أهم الاخباردولي

“الوساطة الأمريكية في لبنان: هل تنجح في عزل الجبهات أم تعيد خلط الأوراق؟”

المسار الاخباري: د. عمر رحال: الورقة تتجاهل الأسباب الحقيقية للصراع وتحاول تفكيك الموقف الموحد بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية

عدنان الصباح: الهدف الرئيسي للأمريكيين والإسرائيليين من مساعيهم الحالية كسر وحدة الساحات بين فصائل المقاومة

د. تمارا حداد: موافقة لبنان على الورقة قد تشير إلى ضغوط إيرانية على حزب الله ووجود صفقة سرية بين واشنطن وطهران

فراس ياغي: الورقة الأمريكية مناورة سياسية تسعى إلى خدمة مصالح نتنياهو للحفاظ على الوضع القائم حتى تسلم ترمب

د. أشرف بدر: الورقة تنقصها أُسس التوازن فهي إملاءات أحادية الجانب لا تراعي مبدأ التفاوض الذي يضمن مصالح الطرفين

سامر عنبتاوي: الورقة الأمريكية لن تحقق نجاحاً لأنها تحمل شروطاً أقرب إلى الاستسلام وهو ما ترفضه المقاومة اللبنانية

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تهدئة الأوضاع في لبنان عبر تقديم مسودة ورقة تهدف إلى تهدئة الأوضاع هناك، وسط تحذيرات من أن الهدف الرئيس من هذه الورقة هو محاولة كسر وحدة الصف المقاوم بين الساحات اللبنانية والفلسطينية، خدمةً للمصالح الإسرائيلية والأمريكية.

ويرى كتاب ومحللون سياسيون، في أحاديث منفصلة مع “ے”، أن الولايات المتحدة تسعى لإدارة الأزمة بدلاً من حلها، عبر محاولة تفكيك التلاحم بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.

ويؤكد الكتاب والمحللون أن هناك صعوبة لفصل الجبهة اللبنانية عن الوضع في غزة، خصوصًا أن تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كانت تؤكد أهمية التماسك بين جبهات المقاومة، كوصية له للاستمرار والتضحيات التي قدمها حزب الله ومحاولة فرض شروط استسلامه تجعل مل ذلك من الصعب تنفيذ الورقة.

ويرون أن الورقة الأمريكية تفتقر إلى حلول مستدامة، وأن هناك بنوداً فيها تثير جدلاً واسعاً داخل الأوساط اللبنانية، لاسيما المتعلقة بمنع تسليح حزب الله وضمان الرقابة الدولية.

واشنطن ليست معنية حالياً بوقف النار بغزة أو لبنان

يوضح الكاتب والمحلل السياسي ومدير مركز شمس لحقوق الإنسان د.عمر رحال أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تبدو جادة في إنهاء العدوان على لبنان، إذ إنها تراهن على اللحظات الأخيرة من عمرها، وتفضّل ترك ملفات الحرب في غزة ولبنان لتواجهها الإدارة الأمريكية المقبلة برئاسة دونالد ترمب.

ويؤكد رحال أن واشنطن ليست معنية حالياً بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، مشيراً إلى أن الورقة الأمريكية الأخيرة تهدف إلى منح إسرائيل حرية الرد والتصرف العسكري في لبنان، ما يعكس انحيازاً واضحاً لصالح دولة الاحتلال.

ويشير رحال إلى أن العقبات الرئيسية التي تواجه الورقة الأمريكية تكمن في كونها منحازة ولا تقدم أي حلول جذرية، بل تسعى إلى احتواء الموقف وإدارة الأزمة بدلاً من معالجتها من جذورها.

ويؤكد رحال أن هذه الورقة تتجاهل الأسباب الحقيقية للصراع في المنطقة وتساهم في تعقيد المشهد، وتهدف إلى خلق فجوة بين المقاومة الفلسطينية في غزة ونظيرتها اللبنانية، في محاولة لتفكيك الموقف الموحد بين المقاومتين، ما يعزز فكرة المسارات المنفصلة والحلول الجزئية للالتفاف على وحدة الصف المقاوم في المنطقة.

وفي ما يتعلق بتوقيت طرح الورقة، يعتقد رحال أن الولايات المتحدة تسعى إلى إرسال رسائل للدول العربية وحلفائها في المنطقة، بهدف استباق أي تحرك سياسي عربي أو إسلامي يمكن أن يطرح لمحاسبة إسرائيل أو لفرض ضغوط وعقوبات دولية عليها.

ويشير رحال إلى أن هذه الخطوة الأمريكية تأتي كذلك لرفع الحرج عن الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، ما يجعل الورقة وسيلة لحماية هذه الدول من الانتقادات خاصة بعد القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الرياض.

من جانب آخر، يشدد رحال على أنه بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها حزب الله، والجرائم المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل بحق اللبنانيين، فإنه من غير المرجح أن تنفصل الساحات بين لبنان وغزة، أو أن تدير المقاومة اللبنانية ظهرها للمقاومة الفلسطينية في غزة، حيث إن المقاومة في لبنان تدرك مدى حساسية الأمور وأهمية التماسك في مواجهة العدوان الإسرائيلي وتعي اثار العدوان منذ البداية.

حرب الإبادة ستستمر في ظل الصمت العربي والدولي

ويؤكد رحال أنه ما دامت المواقف العربية الصامتة مستمرة تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، والمجتمع الدولي يبدو عاجزاً عن كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن ةحرب الإباد سوف تستمر.

ويوضح رحال أن غياب الضغط الدولي على نتنياهو يمنحه ضوءًا أخضر لارتكاب مزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين في غزة، مما يعني استمرار معاناة القطاع، وتصاعد مخططات مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، ودون تدخل حاسم من المجتمع الدولي، ستظل غزة تواجه خطر الإبادة والاعتداءات المتواصلة.

وحدة الساحات العقبة الأكبر أمام تحقيق المشروع الأمريكي

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح أن وقف إطلاق النار في لبنان ليس قراراً يعتمد فقط على الإرادة الأمريكية أو الإسرائيلية، بل يرتبط بشكل وثيق بإرادة المقاومة والموقف الذي أعلنه حزب الله منذ وقت طويل.

ويشير الصباح إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قبل استشهاده، التي أكدت أن المعركة في لبنان متصلة بشكل عميق بالوضع في غزة، وأن أي وقف لإطلاق النار في لبنان يجب أن يكون جزءًا من وقف شامل للعمليات في جميع ساحات محور المقاومة، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.

ويوضح الصباح أن الهدف الرئيسي للأمريكيين والإسرائيليين من مساعيهم الحالية هو كسر وحدة الساحات بين فصائل المقاومة في المنطقة.

ويلفت الصباح إلى أن هذه الوحدة تشكل العقبة الأكبر أمام تحقيق المشروع الأمريكي، الذي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضه عبر الورقة الأخيرة التي طُرحت على الأطراف المعنية.

ويؤكد الصباح أن البنود التي تم الكشف عنها في وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية، بالرغم من أنها قد تبدو قابلة للتطبيق على الورق، تفتقر إلى ضمانات أساسية، ويبقى التحدي الرئيسي هو استمرار وحدة جبهات المقاومة، وهو الأمر الذي لن يقبل حزب الله أن يتنازل عنه.

ويشير الصباح إلى الموقف الثابت لحزب الله، الذي أكده نصر الله مراراً، بأن دعم المقاومة في غزة والتضامن مع الساحات المختلفة في محور المقاومة أمر لا يمكن التراجع عنه.

ويشدد الصباح على أن حزب الله يتمتع بمصداقية عالية في مواقفه السياسية وسلوكياته على مدى السنوات، وهو ما يعزز الثقة في أن الحزب لن يوافق على أي وقف لإطلاق النار لا يراعي مصالح غزة ووحدة الساحات التي انطلق حزب الله منها منذ اللحظات الأولى.

ويؤكد الصباح أن غزة في هذه اللحظة الحرجة بحاجة ماسة إلى دعم وصمود من جميع الساحات أكثر من أي وقت مضى، وأن التخلي عن غزة وتركها وحدها في مواجهة العدوان سيكون خطوة لا يمكن لأي طرف من أطراف المقاومة تحملها.

ويرى الصباح أن أي انسحاب من دعم محور المقاومة لغزة لن يكون فقط بمثابة طعنة، بل سيؤثر سلباً على مصداقية فصائل المقاومة في عيون شعوب المنطقة.

ويشير الصباح إلى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها حزب الله، سواء من الداخل اللبناني أو من الخارج، وإلى الهجمات العنيفة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على لبنان.

وبالرغم من ذلك، يرى الصباح أن الحزب لن يخطو نحو وقف إطلاق النار دون ارتباط واضح مع الوضع في غزة، مع إدراكه الكامل لتعقيد المشهد والضغوط الكبيرة التي يعانيها لبنان.

الإدارة الأمريكية تسعى لضمان انتهاء الحرب قبل تسلم ترمب

توضح الكاتبة والباحثة السياسية في الشأن الإقليمي د.تمارا حداد أن مسودة الورقة التي قدمتها السفيرة الأمريكية في لبنان لا تزال قيد النقاش بين الأطراف اللبنانية، حيث إن المسودة جاءت باتفاق بين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب، بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبيل انتقال السلطة إلى ترمب.

وتعتقد حداد أن الإدارة الأمريكية تسعى لضمان انتهاء الحرب الحالية قبل تسلم ترمب مهامه في البيت الأبيض، ما جعلها تقدم هذه الورقة ضمن جهود مكثفة لتهدئة الأوضاع في المنطقة.

ووفق حداد، فإن المسودة تشير إلى بنود أثارت خلافات حادة، خصوصاً في ما يتعلق بدور إسرائيل في حال عجز الجيش اللبناني والقوات الدولية عن تنفيذ ما ورد في الورقة، حيث تتمحور هذه البنود حول مسألتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بقدرة الجيش اللبناني على منع تسليح حزب الله في جنوب لبنان وإبعاده إلى ما بعد نهر الليطاني، والثانية تتعلق بوقف تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان، كما تنص الورقة على تشكيل لجنة دولية للإشراف على تنفيذ هذه البنود، مكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة عربية، بحيث تنسق مع قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) لضمان تطبيق القرار 1701.

وتشير حداد إلى أنه بالرغم من أهمية هذه الورقة، لم يصدر حتى اللحظة أي رد رسمي من حزب الله، الذي يشهد تبايناً في المواقف داخل الأوساط اللبنانية، فبعض الأطراف تميل إلى القبول المشروط، بينما تواصل أخرى تفنيد البنود والمناقشة بشأنها.

وتوضح حداد أن هذه التطورات بشأن المسودة تأتي في وقت تعاني فيه إسرائيل من صعوبات عسكرية، إذ لم ينجح جيشها في تحقيق تقدم بري ملموس، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين جنوده، وأثقل كاهل الموازنة الإسرائيلية، يضاف إلى ذلك تململ المستوطنين الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم، ورفض العديد من الحريديم الانخراط في التجنيد الإجباري.

وتؤكد حداد أن إسرائيل تخشى الدخول في مرحلة استنزاف طويلة الأمد، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى العمل بجدية على وقف إطلاق النار.

وتوضح حداد أن الإدارة الأمريكية ترى أن تحقيق هذا الهدف قبل انتقال السلطة إلى ترمب سيمنحه فرصة لتعزيز أجندته في المنطقة، التي تشمل تطبيع العلاقات مع دول الشرق الأوسط، وتخفيف الحروب مع الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، لكن إذا فشلت الورقة في تحقيق نتائج ملموسة، فمن المرجح أن تتواصل الحرب، ما سيشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد الأمريكي.

وتلفت حداد إلى أن موافقة لبنان على الورقة قد تشير إلى ضغوط إيرانية مورست على حزب الله للقبول بها، ما يعني أن صفقة سرية قد تمت بين الولايات المتحدة وإيران.

وتلفت حداد إلى ان إمكانية موافقة حزب الله تلمّح إلى لقاء غير معلن بين رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك ومندوب إيراني، حيث تشير المعطيات إلى استعداد إيران لتخفيف دعمها لأذرعها في المنطقة مقابل مكاسب اقتصادية، مثل الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وتعزيز الاستثمارات الأمريكية في إيران.

غزة سوف تكون الخاسر الأكبر

من ناحية أخرى، ترى حداد أن غزة ستكون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، إذ تختلف رؤيتها عن لبنان فيما يخص التعامل الإسرائيلي.

وتوضح حداد أن إسرائيل تمكنت إلى حد كبير من إضعاف القدرة العسكرية لحركة حماس، فيما لا تزال الحرب مستمرة هناك.

وتتوقع حداد أن يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوضع في غزة للهروب من مأزقه الداخلي ومحاكمات الفساد، متوقعاً أن يطيل أمد الحرب حتى يجد إدارة فلسطينية مناسبة تضمن له مصالح إسرائيل الاستراتيجية.

وتشير حداد إلى أن السيناريوهات المطروحة قد تؤدي إلى تغيير ديموغرافي وجغرافي كبير في غزة، حيث تسعى إسرائيل لإعادة هيكلة المنطقة بما يخدم أهدافها الاستيطانية، في حين يبقى الشعب الفلسطيني في غزة هو الضحية الرئيسية لهذه التحولات.

مسودة الورقة “ملغومة”

يرى الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي أن الورقة الأمريكية التي تهدف لإنهاء إطلاق النار في لبنان ليست سوى مناورة سياسية تسعى إلى خدمة مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم في كل من لبنان وقطاع غزة حتى تسلم دونالد ترمب زمام السلطة في الإدارة الأمريكية والوصول إلى البيت الأبيض.

ويشير ياغي إلى أن نتنياهو أكد في اجتماع أمني سياسي مؤخراً أن الفترة المقبلة، التي تمتد على مدار الشهرين المقبلين، ستشهد مناورة مع إدارة الرئيس جو بايدن، مشددًا على أن هذه الورقة الأمريكية قد نوقشت مسبقاً مع ترمب وفريقه قبل أن تُطرح أمام الإدارة الحالية.

ويؤكد ياغي أن مسودة هذه الورقة “ملغومة” وتتضمن شروطًا لا يمكن لحزب الله والمقاومة اللبنانية قبولها، وأن العقبات الأساسية فيها تتعلق بآلية الإشراف والمراقبة المرتبطة بتطبيق القرار 1701.

ووفق ياغي، فإن المسألة الأولى في تطبيق القرار، تتطلب انسحابًا إسرائيليًا إلى ما وراء الخط الأزرق ووقف الانتهاكات الجوية للأجواء اللبنانية، مع إلزام حزب الله بعدم الظهور عسكريًا في الجنوب.

ويشير ياغي إلى أن المسألة الثانية تتمثل في توسيع لجنة الإشراف على الاتفاق، لتشمل دولاً، مثل فرنسا وأمريكا وبريطانيا وربما ألمانيا، بل وحتى هناك حديث عن إشراك دولة عربية، ما يعني نقل مسؤولية مراقبة الأوضاع إلى الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، وهو ما قد يؤدي إلى صدام مباشر بين الجيش اللبناني وحزب الله، مما يشكل فخًا محكمًا يسعى لنقل الفتنة إلى الجنوب اللبناني.

ياغي يرى أن المقترحات الأمريكية تهدف إلى شل قدرة حزب الله على التحرك جنوب نهر الليطاني، وهو أمر يعتقد أن حزب الله لن يقبل به، خاصة أن العديد من القرى في الجنوب تعاني من الدمار الإسرائيلي، والحكومة اللبنانية عاجزة عن إعادة بنائها في ظل أزماتها المالية.

هنا، يحذر ياغي من أن الولايات المتحدة تسعى لإعادة صياغة القرار 1701 بشكل جديد، عبر آلية مراقبة تتسم بالتحيز الواضح لصالح إسرائيل.

أي اتفاق منفرد في لبنان سيعني ترك غزة وحيدة

وعلى صعيد آخر، يوضح ياغي أن أي اتفاق منفرد في لبنان سيعني ترك غزة وحيدة، لكنه يشير إلى أن المقاومة اللبنانية لا تبدو متجهة نحو صفقة منفصلة، ما يعزز وحدة الجبهات بين لبنان وغزة.

وفي السياق ذاته، يشير ياغي إلى أن نتنياهو يسعى إلى تحقيق صفقة شاملة مع ترمب تشمل كل من غزة والضفة الغربية والتطبيع مع دول عربية، وعلى رأسها السعودية.

ويؤكد ياغي أن نتنياهو يفضل تأجيل أي اتفاقات لوقف إطلاق النار حتى يمكنه تقديمها كهدية لترمب عند عودته إلى السلطة.

ويشير ياغي إلى أن نتنياهو يدرك أن جبهة لبنان تضعه في موقف صعب، خاصة مع استمرار الهجمات على العمق الإسرائيلي، وما يترتب على ذلك من تداعيات نفسية واقتصادية وأمنية على المجتمع الإسرائيلي، فالعمليات العسكرية في الشمال والجنوب تتسبب في قتلى وجرحى، وإجبار الإسرائيليين على اللجوء إلى الملاجئ، وتجميد النشاط الاقتصادي في مناطق واسعة، ما يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة، ويقوض الادعاء بأنها ملاذ آمن لليهود منذ تأسيسها في عام 1948.

وعن غزة، يرى ياغي أن المقاومة الفلسطينية ستستمر في القتال دفاعاً عن قضيتها، لأن جوهر الصراع الحالي يتمحور حول تصفية القضية الفلسطينية عبر القضاء على المقاومة في القطاع

ويشير ياغي إلى أن إسرائيل تخطط بأن ضم الضفة الغربية أولا ثم تهويد الأماكن المقدسة في القدس لا يمكن أن يحدثا إلا إذا تم كسر شوكة المقاومة في غزة، وهو ما تسعى إسرائيل لتحقيقه، بالرغم من استنزافها على جبهتي الجنوب والشمال.

ويحذر ياغي من أن حكومة ترمب المقبلة ستكون داعمة تماماً لخطط نتنياهو، خاصة أن فريق ترمب الجديد يتكون من شخصيات متطرفة، سواء تجاه إيران والصين، أو مؤيدة للاستيطان في الضفة الغربية.

ويذكر ياغي أن السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، ديفيد هاكافي، الذي عينه ترمب، يعبر عن هذه التوجهات من خلال إيمانه بأن الضفة الغربية هي “يهودا والسامرة” وليست أرضاً فلسطينية.

ويلفت ياغي إلى المخاطر الحقيقية المترتبة على دعم ترمب لسيادة إسرائيل على الضفة، حتى لو اقتصر الأمر على مناطق استراتيجية مثل الأغوار، ومستوطنات غوش عتصيون، ومعاليه أدوميم، مؤكدًا أن هذا السيناريو يشكل تهديدًا خطيرًا.

من غير المرجح أن تنجح الورقة الأمريكية

يرى الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي د.أشرف بدر أنه من غير المرجح أن تنجح الورقة الأمريكية المطروحة لتهدئة الأوضاع في لبنان، معتبرًا إياها وثيقة تعكس الرؤية والشروط الإسرائيلية، التي جرى التوافق عليها مع الولايات المتحدة لفرضها على الجانب اللبناني وهو امر غير مبني على التفاوض بين طرفي الصراع.

ويوضح بدر أن هذه الورقة تنطلق من افتراض خاطئ، وهو أن حزب الله والمقاومة اللبنانية قد تعرضا لهزيمة تستوجب استسلامهما وقبولهما بالشروط الإسرائيلية، لكن، على العكس، يصر حزب الله على أنه لم يُهزم بالرغم من الفارق الكبير في ميزان القوى بين الطرفين، ما يجعل فرص نجاح الورقة ضئيلة للغاية إلا في حال خضوع المقاومة لشروط إسرائيلية تتضمن الحد من تحركاتها واستهدافها أمنياً، وهو أمر مستبعد.

ويشير بدر إلى أن الورقة الأمريكية تواجه عقبات أساسية، أبرزها أنها تمثل إملاءات أحادية الجانب، ولا تراعي مبدأ التفاوض الذي يضمن مصالح الطرفين، إذ إنها مصممة لتلبي المصالح الإسرائيلية فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار سيادة لبنان أو متطلبات المقاومة، ما يجعل من الصعب قبولها سواء من قبل الحكومة اللبنانية أو قوى المقاومة.

ويوضح بدر أن الورقة تنقصها أسس التوازن المطلوبة في أي مفاوضات جادة، ما يجعلها أقرب إلى محاولة انتقاص من حقوق وسيادة لبنان.

إسرائيل تسعى من خلال الورقة إلى كسب الوقت

وحول توقيت طرح هذه الورقة، يعتقد بدر أن إسرائيل تسعى من خلالها إلى كسب الوقت، بهدف تجنب اتخاذ أي خطوات حاسمة خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس جو بايدن.

ويصف بدر هذه الخطوة بأنها تكتيك عبثي يهدف فقط إلى إشغال الأطراف بإمكانية حل غير جدي، مع إدراك واشنطن وتل أبيب المسبق أن حزب الله لن يقبل بهذه الشروط.

ويشير إلى أن الهدف الآخر من هذا التوقيت هو تهدئة الشارع الإسرائيلي، الذي يئن تحت وطأة الحرب، عبر الإيحاء بأن هناك مساعٍ للحل، مما قد يخفف من الضغط الشعبي والاحتجاجات.

ويعتقد بدر أنه حتى على افتراض أنه سيتم فصل الساحات بين غزة ولبنان، وإمكانية أن تتخلى إيران وحزب الله عن دعم غزة بشكل مباشر، فإن إسرائيل ولطبيعتها العدوانية لن تتخلى عن مواجهة إيران وأذرعها في المنطقة، مؤكداً أن أي فعل معادٍ لإسرائيل من شأنه أن يوحد الجبهات مجدداً، إذ إن التهديدات الأمنية في المنطقة مترابطة.

القطاع سيبقى في مواجهة مباشرة مع الحرب والاستيطان

أما بشأن الوضع في غزة، فيرى بدر أن القطاع سيبقى في مواجهة مباشرة مع الحرب والاستيطان، ما لم يحدث تغيير جذري في المعادلة الإسرائيلية، وقد يشمل هذا التغيير تفكك الائتلاف الحكومي الإسرائيلي أو تزايد الرفض الشعبي للسياسات العسكرية والخروج للشارع من قبل الإسرائيليين للمطالبة بإبرام صفقة.

ويلفت بدر إلى أن الخروج من الحرب في غزة قد يكون صعباً دون تدخل خارجي من قبل قوى عالمية، مثل الولايات المتحدة، لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، أو في حال حدوث تحولات مفاجئة على الأرض.

ويستبعد بدر بشكل كبير سيناريو استسلام المقاومة، ما يجعل آفاق انتهاء المواجهات غير واضحة، سواء في لبنان أو غزة.

ويؤكد بدر أنه لا توجد مؤشرات ملموسة على قرب نهاية التصعيد في أي من الساحتين غزة أو لبنان، ما ينذر بمزيد من التوتر والتصعيد المستمر في ظل غياب تسوية حقيقية وعادلة.

عقبات تعترض نجاح الورقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن الورقة الأمريكية المقدمة حول تسوية الملف اللبناني لن تحقق نجاحاً في ظل الوضع الراهن، بالرغم من الجهود الأمريكية المبذولة لفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة.

ويوضح عنبتاوي أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى جاهدة لتحقيق اتفاق يضمن الاستقرار على الحدود اللبنانية قبل مغادرتها البيت الأبيض، لكن المقاومة اللبنانية لن تقبل بهذا المقترح، الذي يسعى بشكل أساسي إلى تعزيز الأمن الإسرائيلي في جنوب لبنان دون مراعاة لمطالب المقاومة أو تطلعاتها.

ويشير عنبتاوي إلى أن أُولى العقبات أمام نجاح الورقة الأمريكية أنها تحمل شروطاً أقرب إلى الاستسلام، وليست موجهة للتوصل إلى تسوية عادلة وهو ما ترفضه المقاومة اللبنانية.

ويؤكد أنه لو كانت المقاومة اللبنانية في موقف ضعف لربما كان هناك بعض التنازلات، ولكن الواقع على الأرض يعكس عكس ذلك، حيث تواصل المقاومة تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة، مع استمرار صمودها في الميدان، والفشل الإسرائيلي في التوغل داخل جنوب لبنان يعكس مدى تعقيد الأوضاع، ويكشف عن الصعوبات التي تواجه الاحتلال

وبحسب عنبتاوي، فإن هناك عقبة إضافية أمام نجاح هذه الورقة تتمثل في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض حالياً أي اتفاق حقيقي، ويفضل المناورة وكسب الوقت، بانتظار وصول الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترمب قد تكون أكثر توافقاً مع أهداف إسرائيل، بما يشمل التصعيد ضد إيران وفتح جبهات أخرى في المنطقة.

من جانب آخر، يوضح عنبتاوي أن جبهة لبنان فُتحت لدعم غزة كجبهة مساندة مباشرة بعد اندلاع الحرب على القطاع، في خطوة تعزز صمود المقاومة الفلسطينية. ويستشهد عنبتاوي بكلمات الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد حسن نصر الله، حول قطاع غزة وإسناده وكأنها توصية منه للحزب بضرورة تقديم الدعم الكامل لغزة.

ويؤكد عنبتاوي أن حزب الله دفع أثماناً كبيرة من خلال التضحيات والخسائر، وأنه لن يقبل بشروط تستهدف إنهاء دوره في دعم المقاومة الفلسطينية.

لا يمكن التوصل لاتفاق حقيقي دون تسوية شاملة

ويوضح أنه لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق حقيقي إلا إذا كانت هناك تسوية شاملة تشمل محور المقاومة بالكامل، وهو ما يجعل الورقة الأمريكية بعيدة عن تحقيق أهدافها.

وفي السياق نفسه، ينتقد عنبتاوي الشراكة الأمريكية وبعض الدول الغربية في دعم إسرائيل، وسط صمت عربي وإسلامي إزاء “حرب الإبادة” في قطاع غزة.

ويشير عنبتاوي إلى أن هناك أوراق ضغط متاحة لوقف العدوان، إلا أن غياب الفعل العربي والإسلامي والدولي يؤدي إلى استمرار القصف والدمار.

ويشدد عنبتاوي على أن أهالي غزة، بالرغم من المعاناة، يواصلون الصمود والمقاومة، وتُكبّد المقاومة هناك الاحتلال خسائر كبيرة، معتبراً أن إ

سرائيل لن تتمكن من تحقيق هدفها في إنهاء الوجود الفلسطيني في القطاع.

المصدر “جريدة القدس “