فلسطينيمقالات

بقلم “أسامة خليفة” المقبول وغير المقبول في علاقة الرياضة بالسياسة

المسار الإخباري :وقعت اشتباكات يوم الخميس 7/11 في أمستردام بين مشجعي فريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي ومناصرين للقضية الفلسطينية عقب انتهاء مباراة بكرة القدم، والتي جمعت بين فريق أياكس أمستردام الهولندي والفريق الإسرائيلي، أصبح موضوع الاشتباكات حدثاً سياسياً هاماً اقتحم ميدان الرياضة من أوسع أبواب الملاعب، وتحديداً في الرياضة الأكثر شعبية، وأخذ بعداً دولياً، وأثار جدلاً رابطاً الحدث بمعاداة السامية.

وصف مسؤولون هولنديون ما شهدته أمستردام، بأنه «غير مقبول» على الإطلاق، وبأنه اعتداء على مشجعين إسرائيليين، وأعمال تخريب، وقال رئيس الوزراء الهولندي ديك سخوف، إنه شعر بالفزع إزاء الهجمات المعادية للسامية على مواطنين إسرائيليين، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي انتقد هولنديون موقف حكومتهم أحادي الجانب والمنحاز إلى الجانب الإسرائيلي، والمتجاوب مع الضجة الإعلامية التي افتعلها مسؤولون إسرائيليون، مما يؤكد ما عبّرت عنه مصادر أن الموساد الإسرائيلي وراء ما جرى، خطط ودبر، وروّج إشاعات أدت بشرطة أمستردام إلى التحقيق فيما وصفته باحتجاز رهائن، هدف الموساد من هذه الضجة الإعلامية التأثير على الرأي العام الأوروبي على ما درج عليه الغرب باعتبار اليهود ضحايا المحرقة. ثم جاء الدور السياسي مكملاً للمكيدة المدبرة من الموساد التي انقلب فيها السحر على الساحر، وانكشف للعالم أن معاداة السامية، ما هو إلا شعار يستخدمه الكيان لكسب التعاطف وللتعمية على جرائم جيشه ومستوطنيه، بعد أن بدأت الشعوب تتفاعل مع الرواية الفلسطينية عن الحرب العدوانية على فلسطين ولبنان، ويتبين لهم كذب الرواية الإسرائيلية، حيث أصبح الكيان الصهيوني منبوذاً دولياً.

بالغ الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، وضخّم وهوّل، واصفاً الاشتباكات بأعمال عنف ومذبحة معادية للسامية تجري حالياً ضد مشجعي مكابي تل أبيب والمواطنين الإسرائيليين في قلب أمستردام، وشبهها بالهجمات المعادية للسامية على اليهود الأوروبيين في مذابح القرون السابقة. وأنها تعيد للذاكرة الهجوم الذي شنه مسلحون من حركة حماس على إسرائيل العام الماضي، محاولاً التعمية على حقيقة هذه الاشتباكات كردة فعل من قبل مناصرين للقضية الفلسطينية على ما أقدم عليه مشجعو الفريق الإسرائيلي من شغب وفوضى، واعتداء على سائقي السيارات العامة، وتمزيق العلم الفلسطيني، والهتافات العنصرية التي تدعو إلى قتل الأطفال والتغني بالإجرام وسفك الدماء، وترديد عبارة: لا توجد مدرسة في غزة لأنه لم يعد هناك أطفال. ومن الطبيعي أن تكون هناك مشاعر غضب بين الجاليات العربية في أوروبا تجاه كل ما يحدث، هذه الاشتباكات لم تكن مع يهود بشكل عام، كما يحاول البعض تصويرها، بل كانت ضد المتطرفين الإسرائيليين الصهاينة، يفرق العرب في أوروبا بين اليهود كدين وبين الصهاينة كفكر سياسي متطرف، والمشكلة ليست مع الديانة اليهودية، ولكن مع هؤلاء العنصريين الذين يعتقدون أن بإمكانهم سلب الأرض الفلسطينية، والتطهير العرقي لسكانها الأصليين.

كتب الرئيس الإسرائيلي في رسالة على منصة إكس: « نتابع بذعر هذا الصباح الصور ومقاطع الفيديو المروعة التي كنا نأمل منذ السابع من أكتوبر ألا نراها مرة أخرى»، ولا ندري عن أي صور يتحدث عنها، جرح اثنين دخلا وخرجا من المشفى في أقل من ساعة، في حين يرى العالم كله ويتابع الصور المؤلمة القادمة من قطاع غزة عن المجازر وقتل 43400 فلسطيني معظمهم نساء وأطفال، والتدمير الوحشي لبيوت السكان في غزة ولبنان، والذي لا يقبله الحس الإنساني السليم. إنما يقبله الحس الصهيوني النازي الذي برز على حقيقته اللإنسانية في رفض المشجعين الإسرائيليين قبل انطلاق المباراة الوقوف دقيقة صمت حداداً على ضحايا فيضانات فالنسيا الإسبانية، في سلوك مدان قام به المشجعون الإسرائيليون رداً على موقف إسبانيا المنصف لاعترافها بدولة فلسطين، ورفضها العدوان الإسرائيلي على غزة، ووقف بيع السلاح لإسرائيل.

وفي هذا الإطار وكنتيجة لتداعيات أحداث أمستردام تأتي الاستعدادات الاستثنائية غير المسبوقة المقررة قبل وخلال وبعد مباراة بين فرنسا وإسرائيل في الجولة الخامسة من منافسات المجموعة الثانية ضمن مسابقة دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم. وفي تصريحاته أكد لوران نونييز، مدير شرطة باريس، أن المباراة تعد «عالية الخطورة»، نظراً للظروف الأمنية والسياسية المحيطة بها، وتتخوف فرنسا من أحداث مشابهة لما حدث في أمستردام، ويتحدث وزير داخليتها عن ارتفاع حوادث معاداة السامية، وخاصة أن يوم الثلاثاء 5/11 رفعت مجموعة من مشجعي باريس سان جيرمان لافتة ضخمة كُتب عليها «فلسطين حرة» قبل مباراة الفريق الباريسي في دوري أبطال أوروبا ضد أتليتيكو مدريد. وفي حسبانهم أن في فرنسا تتواجد جالية عربية وإسلامية كبيرة إضافة إلى جالية يهودية، وكأن النزاع الذي تصاعد بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير هو صراع ديني بين يهود ومسلمين. فوزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، يرى أحداث أمستردام من جهة واحدة، لا يرى سوى عنف تعرض له مشجعو فريق مكابي الإسرائيلي في هولندا، وكتب وزير داخلية فرنسا في منشور على «إكس» رداً على اقتراح بنقل المباراة إلى مكان آخر أو إقامتها دون جمهور: «فرنسا لن تتراجع لأن ذلك يعني الاستسلام في مواجهة تهديدات العنف، ومعاداة السامية».

مدير شرطة باريس لوران نونييز، أعلن أنه سيتم تعبئة ما مجموعه 4 آلاف من ضباط الشرطة والدرك الخميس 14 نوفمبر 2024 سيتم نشر هذه القوات في ملعب فرنسا في سان دوني وهي من الحالات النادرة، وحول الملعب، وفي وسائل النقل العامة وفي جميع أنحاء باريس.

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه سيحضر مباراة كرة القدم بين فرنسا وإسرائيل. وحسب وسائل إعلام فرنسية إن حضور ماكرون المباراة هو بمثابة رسالة تضامن مع إسرائيل في مواجهة الأعمال المعادية للسامية التي وصفتها بأنها غير مقبولة. كما أضافت أن هذا التوجه يأتي في وقت حساس، حيث يسعى ماكرون إلى توضيح موقف فرنسا الثابت في دعم إسرائيل. في الوقت ذاته هي رسالة عداء للشعب الفلسطيني تتجاهل ما ارتكبه ويرتكبه الجيش الإسرائيلي من مجازر وحرب إبادة جماعية، وهذه الحضور للرئيس الفرنسي هي الصورة الأشد وضوحاً لربط الرياضة بالسياسة بالصورة المقيتة، والتي يقال إن الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» يبذل جهوداً من أجل الفصل بين الرياضة والسياسة، ولم ينجح في ذلك، على مستوى الجمهور والمشجعين، فكيف على هذا المستوى السياسي الذي يمثله ماكرون.

فشل جهود «الفيفا» و«يويفا» يعود إلى الازدواجية في المعايير، هي السبب الأول، إن لم يكن السبب الذي يلخص كل الأسباب الأخرى، لقد تم اتخاذ قرار سريع ومباشر بإيقاف المنتخبات والأندية الروسية من المشاركة في البطولات الدولية بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية. بينما تواصل الفرق والأندية الإسرائيلية المنافسة في المسابقات تحت رعاية «الفيفا» والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، على الرغم من استمرار حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين، التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 40 ألفاً من المدنيين الفلسطينيين، من بين الشهداء لاعبو كرة قدم وحكَّام، وقد دُمرت المنشآت الرياضية الفلسطينية في قطاع غزة. كما أن الاتحاد الإسرائيلي يسمح بالعنصرية والتمييز ضد الفرق واللاعبين الفلسطينيين ويمنع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من أي عمل مستقل.

طلب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم من «الفيفا» استناداً إلى المادة الرابعة من لائحة النظام الأساسي للـ«فيفا». فرض عقوبات على إسرائيل بدعوى التواطؤ في انتهاكات للقانون الدولي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية والتي تمارس التمييز العنصري ضد لاعبين عرب، وتنهك أنظمة «الفيفا» من خلال مشاركة 5 أندية إسرائيلية من المستوطنات غير الشرعية المقامة على الأراضي الفلسطينية في الدوري، وكان «الفيفا» قد أرجأ اتخاذ قرار عدة مرات، ثم رفض الطلب الفلسطيني، وقرر عدم إيقاف المنتخب الإسرائيلي عن المسابقات الدولية.

لا تقتصر ازدواجية المعايير في قرارات «الفيفا» والـ«يويفا» في معاقبة الأندية على تصرفات إدارتها، وبسبب مواقف بلادها، بل تطال القرارات عقوبة الأندية بسبب تصرفات جماهيرها في الملاعب وخارجها، بتهمة العنصرية أو الإساءة، فهل رفع علم فلسطين يحمل شيئاً من العنصرية أو الإساءة؟.

يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول فرض الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا»، غرامة على نادي سلتيك الاسكتلندي 15200 جنيه استرليني (19 ألف دولار) بسبب رفع جمهور نادي سيلتيك الاسكتلندي- خلال مباراة فريقهم ضد أتلتيكو مدريد الإسباني في دوري أبطال أوروبا يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي- علم فلسطين تضامناً مع قطاع غزة في مواجهة العدوان الهمجي الإسرائيلي، كما رفع المؤيدون لافتتين كبيرتين في ملعب «سلتيك بارك» كتب عليهما «فلسطين حرة»، و«النصر للمقاومة». بينما تم السكوت عن رفع العلم الإسرائيلي خلال مباريات عديدة، وجرى خلال المباراة في امستردام إطلاق ألعاب نارية من قبل الجمهور الإسرائيلي بقصد إثارة الفوضى والشغب.

السلوك الغير مقبول من تصرفات مشجعي الفريق الإسرائيلي يُغض النظر عنه، وتعاملت الحكومة الهولندية بشكل أحادي الجانب وداعم بشدة لإسرائيل وساهم في قلب الحقائق، تتدخل الشرطة الهولندية وتعتقل عشرات المؤيدين لفلسطين، بينما لم تعتقل أي إسرائيلي وقد انتشرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت إقدام مشجعي الفريق الإسرائيلي على إنزال الأعلام الفلسطينية من فوق الأبنية وتمزيقها، وترديد مشجعين إسرائيليين شعارات استفزازية معادية للعرب وفلسطين، والاعتداء على هولنديين من أصل عربي من سائقي السيارات العمومية ومن تصادف ارتداءهم الكوفية الفلسطينية، أدى استفزاز الجماهير الإسرائيلية لتجمهر جماهير من أصل عربي ووقعت اشتباكات بالأيدي بين الطرفين وفي هذا الاشتباك لم يعتقل أحد من الجانب الإسرائيلي.

من هذه الحوادث ما سبقها وأعقبها نستنتج أن الجالية العربية في أوروبا لا أحد يقف وراءها ويساندها ويدافع عنها، ويفضح الازدواجية في المعايير، بينما نشاهد مسارعة المسؤولين الإسرائيليين للتحرك ولاتخاذ إجراءات تحمي ليس فقط «مواطنيهم» و«مستوطنيهم » بل اليهود، وكأن إسرائيل تفوض نفسها محامياً عن كل اليهود في العالم من غير «مواطنيها» أو «مستوطنيها» فقبل أن يتوّجه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لهولندا. قال في منشور على حسابه الرسمي في «إكس»: «نحن نتعاون مع السلطات في هولندا بشأن الحوادث الخطيرة هناك. أي إسرائيلي أو يهودي في محنة حالياً أو لديه معلومات عن موقع لحدث عنيف يجري حالياً، يرجى الاتصال بغرفة العمليات الخاصة بالسفارة الإسرائيلية».

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الحدث بأنه «مروع» يـأخذه على محمل الجد، ويطالب الحكومة وقوات الأمن الهولندية بالتصرف بحزم وسرعة ضد مثيري الشغب «يقصد المناصرين لفلسطين»، وضمان السلام لمواطنيه. وأمر بإرسال طائرات إنقاذ على الفور.

بينما أدانت الخارجية الفلسطينية في بيان لها الهتافات العنصرية المعادية للعرب، والأعمال الهمجية التي قام بها جمهور المشجعين لأحد أندية كرة القدم العنصرية الإسرائيلية في العاصمة الهولندية أمستردام على مدار 3 أيام متواصلة. وأوضح البيان أن تلك الأعمال تضمنت الاعتداء على العلم الفلسطيني، وإنزاله عن بعض الأماكن التي ترمز إلى دعم الحق الفلسطيني في وجه جرائم الاحتلال والإبادة في قطاع غزة. ودعت الخارجية حكومة هولندا إلى التحقيق مع مثيري الشغب، وحماية الفلسطينيين والعرب من هؤلاء المستوطنين والجنود الإسرائيليين الذين توجهوا إلى هولندا لنقل أفكارهم العنصرية وجرائمهم للعواصم الأوروبية، مشددة على رفضها للعنف بكافة أشكاله.

بعد كل ذلك المطلوب من الرياضيين العرب والاتحادات العربية المختلفة، اتخاذ مواقف جادة وحازمة ضد مشاركة إسرائيل في النشاطات الرياضية كافة، وبدلاً من منع رفع العلم الفلسطيني في الملاعب، بذل الجهود لإبعاد العلم الإسرائيلي عن الدورات والبطولات والمسابقات القارية والدولية، واشتراط اشتراك الرياضيين الإسرائيليين بها كمحايدين، يرفضون سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة، فقد أثمرت الجهود العربية المشتركة عن إبعاد إسرائيل من الاتحادات الرياضية الأسيوية