيل لا يمكنها أن تترك نفسها لمصيرها. يحتمل بخطوة إسرائيلية، وحدها ان تجبي ثمنا باهظا. لكن كل ثمن اليوم سيكون ادنى من الثمن الذي ستدفعه إسرائيل في المستقبل. حتى لو كانت إسرائيل وحدها في المعركة، هي ملزمة بان تقوم بالخطوة، بكل الوسائل الممكنة.

——————————————–

هآرتس 8/10/2024

إسرائيل وأطماعها في قطاع غزة: من الأهداف المعلنة إلى رؤية “الثنائي المتطرف”

بقلم: أسرة التحرير

وزير المالية سموتريتش ووزير الأمن القومي بن غفير يتمسكان بمهمتهما لاستغلال فرصة تاريخية وقعت في طريق الشعب اليهودي في 7 أكتوبر. هدفهما احتلال غزة وتوطينها باليهود، وهو ما يملي مواقفهما ولو بالتضحية بالمخطوفين. وهذا ما يرميان إليه بنقل المسؤولية عن المساعدات الإنسانية للقطاع إلى أيدي الجيش الإسرائيلي.

المشكلة أنهما يجدان أذناً مصغية من رئيس الوزراء لمطامعهما. وبالفعل، أجرى نتنياهو الأحد بحثاً في الموضوع رغم تحفظ عموم المحافل في جهاز الأمن، وزير الدفاع غالنت، ورئيس الأركان هليفي ورئيس “الشاباك” رونين بار، الذين وشددوا على أن نقل مسؤولية المساعدات إلى الجيش الإسرائيلي سيعرض الجنود للخطر، ويكلف مليارات ويتطلب من الجيش الإسرائيلي تخصيص قوات كثيرة للمهمة. يرتبط هذا الموقف مباشرة بمعارضة غالنت لفرض حكم عسكري في غزة.

لكن سموتريتش لا يهمه ما يفكر به الجيش الإسرائيلي؛ فالحديث يدور عن جيش الدفاع لإسرائيل في الساعة التي يمثل فيها جيش الشعب. وهو لا يخفي أنه حدد لنفسه أهدافاً مختلفة عن تلك التي حددتها الحكومة. “هذه حرب ملزمون بإنهائها… بينما يحكم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بشكل كامل وعلى مدى الزمن. في هذا الوضع وفي ظل ظروف سياسية مريحة، سيكون ممكناً استئناف الاستيطان في قطاع غزة، والتأكد من وجود يهودي دائم ومستقر”، كتب أمس على الفيسبوك بمناسبة يوم السنة لـ 7 أكتوبر.

كما أن سموتريتش لا يهمه تحذيرات غالنت بأن المقاتلين سيكونون مكشوفين لهجمات ميدانية. رغم أن وزير المالية لا يأبه أيضاً بالكلفة الاقتصادية الجسيمة للمساعدات. كل هذه اعتبارات سخيفة في نظر مَن يرى في ذلك خطوة أولى لفرض حكم عسكري بالأمر الواقع على غزة.

على إسرائيل أن تعمل بالتعاون مع حلفائها للمضي ببديل سلطوي فلسطيني على شكل السلطة الفلسطينية داخل القطاع. هذا الشرطة سيسمح لقوة متعددة الجنسيات وللمساعدات الدولية الوصول إلى غزة. عليها الامتناع عن خطوات تؤدي لحكم عسكري في غزة، لا دائم ولا مؤقت. “المؤقت” في إسرائيل معناه دوماً أرضاً خصبة للمستوطنين لتنفيذ مآربهم ويورطوا إسرائيل بشكل دائم. سموتريتش وبن غفير يدفعان بأجندة خطيرة تتعارض وأهداف الحرب المعلنة، مثلما تتعارض ومصالح إسرائيل السيادية التي لا تزال ترى نفسها كجزء من أسرة الشعوب. محظور السماح لهما بتنفيذ خطتهما وتعريض إسرائيل للخطر.

——————————————–

هآرتس 8/10/2024

هكذا نبرر إرهابنا

بقلم: ب. ميخائيل

هل من أحد مستعد لشرح الفرق بين إطلاق 5 آلاف عبوة ناسفة على 5 آلاف منزل في لبنان، وبين زرع عبوة ناسفة في حافلة أو إلقاء قنابل عنقودية؟

إنّ من أرسل أجهزة “البيجر” لم تكن لديهم فكرة عن المكان الذي ستنفجر فيه العبوة، ولدى من سيكون الجهاز وأين هو موجود، وكم عدد الأشخاص الذين سيكونون في المحيط، في بقالة أم في يد طفل يحب الاستكشاف، أم في سيارة في محطة وقود أم في يد الزوج أو الزوجة.

من هو الذي خطرت في باله هذه الفكرة، وضع عبوات ناسفة في أجهزة تشغيلها سيتسبب بإعاقات؟ هكذا، وبكل قصد وتعمّد، كي يصابوا بالعمى وتمزق أمعاؤهم وتبتر أطرافهم.

عند سماع صرخات الفرح الإسرائيلية عندما انفجرت أجهزة “البيجر”، يخطر في البال أنّ أجهزة “بيجر” تفجّرت فينا، وأننا أصبنا بالعمى ولم نعد نرى إلى أين نذهب؟ ألم تتعلم “إسرائيل” بعد بأنّ كل هذه الألعاب النارية القاتلة وكل نوبات القتل وبهجة التصفيات المضادة، لا تفيد ولا تغير شيئاً؟ كل ذلك، بما في ذلك أجهزة “البيجر” المتفجرة، لا يؤدي إلّا إلى غليان الدماء وتأجيج الكراهية وتعميق سفك الدماء.

للأسف الشديد وللخجل، لا مناص من القول إنّ “إسرائيل” مشت خطوة كبيرة نحو شرعنة إرهاب الدولة، وفرضت الرعب والمعاناة على الناس بوسائل عنيفة ومن دون كوابح، مثلما في غزة والضفة المحتلة، والآن في لبنان أيضاً.

“هم يريدون تدميرنا!”، هكذا سنبرر لأنفسنا. ونحن ماذا نريد؟ نريد البلاد كلها، من الفرات إلى النيل، وفقط لليهود. هل هذا مبالغ فيه؟ هذا ما قاله الله! بصراحة، هذا ما يقوله من يمسك  بدفة القيادة.

ما المرحلة القادمة من إرهاب الدولة الذي تمت شرعنته؟ مخربون انتحاريون؟ هذا ليس خيالياً. تسميم الآبار؟ بالتأكيد. فهذه عادة جميلة وعادية في حقول الضفة المحتلة. تقييد الولادات؟ لا مشكلة. فجميع المستشفيات وأقسام الولادة في غزة تقريباً أصبحت أنقاضاً. وبعد ذلك، ستأتي خطة “احتلال لبنان”.

—————-انتهت النشرة