انتهاكات الاحتلالفلسطيني

استهداف الصحفيين بالقتل والاعتقال..‬ محاولة للتعمية على الجريمة الـمُدوّية

شروق الأسعد: استمرار إسرائيل في استهداف الصحفيين يعود إلى غياب المحاسبة الدولية الحقيقية على جرائمها

‫سليمان بشارات: استهداف الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين لأنهم مرجعية أساسية في نقل الصورة الحقيقية للعالم ‬

‫مراد السبع: لم تستطع إسرائيل طمس الحقيقة بالكامل والإعلام الإلكتروني بات يلعب دوراً محورياً في نقل الرواية‬

‫نجود القاسم: استهداف الصحفيين يعيق توثيق الأحداث من زوايا مختلفة كنقل القصص الإنسانية التي تؤثر بالجمهور‬

‫نبهان خريشة: إسرائيل تدير معركة إعلامية هائلة تهدف إلى نشر المعلومات الـمُضللة والتأثير في الرأي العام الغربي‬

‫ماجد هديب: إسرائيل تسعى لمنع كشف وجهها الحقيقي.. والرسالة الإعلامية الفلسطينية لم تتوقف برغم القتل والدمار‬

وسط تصاعد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية للصحفيين، والتي كان آخرها اغتيال الناطق باسم حزب الله محمد عفيف وقبلها استشهاد عدد من الصحفيين في قطاع غزة، تبرز مساعٍ إسرائيلية مستمرة لإسكات الحقيقة التي تفضح جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واللبنانيين، من أجل تكريس رواية إسرائيل الرسمية.

وتؤكد نقابة الصحفيين الفلسطينيين وصحافيون وكتاب، في أحاديث منفصلة مع “ے”، أن غياب المحاسبة الدولية، والاكتفاء بالإدانات الرمزية، يغذي استمرار الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بحق الصحفيين، وأن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية استمرار هذه الجرائم، بسبب الصمت المتواصل وغياب الإجراءات العقابية الجادة بحق إسرائيل.

ويؤكدون أن الدوافع الإسرائيلية خلف استهداف الصحفيين ثابتة، سواء قبل الحرب المتواصلة أو بعدها، في محاولة لترهيبهم وكبح أي صوت يعارض السردية الإسرائيلية، لكن جهود الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين تبقى حيوية في فضح تلك الانتهاكات، على الرغم من المخاطر الهائلة التي تواجههم.

محاولة إسرائيل ‫إسكات أي رواية أُخرى تتحدى روايتها‬

توضح شروق الأسعد، عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين والصحفية في إذاعة مونت كارلو الدولية، أن الدوافع وراء استهداف إسرائيل للصحفيين تبقى ثابتة قبل الحرب وبعدها، وتتمثل في محاولتها إسكات أي رواية أخرى قد تتحدى روايتها الرسمية.

وتؤكد الأسعد أن الهدف الأساسي لإسرائيل هو ترهيب الصحفيين، دون تمييز بين جنسياتهم أو هوياتهم، وأن هذا الاستهداف يُعد جريمة، من منظور إنساني وصحفي، وهو جريمة حرب تستوجب العقاب.

وتعتقد أن استمرار إسرائيل في استهداف الصحفيين يعود إلى غياب المحاسبة الدولية الحقيقية، مشيرة إلى أن الإدانات وحدها لا تكفي.

وتقول الأسعد: “إن الإدانات بدون عقوبات فعلية أو مساءلة قانونية للمسؤولين عن هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية تُعد غير كافية، حيث إن إسرائيل تستمر في جرائمها لأنها تدرك أن المجتمع الدولي يكتفي بالإدانات ولا يتخذ خطوات ملزمة لمحاسبتها، مما يمنحها ضوءاً أخضر للاستمرار بانتهاكاتها”.

وتوضح الأسعد أن إسرائيل توصل رسالة مفادها أن الإدانات لا تعنيها، وأنها ستواصل تصرفاتها بلا رادع.

وتشير الأسعد إلى أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في استمرار هذه الجرائم، لكونه يسمح لإسرائيل بالتصرف دون محاسبة، رغم توقيع دول العالم على مواثيق حقوق الإنسان.

وتشدد الأسعد على أن الاكتفاء بالإدانة يجعل المجتمع الدولي شريكاً في الجريمة، لأنه لم يفرض عقوبات أو ضغوطات كافية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.

وبالرغم من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية بحق الصحفيين، تؤكد الأسعد أن إسرائيل لم تنجح في إسكات الرواية الفلسطينية، مشيدة بشجاعة الصحفيين الذين ينقلون الأحداث من غزة والضفة الغربية ومناطق التماس الأخرى.

وتلفت الأسعد إلى أن العمل الصحفي الذي يقوم به الصحفيون في الميدان يُعد بطولياً، لأنه بفضلهم عرف العالم حقيقة ما يجري، وبالرغم من الاستهداف المتعمد الذي تعرّض له الصحفيون، والذي أدى في حالات عدة إلى إيذائهم جسدياً ونفسياً، وقتل بعضهم، فإن الصحفيين الفلسطينيين واصلوا أداء واجبهم لنقل الرواية الفلسطينية للعالم.

وتؤكد الأسعد ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات جدية لوقف الإبادة بحق الفلسطينيين، بمن فيهم الصحفيون، وأن يتحمل مسؤولياته عبر محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

وتشدد على أن العالم يجب أن يتخلى عن سياسة الكيل بمكيالين، وأن يلتزم بما يدّعي الإيمان به من قيم القانون الدولي وحقوق الإنسان، محذرة من أن عدم تطبيق هذه القيم يشجع إسرائيل على مواصلة انتهاكاتها.

وبحسب نقابة الصحفيين، فإن 180 صحافياً استشهدوا منذ السابع من أكتوبر تشرين الاول 2023، بينهم 179 صحافياً استشهدوا في قطاع غزة وشهيد في الضفة الغربية، علاوة على نحو 400 صحفياً قد جرحوا، وتسجيل 135 حالة اعتقال، و88 مؤسسة تم استهدافها بينها 73 مؤسسة في غزة هدمت بشكل كامل والبقية تم اغلاقها في الضفة الغربية.

الاحتلال يستخدم ‫السردية لمحاولة ترسيخ وجوده‬

يوضح الكاتب والمحلل السياسي الصحفي سليمان بشارات أن الاحتلال الإسرائيلي، منذ تأسيس دولته في فلسطين، يستند بشكل جوهري إلى السردية والرواية كأداة أساسية لترسيخ وجوده وتبرير ممارساته.

ويؤكد بشارات أن الاحتلال يركز على أن ما يجري ليس مجرد صراع عسكري وسياسي، بل هو أيضاً صراع على الوعي الجماهيري، وعلى محاولة هندسة إدراك الشعوب وتثبيت فكرة أن الوجود الإسرائيلي ليس غريباً أو استعمارياً بل أصيلاً ومتجذراً، وهذه الاستراتيجية تعود إلى فترة ما قبل عام 1948، وبالتحديد منذ إعلان وعد بلفور عام 1917، حيث حاولت الحركة الصهيونية استحضار التاريخ والدين والثقافة لربط وجودها بهذه الأرض.

ويسعى المشروع الإسرائيلي وفق بشارات، إلى دمج الرواية الدينية مع التاريخية والثقافية، معززة بالقيم والمبادئ لتشكل الأساس الحضاري للاحتلال، وهذا الربط ليس اعتباطياً؛ فلكل دولة أو إمبراطورية تسعى لتأكيد هويتها، كان لا بد من سردية تجعلها مقبولة ومفهومة لدى المجتمعات، والإسرائيليون يسعون جاهدين، عبر هذه الوسائل، لتقديم كيانهم كمشروع متجذر وليس دخيلاً، ما يفسر أهمية خلق صورة إيجابية ومنظمة في أذهان الجماهير، سواء عبر الإعلام أو المؤسسات التعليمية.

في هذا السياق، يؤكد بشارات أن أي تهديد يكشف زيف الرواية الإسرائيلية يصبح هدفاً مباشراً، سواء كان من خلال مؤسسات دولية توثق انتهاكات الاحتلال أو وسائل إعلام تعكس حقيقة ما يحدث في الأراضي الفلسطينية أو لبنان.

ويشير بشارات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يتوانى عن التشكيك بتقارير هذه الجهات، واتهامها بالتضليل أو محاولة شيطنتها، وإذا فشلت هذه الأساليب، يتحول إلى محاصرة نشاطاتها بهدف تقليص تأثيرها، بل وباستهداف الصحفيين وقتلهم.

ويؤكد بشارات أن الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين يشكلون مرجعية أساسية في نقل الصورة الحقيقية للعالم، من هنا، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على استهدافهم عبر القتل والاعتقال والتهديد أو تشويه صورتهم.

ويشدد بشارات على أن الهدف النهائي للاحتلال الإسرائيلي هو إسكات الأصوات المناوئة لروايته، ومنع نشر الحقائق التي تقوض مشروعه، وبهذا يخلق الاحتلال فراغاً معلوماتياً يملؤه بروايته.

ووفق بشارات، يعتمد الاحتلال أيضاً على تكتيك تكرار الأكاذيب حتى تصدق، فعبر تقديم أنصاف الحقائق، يتم التلاعب بعقول المتلقين، حيث يقع الكثيرون في فخ المعلومات المغلوطة الممزوجة بجزء من الحقيقة، وهنا يكمن سر نجاحه في بناء روايته لدى الجماهير، حيث ترتبط هذه الرواية بآليات ترويج ضخمة تمولها إمبراطوريات إعلامية خاضعة للنفوذ الصهيوني العالمي.

ويعبر بشارات عن أسفه من أن بعض وسائل الإعلام تقع أحياناً في أفخاخ الدعاية الإسرائيلية، إما بسبب الاستعجال في نقل الأخبار أو لعدم توافر مصادر بديلة، وبهذا تصبح الرواية الإسرائيلية المصدر الأساسي للمعلومات، ما يعزز انتشارها دون تفنيد أو تشكيك.

ويشير بشارات إلى أن هذا يثير تساؤلات مهمة حول استهداف إسرائيل للمتحدثين الرسميين، كحزب الله في لبنان أو الصحفيين في غزة، فالاحتلال الإسرائيلي لا يريد أن تظهر أصوات قوية تناقض روايته، بل يسعى دائماً لترويج سردية واحدة تفرض نفسها على العالم، ومن خلال السيطرة على الإعلام، يستطيع الاحتلال التحكم بالمعلومة وتحويلها إلى أداة تخدم مصالحه.

ويعتقد بشارات أن الدعم الدولي لممارسات الاحتلال، أو على الأقل الصمت المطبق تجاه جرائمه، يفسر بأنه جزء من الهيمنة الدولية، فالولايات المتحدة ودول الاستعمار الغربي مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، تتحكم في المؤسسات الدولية، وحتى عندما تحاول هذه المؤسسات توثيق انتهاكات الاحتلال، تظل عاجزة عن اتخاذ إجراءات فعالة بسبب ارتباطها بمصالح الدول الكبرى.

ويشير بشارات إلى أن الهيمنة السياسية تحكمها اعتبارات استراتيجية، لا سيما تلك المرتبطة بمسوغات “الدفاع عن النفس” التي يروج لها الاحتلال، أو بمزاعم “معاداة السامية” التي تحول دون محاسبته.

تركيز إسرائيلي على القوتين العسكرية والإعلامية

يشير الصحفي مراد السبع إلى أن إسرائيل تركز في هذه الحرب على قطاع غزة ولبنان على قوتين رئيسيتين: القوة العسكرية والإعلامية.

ويُبرز السبع كيف يعتمد الإعلام الإسرائيلي على مخاطبة الداخل فقط، حيث يُعزَل الجمهور الإسرائيلي عن أي مصدر معلومات آخر غير الإعلام العبري الذي ينقل ما تريده دولة الاحتلال فقط، ورغم إخفاقات الجيش الإسرائيلي والخسائر التي يتكبدها، فإن الإعلام العبري يظل وسيلة زرع الرواية الرسمية المضللة في عقول الإسرائيليين، حتى مع الصعوبات في إخفاء أعداد القتلى والمشاكل الأمنية.

ويعتقد السبع أن إسرائيل تدرك خطورة الإعلام العالمي وتأثيره على الرأي العام الدولي، لهذا السبب، تتبع استراتيجية لمنع نشر الحقائق التي توثق جرائمها في قطاع غزة ولبنان، وتخشى من تأثير هذه التغطيات على الشعوب الغربية، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، حيث قد تتشكل حملات ضغط قوية على حكوماتهم.

ويؤكد السبع أن إسرائيل تتوجس من الإعلام القادر على فضح جرائمها التي تريد ارتكابها في الخفاء، مثل عمليات الإبادة الجماعية والممارسات العقابية بحق المدنيين، بما فيها سياسة التجويع.

وفي ما يتعلق باغتيال المتحدث الإعلامي باسم حزب الله، يرى السبع أن تصريحاته تتمتع بمصداقية لدى الناس، مستندة إلى تاريخ الثقة التي بناها الأمين العام السابق الشهيد حسن نصر الله، وهو ما لا تريده إسرائيل في سياق طمس الحقائق.

ويؤكد السبع أن إسرائيل تستهدف الإعلاميين في لبنان وغزة بذريعة أنهم يعملون مع المقاومة أو يدعمونها، وتسعى لإضفاء صفة عسكرية على الصحفيين لتبرير قتلهم واستهدافهم.

هذه الاستراتيجية، بحسب السبع، تأتي ضمن إطار الجهود الإسرائيلية لمحو الروايات التي تنقلها الصحافة، وتقديمها على أنها جزء من الحرب ضد الإرهاب.

ويعيد السبع التأكيد على أن إسرائيل لا تعبأ بالإدانات الدولية، فرغم البيانات المستمرة من المؤسسات الحقوقية والصحفية العالمية، فإنها تعلم أن قوتها العسكرية والإعلامية تتجاوز أي ضغط محتمل.

ويُعبر السبع عن شعوره بعدم الثقة في قدرة المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات فعالة ضد إسرائيل، إذ يوضح أن إسرائيل، بدعم إعلامها المؤثر، قادرة على الضغط على الدول الكبرى، وتقديم نفسها كضحية.

لكن السبع يرى أن بإمكان المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات هامة، مثل إعلان إسرائيل دولة لا تحترم حرية الصحافة وحقوق الإنسان، رغم أن هذه الإجراءات لن تمنع الاحتلال من مواصلة جرائمه.

من جانب آخر، يشير السبع إلى أنه، ورغم كل ما تفعله إسرائيل، لم تستطع طمس الحقيقة بالكامل، فالإعلام الإلكتروني بات يلعب دوراً محورياً في نقل الرواية، حيث يُسهّل على “المواطن الصحفي” التقاط الصور والفيديوهات، وإرسالها عبر التطبيقات مثل واتساب وتليغرام، ما يتيح للصحفيين المحترفين الوصول إلى هذه المواد والتحقق منها ونشرها.

ويعتبر السبع أن الصحافة الإلكترونية، بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي، تساعد في التحقق من مصداق

ية المواد الإعلامية والتأكد من عدم التلاعب فيها، مما يضمن استمرار نقل ما يحدث من جرائم إسرائيلية.

طبيعة الحرب أثرت على طبيعة التغطية

تعتقد الصحفية نجود القاسم أن الدوافع الحقيقية وراء استهداف إسرائيل للصحفيين، وللمتحدث باسم حزب الله في لبنان تحديداً، أو الصحفيين في قطاع غزة، هي ذاتها التي تدفعها لاستهداف المدنيين في لبنان وغزة.

وتوضح القاسم أن هذه الدوافع ليست مختلفة عن تلك التي تقف خلف قصف المستشفيات والطواقم الطبية، واستهداف المدنيين في منازلهم، وشن الغارات على المخيمات في الضفة الغربية، وملاحقة النازحين في مخيمات اللجوء.

وتشير القاسم إلى أن إسرائيل تستهدف كل شيء بلا رادع دولي، مستغلة غياب أي تحرك عالمي حاسم، ما يشجعها على التمادي في سياساتها العدوانية.

وتلفت القاسم إلى أن العالم لا يكتفي بأنه يقف متفرجاً على ما يجري، بل إن بعض القوى الدولية تقدم الدعم المباشر لإسرائيل، ما يعزز من إصرارها على مواصلة حرب الإبادة في غزة ولبنان.

وتؤكد القاسم أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في هذه الحرب الشرسة هو تدمير البنية الحاضنة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

وتقول القاسم: “إن إسرائيل تريد تحميل المدنيين ثمن دعمهم للمقاومة، وتسعى إلى زرع الخوف بينهم لإثنائهم عن دعم المقاومة مستقبلاً، وهي سياسة قديمة اتبعتها منذ إنشاء دولة الاحتلال”.

وتشير إلى أن دولة الاحتلال لطالما اعتبرت المدنيين أهدافاً مشروعة، إلا أن العنف الإسرائيلي اليوم بات أكثر شراسة وقسوة، حيث بات المدني الفلسطيني يُنظر إليه كتهديد عسكري، بما في ذلك الصحفي الذي ينقل الرواية الفلسطينية ويناقض سردية الاحتلال.

وتلفت القاسم إلى أن إسرائيل تسعى أيضاً إلى إرسال رسالة واضحة بأنها تملك اليد الطولى، وأن بإمكانها الوصول إلى أي شخص وأي مكان، سواء في غزة أو في بيروت.

وبالرغم من الإدانات الدولية المتكررة لجرائم الاحتلال، ترى القاسم أن هذه الإدانات غير كافية وتفتقد إلى الجدية، وتقول: “إن الإدانات تسبب بعض الإزعاج لإسرائيل، لكنها سرعان ما تتلاشى، في الحقيقة، هذه البيانات لا تساوي الحبر الذي تُكتب به، وتبدو وكأنها جاهزة للتوزيع بعد كل جريمة بحق الصحفيين الفلسطينيين أو اللبنانيين”. وتؤكد القاسم أن هذه الإدانات لم توقف الاحتلال عن استهداف المدنيين، ولا عن استهداف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، في إطار حرب الإبادة المتواصلة.

وتؤكد القاسم أن الحاجة هي خطوات عملية مثل ملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، والعمل على تجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة وفي المؤسسات الدولية، بما في ذلك الاتحاد الدولي للصحفيين.

وتقول القاسم: “بدون إجراءات حقيقية ومحاسبة فعلية، سيستمر الاحتلال في ارتكاب جرائم بحق الصحفيين، بل وقد يتمادى أكثر”.

من جهة أخرى، توضح القاسم أن تأثير هذه الحرب على نقل الحقيقة في غزة ولبنان واضح، حيث يعيق الاستهداف المتعمد للصحفيين توثيق الأحداث ونقلها من زوايا مختلفة كنقل القصص الإنسانية التي تترك الأثر في الجمهور، رغم أهمية ما يقوم به الصحفيون من تغطية في ظل ظروف صعبة جدا.

وتقول القاسم: “ان إسرائيل تريد عبر هذه الاستهدافات منع نقل ما يحدث، لأنها تدرك أن توثيق الجرائم يشكل أداة مهمة لمحاكمة مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية”.

وبحسب القاسم، فإنه مع ذلك، يواصل الصحفيون الفلسطينيون عملهم بشجاعة، متحدّين المخاطر لتوثيق المجازر الإسرائيلية.

وتقول القاسم: “الصحفيون الشجعان لا يستسلمون، لكن عملهم في هذه الظروف يصبح صعباً، وتؤثر طبيعة الحرب على عملهم وطبيعة ما ينقلون،. مما يحد من قدرتهم على إبراز قصص إنسانية مؤثرة يمكن أن تسلط الضوء على حجم المعاناة أكثر من الأخبار العاجلة”.

وتؤكد القاسم أن التغطيات الإعلامية تحت القصف تفتقر إلى التنوع، حيث تركز بشكل أساسي على الأخبار العاجلة.

وتقول القاسم: “هذا الوضع يجعل تغطية الصحفيين متشابهة في محتواها، مما يقلل من تأثيرها على الجمهور ويجعلها أقل جذباً”.

وتشير القاسم إلى أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ سنوات، واستهداف المكاتب الإعلامية، تسبب في تأخير وصول المعلومات الدقيقة، ما يؤثر سلباً على توثيق الأحداث واستخدامها كأدلة ضد الاحتلال.

مخطط أوسع لحجب الحقائق وطمس الجرائم

الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن استهداف الصحفيين سواء في غزة او لبنان والتي كان اخرها استهداف الناطق باسم حزب الله محمد عفيف يمثل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الهجمات الإسرائيلية ضد الإعلاميين والصحفيين الفلسطينيين والعرب، في إطار مساعي إسرائيل للهيمنة على السرديات الدولية وإقصاء الرواية الفلسطينية والعربية.

ويلفت خريشة إلى أن إسرائيل، ومنذ عقود، تستهدف المئات من الصحفيين لتبقي روايتها هي المؤثرة والمهيمنة في المشهد الإعلامي الدولي، في حين تتعمد تغييب الروايات التي تكشف الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها بحق الفلسطينيين والعرب.

ويوضح خريشة أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة شهد اغتيال 180 صحفياً وإعلامياً فلسطينياً، فضلاً عن إصابة المئات منذ بدء الحرب على القطاع قبل أكثر من عام.

ويؤكد خريشة أن هذا الاستهداف المتعمد للطواقم الإعلامية يأتي ضمن مخطط أوسع لحجب الحقائق وطمس الجرائم، ويبرز بوضوح في العمليات الإجرامية التي طالت صحفيين غطوا الأحداث في قطاع غزة، كما في السياسات التي تنفذها إسرائيل ضد الصحفيين العرب والدوليين على حد سواء.

ويشير خريشة إلى أن إسرائيل لا تكترث بالإدانات الدولية المتكررة التي تستنكر استهداف الصحفيين، بل تستمر في هذه الممارسات لأنها تدرك أن معركة السرديات لا تقل أهمية عن المواجهات العسكرية.

ويؤكد خريشة أن إسرائيل تسعى جاهدةً لإدارة معركة إعلامية هائلة، تستثمر فيها مئات الملايين من الدولارات عبر شبكة ضخمة من المواقع الإلكترونية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الشبكة تهدف إلى نشر المعلومات المضللة والتأثير في الرأي العام الغربي من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومن هنا بالتوازي تستهدف الصحفيين في محاولة لطمس الحقيقة وإظهار الرواية المزيفة.

ومع ذلك، يؤكد خريشة أن إسرائيل خسرت معركة العلاقات العامة، إذ انتشرت مقاطع الفيديو والنصوص التي تكشف جرائمها في غزة بشكل واسع عبر تلك الوسائل، ما أثار موجة إدانة دولية وأحدث تضامناً غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني.

ويبيّن خريشة أن إسرائيل تعمل بجهد لحجب الحقائق، كما يتجلى في قرارها بحظر قناة الجزيرة وقنوات أُخرى، إضافة إلى فرضها رقابة عسكرية صارمة على الصحفيين الأجانب وحتى الإسرائيليين، لمنع نشر تقارير عن خسائر الجيش الإسرائيلي وتضليل الرأي العام العالمي والمحلي.ك

وفي ما يتعلق بمسألة الضغط الدولي لحماية الصحفيين، يدعة خريشة نقابات الصحفيين الدولية، وخاصة الاتحاد الدولي للصحفيين، إلى لعب دور أكثر فاعلية في فضح الممارسات الإسرائيلية. ك

ويؤكد خريشة أهمية إطلاق حملات دولية لرفع مستوى الوعي حول هذه الانتهاكات، وتقديم شكاوى موثقة إلى محكمة الجنايات الدولية بشهادات مباشرة من الإعلاميين ومؤسساتهم. ح

ويوضح خريشة أن المجتمع الدولي، عبر نقاباته الصحفية، يجب أن يوفر الوسائل اللازمة لحماية الصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين، إلى جانب تكثيف البرامج التدريبية والإرشادية المتعلقة بسلامة العمل الصحفي في مناطق النزاع، لضمان حماية أكبر لهم في ظل الظروف المعقدة التي يواجهونها.

المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الاتحاد الدولي للصحفيين

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ماجد هديب أن سياسة إسرائيل باستهداف الصحفيين في فلسطين ولبنان تعكس سعيها المستمر، منذ نشأتها، إلى منع كشف وجهها الحقيقي أمام العالم، وهي لا تخشى فقط الاتهام بجرائم الحرب بقدر ما تخشى المقارنة بالنازية الألمانية، خاصة عندما تتصاعد مطالب التوثيق الدولي لجرائمها.

الهجمات الإسرائيلية ضد الصحفيين، وفقاً لهديب، ليست جديدة، بل تتبع استهدافات متكررة لكل من ينقل أو يوثق انتهاكاتها، وهو ما بدا جلياً في الحرب على لبنان عام 2006 حين قصفت إسرائيل قناة “المنار” التابعة لحزب الله، وكذلك تدمير فضائية الأقصى عام 2014 خلال العدوان على غزة.

ويقول هديب:”إن اغتيال إسرائيل للمتحدث الرسمي باسم حزب الله محمد عفيف لم يكن مجرد حادث عرضي، بل هو جزء من جهود لإسكات الأصوات التي تكشف الحقائق على الجبهات، سواء في الميدان العسكري أو تأثيرات المعركة على المجتمع الإسرائيلي”.

الإعلام العسكري، بحسب هديب، يمتلك دوراً مركزياً في فضح الوقائع وكشف الخسائر الإسرائيلية، ولهذا السبب تحديداً تسعى تل أبيب إلى قصف المؤسسات الإعلامية وقتل الصحفيين.

هديب يوضح أن الصحفيين العاملين في الإعلام المقاوم يعززون معنويات الفلسطينيين وينقلون ما يدور في ساحات المعارك، مما يحرج إسرائيل ويزيد الضغوط على قيادتها، خاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في ظل تصاعد الاستياء الشعبي منه ومن حكومته.

كما أن للإعلام المقاوم، وفقاً لهديب، قدرة كبيرة على تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتشكيل حالة من الالتفاف الوطني حول المقاومة، لذلك، ترى إسرائيل في الإعلام الفلسطيني واللبناني تهديداً مباشراً لسياساتها العسكرية، وتعمل على ضرب هذه الوسائل الإعلامية للتأثير على الروح المعنوية للفلسطينيين ومحاولة إضعاف وحدة الصف.

ويشير هديب إلى أنه رغم محاولات إسرائيل المستمرة للقضاء على دور الصحافة الفلسطينية، فإن الصحفيين في غزة ظلوا ينقلون الحقيقة بشجاعة.

من جانب آخر، يذكّر هديب بما تعرضت له الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، التي قُتلت بدم بارد خلال تغطيتها لأحداث في جنين، مستشهداً بما أظهرته هذه الجريمة من إصرار إسرائيلي على استهداف الصحفيين رغم الإدانات الدولية، بل وتجاهلت القضية وتنصلت منها.

ويعتبر هديب أن الجهود الدولية لمواجهة جرائم إسرائيل بحق الصحفيين ما زالت دون المستوى المطلوب، مرجعاً ذلك إلى تباين الآراء وضعف المواقف الحقوقية في المؤسسات الدولية.

ويقول هديب: “من دون تشكيل رأي عام ضاغط، سيظل المجتمع الدولي عاجزاً عن الضغط على إسرائيل لوقف استهداف الصحفيين”.

ويرى هديب أن المسؤولية الكبرى تقع على الاتحاد الدولي للصحفيين ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، داعياً إياهم إلى حشد الجهود والتواصل مع جميع النقابات العالمية لإطلاق حملات تضامنية واعتصامات تهدف للضغط على إسرائيل.

من جانب آخر، يوضح هديب أن الرسالة الإعلامية الفلسطينية لم تتوقف بالرغم من القتل والدمار، فالصحفي الفلسطيني، الذي يواجه مخاطر القتل اليومي، مستمر في أداء واجبه لنقل الحقائق حتى وهو يبحث عن الأمان لعائلته.

ويرى هديب أن الصحفي الفلسطيني يظل مستهدفاً من قبل الاحتلال لأنه يوثق الجرائم ويكشف الانتهاكات، مشدداً على أهمية تحقيق

العدالة وحماية الصحفيين في مناطق النزاع، لكن هديب يعترف بصعوبة ذلك في ظل تعنت الاحتلال وتجاهله لقرارات القانون الدولي، الذي ينص على حماية الصحفيين واعتبار استهدافهم جريمة حرب.