“قبور الشوارع” لجثامين الشهداء شمال غزة لحفظها من القطط والكلاب الضالة

المسار الإخباري : غزة –

بدون وداع من العائلة، أو الحصول على تكفين ودفن في مقابر الشهداء، ترقد جثامين عدد من شهداء مجازر شمال غزة تحت الثرى، بعد أن حفرت لهم على عجل حفرا صغيرة، ووري ما تبقى من أجسادهم بها، بعد أن نهشتهم الكلاب والقطط، فيما تحللت جثامين شهداء آخرين في الطرقات وتحت المنازل المدمرة.

وخلال الأيام الماضية، تمكن مواطنون بصعوبة من حفر قبور صغيرة على جانبي الطرقات وفي الأزقة والحارات في مخيم جباليا والمناطق المجاورة له، وفيها وضعوا جثامين شهداء بعضهم مجهول الهوية، لم يجر التعرف على هيئتهم التي تغيرت بفعل التحلل أو النهش من الحيوانات الضالة.

تلك القبور التي وريت فيها الجثامين لم تكن كباقي القبور، فهي عبارة عن حفر ليست بالعميقة، حفرها مواطنون بأدوات بسيطة وبأيديهم، لتدفن فيها تلك الجثامين، التي سقط أصحابها خلال رحلات النزوح القسري من المخيم الذي يتعرض لهجوم بري عنيف منذ أكثر من شهر، إلى مدينة غزة.

ويوضح سكان من مخيم جباليا، أن هناك نازحين غامروا خلال الفرار وحفروا قبورا بشكل عاجل لبعض الشهداء الذين قضوا جراء الاستهدافات المباشرة من الطائرات المسيرة وجنود القناصة، رغم أن عملية الحفر هذه كانت ستكلفهم حياتهم، لو رصدتهم أعين القناصة أو كاميرات الطائرات المسيرة.

يروي أحد النازحين   لـ “القدس العربي” أن أحد أقاربه أبلغه أنه اضطر وعدد من الرجال على عجل لحفر قبر صغير وضعوا فيه أحد الشهداء، الذي تحلل جسده، بعد أن شاهدوا قططا تنهش فيه

ويروي أحد النازحين الذي وصل مؤخرا إلى مدينة غزة،  أن أحد أقاربه ممن لحقوا بهم بسبب الهجوم على المخيم، أبلغه أنه اضطر وعدد من الرجال على عجل لحفر قبر صغير وضعوا فيه أحد الشهداء، الذي تحلل جسده بعد أن شاهدوا قططا تنهش فيه، ويروي هذا الرجل ويدعى أبو عمرو، وقد فضل عدم ذكر اسمه، أن قريبه ومن معه من الرجل، لم يهن عليهم رؤية ذلك المنظر.

ويؤكد هذا الرجل كغيره من شهود العيان، أن هناك جثثا كثيرة لمواطنين شاهدوا بأم عينهم ملقاة في الشوارع وفي أزقة الحواري، خلال النزوح، من بينها جثثا لرجال مسنين وشبان وأطفال، غير أنه لم يتمكن أن يفعل شيئا لهم، بسبب كثافة القصف العنيف على مناطق تواجدهم، والتحليق المكثف من طائرات مسيرة من نوع “كواد كابتر”، تحمل بنادق تطق النار على النازحين، ويوضح أن عددا من جيرانه قضوا خلال رحلات النزوح، وأن من بينهم من وصلت عائلته (زوجته وأولاده)، وتلقوا خبر استشهاده بعد حين.

وبالعادة كانت قوات الاحتلال خلال إجبار السكان على النزوح القسري، تفصل ما بين الرجال وما بين النساء والأطفال، وتجبر كل منهم على سلك طريق النزوح بعد تجميعهم في أوقات متباعدة.

الحيوانات تنهش الجثامين

وقد وثقت كاميرات الهواتف النقالة للنازحين، صورا لقبور أسفل سور لـ “مركز إيواء”، وقد رسم سهما على الجدار الذي يعتلي أحد القبور، وكتب أعلى منه “مجهول”، كما جرى توثيق عدد من القطط وهي تنهش جسد أحد الشهداء، وقد بدا المصور الذي لا يستطيع الوصول إلى منطقة الشهيد منفعلا من المشهد المحزن.

وتوضح سمر أحمد، النازحة من شمالي القطاع، إن رائحة تحلل جثامين الشهداء في المنازل المدمرة وفي الطرقات، كانت تشم من قاطني المنازل المجاورة، وتوضح لـ القدس العربي انهم كانوا قبل النزوح يعرفون بوجود ضحايا في المنطقة، من تجمع قطعان من الكلاب الضالة خاصة في ساعات الليل في تلك الأماكن، لتبدأ رحلة الوصول إلى تلك الجثامين لنهشها.

أما منى التي تجهل حتى اللحظة مصير زوجها، بعد أن وصلت نازحة وباقي أسرتها إلى مدينة غزة، فتخشى أن يكون قد سقط بنيران الاحتلال او القصف خلال رحلة النزوح، وتقول هذه السيدة وهي في بداية الثلاثينيات، إن زوجها فضل أن تتبع طريقا آخر غير الذي سلكه في رحلة الخروج، وأبلغها بنقطة اللقاء في مدينة غزة، خشية من أن يقصف برفقة أسرته، وأن يقضى على الأسرة كاملة، خاصة وأن جيش الاحتلال كما تؤكد كان يستهدف تجمعات الرجال، وتقول إنها وصلت إلى نقطة التفتيش المذلة التي أقامها في ذلك الوقت جيش الاحتلال قرب المشفى الإندونيسي، ومن ثم سارت بصغارها إلى مدينة غزة، ومعها أقارب وجيران، لكنها لم تلتقي بزوجها حتى اللحظة، ولديها أمل أن يكون على قيد الحياة أسيرا لدى الاحتلال، وسط روايات أخرى تشير إلى أن عدد من الرجال قتلوا في ذلك اليوم بنيران القناصة.

وتنناب أهالي شمال غزة حيرة كبيرة في هذه الأوقات، ما بين النزوح القسري وسط طرق مخيفة يتهددهم فيها خطر الموت، أو البقاء في منازلهم بانتظار الموت أيضا.

منع طواقم الاغاثة

ولا تزال قوات الاحتلال تمنع طواقم الإسعاف من الوصول إلى تلك الجثامين لانتشالها، كما تمنع أيضا طواقم الدفاع المدني من العمل، منذ أسبوعين تقريبا، بعد أن كانت قد اعتقلت عدد من طواقم العمل، ودمرت العربة المخصصة للإنقاذ، ما حال دون قدرة هذه الطواقم على انتشال المصابين قبل مفارقتهم الحياة.

وسُجل أنه مع بدايات عملية التوغل البري في مناطق شمال قطاع غزة، أن تعمدت قوات الاحتلال أكثر من مرة استهداف سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وأسفرت تلك الهجمات وغيرها من الهجمات التي طالت المشافي، إلى إصابة عدد من أفراد تلك الطواقم.

تلك القبورهي عبارة عن حفر ليست بالعميقة، حفرها مواطنون بأدوات بسيطة وبأيديهم، لتدفن فيها تلك الجثامين، التي سقط أصحابها خلال النزوح القسري

وقد أعلنت مديرية الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة بغزة، أن جيش الاحتلال لا يزال يمنع وصول فرق الدفاع المدني والإسعاف إلى شمالي قطاع غزة، ويقول الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان، إن من يتلقى العلاج هم فقط من يستطيعون الوصول للمستشفى، فيما يواجه من لا يستطيعون الوصول مصيرا صعبا، واصفا الوضع في شمال غزة بـ “الكارثي”.

وقد روت سابقا الصحفية فاطمة الدعمة ، كيف قضى شقيقها ليلتحق بوالدتها، بعد أن ظل ينزف لعدة ساعات، دون أن تتمكن العائلة من نقله إلى المشفي، بعد أن أصيب بغارة جوية شمال غزة، كما تحدثت عن رحلة المخاطرة التي قام بها أشقاؤها وأقارب لهم، بنقل الجثامين من مكان الاستهداف على أطراف جباليا إلى مقبرة قريبة، ودفنهم هناك.

وحسب أرقام المكتب الإعلامي الحكومي، فإن أكثر من 1,800 شهيد و4,000 جريح ومئات المفقودين، سقطوا منذ بدء الهجوم على شمال قطاع غزة في السادس من أكتوبر الماضي، ويوضح ان الهجوم أدى إلى تدمير جميع المستشفيات هناك، وإخراجها عن الخدمة، واستهداف طواقم الدفاع المدني واعتقال بعضها وإخراجه عن الخدمة أيضاً، إضافة إلى تدمير البنية التحتية، مما جعل محافظة شمال غزة محافظة منكوبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

المصدر: القدس العربي