الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
يديعوت 25/11/2024
نتنياهو فضّل المخاطرة بمذكرة الاعتقال بدلاً من لجنة تحقيق رسمية
بقلم: سيما كدمون
لا يسع المرء، لدى سماعه الأصوات التي تدين قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إلا الشعور بالتعاطف معها، على الرغم من أن الجمهور في إسرائيل، في أغلبيته، لا يملك أدنى فكرة عمّا يجري في غزة. وما من شك في أن الاتهامات والقرارات الموجهة إلى نتنياهو وغالانت والجيش الإسرائيلي خطِرة للغاية.
استخدام التجويع وسيلة قتالية؟
هل نحن نجوّع الأطفال حقاً؟ لا بد من أن نتنياهو لم يكن يعلم بذلك، ولا بدّ من أن أحداً لم ينبّهه بشأن مسألة التجويع هذه، وهو بطبيعة الحال ليس مسؤولاً، وليس مذنباً، على الرغم من مناقشة “خطة الجنرالات” التي طُرحت، مؤخراً ، وهي الخطة التي نشرها اللواء احتياط غيورا آيلاند، وساندها ضباط كبار، وتهدف إلى إخضاع “حماس”، من خلال إخلاء شمال القطاع وفرض حصار، بما يشمل حظر المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، لا يمكن الإنكار أن قراءة تفاصيل قرار المحكمة في لاهاي تثير شعوراً عميقاً بعدم الارتياح. من المخجل رؤية نتنياهو وغالانت في صف واحد مع معمر القذافي وسلوفودان ميلوسوفيتش و”ديكتاتوريين” أفارقة آخرين. يمكن تفهُّم الاتهامات الموجهة إلى المحكمة بأنها معادية لإسرائيل، وربما معادية للسامية. لكن المشكلة الأكبر هي مقارنة نتنياهو لها بـ”محاكمة دريفوس”، فنتنياهو يشعر دائماً بأنه الضحية الأبدية.
من جهة أُخرى، لا يمكن التغاضي عن النصيحة الحكيمة التي قدمتها المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا لنتنياهو، قبل صدور قرار الجنائية الدولية بأشهر، والتي نصحته فيها بتشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ، بصفة هذه اللجنة وسيلة فعالة لمواجهة المحكمة الجنائية الدولية. وأوضحت له أهمية تشكيل مثل هذه اللجنة لتحقيق مصلحته ومصلحة الدولة ومصلحة جنود الجيش الإسرائيلي.
إلّا إن نتنياهو فضّل المخاطرة بصدور أوامر الاعتقال على أن يشكل لجنة كهذه.
هناك خط واضح يربط بين مخاطرة نتنياهو هذه، وبين التفسير السياسي لها الذي تجلى في القانون الجديد، والذي يهدف إلى ضمان عدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 تشرين الأول. وذلك من خلال قَصر التحقيق في إخفاقات 7 تشرين الأول على لجنة تحقيق سياسية.
لقد فكرت حاشية نتنياهو في هذا الأمر فترة طويلة. ومثلما تجري العادة في القضايا التي تُحاك بعيداً عن أنظار الجمهور، استيقظنا ذات صباح لنجد أنفسنا أمام فطور مكون من “أرجل الضفادع” التي طُهيت ببطء، لتعتاد الحرارة، ثم تجد نفسها عالقة في مصيبة تعودت عليها.
ليس سراً أن نتنياهو يخشى تشكيل لجنة تحقيق رسمية. فبمجرد أن أدرك الرجل أن المستشارة القانونية لن تحميه من الالتماسات التي ستُقدم بشأن لجنة كهذه، خرج مشروع القانون إلى النور. الجهة التي من المفترض أن تسمي تشكيلة اللجنة الرسمية هي القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا، القاضي إسحاق عميت، الذي يعتبره نتنياهو قاضياً ليبرالياً يهدد مصالحه، وقد يشكل لجنة منحازة ضده. لذلك، استمر التفكير في حل لهذه المشكلة. هذا الحدث استثنائي وفريد، ويجب إيجاد حلّ فريد يستجلب ثقة الجمهور. لكن إذا شكّل عميت لجنة التحقيق، فلن تحظى هذه اللجنة بثقة الكنيست، بحسب رأي أنصار نتنياهو، ولن تحقق التوافق بين المعارضة والائتلاف، ولن تحظى، حتى بثقة الجمهور.
مقترح جماعة نتنياهو
بحسب المقترح القانوني الذي طرحته جماعة نتنياهو، سيُعيّن أعضاء الكنيست ستة أعضاء في لجنة التحقيق، وسيتطلب تعيينهم موافقة أغلبية تُشكَّل من 80 عضواً. وإذا لم يتحقق ذلك خلال 14 يوماً، وهو ما يبدو غير ممكن التحقق في ظل الانقسام السياسي في الكنيست، فسيُعيّن الائتلاف والمعارضة الأعضاء بالتساوي، وسيكون للّجنة رئيسان يتم اختيارهما بالطريقة ذاتها. أمّا إذا اختلفت الآراء بشأن نتائج التحقيق، فسيجري نشر نسختين مختلفتين من نتائج التحقيق ليحكم الجمهور عليهما.
في نهاية المطاف، لن يكون أمام مثل لجنة تحقيق كهذه سوى إصدار توصيات (لا قرارات حازمة)، ومثلما حدث مع لجنة “غرونيس” للتحقيق في قضية الغواصات، يمكن للّجنة أن تقول، إن نتنياهو يشكل خطراً على أمن إسرائيل.
لقد قالت لجنة غرونيس هذا، فهل جرى شيء لنتنياهو نفسه منذ ذلك الحين؟
عملياً، نعم! لقد حدث إخفاق في تشرين الأول.
بالنسبة إلى أتباع نتنياهو، من الواضح أن أيّ شخص تختاره اللجنة، سيصل إليها، وهو يتخذ موقفاً مسبقاً قاطعاً، مفاده، إمّا أن نتنياهو مذنب، أو أن الجيش مذنب، أو أن المحتجين في الشوارع هم المذنبون، أو أن الذنب مرتبط بالانسحاب من غزة (سنة 2005)، أو حتى إن مَن وقّع اتفاقية أوسلو هو المذنب. ولهذا، فإن نتنياهو يشعر بالقلق: إذا ما وافق على تشكيل لجنة رسمية، فإنه يمنح المعسكر المعارض له مفاتيح التحقيق في الحدث الأكثر أهميةً في تاريخ دولة إسرائيل، وهو الحدث الذي سيُسجل باسمه في التاريخ. لذلك، يسعى لتقليل الضرر عبر القانون الذي يعارض تشكيل لجنة رسمية.
لا توجد فرصة لتحقّق هذا الأمر، فنصف الجمهور على الأقل سيشعر بأن القانون الجديد ليس سوى خدعة من نتنياهو، حتى لو كان يملك 50% من الحصة من هذا المشروع. يمكن للمرء تفهّم موقف هذه الفئة. فنتنياهو وصل إلى وضع لم يعد يحظى فيه بالثقة حتى داخل معسكره، فضلاً عن إمكان الوثوق به في قضية حساسة، مثل تحديد المسؤول عن إخفاقات الحرب. كما أن نتنياهو يخطئ بمجرد طرحه هذا القانون، لأن المحكمة العليا ستقوم بإلغائه على الأرجح. إنه يقود خطوة ستثير خلافاً عاماً عميقاً، ولن تحقق له النتائج التي يأملها، في أيّ حال.
أمّا القاضي عميت (القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا)، فسيرى في مشروع القانون هذا مساساً بصلاحياته، ومَن سيختار تشكيلة لجنة التحقيق في نهاية المطاف، من شبه المؤكد أنه سيكون القاضي عميت.
لا يعرف كيف ستستمر الحرب
هذا كلّه يعزز موقف الذين يزعمون أننا عدنا بشكل كامل إلى ذهنية السادس من تشرين الأول، وأن الحكومة تعمل على تحقيق الأمر بكل طاقتها.
أولاً، عاد “الإصلاح القضائي” إلى الواجهة. إذ تم إطلاق تحرُّك تشريعي يتعلق بقضايا قانونية (قوانين الإعلام، تصنيف المشاهدات في التلفزة؛ هجوم المحسوبين على الحكومة على المسؤولين عن حماية القانون، مثل المستشارة القضائية ورئيس “الشاباك”، واشتداد الصراع بين وزير العدل والمحكمة العليا، وقانون التجنيد (التهرب من التجنيد) الذي بات في مراحله الأخيرة، والأحاديث الغريبة عن ضم غزة والضفة الغربية، والفوضى الإعلامية ونظريات المؤامرة، فضلاً عن المبالغات والأكاذيب، مثل حالة “حبل المشنقة” في زنزانة إيلي فيلدشتاين، أو إطلاق قذيفة إنارة بالقرب من منزل رئيس الوزراء، والتي تم تحويلها إلى “محاولة اغتيال لرئيس الوزراء”.
لكننا نتناسى أن تلك القذيفة لم تكن سوى قذيفة إنارة بالقرب من منزل كان المتظاهرون يعلمون أنه خالٍ من السكان.
صحيح أن إطلاق قذيفة إنارة قرب منزل نتنياهو هو أمر غير مقبول، وغبي، ويستحق كل الإدانة الممكنة. لكن يوجد فرق شاسع بين هذا، وبين أن تحولوا الأمر إلى محاولة اغتيال!
الحرب في الخارج مستمرة، وعدد قتلى الجيش تجاوز الـ 800. نتنياهو يريد اتفاقاً مع لبنان. وهو لا يعرف كيف يمكنه الاستمرار في الحرب. لقد بات يدرك أنها استنفدت أهدافها، وأننا بدأنا ندفع ثمناً دموياً باهظاً، وأنه بدأ يفقد قاعدته الشعبية، وخاصة بين جمهور تيار الصهيونية الدينية.
أمّا في غزة، فالأمر أسهل كثيراً: القرار بشأن غزة هو عدم الحسم في المطلق، وعدم إنهاء الحرب، مثل قرارات نتنياهو التي اعتدناها. سيحاول عدم إبقاء “حماس” في السلطة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين (أو بعضهم على الأقل)، متناسياً أن الوسيلة الوحيدة لإعادة الأسرى هي الإبقاء على “حماس”. والخشية هي من أنه سيفشل في المهمّتين معاً.
——————————————–
معهد السياسة والاستراتيجية/ جامعة رايخمان 25/11/2024
حقبة جديدة في الشرق الأوسط؟
بقلم: اللواء عاموس جلعاد
التوصيات الرئيسية لإسرائيل
أ. صياغة الخطوط العريضة لعودة المختطفين والمختطفين الـ 101 كضرورة سياسية وأمنية وأخلاقية. وينبغي أن يكون هذا هو الهدف الشامل الأكثر إلحاحا وفورية.
ب. تعزيز القدرة على الصمود الوطني كشرط ضروري لقوة إسرائيل الشاملة. وذلك، أولاً وقبل كل شيء، من خلال إزالة التهديدات ووقف المضايقات على رؤساء أجهزة انفاذ القانون، إلى جانب تعزيز المساواة في العبء وتنفيذ حكم المحكمة العليا بشأن قضية تجنيد الحريديم.
ج – صياغة استراتيجية حديثة لاحتواء التهديد الإيراني وإضعافه. أولاً وقبل كل شيء، منع قدراتها في المجال النووي واستمرار إضعاف الحزام الناري. وفي الوقت نفسه، لا بد من دراسة اعتبار المس باستقرار نظام آيات الله كهدفً محددً.
د. ترامب كرئيس يرمز إلى حقبة جديدة. لدى إسرائيل مصلحة واضحة في مواصلة تعزيز التعاون الاستراتيجي متعدد الأبعاد مع الولايات المتحدة. وهذا يتطلب الرد على القضايا المتفجرة، وعلى رأسها المحور الاستراتيجي الإقليمي والثمن الفلسطيني.
ه. التسوية في لبنان على أساس قرار مجلس الأمن رقم 1701 المعدل، مع التركيز على القدرة على التنفيذ، وفي غياب هذا التنفيذ حرية عمل للجيش الإسرائيلي، لمنع تعزيز قوة حزب الله في المستقبل.
و. إسقاط حكم حماس في غزة، من خلال تحركات سياسية شاملة، بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول عربية ومحافل مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، تمكن من تشكيل البديل الحاكم.
ز. في يهودا والسامرة، إلى جانب استمرار الإجراءات المضادة، من الضروري كبح اتجاهات الضم المباشر وتعزيز السلطة الفلسطينية من أجل منع تفككها.
ح. جهد خاص لتعزيز المملكة الأردنية الهاشمية كخلفية استراتيجية لدولة إسرائيل. هذا إلى جانب خطوات الحفاظ على منظومة العلاقات الاستراتيجية مع مصر وتطويرها.
ط. الترويج لاتفاقية تطبيع تاريخية مع السعودية، تسمح لإسرائيل بتعميق تحالفها الاستراتيجي مع الدول العربية ضد المحور الإيراني والعودة إلى طريق القوة الاستراتيجية متعددة الأبعاد.
ي. إعادة مذكرات الاعتقال الإدارية ضد اليهود في يهودا والسامرة كأداة فعالة تقريبًا للتعامل مع الإرهاب والتجسس.
الإنجازات العسكرية – فرصة للثمار السياسية
في الأشهر الأخيرة، حقق جيش الدفاع الإسرائيلي إنجازات مثيرة للإعجاب في جميع ساحات الحرب. ففي غزة، يتم تفكيك الأطر العسكرية لحماس، وتنهار حماس عملياً كمنظمة عسكرية، وقد عانى حزب الله من أضرار جسيمة في سبل القيادة والسيطرة والقدرات الصاروخية تجاه إسرائيل. وحيال إيران، نجحت إسرائيل في تدمير جزء كبير من قدراتها الدفاعية الجوية، مما أدى إلى الإضرار بقدرات إنتاج الصواريخ، بل وحتى تدمير مكون يتعلق بالبرنامج النووي العسكري. وفي الضفة الغربية، يواصل الجيش الإسرائيلي والشاباك عملياتهما المكثفة لمنع الهجمات الإرهابية القاتلة، بينما يقومان بإحباط واعتقال آلاف النشطاء، الذين يرتبط معظمهم بحركة حماس. كل هذا مع استمرار الدعم الواسع من الإدارة الأمريكية ومع بداية الولاية الثانية لترامب في 20 يناير 2025.
ولهذا السبب بالتحديد، لدى رئيس الوزراء فرصة لترجمة الإنجازات العسكرية إلى ثمار سياسية، بطريقة تمنح إسرائيل القدرة على إنهاء الحرب وتشكيل واقع أمني سياسي أفضل. وبخلاف ذلك، هناك خطر من أن تؤدي هذه الإنجازات إلى تآكل وتفاقم المآزق الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها إسرائيل.
التهديد الإيراني – وقف المشروع النووي
لقد أوضحت حرب السيوف الحديدية أن إيران، التي تؤيد أيديولوجية متطرفة تدعو إلى تدمير دولة إسرائيل، هي التهديد الرئيسي لأمن دولة إسرائيل. ويرتكز ذلك على عنصرين أساسيين: تطوير البرنامج النووي العسكري وتحديد موقعها في هذه المرحلة كدولة عتبة، إلى جانب إقامة وتشغيل حزام ناري حول إسرائيل.
خلال الحرب تمكنت إسرائيل من إلحاق أضرار جسيمة بعنصرين رئيسيين في حزام النار – حزب الله وحماس. ومن هنا، فإن لدى إسرائيل الآن الفرصة لتركيز جهد خاص على كبح المشروع النووي العسكري. وهذا تهديد ملموس ومستمر. وذلك بسبب الخوف من أن تستخدم إيران التطوير النووي العسكري كشهادة تأمين لها بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بحزب الله. علاوة على ذلك، فإن وجود الأسلحة النووية في أيدي إيران قد يزيد من ثقتها بنفسها وثقة وكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويسمح لهم بإظهار جرأة متزايدة للعمل بشكل تقليدي ضد إسرائيل تحت مظلة نووية. هذا بالطبع، إلى جانب أن الأسلحة النووية تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل، حتى لو كانت إمكانية استخدامها تبدو ضئيلة. علاوة على ذلك، فإن وجود الأسلحة النووية في أيدي إيران يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تسعى مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية أيضًا للحصول على هذه القدرات.
وفي الواقع الراهن، لدى إسرائيل الفرصة للتحرك بالتنسيق مع الإدارة الأميركية المقبلة لوقف المشروع النووي. وذلك من خلال بناء بديلين. الأول، خيار عسكري مصداق، بالتعاون العميق مع إدارة ترامب، التي تعهدت بالفعل بأن إيران لن تمتلك أسلحة نووية. والثاني، من خلال الاتفاق النووي 2 مع إيران، والذي سيكون له مكونات صغيرة الحجم ورقابة مشددة للغاية. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على إسرائيل أن تضمن دمجها منذ البداية في الاتصالات بين الطرفين، وأنه في نفس الوقت الذي تجري فيه المفاوضات، ستقوم الإدارة بفرض عقوبات مؤلمة على إيران من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الإيراني وتجسد ثمن الخسارة لايران. وعلى المدى المتوسط والطويل، ومع إدراك أن الأيديولوجية المتطرفة للنظام القاتل في طهران لن تتغير، تحتاج إسرائيل إلى الترويج لخطة للإطاحة بالنظام أو على الأقل تقويض استقراره. والاستفادة من الصعوبات الاقتصادية ونقاط الضعف البنيوية للمجتمع الإيراني، وبالتعاون مع حلفائنا على الساحة الدولية والإقليمية.
مذكرتا الاعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق – تهديد استراتيجي
إن القرار المشين الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت يحمل تهديدا استراتيجيا متعدد الأبعاد لدولة إسرائيل. وهذا أولاً وقبل كل شيء ضرر لمكانة إسرائيل وصورتها على الساحة الدولية. وذلك في ضوء المخاوف من أن يكون للأوامر تأثير سلبي على علاقات إسرائيل السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية مع العديد من الدول الديمقراطية حول العالم الأعضاء في المحكمة، وينعكس على الإجراءات الأخرى الجارية ضد إسرائيل في المحاكم في لاهاي.
ونظرًا لنطاق التهديدات، يتعين على المحكمة العليا أن تضع حدًا فوريًا للخطوات الرامية إلى إضعاف النظام القضائي وإنشاء لجنة تحقيق رسمية. وهذا أمر بالغ الأهمية، لأنه وفقًا لمبدأ التكامل، تمتنع المحكمة عمومًا عن التدخل في القضايا التي تجري فيها الدول تحقيقات وتجري إجراءات قانونية مستقلة عن النظام السياسي.
التسوية في الشمال هي الخيار المفضل
وفي الشمال تمكنت إسرائيل، كما ذكرنا، من إلحاق ضرر كبير بقدرات حزب الله. وبحسب وزير الدفاع المنتهية ولايته، غالانت، فقد دمرت إسرائيل نحو 80% من القدرات النارية للمنظمة، ويبدو أن نطاق الضرر تعمق أكثر في الأسابيع الأخيرة. وعلى ضوء ذلك، يبدو أن الظروف مهيأة للتسوية، استناداً إلى القرار 1701 المحدث، والذي سيخلق واقعاً سياسياً أمنياً جديداً في الشمال، وسيسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم بأمان. بل إن التسوية قد تؤدي إلى تقليص قوة حزب الله السياسية على الساحة الداخلية اللبنانيين، وتمهيد الطريق لتعيين رئيس للبلاد.
ومن ناحية أخرى، من المرجح ألا توافق إيران ولبنان وحزب الله على منح إسرائيل حقاً راسخاً للتحرك بمفردها لفرض التسوية. وهذا شرط ضروري يجب على إسرائيل أن تصر على قبوله، على الأقل في رسالة جانبية من الولايات المتحدة، بطريقة تمنحها الشرعية للعمل على منع حزب الله من إعادة تسليح ونشر قوات بالقرب من الحدود. وينبغي أن يكون الحد من الوجود والنشاط الإيراني في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يضر حتى بالقدرة على تهريب الأسلحة إلى لبنان. وقد تشير زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى دمشق إلى تزايد الضغوط في طهران من احتمال أن يستغل الأسد ذلك الفرصة لتحسين وضعه على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية، وفي سياق محتمل، أصبحت أهمية النفوذ الروسي على الأسد معروفة.
انهيار حكم حماس
إن الهدف الشامل الفوري والأكثر إلحاحاً يجب أن يكون عودة جميع المختطفين البالغ عددهم 101، لأن وقتهم ينفد، كما يظهر أيضاً من التقرير الطبي الذي قدمه البروفيسور حجاي ليفين عن حالتهم الصحية، بعد أكثر من عام في أسر حماس واعتقالهم. والتوجه فوراً إلى أشهر الشتاء الصعبة لصياغة مخطط جديد لعودتهم، مع تهيئة الظروف لإسقاط نظام حماس وتشكيل نظام فلسطيني بديل يكون مرتبطا بشكل أو بآخر بالسلطة الفلسطينية، باعتبارها الجهة الوحيدة التي تحظى بالشرعية الدولية والإقليمية. وهذا الواقع سيسمح للدول العربية والمجتمع الدولي بالاندماج في عمليات إعادة إعمار غزة، التي تقدر بعشرات مليارات الدولارات.
وفي أي سيناريو، يجب على إسرائيل تجنب الحكم المباشر على أكثر من مليوني نسمة من سكان غزة. وهذا خطر حقيقي يتمثل في خلق عبء طويل الأمد وثقيل لا يطاق على أكتاف الجيش، الأمر الذي ستكون له عواقب سلبية واسعة النطاق على وضع إسرائيل الاقتصادي ومكانتها في الساحة الدولية والإقليمية.
إن تصريحات وزير المالية سموتريتش بأن عام 2025 سيكون عام السيادة في يهودا والسامرة تعكس عقيدته الأيديولوجية لحل السلطة الفلسطينية وتطبيق السيادة الإسرائيلية. وتحمل هذه السياسة في طياتها مخاطر زعزعة الاستقرار، وهي مخاطر متفجرة بالفعل في المنطقة. هذا، إلى جانب الإضرار بالعلاقة مع العالم العربي، وخاصة مع الأردن. ولذلك، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تتبنى سياسة من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز السلطة الفلسطينية، بما في ذلك السماح للعمال بالعمل في إسرائيل، مع مراعاة الإجراءات الأمنية.
التطبيع مع السعودية – نافذة فرصة
إن طموح ترامب لتحقيق اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية يتيح لرئيس الوزراء نتنياهو فرصة غير مسبوقة لتوقيع اتفاق سلام مع أهم دولة عربية وإسلامية، على نحو يسمح لإسرائيل بإعادة تشكيل الشرق الأوسط. ومع ذلك، طالما أصر رئيس الوزراء نتنياهو على رفضه إشراك السلطة الفلسطينية في عملية إعادة إعمار غزة، ولإعلان أفق سياسي للفلسطينيين، يبدو أن ولي العهد السعودي والملك المرشح لن يكون راغبا وقادرا على المضي قدماً على طريق التطبيع.
ترميم المناعة الوطنية والتماسك الاجتماعي
يشكل الاستقطاب والانقسامات المتفاقمة في المجتمع الإسرائيلي التهديد الرئيسي للقوة الوطنية للبلاد. وفي ضوء ذلك، فإن المطلوب من الحكومة، أولاً وقبل كل شيء، هو التمسك بقرار المحكمة العليا بشأن تجنيد الحريديم وتعزيز التشريع وفقًا لذلك لوقف جميع التحركات الانقلابية، مع الحفاظ على استقلال النظام القضائي، والوقف الفوري للتهجمات الجامحة على المستشارة القانونية ورئيس الشاباك، والتي من شأنها إضعاف قدرات الاجهزة على ممارسة مسؤولياتها والإضرار بأمن الدولة. في المجال الاقتصادي، تحتاج الحكومة إلى تقسيم الموازنة وفق الاحتياجات الوطنية وليس القطاعية، بما يتيح إعادة تأهيل الشمال والجنوب، ويستجيب لمعانيات الاحتياط وغيرها الكثير من المجالات الأساسية. وفي الوقت نفسه، يتعين على رئيس الوزراء تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أقرب وقت ممكن، وهو أمر ضروري لدراسة الفشل التاريخي واستخلاص الدروس اللازمة والتوصية بالتغييرات المنهجية المطلوبة في مختلف المؤسسات في البلاد.
*فريق المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد
——————————————–
هآرتس: هآرتس 25/11/2024
من اجل دحض الادعاءات حول وجود ابرتهايد، كاتس استخدم ذرائع ابرتهايدية
بقلم: روغل الفر
وزير الدفاع اسرائيل كاتس جاء في منتهى السبت الى ستوديو “قابل الصحافة” في القناة 12، واراد دحض الادعاء بأن قراره الغاء اوامر الاعتقال الاداري لليهود فقط ينبع من رؤية ابرتهايدية. بطريقته الساخرة، التي تفتقد الى الوعي والحكمة، هو فعل بالضبط العكس، واسمع مبررات ابرتهايدية نقية، في الوقت الذي اعتقد فيه أنه فارس الديمقراطية. وحتى بن كسبيت، الذي هو من التيار العام “الوطني” اوضح بأن اقوال كاتس مهينة لذكائه.
كاتس تفاجأ صدقا. حقا لم تكن لديه أي فكرة لماذا. فقد قال “سمعت ذرائع بأن هذا ابرتهايد”، “من يريد المقارنة بين المستوطنين والمخربين الفلسطينيين الذي يجب اعتقالهم بكل طريقة، يرتكب ظلم فظيع”. سئل: ماذا بشأن المستوطنين، الذين هم ارهابيون ويجب اعتقالهم بكل طريقة. وهو رد “على المستوطنين يسري قانون آخر، لأنه توجد لهم حقوق اكثر من الفلسطينيين في الضفة، فقط لأنهم يهود. بخصوص اليهود توجد وسائل اخرى”، قال. اساليب مختلفة مجموعات سكانية مختلفة على اساس العرق. وقد قال ايضا: “الآن في هذه الفترة، حيث الارهاب الفلسطيني يهدد ويعمل ضد المستوطنين… حيث في العالم الذي فيه، بدون حق، يفرضون عقوبات على المستوطنين… حيث رجال الاستيطان… يحاربون ويضحون – لا يجب على دولة اسرائيل أن تعمل ضدهم بهذه الوسائل”.
المعنى هو: التعامل مع المستوطنين هو كتجمع، وليس كافراد. واذا كان من بينهم افراد يعتبرون مخربين فان التعامل معهم يجب أن يكون مختلف عن التعامل مع المخربين الفلسطينيين بفضل الانتماء للتجمع اليهودي. المخربون اليهود في المناطق يتمتعون بحقوق زائدة، لأن اليهود الآخرين في المناطق يخدمون في الجيش الاسرائيلي. هذه مدونة اخلاقية واضحة للفصل العنصري، وقد صاغها كاتس انطلاقا من قناعة شخصية عميقة بأنه يدحض الاتهام بأن هذه سياسة فصل عنصري واضح.
التناقض فظيع. لدينا وزير دفاع في فترة حرب، لا يفهم ماذا يقول. لقد اهان ذكاء التيار العام الوطني لأنه قال اقوال فارغة. وعلى فرض أن هذه المبررات يمكن أن تدحض ادعاء وجود الابرتهايد، فانها تظهر الغباء المعرفي. حتى عميت سيغل لم يتمكن من الفهم لماذا يجب اعفاء الارهابيين اليهود الذين يشكلون قنابل موقوتة من الاعتقال الاداري ضدهم.
كاتس حاول خلق نقاش على شرعية استخدام الاعتقال الاداري ضد “المدنيين”. في سياق الضفة فان مفهوم “المدنيين” هو تعبير نظيف عن اليهود. كاتس لا ينجح في الفهم بأن حقيقة أن الاعتقال الاداري سيطبق فقط على الفلسطينيين الذين ليست لهم مكانة المواطنين، تجعل الابرتهايد والتمييز امور خطيرة باضعاف، وهي فقط تصب الزيت على النار.
من ناحية المعرفة فقد تعذر على كاتس فهم الخطأ في أن اليهود يعيشون الى جانب الفلسطينيين في الضفة، وفقط أن اليهود هم مدنيون، وفقط ضد الفلسطينيين تستخدم وسائل الاعتقال الاداري. مثل أي عنصري هو على قناعة بأن عدم المساواة امام القانون بين اليهود والفلسطينيين هو مفهوم ضمنا وينبع من الفرق في العرق بينهم، أي الانتماء الوطني. اليهود يساوون اكثر من الفلسطينيين، هذا أمر مسلم به من ناحيته ولا يحتاج الى تفسير. ولكن المهم هو أن يستمر في التكلم، والاكثر اهمية هو أن يستمع اليه العالم. الفلسطينيون في الضفة بحاجة الى الحماية من نظام الاحتلال والابرتهايد الاسرائيليين، ومن عنف المستوطنين ايضا، وأنه يجب على العالم مساعدتهم.
——————————————–
هآرتس 25/11/2024
مصر تعمل على فتح معبر رفح
بقلم: تسفي برئيل
محمود جمال سيف النصر يوجد له طلب واحد فقط، “الرجاء ضمي أنا وعائلتي الى قائمة المواطنين المصريين المسموح لهم الخروج من غزة كي أتمكن من العودة الى وطني”، هكذا توسل في منشور مصور نشره في الاسبوع الماضي في “اكس” (تويتر سابقا)، بمناسبة مرور سنة على بداية الحرب.
سيف النصر هو مواطن مصري، جاء قبل الحرب الى القطاع لزيارة أقارب، ومنذ ذلك الحين علق هناك ولم يستطيع العودة الى حياته. كل جهوده لاقناع السلطات المصرية بالسماح له بالعودة الى بلاده فشلت رغم أن لديه وثائق تدل على جنسيته. هو ليس الوحيد. فالتقدير أن مئات المصريين ما زالوا يوجدون في القطاع دون قدرة على العودة الى بيوتهم، لا سيما بعد اغلاق معبر رفح في شهر أيار الماضي – منذ ذلك الحين لا يسمح بدخول أو خروج أي أحد.
سيف النصر ما زال يعتبر صاحب حظ. فهو يمكنه ترميم حياته اذا تم فتح المعبر، والبيروقراطية الثقيلة في مصر التي قراراتها يتم اتخاذها ببطء كبير سمحت بعودته. في المقابل، سكان غزة الفلسطينيين لا يوجد لهم في هذه الاثناء حتى ترف حلم النجاة من ظروف الحياة الفظيعة السائدة في القطاع.
مصر سمحت في الاشهر الاولى للحرب لنحو 100 ألف فلسطيني بدخول اراضيها، بعضهم كبادرة حسن نية انسانية لبضعة آلاف من المرضى وابناء عائلاتهم الذين كانوا بحاجة الى علاج ملح، الذي لم يتمكنوا من الحصول عليه في القطاع. معظم المهاجرين الاخيرين الذين وصلوا الى مصر اشتروا الطريق الى هناك مقابل مبلغ كبير من المال، الذي ازداد مع مرور الوقت.
في البداية طلب منهم الدفع لشركة “هلا” التي يمتلكها ابراهيم العرجاني، وهو زعيم قبيلة اصبح مقاول ثانوي للمخابرات المصرية، حوالي 2000 دولار عن كل شخص مقابل “ترتيبات النقل”. قبل شهر أيار، وهو الشهر الاخير الذي كان يمكن فيه العبور في معبر رفح، قفز المبلغ الى 5 آلاف دولار للفرد، هذا بعد معاناة معقدة طلب فيها من السكان الحصول على تصريح من منسق العمليات في المناطق ومن المخابرات المصرية التي تعمل بالتنسيق مع اسرائيل. كل ذلك ادخل لهذه الشرطة نحو مليوني دولار في اليوم. ومنذ شهر أيار نجح في الخروج الى مصر فقط بضع عشرات من الفلسطينيين الذين كانت حالتهم الصحية صعبة جدا.
من نجح في الخروج ادرك بسرعة أن الامر لا يتعلق بـ “الارض الموعودة”. فقد كان هناك محيط يميز بين تصريحات تضامن النظام في مصر مع معاناة الفلسطينيين وبين معاملة اجهزة النظام مع المهاجرين. تقريبا 5500 مريض الذين تم استيعابهم في المستشفيات في العريش والقاهرة ادركوا بسرعة بأنه ليست لهم حرية حركة كما يريدون. فقد تم حظر المرضى وابناء عائلاتهم من مغادرة المستشفى. وعندما تم منحهم اذن خاص للخروج من اجل شراء سلع اساسية أو ادوية طلب منهم الابلاغ عن حركتهم، وفي حالات كثيرة كان يرافقهم رجل أمن. مرضى السرطان اضطروا احيانا الى الانتظار مدة شهر الى حين ايجاد سرير لهم، الذي كان يمكنهم عليه الحصول على العلاج الكيميائي. بعض المرضى اضطروا الى تمويل شراء الادوية من جيبهم بعد أن منعت السلطات منظمات اغاثة في مصر من تجنيد التبرعات للمهاجرين. هذه المنظمات اكتشفت أنه ايضا لا يمكنها الحصول على معلومات حول وضع المرضى الفلسطينيين أو الحصول على قائمة المصابين، لأنه حظر على المستشفيات تقديم أي معلومات.
في الاسبوع الماضي نشرت “منصة لشؤون اللاجئين في مصر”، موقع مصري يتعامل مع اللاجئين الموجودين في الدولة، نشرت تقرير يتكون من 40 صفحة لخص السنة الاولى للحرب. الجزء الاساسي في التقرير الذي يستند الى معطيات الامم المتحدة وجمعيات المساعدة ومقابلات مع المهاجرين تناول وصف الوضع الصعب في غزة. جزء آخر عرض صورة بائسة عن مكانة اللاجئين الفلسطينيين والصعوبات التي يواجهونها. وحسب التقرير فانه يبدو أن معظمهم يوجدون رسميا في مكانة ماكث غير قانوني، وتأشيرة مكوثهم انتهت بعد 45 – 90 يوم. هكذا في أي يوم يمكن أن يتم طردهم من الدولة. لا يوجد أي تشريع جديد يرتب مكانتهم، وتمديد مكوثهم يخضع لتعليمات الطواريء أو حسن نية الموظفين.
هكذا، لا يوجد أي فلسطيني في مصر يسمح له بالعمل في المؤسسات الحكومية. والعمل في القطاع الخاص يحتاج الى سلسلة طويلة من الرخص والتصاريح، التي بشكل عام لا يتم اعطاءها. المخرج الوحيد هو العمل بدون رخصة بشروط استغلال مهينة، تحت تهديد الاعتقال والسجن. اولاد في جيل المدرسة أو الطلاب الذين يريدون التعلم في المؤسسات الاكاديمية في مصر، التي فيها التعليم للمواطنين بالمجان، يطلب منهم دفع رسوم مرتفعة وكأنهم اجانب. المبلغ يمكن أن يصل الى 3 – 5 آلاف دولار في السنة.
الاشخاص الذين اجريت مقابلات معهم قالوا لكتاب التقرير أنه بسبب الوضع الاقتصادي الصعب هم لا يمكنهم التعلم أو ارسال الاولاد الى المدارس. هكذا فان مصر تساهم في ضياع جيل كامل من الشباب الفلسطينيين. اللاجئون ايضا لا يمكنهم الاستعانة بخدمات وكالة “الاونروا” لأن مصر لا تسمح لها بالعمل فيها. ايضا وكالة اللاجئين “يو.ان.اتش.سي.آر” لا يمكنها المساعدة لأن أي تسجيل للاجيء فلسطيني يحتاج الى مصادقة السلطات – الامر الذي لا يتم خوفا من استقرار اللاجئين في مصر.
مصر قامت بتفويض منظمة الهلال الاحمر في مصر لمعالجة آلاف اللاجئين الفلسطينيين وتنسيق النشاطات مع منظمات الاغاثة الدولية، لكن اجهزة الهلال الاحمر في مصر فقيرة ومثقلة بسبب معالجة آلاف اللاجئين الذين وصلوا من سوريا ومن الدول الافريقية. هي لا يمكنها معالجة بنجاعة اللاجئين الفلسطينيين الذين يبقون بدون عنوان يمكن أن يساعدهم.
وسائل الاعلام الرسمية في مصر محظور عليها النشر عن وضع اللاجئين من غزة الذين يوجدون في الدولة، ايضا مظاهرات دعم الفلسطينيين محظورة في مصر. في نفس الوقت، رغم أن الخوف من اقتحام مئات آلاف الغزيين لمصر تلاشى قليلا، إلا أن مصر تستمر في بذل الجهود الكبيرة لصياغة حل يمكن أن يؤدي الى فتح معبر رفح واعادة اللاجئين الى القطاع.
أمس نشر أن مصر طلبت من خليل الحية، النائب السابق لزعيم حماس يحيى السنوار، البقاء في مصر لبضعة ايام في محاولة للتوصل الى تفاهمات حول تشكيل لجنة فلسطينية لادارة غزة والدفع قدما بصفقة التبادل. وحول تشكيل هذه اللجنة تم الاتفاق مبدئيا أن يكون في بداية الشهر بين فتح وحماس، ولكن الخلافات حول الصلاحيات، بالاساس على طلب السلطة الفلسطينية من حماس نزع سلاحها، افشلت حتى الآن التوقيع على الاتفاق. مع ذلك، مصر تأمل بأنه اذا تم التوصل الى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية فهي يمكنها طرحه على امريكا كمخرج عملي لادارة القطاع وفتح معبر رفح، بشكل يقنع الرئيس بايدن بالضغط على اسرائيل كي تتبناه وهكذا يتم حل قضية المساعدات الانسانية.
سيطرة الفلسطينيين على الطرف الغزي في معبر رفح هي شرط اساسي لمصر من اجل فتح المعبر. تشكيل لجنة فلسطينية للادارة يمكن أن تكون ايضا الطريق لمشاركة قوة عربية في ضمان توزيع المساعدات، وهكذا تحرير اسرائيل من هذه المهمة التي لا تنجح فيها، والتي تعتبر جزء من الاساس للدعاوى ضدها في محكمة العدل الدولية.
——————————————–
هآرتس 25/11/2024
الحكومة تعلن عن انتصارات والنيران التي يتعرض لها المواطنون تزداد
بقلم: عاموس هرئيلِ
اكثر من 200 صاروخ كل يوم، مصابون في نهاريا وبيتح تكفا، وثلاث صافرات خلال 12 ساعة في هشارون. أمس كان احد ايام الاطلاق الاكثر كثافة من لبنان منذ بداية الحرب. اسباب ذلك كثيرة. لقد كان في ذلك انتقام لحزب الله على محاولة تصفية شخصية رفيعة في الحزب، أبو علي حيدر، أول أمس؛ استغلال حالة الطقس التي تصعب على نشاطات سلاح الجو؛ الرغبة في اعادة ترسيخ معادلة تقول إن قصف الضاحية في بيروت سيقابلة اطلاق الصواريخ على مركز البلاد؛ ربما حتى محاولة لتحقيق انجازات معنويات اخيرة، كلما تقدمت المفاوضات حول وقف اطلاق النار نحو النهاية الايجابية.
السطر الاخير هو واحد. الحياة في الشمال ما زالت مشوشة، والازعاج اليومي تسرب ايضا الى مركز البلاد. في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن انجازات وتتفاخر بانجازات الجيش الاسرائيلي فان الشعور بالامن الشخصي لدى المواطنين مرة اخرى تضعضع بشكل واضح. حقيقة ان سلاح الجو تسبب بضرر كبير في عمليات القصف في بيروت وفي البقاع تعزي فقط قلائل، في هذه الاثناء لا يبدو أن هناك عملية عسكرية حاسمة تجعل حزب الله والحكومة اللبنانية يسارعون نحو الاتفاق. اذا توصل الطرفان الى وقف لاطلاق النار فان هذا سيكون من خلال عامل استراتيجي بارد، بالاساس من قبل ايران التي هي معنية بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة قبل دخول ترامب الى البيت الابيض بعد شهرين.
في هذه الاثناء فان رؤساء السلطات في الشمال يطلبون زيادة الهجمات في لبنان ردا على اطلاق الصواريخ. في حين أن رئيس المعسكر الرسمي، بني غانتس، دعا الحكومة الى اصدار اوامر لقصف اهداف في الدولة اللبنانية. الجيش الاسرائيلي طلب أمس من المواطنين في الضاحية الاخلاء قبل هجوم كثيف، وحتى الآن الاحداث الاخيرة لم تغير موقف هيئة الاركان الاساسي كما تم التعبير عنها في المستوى السياسي في الاسبوع الماضي. في هيئة الاركان يعتقدون أن الانجازات العملياتية التي تحققت في الشمال وفي الجنوب تمهد الطريق لصفقة قريبة، ويوصون هناك بعملية تضمن وقف اطلاق النار في لبنان وغزة وعقد صفقة سريعة لاطلاق سراح المخطوفين المحتجزين في القطاع.
في جنوب لبنان، اضافة الى الهجمات الجوية، الجيش الاسرائيلي يقوم بتمشيط الوديان ويدمر منصات لاطلاق الصواريخ التي توجد على مسافة بعيدة نسبيا عن الحدود. ولكن الادعاء هو أنه يمكن التوصل الى اتفاق بدعم امريكا، وأن تدخل الولايات المتحدة لدعم الجيش الاسرائيلي (كمراقبة على تنفيذ الاتفاق) سيساعد في استقرار الوضع على طول الحدود. بخصوص صفقة التبادل فهي تحتاج الى اظهار المرونة من قبل اسرائيل وانهاء مؤقت على الاقل للقتال حتى لو لم يتم هزيمة حماس. والبديل يمكن أن يكون موت المخطوفين الموجودين في القطاع على قيد الحياة.
أول أمس قالت حماس بأن مختطفة ماتت مؤخرا. الجيش الاسرائيلي ابلغ عائلتها، لكنه امتنع عن التقرير بأنها قتلت حقا في ظل غياب أدلة كافية. وطمس التفاصيل يؤدي الى ابعاد ضائقة المخطوفين عن رأس اجندة الجمهور. هذا لا يحدث في فراغ. فالمراسل براك ربيد نشر بأن ترامب تأثر خطأ من أن معظم المخطوفين قد قتلوا، وتفاجأ مؤخرا عندما اكتشف أن الامر ليس هكذا. مهم معرفة من الذي غرس في الرئيس المنتخب هذا التفكير غير الصحيح.
تم العثور على المذنب بالفشل
هدف تعيين اسرائيل كاتس كبديل ليوآف غالنت في وزارة الدفاع بدأ يتضح. رئيس الحكومة نتنياهو وضع اسم كاتس كي يشعل الحريق في جهاز الامن، وكاتس يفعل المطلوب منه. في يوم الجمعة اعلن الوزير بأنه سيوقف اصدار اوامر اعتقال اداري ضد اليهود، الامر الذي يغضب الشباك (الاعتقال الاداري للعرب سيستمر كالعادة). امس اعلن كاتس عن تجميد تعيينات لضباط برتبة عقيد، الذين قرر ترقيتهم رئيس الاركان هرتسي هليفي، لتولي منصب قائد لواء المظليين ومنصب قائد وحدة يهلوم. عشرات التعيينات الاخرى تمت المصادقة عليها.
الذريعة الاساسية التي يطرحها كاتس منطقية. المرشحون للترقية تولوا مناصب رفيعة في قيادة الجنوب، ضابط قسم العمليات وضابط قسم الهندسة – في فترة الهجوم الارهابي في 7 اكتوبر. والتحقيقات التي تجريها القيادة لم تنته بعد. ولكن القصد من هذه الخطوة واضح. فهو يهدف الى تخريب مكانة هليفي، التي هي في الاصل يتم تقويضها على يد نتنياهو وشركائه وابواقه.
من وجد نفسه رغم ارادته في خط النار هو العقيد افرايم افني، الضابط الذي تعيينه في منصب قائد المظليين، تم تجميده. افني لم تساعده القبعة المنسوجة التي يرتديها أو أنه نتاج تعليمي واضح للصهيونية الدينية (المعسكر وليس القائمة). البيبيون في الشبكات الاجتماعية القوا عليه امس كل ملف الفشل والصقوا به عدة اتهامات لا اساس لها. هذا الانقضاض يخدم هدف اكبر وهو حرف النار عن الزعيم.
في جهاز الامن ما زالوا يجدون صعوبة في التخلص من الانطباع الذي ولده الخطاب المنفعل لنتنياهو في منتهى السبت، والامر الذي اثار رئيس الحكومة هو مقدمة المقابلة مع المحامي عوديد سابوراي، محامي المتحدث والمتهم ايلي فيلدشتاين، التي تم بثها في يوم الجمعة في “اخبار 12”. حيث قال سابوراي بأن فيلدشتاين لم يعمل من تلقاء نفسه في قضية الوثائق المسروقة، بل هو عمل لصالح نتنياهو.
هذا كان يكفي نتنياهو كي يسجل، ربما في يوم السبت، الفيلم الذي مدته 9 دقائق، الذي تطاول فيه على الشباك وجهاز القضاء. يورام كوهين، رئيس الشباك السابق، اعتبر وبحق هذا الانقضاض على رئيس الجهاز الحالي رونين بار “تصرف معيب”. حتى الوزير آفي ديختر تحفظ من ذلك. ولكن في حالة ديختر الذي هو نفسه كان رئيس سابق للجهاز، فان هذا ربما يرتبط ايضا بقرار نتنياهو تجاهل رغبته في تولي منصب وزير الدفاع.
في الصحف نشر امس فحص للحقائق، كشف بسهولة الاكاذيب والتضليل الموجود في الفيلم الذي نشره نتنياهو. ولكن الفيلم في الاصل لا يتساوق مع الواقع بأي شكل من الاشكال. كل هدفه هو اثارة حماس المعسكر المؤيد لرئيس الحكومة، في الوقت الذي يبحث فيه عن ذريعة اخرى لوقف أو تأجيل الاجراءات الجنائية ضده. امس طلب محاموه تأجيل لـ 15 يوم البدء في تقديم شهادته في المحكمة. ومن غير المستبعد أن النيابة والقضاة سيوافقون على ذلك في هذه المرة.
——————————————–
إسرائيل اليوم 25/11/2024
لاهاي، ترامب والنظام العالمي الجديد الذي على الابواب
بقلم: أبراهام بن تسفي
مياه كثير تدفقت في نهر فوتوماك منذ نشأ في صيف 1950، بحكم قرار مجلس الامن في الأمم المتحدة، سلاح ارسال دولي، القسم الأكبر من جيوشه وقادته كان أمريكيا. وذلك لاجل صد هجوم كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية.
صورة مشابهة لتدخل عسكري امريكي برعاية منظمة الأمم المتحدة (او التحالفات والمؤسسات التي كانت ترتبط بها وتلقت منها التفويض بالعمل) ترتسم عند مراجعة حرب الخليج الأولى في 1991 والنشاط العسكري الأمريكي الواسع في إطار حلف الناتو في البوسنه والصرب في تسعينيات القرن العشرين، وفي أفغانستان على مدى 20 سنة متواصلة من 2001 – 2021.
إضافة الى ذلك فان القوة العظمى الامريكية لم تكن فقط القوة المحركة والدافعه لاقامة منظمة الأمم المتحدة كجسم ذي صلاحيات عمل وعقاب في ظل الفشل المدوي لعصبة الأمم في تحقيق رؤيا الاستقرار في المجال العالمي في العشرينيات والثلاثينيات، بل شكلت المحور المركزي المبادر والممول للمؤسسات والهيئات (كالقضائية، الثقافية، الاقتصادية، التعليمية والاستراتيجية) التي نشأت عنها وعملت بروح تعليماتها وتوصياتها.
كان هذا فقط في 2017، بعد دخول دونالد ترامب لأول مرة الى البيت الأبيض، حين بدأ هذا النمط المتجذر للتدخل الأمريكي العميق في طيف واسع من المنظمات الدولية يتشقق ومن شأنه أن يتآكل اكثر فأكثر في عهد ولايته الثانية.
ان الايمان العميق للرئيس المنتخب هو أن مبدأ السيادة أهم باضعاف من مبدأ الامن الجماعي، وعلى الامة الامريكية ان تفك ارتباطها بالتدريج عن التزامها بحلفائها (بما في ذلك في أوروبا وفي آسيا). وهكذا يسعى ترامب لان يمتنع بكل بثمن عن انزلاق باهظ الثمن وخطير الى مواجهات ونزاعات لا تعرض للخطر الامن القومي بشكل مباشر وفوري. هذه السياسة تواصل بالتالي توجيه تفكيره الان أيضا، وبقوة اكبر.
ليس استعداد الولايات المتحدة في أن تؤدي في المستقبل أيضا دور لاعب المحور في هذه المنظمات تحمل معها، في نظر ترامب شارة ثمن اقتصادية لا تطاق بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، بل سيكون فيه ما يعطيها الشرعية حتى عندما تعمل بشكل متحيز، ومشوه تماما، مثل الموقف من إسرائيل.
محفز لتشديد الخط ضد اجسام دولية
هكذا، بذات القدر الذي لم يتردد فيه الرئيس ترامب في الانسحاب من منظمة اليونسكو ومجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة في 2018 في ضوء نهجهما المعادي لإسرائيل في كل جوانب النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، هكذا من المتوقع لـ “قرار لاهاي” ان يكون بالنسبة له المحفز والرافعة في مسار تشديد الخط تجاه هذه الاجسام وتجاه مؤسسات ودول أخرى تعمل بشكل تعسفي ومناقض بشكل قطبي لسياسته في المجال الإسرائيلي – الفلسطيني.
لقد كان الرد الاولي للرئيس المنتخب على هذا القرار المؤشر الأول، الذي يبشر بوضوح بما سيأتي. فترامب ليس فقط شجب “قرار لاهاي” بكلمات حادة للغاية بل تعهد باتخاذ خطوات عقابية ضد المدعي العام والقضاة في المحكمة.
من هذه الحالة الاختبارية يمكن أيضا أن نستخلص استنتاجات واسعة عن الرمز التشغيلي لادارة ترامب الثانية في الساحة العالمية والإقليمية. فالى جانب نهجه التجاري الذي يعتقد ان الحروب الطويلة تشكل عبئا باهظا وزائدا على الكاهل الأمريكي وبالتالي ينبغي ان تنهى بسرعة سواء حرب السيوف الحديدية ام المعركة في أوكرانيا، يوجد في منظومة معتقداته أيضا بعد قيمي عميق يعكس محبته لإسرائيل واصولها التاريخية، الثقافية والتراثية.
هذا البعث يتعاطى بشكل اصيل مع البعد الاستراتيجي، ذلك ان اضعاف إسرائيل ينطوي بالنسبة له على خط تعزيز قوة محافل الإرهاب التي على رأسها ايران. فرغم الرؤية الضيقة لترامب لمدى وهامش المصلحة القومية فانها تتضمن التزاما بتحدي هذه القوات التي تشكل تهديدا مباشرا ليس فقط على إسرائيل بل وأيضا على قوات، منشآت وقواعد أمريكية توجد في المجال الشرق اوسطي (وبخاصة في ضوء حقيقة ان ايران أصبحت دولة حافة نووية).
من هنا، تنعكس، بالتالي، بعض من الخطوط الهيكلية الأساس للإدارة التي على الطريق. المركزي منها، الناشيء عن تصميمه لانهاء الحرب في أوكرانيا بشكل فوري، هو استعداد للتعاون مع زعيم روسيا فلاديمير بوتين والمحاولة من خلال هذا التعاون لاقامة محور امريكي – روسي مشترك بهدف كبح التطلعات الإقليمية والمبادرات الاقتصادية العالمية لبيجين (لشدة المفارقة، في بداية السبعينيات اقام الرئيس نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر محورا أمريكيا صينيا ضد الكرملين).
لما كان ترامب ويبقى زعيما يتبنى الاتفاقات على أساس الاخذ والعطاء، فليس مستبعدا انه مقابل تسليم الولايات المتحدة بنزع مقاطع من الأراضي الأوكرانية بل وحتى استمرار حملة الاحتلال الروسي المحدود في شرق أوروبا، سيطلب من بوتين (بعد انهاء الحرب في أوكرانيا بالطبع) التأثير بشكل لاجم على طهران ووكلائها، بما في ذلك في مستوى التعاون الاستراتيجي والسياسي وكل ما يتعلق بهجماتها المتواصلة، المباشرة وغير المباشرة ضد إسرائيل.
كانعزالي جديد، فان مصير أوروبا ومستقبل الناتو لن يكونا في مركز وعيه، وبالتالي لن يؤثرا على قراراته. هذه القرارات ستنشأ في غالبيتها الساحقة من تطلعه للانطواء في المجال الأمريكي وممارسة التأثير اللاجم والضغط على دول مارقة كايران من خلال عقوبات وتهديدات حادة اكثر مما مارسه في عهد ولايته الأولى. وذلك على امل الا يكون مطالبا بان يخرجها الى حيز التنفيذ.
بعد ترسيم ترامب في 20 كانون الثاني 2025 سيكون ممكنا ان نرى اذا كانت أنماط السياسة هذه ومبادئها ستبدأ حقا في التحقق عمليا.
——————————————–
يديعوت احرونوت 25/11/2024
انشغلت حكومة إسرائيل بايقاع الأذى الاقتصادي بصحيفة هآرتس
بقلم: ناحوم برنياع
وقع أمس حدث استثنائي في حياتنا: حكومة إسرائيل اتخذت قرارا. وليس مجرد اتخذته – بل اتخذته بالاجماع. في الوقت الذي ملأت فيه عشرات الصواريخ من حزب الله، المنظمة التي هزمناها، وجه السماء ويركض فيه ملايين الإسرائيليين القلقين الى المجالات المحصنة، انشغلت حكومتنا في مسألة تقلق وزراءها حقا: كيف تخوزق اقتصاديا وسيلة إعلامية.
الوسيلة الإعلامية هي صحيفة “هآرتس”. وزير الاتصالات شلومو كرعي، بالتشاور مع نتنياهو، طرح على الحكومة مقترحا يقول ببساطة: الحكومة وكل الهيئات الممولة منها ستمتنع عن أي نشر في هذه الصحيفة ولن ترتبط بها باي طريقة. السبب المعلن: كلمتان في خطاب القاه الناشر والمالك لـ “هآرتس” عاموس شوكن في مؤتمر في لندن. شوكن دعا في خطابه إرهابيين فلسطينيين “مقاتلي حرية”.
اكثر مما يدل قرار الحكومة على الصحيفة وعلى ارائها، يدل على طبيعة الحكومة الحالية، قيمها ونواياها. سأصل الى هذا. في هذه الاثناء يخيل لي ان القاريء يتوقع مني شروحات: أولا ما هو رأيي عن تصريح شوكن؛ ثانيا، ما هو رأيي في صحيفة “هآرتس”.
جميل. اعتقد أن شوكن اخطأ مرتين: مرة في ان الناس الذين يقتلون عن عمد، بنية مبيتة، نساء، أطفال، غير مشاركين، ليسوا مقاتلي حرية – هم ارهابيون. هذا التشخيص حرج من ناحية أخلاقية كما أن له جوانب عملية. مرة ثانية، هي انه ليس التطلع الى الحرية هو الذي يحرك الإرهابيين. النظام الذي يسعون اليه هو اصولي إسلامي في حالة حماس، طغمة مالية ذات نزعة قوة في حالة تنظيم فتح. هؤلاء وأولئك يسعون الى استبدال الاحتلال باحتلال.
كُتّاب في “هآرتس” انتقدوا بحدة اقوال شوكن. وكان النقد لشرفهم وشرف الصحيفة. فقد عملوا مثلما عمل منتخب كبير من كُتّاب الرأي في “يديعوت احرونوت” بعد نشر التسجيل من محادثة نتنياهو ونوني موزيس. ليس لطيفا للصحافي ان يهاجم الناشر الذي يعيله وينشر على الملأ ثمار عمله. أحيانا لا مفر.
“هآرتس” تصل الى بيتي كل صباح مع “يديعوت”، في كيس نايلون واحد. صحيفتان مختلفتان وخير أن هكذا. كلتاهما تساهمان مساهمة هائلة في تثقيف الجمهور، في يقظته، في فهمه. هكذا أيضا هيئات الاعلام الأخرى، هيئة البث والهيئات التجارية. في إسرائيل الاعلام الحر هو مراقب الدولة، هو المعارضة، هو حامي الحمى: دوره حيوي. المسلسل التلفزيوني الذي يبث في الأسابيع الأخيرة عن ناشرين وحروبهم يفوت الامر الأساس: الاعلام الإسرائيلي افضل واهم بكثير من حروبه الداخليه. المجموع يفوق مساهمة كل جسم اعلامي على حده.
وزراء الحكومة الحالية لا يفكرون هكذا، وهذا حقهم. حكومات سابقة أيضا لم تحب الاعلام ولم ترضى عنه. الفارق هو بالافعال. عندما تنشر الحكومة والهيئات المستعينة بها إعلانات في “هآرتس” فانهم يقدرون بانه يوجد قراء ستجديهم المعلومات. الحكومة لا تصنع معروفا لهيئة إعلامية عندما تنشر فيها. هي تقدم خدمة للجمهور وتنفع نفسها وتنفع الدولة.
لكن وزراء الحكومة – بالاجماع – تعتقد خلاف ذلك. هم يتعاطون مع ميزانية وزاراتهم كامتياز اعطي لهم، كمال سياسي إضافي. والأخطر من هذا – يتعاطون مع ميزانية الدولة كوسيلة ابتزاز. اذا كنت تمجدهم فستحظى بميزانيات النشر. اذا كنت تنتقدهم فستفلس. مشروع الهدم الذي بدأ بهيئة البث ينتقل الان الى الصحف ومن هناك سيصل الى قنوات التلفزيون والإذاعة ومواقع الاخبار. هذا نجح في هنغاريا فلماذا لا ينجح في إسرائيل.
أو، للأسف، سيكبح القرار في الطريق، وعندها ستثبت مرة أخرى لقاعدتك بان محكمة العدل العليا والمستشارة القانونية هما العدو والدولة العميقة تتحكم بالدولة.
هذا خطير ومقلق لكنه مسلم أيضا. فتخيلوا حالة متطرفة: مسرح الكامري يطلب نشر اعلان عن مسرحية جديدة. بدون إعلانات، يعرف المسرح، ما تشترى البطاقات. لا، يقول الوزير كرعي. انت تتلقى مساعدة من هيئة حكومية، انت تقيد نفسك ببيع البطاقات لمشاهدي القناة 14 فقط. رفائيل تريد ان تعرض وظائف للمهندسين. لا ولا، سيأمر كرعي. المهندسون فقط في قنواتي.
كل شيء مرتبط. كرعي إياه يدفع قدما الان بقانون يمنح حصانة شاملة من المحاكمة لاعضاء الكنيست. لفين يؤيد. “كل الحيوانات متساوون”، كُتب في “مزرعة الحيوانات” لجورج اورويل. يأتي الخنازير ويضيفون جملة: “لكن توجد حيوانات تساوي اكثر”.
نتنياهو هو دب جريح، فزع، عدواني، منتقم وحاقد. مناجاة تسع دقائق ونصف نشرها في منتهى السبت جسدت لكل الإسرائيليين وضعه. الأيام التي حاول فيها لجم وزرائه محبي الهدم انقضت ولم تعد. القرار بشأن “هآرتس” لن ينتهي بـ “هآرتس”.
——————————————–
هآرتس 25/11/2024
لنتنياهو: “لاهاي” محقة.. يجب اعتقالك
بقلم: يونتان زايغن ويعقوب غودو وماعوز يانون
نحن الذين فقدنا أعزاءنا في 7 أكتوبر، نعترف بوجود مشاعر الغضب والألم التي تدفع أفراداً إلى أعمال ثأر.
مع ذلك، من غير المعقول، سواء قيمياً أم استراتيجياً، أن يصبح الثأر سياسة رسمية في دولة عندما تريد صياغة خطة عمل حربية. للأسف، وصلنا إلى لحظة يجب على مؤسسة دولية فيها قول ما هو واضح لنا منذ زمن: الوعود العبثية بالأمن أصبحت في ظل نتنياهو وحكومته إلى حملة ثأر تشمل جرائم حرب، وتجويعاً، وتطهيراً عرقياً، وفي موازاة ذلك توسيع المستوطنات في الضفة الغربية.
رئيس الحكومة والوزراء يصرحون ويعملون كل يوم بصورة تهدر دماء الإسرائيليين والفلسطينيين لصالح البقاء السياسي والأحلام المسيحانية. يبدو أن على المخطوفين والجنود وسكان غزة أن يموتوا. لماذا؟ لا إجابة صحيحة ومباشرة تصمد أمام امتحان الواقع.
قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي إصدار مذكرات اعتقال لنتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يعكس الأزمة الأخلاقية والقيادية داخل إسرائيل. سواء كانت هذه المذكرات محقة من ناحية قانونية أم لا، فمن الواضح أن قيادة لأكثر من سنتين تضر بجهاز القضاء والديمقراطية في إسرائيل، وامتنعت عن تحمل أقل قدر من المسؤولية، وترفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية لفحص الفشل في 7 أكتوبر، وتكم الأفواه بالعنف الممأسس على نوع من الانتقاد الداخلي من خلال وصف المنتقدين باليساريين الخونة، وتعتقد أن الانتقاد الخارجي لاسامية- إنما هي قيادة تستدعي التحقيق الدولي.
يجب فهم كيفية الثأر على موت أعزائنا الذين قتلوا، بل وكيفية خلق واقع مختلف لا يدفع فيه أحد مرة أخرى ثمناً باهظاً كهذا؟ الأطفال الجائعون في قطاع غزة لا يدفعون قدماً بهذا الواقع المأمول. الأطفال المذعورون في إسرائيل الذين تم إخلاؤهم، لا يدفعون قدماً بمستقبل أفضل. سياسة حكومة إسرائيل والسلوك العسكري في السنة الماضية لا تخلق الأمن ولا تمضي نحو هدف، باستثناء تغذية نفس دائرة الدماء والعنف وتوسيع السيطرة غير القانونية وغير المنطقية لدولة إسرائيل على كل الفضاء بين النهر والبحر.
نتنياهو، يجب أن تتوقف. عليك إنهاء الحرب الآن وإعادة المخطوفين إلى البيت في أسرع وقت، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وفتح قناة دبلوماسية لتسوية بعيدة المدى توفر الأمن الحقيقي لسكان إسرائيل.
باستثناء ذلك، فإن نشاطاتك تبرر أوامر الاعتقال ضدك. لأن أحداً ما يجب أن يوقف هذا الجنون.
——————————————–
هآرتس 25/11/2024
طلب تأجيل محاكمته بحجة “لاهاي”.. للمستشارة القانونية: إما الدولة أو نتنياهو
بقلم: أسرة التحرير
رفع رئيس الوزراء نتنياهو أمس إلى المحكمة المركزية في القدس طلباً إضافياً لتأجيل شهادته في قضية الآلاف في 2 كانون الأول. فقد رفع نتنياهو بواسطة محاميه طلباً “قصيراً أخيراً ومحدداً لمنع مس شديد بدفاعه”. هذه المرة، يتبين أن الحديث لا يدور عن اضطرارات الحرب، أو الخطر على حياته، مثلما في المرة السابقة، بل لأنه مطلوب في محكمة أخرى، في لاهاي، في موضوع جرائم الحكومة. نتنياهو الوحيد الذي يمكنه استخدام محاكمة ما تجري ضده كي يتملص من محاكمة أخرى.
التوجه الرسمي، المنمق والمؤدب، كفيل بأن يشوش من شاهد رئيس الوزراء يتهجم قبل يوم من ذلك على المحكمة والجيش الإسرائيلي، وعلى “الشاباك” وعلى شرطة إسرائيل. نتنياهو، الذي أقنع المحكمة بحجته في أنه لا تضارب بين مكانته كمتهم وبين منصبه كرئيس الوزراء، لا يخجل من استغلال التزاماته بصفته رئيساً للوزراء للتملص من واجبه كمتهم. كما أنه لا يخجل من استخدام قوته كرئيس وزراء كي يهدد – مباشرة أو غير مباشر – رئيسة الادعاء العام في محاكمته، المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهرب ميارا. واضح أن “السور الصيني” الذي وعد به، بين المتهم ورئيس الوزراء، قد انهار، ولا شك في أن رئيس الوزراء نتنياهو يتبع المتهم نتنياهو.
ابتداء من اليوم الذي وقف فيه نتنياهو على مدخل محاكمته محوطاً بإمعات وزارية تتزين بالأقنعة وتهجم على جهاز القضاء، دخل رئيس الوزراء عملياً في تضارب مصالح. من ذاك اليوم، بدأ التدهور.
حتى من يرون السواد، لم يتخيلوا أن تقود حكومته انقلاباً نظامياً يحيّد جهاز القضاء الذي تجرأ على محاكمته. وحتى الحرب التي تتواصل منذ أكثر من سنة، أخضعها نتنياهو لاعتباراته السياسية والقضائية. ما الذي نحتاجه أكثر كي نقتنع بأنه يعمل في تضارب مصالح وأنه يستخدم الحرب لتأجيل شهادته؟
إن ضغط نتنياهو بسبب “قضية فيلدشتاين” والتخوف من أن اقتراب النار منه هما اللذان تسببا بالتهجم الأخير على جهاز القضاء وعلى رئيس “الشاباك” رونين بار. لم يعد ممكناً المواصلة على هذا النحو. علينا ألا نخاف من رد نتنياهو أو رد مؤيديه الذين يهددون بأزمة دستورية بإخراجه إلى العجز.
إن تواصل ولاية نتنياهو معناها هدم كل أجهزة الدولة. لقد انتهك نتنياهو تسوية تضارب المصالح التي وقع عليها كشرط لتسويغ ولايته رئيساً للوزراء رغم كونه متهماً جنائياً. فإما أن تخرجه الدولة إلى العجز، أو أن يخرج هو الدولة إلى العجز. للمستشارة القانونية كل ما يلزم لتخرجه إلى العجز. حان الوقت.
——————————————–
الوهم الإسرائيلي بشأن ترامب
لماذا من غير المرجّح أن تنجح طموحات نتنياهو بشأن “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”؟
بقلم: شالوم ليبنر
مجلة “فورين أفيرز” الأميركية تنشر مقالاً للكاتب الإسرائيلي شالوم ليبنر، الذي خدم لدى سبعة رؤساء وزراء متعاقبين في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وتحدّث ليبنر عن أنّ خطط رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ستفشل، وأنّ الاعتماد الإسرائيلي على مساعدة الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب لتحقيق ذلك، هو وهم.
لم يكن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية ليأتي في وقت أفضل من هذا بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. والآن يرى نتنياهو وحكومته فرصة نادرة لإعادة تنظيم الشرق الأوسط بشكل شامل. إنّ “إسرائيل” تريد أن تتخلّص من وكلاء إيران في العراق وسوريا واليمن، وفي نهاية المطاف، القضاء على التهديد النووي للجمهورية الإسلامية. كما يطمح بعض أعضاء الائتلاف الحاكم الذي يرأسه نتنياهو إلى دفن احتمالات حلّ الدولتين إلى الأبد. وفي الوقت نفسه، يعتقد نتنياهو أنّ المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ستوافق في نهاية المطاف على التطبيع مع “إسرائيل”. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن رئيس الوزراء واثق من أنّ الولايات المتحدة ستدعمه.
ويُنظر في “إسرائيل” إلى ترامب باعتباره راعياً قوياً لـ “إسرائيل” وهو أقل اهتماماً بالمعايير والمؤسسات الدولية والحاجة إلى ضبط النفس. وعلاوة على ذلك، أرسل الرئيس المنتخب بالفعل خططاً لاستئناف حملة “الضغط الأقصى” على إيران وإعطاء الأولوية لتوسيع اتفاقيات “أبراهام”.
ولكن هذه الافتراضات، سواء فيما يتصل بما هو ممكن من خلال قوة السلاح أو مدى دعم البيت الأبيض لترامب مبالغ فيها بشكل كبير. ذلك أنّ النجاحات التكتيكية في ساحة المعركة، في غياب الترتيبات السياسية أو الدبلوماسية، لا يمكنها أن تجلب الأمن الدائم. وقد تجد “إسرائيل” نفسها غارقة في حروب ساخنة متعددة. وفي الوقت نفسه، فإن ترامب لا يمكن التنبؤ بتصرفاته إلى حد كبير، وقد تجد “إسرائيل” نفسها، بعد أن راهنت على دعمه، معزولة على الساحة العالمية. وفي سعيه إلى تحقيق النصر الدائم، قد يكتشف رئيس الوزراء أنه جعل وضع “إسرائيل” أكثر هشاشة.
جاءت المكاسب العسكرية التي حقّقتها “إسرائيل” خلال العام المنصرم، على حساب الاحتكاك المتزايد مع الولايات المتحدة. ورغم أنّ إدارة بايدن دعمت “إسرائيل” عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً، بما في ذلك أول زيارة على الإطلاق لرئيس أميركي إلى “إسرائيل” في زمن الحرب، فقد أظهرت استياء متكرراً من الطريقة التي تدير بها “إسرائيل” الحرب، وكان الرئيس الأميركي جو بايدن في كثير من الأحيان على خلاف مباشر مع نتنياهو. وكانت هناك صدامات مستمرة بسبب رفض حكومة نتنياهو التوصّل إلى وقف إطلاق النار، وإحجامها عن توسيع توزيع المساعدات الإنسانية في غزة. وبالنسبة لرئيس الوزراء، فإنّ فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس في الانتخابات ينبئ بمزيد من التوتر مع واشنطن، وربما حتى فرض قيود متزايدة على الدعم الأميركي لـ “إسرائيل”.
وعلى النقيض من ذلك، يتصوّر نتنياهو وحلفاؤه أن إدارة ترامب المقبلة ستجلب دعماً أميركياً غير مشروط لـ “إسرائيل”. لقد أعطى هذا الافتراض وقوداً جديداً للتطلّعات التوسّعية لليمين الإسرائيلي، الذي يأمل أنه بمجرد أن يقضي “الجيش” الإسرائيلي على خصومه، قد يدرك كل المعارضين عبثية محاولة هزيمة “إسرائيل”، ويسعون بدلاً من ذلك إلى تحقيق السلام معها. وسوف تعزّز “إسرائيل” قبضتها على الضفة الغربية.
تأمل حكومة نتنياهو أن تؤدي الحروب إلى دفع القوى الإقليمية الأخرى إلى التوصّل إلى تسوية دائمة مع “إسرائيل”. وهي تتصوّر أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سوف يقود مهمة الحكّام العرب والإسلاميين الذين يصطفون لتطبيع العلاقات. وبهذا الحساب، فإنّ ترامب، الذي زرع علاقات مثمرة مع السعوديين وجيرانهم في الخليج خلال إدارته الأولى، سوف يكون الورقة الرابحة في جعب “إسرائيل”.
ولكي نفهم لماذا تتمتع طموحات ائتلاف نتنياهو اليميني بهذه القوة في الوقت الحالي، فمن الضروري أن نفهم كيف ينظر الإسرائيليون إلى ترامب. ويتوقّع العديد من الإسرائيليين أنّ الإدارة الأميركية الجديدة، التي يديرها رجل أطلق عليه نتنياهو ذات يوم لقب “أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض”، سوف تدعم “إسرائيل” من دون قيد أو شرط. ويضيف ترشيح ترامب لفريقه في السياسة الخارجية من المدافعين الأشداء عن “إسرائيل”، مثل السيناتور ماريو روبيو لمنصب وزير الخارجية، والحاكم السابق مايك هاكابي سفيراً لـ “إسرائيل”، والممثلة إليز ستيفانيك سفيرة للأمم المتحدة، ثقلاً إضافياً إلى هذه الفكرة.
إلى جانب هذه الاعتبارات الخارجية، يتعرّض نتنياهو أيضاً لضغوط للاستجابة لرغبات ائتلافه، الذي من دون دعمه سيخسر منصبه. ومن بين أبرز هؤلاء الجوقة سموتريتش وبن غفير، الأيديولوجيان اليمينيان اللذان كان يُعتقد ذات يوم أنهما متطرفان للغاية بالنسبة للسياسة التقليدية، ويطالبان “إسرائيل” بالاستمرار في الضغط حتى يتمّ القضاء على جميع أعدائها. وفي غضون أسبوع من الانتخابات الأميركية، أعلن سموتريتش أنّ عودة ترامب تعني أنّ “عام 2025 سيكون عام السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة”، وهو التسمية للضفة الغربية. ولقد أصبح إصرارهم العنيد، الذي يتعايش مع غرائز البقاء السياسي لدى نتنياهو، عقبة مستمرة أمام أعضاء المؤسسة الأمنية الذين يفضّلون أن ينهي “الجيش” الإسرائيلي هجوماته.
القراءة الخاطئة لشعار “MAGA”
لكنّ نتنياهو وحلفاءه يقللون من شأن المشكلات العديدة التي تقوّض هذه الطموحات الكبرى. فمن ناحية، لن تختفي إيران وعملاؤها. وبالفعل، بدأت حماس وحزب الله واليمنيون في إظهار قدرتهم على الصمود وإعادة تنظيم صفوفهم. ولديهم قوة نيران متبقّية كبيرة ويظلون قادرين على قصف “إسرائيل” يومياً بمئات الصواريخ والصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار التي تقتل الإسرائيليين وتدمّر ممتلكاتهم. وحتى مع فشل هذه الجماعات في التغلّب على الدفاعات الجوية الإسرائيلية، فقد نجحت في إحداث فوضى عامة في “إسرائيل”، ودفعوا الإسرائيليين باستمرار إلى الملاجئ، وتعطيل تدفّق حياة الإسرائيليين. والأحلام بأنّ هذه الفصائل قد تستسلم على الفور هي أحلام خيالية.
والأمر الأكثر أهمية هو أنّ أيّ مخططات إسرائيلية عظيمة للمنطقة لن تتحقّق من دون مساعدة كبيرة من واشنطن. وفي وقت لم يكن فيه اعتماد “إسرائيل” على الولايات المتحدة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، تبدو الافتراضات الإسرائيلية حول رعاية ترامب الثابتة ساذجة.
فبعد كل شيء، أنهى ترامب ولايته الأولى بإلقاء الألفاظ النابية على نتنياهو، وقد قال بوضوح تامّ إنه لا يرغب في أن تستمر “إسرائيل” في الأعمال العدائية. عندما التقى الزعيمان في فلوريدا في تموز/يوليو، أخبر ترامب نتنياهو بإكمال الحرب قبل أن يغادر بايدن منصبه. إنّ مؤيدي بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية من بين أكبر مؤيّدي ترامب، ولكن قد يتمّ تذكيرهم قريباً بأنه لا يشعر بالتزام كبير تجاه أجندتهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ خطة “السلام من أجل الرخاء”، وهي خطة ترامب القصيرة الأجل للسلام الإسرائيلي الفلسطيني لعام 2020، قبلت إنشاء دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وهاجمها زعماء المستوطنين حينها بسبب “تعريض وجود دولة إسرائيل للخطر”.
قد تكون مواقف ترامب العامّة في السياسة الخارجية إشكالية بالقدر نفسه بالنسبة لـ “إسرائيل”. بعد أن قال الصحافيون في أيلول/سبتمبر،إنّه “علينا أن نعقد صفقة” مع طهران، وقال بعد شهر بأنه “سيوقف المعاناة والدمار في لبنان”. أيضاً، إنّ إحجامه المعلن عن المساهمة بقوات وأموال أميركية في الخارج يبشّر بتغيير كبير بالنسبة لـ “إسرائيل”، حيث نشر البنتاغون للتوّ بطارية صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية متطورة من طراز “THAAD” إلى جانب 100 جندي أميركي لتشغيلها. حتى لو لم يسحب ترامب الموارد التي أرسلها بايدن لـ “إسرائيل”، فإنّ ميوله الانعزالية قد تنذر بانخفاض الدعم في المستقبل، وبالتالي تقييد حرية “الجيش” الإسرائيلي في المناورة.
في الوقت عينه، إنّ القوى الدولية الأخرى تظهر قدراً أقلّ من الصبر تجاه العدوانية الإسرائيلية. فقد قامت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي لم تنضمّ إلى مظلة الدفاع الإسرائيلية في مواجهة الهجوم الصاروخي الثاني الذي شنّته إيران في تشرين الأول/أكتوبر، بتقييد صادرات الأسلحة إلى “إسرائيل”، مشيرةً إلى مخاوف بشأن الامتثال للقانون الدولي.
كما تدخّلت الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، في موضوع سلوك “إسرائيل” الحالي، بما في ذلك موافقة المحكمة الجنائية الدولية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر على مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة في غزة. وقد يكون لهذا الضغط الدولي المتزايد عواقب سلبية على الاستقلال العملياتي لـ “الجيش” الإسرائيلي، فضلاً عن قدرة الإسرائيليين على الانخراط في التجارة والسفر إلى الخارج.
إلى جانب هذه الاعتبارات، هناك الوضع الداخلي لـ “إسرائيل”. فبعد أكثر من عام من الحرب الشرسة، يدرك الجمهور الإسرائيلي المنهك أنّ أكثر من مئة رهينة ما زالوا مسجونين في غزة، وأن عشرات الآلاف ما زالوا نازحين عن ديارهم. كما أمضى جنود الاحتياط في “جيش” الدفاع الإسرائيلي مئات الأيام في زيهم العسكري، بعيداً عن أسرهم وسبل عيشهم. والغضب الذي يشعرون به تجاه أولئك الذين يتهرّبون من هذه المسؤولية، وخاصة المتدينين المتطرفين (الحريديم)، الذين يمثّلهم في الكنيست أعضاء رئيسيون في ائتلاف نتنياهو، واضح. وبالنسبة للعديد من أولئك الذين في الخدمة الفعلية، فإنّ الحماس لتنفيذ توجيهات الحكومة يتلاشى.
وفي الوقت نفسه، تورّط كبار موظفي نتنياهو في ابتزاز ضباط “الجيش” الإسرائيلي وتزوير البروتوكولات الرسمية للتغطية على مخالفات حكومية. كما وجّهت الاتهامات إلى أحد المتحدّثين باسمه بتعريض الأمن القومي للخطر للاشتباه في تزوير وتسريب معلومات استخباراتية سرية من أجل إضفاء الشرعية على تعنّت مجلس الوزراء بشأن صفقة الأسرى. والآن، بعد أن استنفد رئيس الوزراء نفسه كل سبل الاستئناف، يتعيّن عليه أن يواجه المحكمة في محاكمة فساد خاصة به. ومن المقرّر أن يدلي بشهادته قبل نهاية العام.
في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، أقال نتنياهو غالانت، الجنرال السابق والمحاور الإسرائيلي الأكثر ثقة لإدارة بايدن، واستبدله بسياسي يفتقر إلى المؤهلات العسكرية. ومن الواضح أنّ هذه الخطوة كانت سياسية بحتة، وكان المقصود منها استرضاء شركاء نتنياهو في الائتلاف من الحريديم، الذين هدّدوا بالانسحاب من الحكومة ما لم يتمّ التعجيل بإصدار تشريع لإعفائهم من الخدمة في “الجيش”، وهو القانون الذي يحتقره غالانت (إلى جانب جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي). إنّ الأولوية التي يمنحها نتنياهو للحفاظ على ذاته على حساب الأمن القومي والتماسك الاجتماعي تعمل بشكل متزايد على إحباط شريحة واسعة من السكان الذين يشكّلون العمود الفقري لجيش المواطنين والاقتصاد الحديث في “إسرائيل”.
الاصطدام بالواقع
تواجه “إسرائيل” خطراً حقيقياً، وسوف تعتمد قدرتها على إنهاء الصراعات الحالية بنجاح إلى حد كبير على كيفية إدارة نتنياهو للعلاقات مع الرئيس الأميركي القادم. وقد يكون ترامب أكثر استعداداً لاتباع غرائزه الأكثر ارتباطاً بالمعاملات التجارية. وسوف يحتاج نتنياهو إلى السير على حبل مشدود، والالتفاف على أي ضغائن قد لا يزال ترامب يحملها، والتحرّك بمهارة لتحقيق أهدافهما. ومن عجيب المفارقات أن العقبة الأشد صعوبة أمام نتنياهو قد تكون الأحزاب اليمينية نفسها التي تبقيه في السلطة.
في الوقت الحاضر، تخاطر القوات الإسرائيلية بالغرق بشكل أعمق في غزة ولبنان، وكلاهما، على الرغم من هيمنة “إسرائيل” العسكرية، يظهر علامات التحوّل إلى مستنقعات على غرار فيتنام. وقال حزب الله إنه سيهاجم “تل أبيب” مرة أخرى إذا استمرت “إسرائيل” في مهاجمة بيروت. وتعهّدت إيران بالانتقام العنيف رداً على “إسرائيل”. وفي الوقت نفسه، يفتقر “الجيش” الإسرائيلي إلى الجنود الجدد ولا يستطيع، في الوقت الحالي على الأقل، التغلّب على النقص المنهك في الذخيرة الهجومية والدفاعية من دون مزيد من المساعدة. وفي الوقت الحالي، لا يزال الأسرى في غزّة، ولا أحد يعرف على وجه اليقين عدد الذين على قيد الحياة، والنازحون غير قادرين على العودة إلى قراهم في الشمال، على الرغم من التوغل الإسرائيلي المستمر في لبنان.
ويبدو أنّ نتنياهو يريد وقف إطلاق النار كما يريد ترامب وبايدن. ووفقاً للتقارير، في أعقاب الانتخابات الأميركية، يعمل نتنياهو الآن جاهداً على التوصّل إلى وقف لإطلاق النار مع حزب الله، كهدية لترامب. ويبدو أنّ القيام بذلك الآن من شأنه أن يسمح لـ “إسرائيل” بتركيز جهودها على طهران. لكن أي خطوة من هذا القبيل من جانب نتنياهو ستواجه معارضة من جانب سموتريتش وبن غفير، اللذين يتدخّلان باستمرار في مفاوضات الأسرى، وقالا إنّهما سيطيحان برئيس الوزراء إذا وافق على أي هدنة. إنّ مناوراتهما لفرض السيطرة الإسرائيلية طويلة الأمد على غزة والضفة الغربية تتعارض مع أي جهود لتقليص بصمة “الجيش” الإسرائيلي في تلك المناطق وقد تضع “إسرائيل” نتنياهو على مسار تصادمي مع ترامب.
وسوف يشعر الرئيس المنتخب بالإحباط على نحو مماثل عندما يكتشف أنّ إحراز أيّ تقدّم مع المملكة العربية السعودية سيكون مستحيلاً، وربما طيلة مدة الحكومة الإسرائيلية الحالية. ولن يلتزم سموتريتش وبن غفير أبداً بدفع الحد الأدنى من الثمن الذي تطالب به الرياض، أيّ نوع من المسار إلى الدولة الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، قد لا يكون لدى المملكة العربية السعودية ميل يذكر لاستعداء إيران، كما يتضح من الاستقبال الودي الذي حظي به وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي من قِبَل الدول العربية، بما في ذلك الأردن ومصر وقطر وعمان، فضلاً عن المملكة العربية السعودية.
ولن يكون أمام نتنياهو خيار آخر سوى قراءة الأوراق بشكل صحيح. فهو يحتاج إلى اغتنام الفرصة ووقف حروب “إسرائيل” قبل أن تبدأ في خلق خلاف مع ترامب. وإذا اختار رئيس الوزراء بدلاً من ذلك إضاعة الوقت، فسوف يواجه المهمة المستحيلة المتمثّلة في محاولة إرضاء ترامب، وفي الوقت نفسه استرضاء سموتريتش وبن غفير، وينبغي لـ “إسرائيل” أن تستعدّ لمزيد من الاضطرابات في المستقبل.
——————انتهت النشرة——————