قراءات إسرائيلية لعام من الاستنزاف

مسؤولون إسرائيليون سابقون: لم يتحقّق أيٌّ من أهداف الحرب، فسلطة حركة حماس لا تزال قائمة في غزّة، وقوتها العسكرية التي زُعِم تفكيكها بدأت بالنهوض، ولم يُعَد المخطوفون. وبالرغم من النجاحات في لبنان، لا تبدو عودة النازحين من الشمال قريبةً...

المسار الاخباري:انقسمت الآراء الإسرائيلية التي أجملت العام الأول من الحرب على غزّة بين من يقول بتحقيق إنجازات لافتة يمكن البناء عليها من أجل المُضي نحو بلوغ قدر مقبول من الحسم عسكريًّا، ومن ينفي ذلك ويصرّ على أنّه لا بديل من سلوك السبيل الدبلوماسي. ومع هذا، بقي الجانبان مُجمعَين على أنّ حكومة بنيامين نتنياهو لا تزال تفتقر إلى خطّة سياسية لما بعد الحرب. وحتّى لا يضيع القرّاء في وهج التعميم نعرض هنا بعض التفاصيل.

أولًا، أغلب من يتكّلم عن إنجازات هم من معسكر رئيس الحكومة، ومن معاهد الأبحاث التابعة لليمين الإسرائيلي. وفي رأي أحدهم، البروفيسور كوبي ميخائيل، ما تتبنّاه إسرائيل في الأسابيع القليلة الفائتة هو “توجّه هجوميّ صارم” يهدف إلى تفكيك المنظومة القائمة، أو باللغة الاستراتيجية إحداث تغيير من الدرجة الثانية، ويعني تغيير المنظومة القائمة كليًّا، بدلًا من تغيير من الدرجة الأولى، أي تغيير إنّما ضمن المنظومة القائمة. وفي هذا الإطار يُشار إلى:

أولًا، يتمحور جلّ الجهد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزّة في الوقت الحالي حول تفكيك قدرات حركة حماس، مع التشديد على شلّ مقدراتها السلطوية، والاعتقاد السائد في أروقة صنّاع القرار أنّ الحركة ما زالت تمتلك مركز ثقل أخيرًا في شمال القطاع. وفي ضوء ذلك، تهدف العملية العسكرية المتجدّدة في الشمال إلى السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية للسكّان، وإقامة حُكم عسكري مؤقّت بنيةً تحتيةً ضروريةً للقضاء على ما تبقّى من مقدرات الحركة هناك. ثانيًا، نجحت إسرائيل، منذ منتصف سبتمبر/ أيلول 2024، في ضرب حزب الله، والقضاء على قيادة الحزب، وضرب قدرات القيادة والسيطرة، وإلحاق أضرار بمخازن السلاح والبنى التحتية للحزب في لبنان كلّه.

ومن خلال مناورة برّية بدأت في الأول من الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) تسعى إلى “تنظيف” الجنوب اللبناني من تهديد الوجود العسكري لحزب الله، وزرع الفوضى والخوف والشكوك في داخل الحزب، الأمر الذي من شأنه، في قراءة المستويَين الأمني والسياسي، أن يضرّ بأدائه وقدرته على إلحاق الأذى الكبير بدولة الاحتلال. ثالثًا، بالرغم من ذلك، يُشدّد صاحب هذا الرأي على أنّه ما زال هناك غياب مُطلق لدور الساسة الذين من واجبهم ترجمة هذه الإنجازات إلى خطّةٍ سياسية، وحينها يمكن الحديث عن “استراتيجيا إسرائيلية كبرى”.

ثانيًا، الذين ينفون تحقيق إنجازات لافتة هم في معظمهم من القادة العسكريين السابقين، ومنهم مثلًا القائد السابق لشعبة العمليات و”فرقة غزّة”، الجنرال يسرائيل زيف، ونائب رئيس “معهد أبحاث الأمن القومي”، والكولونيل أودي ديكل، اللذان أكدا:

أولًا، لم يتحقّق أيٌّ من أهداف الحرب، فسلطة حركة حماس لا تزال قائمة في غزّة، وقوتها العسكرية التي زُعِم تفكيكها بدأت بالنهوض، ولم يُعَد المخطوفون. وبالرغم من النجاحات في لبنان، لا تبدو عودة النازحين من الشمال قريبةً. وعلى الصعيد الدبلوماسي، بدأت إسرائيل الحرب بشكل ممتاز، ولكنّها حاليًا في أسوأ وضع تشهده منذ تأسيسها، فباتت معزولةً وتعيش خطر فرض عقوبات دولية.

ثانيًا، وصل الجيش الإسرائيلي إلى حدود القوّة الخاصة به بعد عام من الاستنزاف، ومن دون المخزون الاحتياطي المطلوب. والبقاء في غزّة والقيام بعمليات اقتحام لمنع تجدُّد قوة “حماس” لا يؤول إلى اختفاء هذه الحركة فعليًّا. ومع الوقت، ستنجح في إعادة بناء نفسها، ما دام الميدان تحت سيطرتها. أمّا في لبنان، فحتّى لو تفكّك حزب الله إلى تنظيماتٍ أصغر، فمن دون جيش لبناني كبير وقوي سيغرق الجيش الإسرائيلي في منطقةٍ لا يملك القدرات اللازمة للسيطرة عليها.

ثالثًا، بعد مرور عام على اندلاعها، تُدار الحرب من دون أهداف سياسية واضحة أو آلية لإنهائها، مع انتقال الجهود العسكرية من جبهة إلى أُخرى، وبوتيرة متفاوتة، وسط شعور عام لدى الجمهور الإسرائيلي العريض بأن “عليه أن يعيش على أسنّة الحراب إلى الأبد” (!)

كتب أنطوان شلحت